كتاب الحج (للشاهرودي) المجلد 3

اشارة

نام كتاب: كتاب الحج

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى

تاريخ وفات مؤلف: 1394 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 5

ناشر: مؤسسه انصاريان

تاريخ نشر: ه ق

نوبت چاپ: دوم

مكان چاپ: قم- ايران

مقرر: شاهرودى، ابراهيم جناتى

تاريخ وفات مقرر: ه ق

ملاحظات: اين كتاب از روى نسخه اى كه در سال 1381 ه ق در چاپخانه قضاء در نجف اشرف به چاپ رسيده افست شده است

الجزء الثالث

[شرح كتاب الحج من شرائع الإسلام]

[الركن الثاني في أفعال الحج]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على خير خلقه: محمد و آله الطاهرين

[القول في الإحرام]
[القول في التروك]
اشارة

و يلحق بذلك القول في تروك الإحرام، و هي: محرمات، و مكروهات، فالمحرم عشرون شيئا (1).

[أما المحرمات]
اشارة

كتاب الحج

(1) قد اختلفت آراء الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في مقدار المحرمات على المحرم على أقوال: (الأول): ما أفاده المصنف- قدس سره- هنا من أنها: عشرون شيئا (الثاني): ما ذهب اليه صاحب الدروس- رحمه اللّه تعالى- من كونها: ثلاثة و عشرين شيئا على ما نقل في الجواهر. (الثالث): ما ذهب إليه العلامة- طاب ثراه- في المنتهى من كونها ثمانية عشر، على ما نقل في كشف اللثام (الرابع): ما أفاده صاحب النافع من كونها: أربعة عشر، و هو المحكي عن العلامة في التبصرة. و لكل واحد من هذه الأقوال وجه، و سيظهر لك ذلك- ان شاء اللّه تعالى- في آخر هذا المبحث.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 9

[صيد البر]

صيد البر اصطيادا و أكلا و لو صاده محل. و اشارة و دلالة و إغلاقا و ذبحا (1)

(1) لا ينبغي الإشكال في ذلك. و هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قديما و حديثا، و في المدارك: (هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب) و في الجواهر: (بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه) و نحوه ما في المستند، بل في المنتهى: (أنه قول كل من يحفظ عنه العلم). و في كشف اللثام:- بإجماع المسلمين- و يشهد لذلك- مضافا إلى اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً «1» (بناء على كون حذف متعلق التحريم دالا على عموم ما يتعلق به الحرمة- من القتل، و الإشارة، و غيرهما- و أما قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «2» فيختص بالقتل و لا يشمل الدلالة و الإشارة و غيرهما-

كما لا يخفى- و الاخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- في المقام- منها:

1- صحيح الحلبي، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: قال: «لا تستحلن شيئا من الصيد و أنت حرام، و لا و أنت حلال في الحرم، و لا تدلن عليه محلا و لا محرما فيصطاده و لا تشر اليه فيستحل من أجلك فإن فيه فداء لمن تعمده» «3».

2- خبر عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «و اجتنب في إحرامك صيد البر كله، و لا تأكل ما صاده غيرك، و لا تشر اليه فيصيده» «4» 3- خبر عثمان عن ابن شجرة، عمن ذكره، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في المحرم يشهد على نكاح محلين؟! قال: «لا يشهد» ثم قال: «يجوز للمحرم أن يشير بصيد

______________________________

(1) سورة المائدة- الآية: 98

(2) نفس المصدر- الآية: 97

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 1 من أبواب: تروك الإحرام، الحديث: 1 و قد ورد أيضا في الباب: 17 من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث: 1

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 1 من أبواب: تروك الإحرام، الحديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 10

..........

على محل؟! «1». بناء على أن هذا الاستفهام إنكاري- كما افاده الشيخ و الصدوق- قدس سرهما- بمعنى أنه: إنكار و تنبيه على أنه لا يجوز.

4- صحيح معاوية بن عمار، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تأكل من الصيد و أنت حرام؛ و ان كان أصابه محل» «2» و في آخر عنه: «و ان صاده حلال».

5- صحيح منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (رجل أصاب من صيد أصابه محرم و هو حلال؟). قال: «فليأكل منه الحلال؛ و ليس عليه شي ء إنما

الفداء على المحرم» «3».

6- ما في الصحيح عنه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «المحرم لا يدل على الصيد؛ فان دل عليه فقتل فعليه الفداء» و رواه الشيخ بإسناده عن ابن أبى عمير الا أنه ترك لفظ: [فقتل] في موضع و ذكره في آخر. و رواه أيضا بإسناده عن محمد بن يعقوب «4».

7- صحيح معاوية بن عمار؛ عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تأكل من الصيد و أنت حرام، و ان كان أصابه محل؛ و ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد، فان عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد» «5».

8- صحيح أبى نصر عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام قال: (سألته عن المحرم

______________________________

(1) الوسائل: 2- الباب- 1 من أبواب: تروك الإحرام، الحديث 8

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 2 من أبواب: تروك الإحرام، الحديث 3.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 3 من أبواب تروك الإحرام: الحديث 1.

(4) الوسائل: 2- الباب- 1 من أبواب: تروك الإحرام، الحديث 8 و روى أيضا في الباب 17 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها، الحديث 2

(5) الوسائل ج 2- الباب- 21- من أبواب: كفارات الصيد و توابعها، الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 11

..........

يصيب الصيد بجهالة؟؟) قال: «عليه كفارة» قلت: (فإن أصابه خطأ؟) قال: «و أي شي ء الخطاء عندك»؟ قال: ترمى هذه النخلة فتصيب نخلة أخرى فقال: «نعم هذا الخطاء؛ و عليه الكفارة»؛ قلت: (فإن أخذ طائرا متعمدا فذبحه و هو محرم؟) قال «عليه الكفارة» قلت: جعلت فداك أ لست قلت:

ان الخطاء و الجهالة و العمد: ليسوا بسواء فبأي شي ء ينفصل (يفضل- خ ل) المتعمد: الجاهل، و الخاطي؟! قال: «انه اثم و لعب بدينه» «1».

9-

صحيح معاوية بن عمار» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «ما وطئته أو وطئته بعيرك و أنت محرم فعليك فداؤه» و قال: «اعلم أنه ليس فداء شي ء أتيته و أنت محرم جاهلا به إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك إلا الصيد، فان عليك الفداء بجهالة كان أو عمد» «2» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- في المقام الدالة على المطلوب، فيحرم على المحرم صيد البر أكلا و اصطيادا، و دلالة، و اشارة من دون فرق في هذا الحكم بين كون الدلالة و الإشارة جليتين و خفيفتين، و لو بإطالة النظر اليه بقصد الدلالة عليه، أو الضحك مشيرا به اليه، أو بإتيان فعل ليتفطن له غيره فيقتله؛ إلى غير ذلك من أنحاء الدلالات و الإشارات الخفية.

ثم أن تنقيح البحث في هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(إحداها): أن حرمة الدلالة و الإشارة المزبورتين ليست من باب المسبب التوحيدي. ضرورة: أن ضابطه- و هو: عدم توسط فعل فاعل مختار بين الفعل و النتيجة؛ كإرسال الماء إلى دار لهدمها؛ و إرسال كلب الى حيوان لصيده

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 31- من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 2.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 31- من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 12

..........

لترتب الانهدام و الصيد على إرسال الماء و الكلب بدون توسط إرادة فاعل مختار بينهما و بين الإرسال- لا ينطبق على المقام؛ لتوسط فعل الصائد المختار بين الدلالة و الإشارة، و الصيد بل حرمتهما إنما هي لأجل دخلهما الاعدادى في الاصطياد كما هو ظاهر بعض النصوص المتقدمة.

(ثانيتها): أن ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم:

«و لا تدلن عليه محلا؛ و لا محرما فيصطاده؛ و لا تشر اليه فيستحل من أجلك» و قوله عليه السّلام في صحيح منصور بن حازم المتقدم: «المحرم لا يدل على الصيد فان دل عليه فقتل فعليه الفداء». و قوله عليه السّلام في خبر عمر بن يزيد: «و لا تشر اليه فيصيده».

هو عدم خصوصية للدلالة و الإشارة في الحكم بل المدار على الإعانة على الصيد بأي فعل كان؛ لتفريع الاصطياد في جملة من هذه النصوص على الإشارة و الدلالة و من المعلوم أن ظاهر مثل هذا التعبير: هو حرمة كل فعل له دخل و لو بنحو الاعداد في الاصطياد- و هذا نظير قول الطبيب للمريض: [لا تأكل الغذاء الفلاني فيزيد مرضك] لظهوره في النهي عن أكل و شرب كل ما يوجب ازدياد المرض- و عليه فالتعدي عن الإشارة و الدلالة المذكورتين في النصوص الواردة في هذا المقام إلى غيرهما من كل فعل له دخل إعدادي في الاصطياد: ليس من تنقيح المناط حتى يورد عليه: بعدم إمكانه في الشرعيات؛ و غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم؛ و هو لا يغني من الحق شيئا؛ و ذلك لعدم الإحاطة بالملاكات و موانعها فيكون مندرجا في القياس المسدود بابه؛ و الممنوع استشمامه. و الوجه في عدم كون التعدي في المقام من باب تنقيح المناط بناء على ما ذكر واضح؛ فتدبر.

و من هنا ظهر؛ أنه لو نوقش في دعوى صاحب الجواهر و غيره من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم-: الإجماع على حرمة مطلق الإعانة على الصيد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 13

..........

بكل فعل تحقق به و لو بالإغلاق: بعدم ثبوت الاتفاق أو احتمال كونه مدركيا فلا عبرة به؛ لان

المعتبر منه هو التعبدي دونه؛ ففيما ذكرناه من الظهور العرفي غنى و كفاية؛ فتدبر.

(ثالثتها): أن ظاهر النصوص المتقدمة و مقتضى الأصل: عدم حرمة الدلالة و الإشارة و غيرهما من الأفعال الدخيلة في الصيد إذا لم يترتب عليهما ذلك- كما إذا أشار الى الصيد و لم يكن هناك أحد يلتفت إلى إشارته حتى يترتب عليها الاصطياد؛ و كذا إذا أشار الى من لا يريده؛ أولا يفيده لأجل علمه به؛ أو لعدم تمكنه منه.

(رابعتها): أن الإشارة أخص من الدلالة- كما أفاده صاحب المدارك- قدس سره- لصدق الدلالة على الكتابة و غيرها، و اختصاص الإشارة بالإشارة الخارجية المتحققة بعضو من أعضاء البدن «كاليد، و العين و الرأس» أو بغيره- كالإشارة بالعصا- و التعرض للنسبة بين الدلالة و الإشارة بعد ما عرفت من إناطة الحرمة بمطلق الإعانة على الصيد و لو بغير الدلالة و الإشارة غير مهم.

(خامستها): أنه لا فرق في حرمة الإعانة على الصيد على المحرم بين كون المعان محرما و محلا؛ لتصريح بعض النصوص المتقدمة بذلك؛ و إطلاق الآخر في صحيح معاوية بن عمار: (و لا تدلن عليه محلا و لا محرما فيصطاده) و في خبر عمر بن يزيد: (و لا تشر اليه فيصيده) فعليه لو دل المحرم محلا على الصيد كان حراما.

«فرع: ينبغي التنبيه عليه» ثم أن هنا فرعا ينبغي التنبيه عليه و لم يتعرضه المصنف- طاب ثراه- و هو انه: هل يختص الحكم المذكور- و هو الحرمة- بالصيد المحلل الأكل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 14

..........

أو يعم المحرم الأكل؟؟؛ قد نسب إلى الأكثر اختصاص الحكم بالحيوان المحلل الأكل؛ و هو المحكي عن المفاتيح على ما حكاه النراقي- رحمه اللّه تعالى- في المستند، حيث قال

في ذيل المسألة الثالثة من مباحث تروك الإحرام: [ثم أنه قد خالف هنا جماعة في الصيد المحرم أكله، بل عن المفاتيح حكى عن الأكثر، فقيدوا الصيد المحرم: بالمحلل من الممتنع، فجوزوا صيد كل ما لا يؤكل، أما مطلقا لطائفة، أو باستثناء: الأسد، و الثعلب، و الأرنب، و الضب، و اليربوع و القنفذ، و الزنبور، و الغطاية فحرموا صيدها أيضا كجماعة استنادا إلى عدم وجوب الكفارة في غير المأكول سوى الثمانية]. و ما يمكن أن يستدل به على ذلك وجوه:

(الأول)- الإجماع. و (فيه): على فرض ثبوته أنه قد تكرر منا مرارا:

أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام لا المدركى، و في المقام يحتمل أن يكون مدركيا، لاحتمال استناد المجمعين في ذهابهم إلى اختصاص الحكم: بالمحلل الأكل إلى ما سنذكره من الوجوه، فلا يمكن الاعتماد عليه، إذا العبرة حينئذ بالمدرك إن تم.

(الثاني)- منع صدق الصيد على المحرم الأكل. و (فيه)- مضافا إلى عموم اللغة-: منع اختصاص صدق الصيد بمحلل الأكل منه- لقولهم:

(سيد الصيد: الأسد) و ما قال به الشاعر: (ليت تردى زبية [1] فاصطيدا) و ما نسب إلى مولانا أمير المؤمنين على عليه السّلام من قوله: [صيد الملوك ثعالب و أرانب. و إذا ركبت فصيدي الأبطال]. لصدق الصيد على الجميع. و يدل على ذلك قوله تعالى لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «1».

______________________________

[1] الزبية (بضم الزاء): حفيرة لصيد السباع.

______________________________

(1) سورة المائدة:- الآية 97.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 15

..........

و قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي: (لا تستحلن شيئا من الصيد و أنتم حرام. إلخ «1» و ما في صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في حديث.

(اتق قتل

الدواب كلها إلّا الأفعى، و العقرب، و الفأرة، فأما الفأرة توهي السقاء و تضرم على أهل البيت، و أما العقرب فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مد يده إلى الحجر فلسعه فقال: (لعنك اللّه لا برا تدعينه و لا فاجرا) و الحية إن أرادتك فاقتلها، و أن لم تكن تردك فلا تردها، و الأسود الغدر فاقتلها على كل حال، و ارم الغراب و الحدأة رميا على ظهر بعيرك «2» في النهاية و السرائر: «لا يجوز قتل شي ء من الدواب» ثم استثناء ما يخافه على نفسه.

(الثالث)- قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً «3» ب (دعوى): ظهورها في خصوص حرمة محلل الأكل- و احتمل:

تبادر ذلك منه صاحب كشف اللثام- قدس سره- و أيده بأصالة الحل و البراءة- تقريب الاستدلال بها: هو أن الصيد يطلق على الحيوان المصطاد و من الواضح: أن تحريم كل شي ء ظاهر عرفا في تحريم أوضح منافعه و أظهر تقلباته و آثاره، فيراد من حرمة الصيد على المحرم المستفاد من هذه الآية الشريفة حرمة أكله له- كما إذا قال: «يحرم الملبوس» يراد منه حرمة لبسه و: «يحرم الميتة» يراد منه حرمة أكله؛ فلا يعم الحكم: المحرم الأكل، لأن ما لا يؤكل لحمه حرام على كل أحد أكله مطلقا، في حال الإحرام، و في غير حال

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 17 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها، الحديث 1 و في الباب 1 من أبواب تروك: الإحرام، الحديث 1

(2) الوسائل: ج 7- الباب- 81 من أبواب: تروك الإحرام، الحديث 2.

(3) سورة المائدة: الآية 98.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 16

..........

الإحرام، و لا وجه لاختصاص ذلك بالمحرم، فمن التقييد الذي

وقع في منطوق الآية الشريفة- و هو قوله تعالى مٰا دُمْتُمْ حُرُماً- يستكشف اختصاص الحكم بمحلل الأكل و إلا كان التقييد به مستلزما للغوية- كما لا يخفى- و (فيه):- مضافا إلى إمكان المناقشة فيها ب (دعوى): ظهور الآية الشريفة في حرمة خصوص الأخذ و الاستيلاء فلا يثبت بها الحرمة لخصوص محلل الأكل- منع كون المراد من الآية الشريفة هو حرمة الأكل، لكونه أظهر الآثار فإنه إنما يكون كذلك لو كان الصيد الواقع فيها بمعنى المصيد، و أما إذا كان بمعنى الاصطياد كما هو الظاهر منها فلا يبقى مجال لما ذكر في تقريب الاستدلال.

فعلى هذا يمكن التمسك بإطلاقها لحرمة الصيد الغير المحلل الأكل- كما لا يخفى- فإذا ظهر ضعف ما احتمله صاحب كشف اللثام- قدس سره- من التبادر.

و أما (دعوى): انصراف الأدلة عن المحرم الأكل ففيه: أنه لا انصراف في البين أولا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا. فلا عبرة به في تقييد الإطلاق لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي هو الضابط في الانصراف الصالح للتقييد.

(الرابع)- ما استند اليه بعض في اختصاص الحكم بمحلل الأكل من عدم وجوب الكفارة في غير مأكول اللحم. و (فيه) أن مجرد عدم ثبوت ذلك في غير المحلل الأكل لا يدل على جواز صيده، لعدم ثبوت التلازم بين عدم لزوم الكفارة و بين عدم التحريم مطلقا. لعدم نهوض دليل على كونها من لوازم الحرمة حتى يكون عدم وجوب الكفارة دليلا على عدم الحرمة، كما لا يخفى.

ان قلت: أنه يمكن استفادة التلازم بينهما من سياق قوله تعالى وَ مَنْ

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 17

قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ «1» و من إطلاق قوله عليه السّلام في ذيل

صحيح الحلبي المتقدم: «فان فيه فداء لمن تعمده» و ما في ذيل صحيح ابن حازم: (و إنما الفداء على المحرم) أما استفادة ذلك من الآية الشريفة فلان مقتضى ظاهر قوله تعالى [فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ] هو اختصاص حرمة الصيد بما كان فيه جزاء بالمثل و ليس ذلك إلا في محلل الأكل، إذ لا يتصور الفداء بالمثل في محرم، الأكل لعدم ماليته فعليه يختص الحكم بمحلل الأكل، فيحرم هو دون غيره، و أما استفادة ذلك من الصحيحتين، فلان مفادهما- كما ترى- ثبوت الفداء في كل ما تعلق به النهى. قلت: أن غاية ما في الباب هو ثبوت التلازم بين الكفارة و التحريم في محلل الأكل. و ب (عبارة أخرى) يدل الدليل على الملازمة بين الحرمة و الكفارة في مورد خاص و هذا لا ينافي ثبوت الحرمة في غير ذلك المورد- و هو غير محلل الأكل- لاخبار آخر، كصحيح معاوية بن عمار المتقدم الدال على حرمة قتل الدواب كلها إلا ما استثنى منها فيحكم بحرمة صيد محرم الأكل أيضا من جهة نصوص آخر بدون الكفارة، كما في بعض أصناف الحيوان المحرم الأكل، أو معها كما في بعضها الآخر، لما ورد فيها من اخبار خاصة دالة على ثبوت الجزاء في بعض أفراد محرم الأكل منها ما في خبر أبى سعيد المكاري الوارد في قتل الأسد قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام (رجل قتل أسدا في الحرم؟) قال: عليه كبش يذبحه «2» و قد حمل ذلك على من لم يرد قتله.

و (منها) ما ورد من الأخبار الواردة في قتل الأرنب و الثعلب كصحيح البزنطي عن أبى الحسين عليه السّلام قال (سألته عن محرم أصاب أرنبا أو

ثعلبا؟ فقال: (في

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 97.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 39 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 18

..........

الأرنب دم شاة» «1». و صحيح ابن مسكان عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (عن الأرنب يصيبه المحرم؟؟) فقال: «شاة هَدْياً بٰالِغَ الْكَعْبَةِ» «2» و خبر على بن حمزة، عن أبى بصير؛ قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (عن رجل قتل ثعلبا؟) قال: «عليه دم» قلت: (فأرنبا؟) قال: «مثل ما في الثعلب» «3». و رواه الشيخ- قدس سره- بإسناده عن محمد بن يعقوب. و رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن البزنطي عن على بن أبي حمزة مثله، الا أنه قال: (عن محرم). الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام.

و ما ورد من الاخبار الواردة عنهم عليهم السّلام في كفارة قتل الزنبور عمدا، كصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته: (عن محرم قتل زنبورا؟) قال: «ان كان خطأ: فليس عليه شي ء» قلت: (لا بل متعمدا؟) قال: «يطعم شيئا من طعام». قلت: (أنه أرادني؟) قال: «ان أرادك فاقتله» «4» و صحيح صفوان عن معاوية قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (عن محرم قتل زنبورا؟) قال: «ان كان خطأ. فلا شي ء عليه». قلت: (بل تعمدا؟) قال: «يطعم شيئا من الطعام» «5» و نحوهما غيرهما من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- في هذا المقام.

و ما ورد من ثبوت الكفارة في قتل: [اليربوع و القنفذ، و الضب] و هو: ما عن موسى بن القسم، عن الحسن بن محبوب عن على بن رئاب، عن مسمع عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

[في اليربوع، و القنفذ، و الضب] إذا أصابه المحرم

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 4 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 1.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 4 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 2.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 4 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 4.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 8 من أبواب كفارات الصيد أو توابعها، الحديث 1

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 8 من أبواب كفارات الصيد أو توابعها، الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 19

و لو ذبحه كانت ميتة حراما على المحل و المحرم (1)

فعليه جدي، و الجدي خير منه، و انما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا؛ عن سهل بن زياد، عن الحسن محبوب، عن على بن رئاب، عن مسمع بن عبد الملك عن أبى عبد اللّه عليه السّلام و عن محمد بن يحيى، و عن أحمد بن محمد، عن ابن أبى عمير، عن أحمد بن على، عن مسمع، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام مثله الا أنه قال: (و ان جعل عليه هذا لكي ينكل عن صيد غيره) «1» فظهر بما ذكرنا عدم إمكان اختصاص حرمة الصيد بمحلل الأكل منه بالملازمة بين الكفارة و الحرمة؛ فعلى هذا لا يبقى مجال للقول بان مقتضى ظاهر الآية الشريفة اختصاص حرمة الصيد بما فيه الفداء بالمثل؛ و هو ليس إلا في محلل الأكل لعدم ثبوته في غيره و ذلك لان إثبات اختصاص الجزاء المذكور- و هو ثبوت الفداء بالمثل بالحيوان المحلل الأكل- لا ينفي ما عداه، فيقال: أن محلل الأكل يختص بالحرمة مع الجزاء الخاص للآية الشريفة المتقدمة، و

غير محلل الأكل بغير الجزاء الخاص؛ فعليه يقال: ان المصيد أن كان محلل الأكل؛ فعليه جزائه بمثله من النعم، و أن كان محرم الأكل فعليه جزاءه بغيره مما عين ذلك في الاخبار و الروايات الواردة عن الأئمة- عليهم السّلام. و هذا بالنسبة إلى ما ورد الجزاء في صيدها؛ و أما بالنسبة إلى ما لم يرد الجزاء فيه فيثبت حرمته له بالأخبار الناهية عن قتل الدواب، و قد تقدم ذكر بعضها سابقا، و قد تحصل من جميع ما ذكرناه: حرمة الصيد على المحرم مطلقا- سواء كان مما يوكل لحمه أو من غيره فتدبر.

(1) لا ينبغي الإشكال في ذلك و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قديما و حديثا. و في المدارك: (أنه المشهور بين الأصحاب، بل قال في المنتهى: «أنه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 6 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها، الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 20

..........

قول علمائنا أجمع»). و في كشف اللثام في شرح قول العلامة- رحمه اللّه عليه-:

[فيكون ميتة] قال: (كما في الخلاف، و السرائر، و المهذب و النافع، و الشرائع و الجامع؛ و فيه: أنه كذبيحة المجوس؛ و في التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه. و في النهاية؛ و المبسوط، و التهذيب و الوسيلة. و الجواهر: انه كالميتة) و قال في الجواهر (بل هو المشهور شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف فيه). و يدل على ذلك- مضافا إلى اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- خبر وهب، عن جعفر؛ عن أبيه عن على عليه السّلام قال: «إذا ذبح المحرم الصيد: لم يأكله الحلال و الحرام؛ و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد في الحرم، فهو ميتة؛ حلال ذبحه، أو حرم»

«1». و خبر محمد بن الحسن الصفار عن الحسن بن موسى الخشاب، عن إسحاق؛ عن جعفر عليه السّلام أن عليا عليه السّلام كان يقول: «إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة؛ لا يأكله محل و لا محرم؛ و إذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة؛ لا يأكله محل و لا محرم» «2».

ان قلت: إن في الخبرين قصور من حيث السند؛ أما (في الأول): فلاشتراك وهب الراوي بين الضعيف و غيره. و أما (في الثاني): فلأن من جملة رجالها الخشاب و هو غير ممدوح مدحا يعتد به؛ فعلى هذا لا يمكن إثبات حرمة ذبيحة المحرم في غير الحرم على المحل و المحرم بهما. قلت: ان هذين الخبرين و ان كانا ضعيفين من حيث السند، إلا أن ضعفهما منجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بمضمونهما فلا يصغى إلى المناقشة فيهما بضعف السند بعد الانجبار المزبور الموجب للاطمئنان و الوثوق بصدورهما من المعصوم عليه السّلام الذي هو مناط الحجية، و لا تهافت بين ذلك و بين ما اخترناه في الأصول من عدم حجية الشهرة العملية بنفسها، لانه قد تكرر

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 10 من أبواب تروك الإحرام، الحديث: 4

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 10 من أبواب تروك الإحرام، الحديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 21

..........

منا مرارا في الأصول: أن المدار في اندراج الخبر تحت دليل الاعتبار هو الوثوق و الاطمئنان الحاصل تكوينا بعملهم على طبقهما. أما القول: بأنه يمكن أن يكون اعتمادهم في مقام العمل و الحكم بحرمة ذبيحة المحرم على المحل و المحرم بغير هذين الخبرين:

ف (مدفوع): بكون احتمال اعتمادهم في مقام العمل على رواية كانت معتبرة عندهم و

لم تصل إلينا في غاية الضعف مع شدة اهتمامهم بحفظ الاخبار، و ضبطها. فلو كان اعتمادهم في مقام العمل على خبر صحيح: لبينوه لعدم الداعي لهم إلى إخفائه و عدم نشره، بل كان دأبهم و ديدنهم على العكس- من الكتب، و النشر، فمن عدم بيانهم يستكشف عدم وجوده فبذلك يحصل الاطمئنان بان اعتمادهم في مقام العمل لم يكن إلا بهما. فالمناقشة فيهما- بعد ذلك- في غير محله مضافا إلى أن الخبر الثاني: ليس بضعيف لانه و ان كان من جملة رجالها: الخشاب إلا أنه: إمامي، و عده بعض من الثقات، و عده بعض آخر من الحسان و يمكن أن يقال بتأييد الخبرين بوجوه.

(الأول)- ما ورد من الاخبار الآمرة بدفن مذبوحه- منها:

1- ما رواه محمد بن أبى عمير، عن خلاد السري، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في رجل ذبح حمامة من حمام الحرم)؟ قال: «عليه الفداء». قلت: (فيأكله؟) قال: «لا» قلت: (فيطرحه؟) قال: «إذا طرحه فعليه فداء آخر». قلت:

(فما يصنع به؟) قال: «يدفنه» «1» وراه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن ابن أبى عمير، عن خلاد و رواه في العلل عن أبيه، عن على بن إبراهيم، عن ابن أبى عمير عن خلاد. و رواه الكليني طاب ثراه- عن على بن إبراهيم.

______________________________

(1) الوسائل: ج- الباب- 55 من أبواب: كفارا للصيد و توابعها، الحديث 1.

و قد ورد أيضا في الباب 10 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 22

..........

2- ما عن أبي أحمد- يعني ابن أبى عمير- عمن ذكره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

قلت له: (المحرم يصيب الصيد فيفديه، أ يطعمه أو يطرحه؟) قال «إذا يكون عليه فداء آخر»: فقلت: (فما

يصنع به؟) قال «يدفنه» و رواه الصدوق مرسلا و كذا رواه في المقنع «1» 3- ما عن محمد أبى الحكم قال: قلت لغلام لنا: (هيئ لنا غداءنا، فأخذ لنا أطيارا فذبحها و طبخها. فدخلت على أبى عبد اللّه عليه السّلام؟) قال: «ادفنهن و افد عن كل طير منهن» «2». و رواه الكليني- طاب ثراه- عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبى نصر عن مثنى بن عبد السّلام مثله الا أنه قال:

(أطيارا من الحرم).

4- حسنة معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام. «إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم؛ و هو محرم، فإنه ينبغي له أن يدفنه و لا يأكله أحد. و إذا أصاب في الحل فان الحلال يأكله، و عليه الفداء» «3». و لكن التحقيق: انه لا يمكن جعل هذه الأخبار تأييدا للخبرين المتقدمين- و هما خبرا: وهب و حسن بن موسى الخشاب. الدالين على ان ذبيحة المحرم ميتة حرام على المحل و المحرم، و ذلك لإمكان المناقشة و الاشكال في جميعها. أما (في الخبر الأول، و الثاني): فلإيمائهما على جواز الإطعام منه مع الالتزام بفداء آخر، فان قوله عليه السّلام فيهما: « (إذا كان عليه فداء آخر)». معناه أنه إذا طرحه أو إذا أطعمه يثبت عليه فداء آخر، ففيه إيماء إلى جواز الإطعام به مع الالتزام بفداء آخر. و أما (في الثالث) فلأن الحسنة

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 55، من أبواب كفارات الصيد و توابعها، الحديث 2 و قد ورد أيضا في الباب 10 من أبواب: تروك الإحرام الحديث 3.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 55، من أبواب كفارات الصيد و توابعها، الحديث 3

(3) الوسائل:

ج 2- الباب- 3 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 23

..........

لا تصلح لأن تكون مؤيدة لهما إذا كان المراد من قوله عليه السّلام فيها «أصاب» مجرد الأخذ و الاستيلاء، لصيرورة النسبة حينئذ بين الحسنة و بين الخبرين: التباين لمباينة الذبح الذي هو مورد الخبرين للاستيلاء الذي هو مورد الحسنة. فلا يبقى حينئذ مجال لجعل هذه الأخبار تأييدا لهما- أى الخبرين المتقدمين- هذا إذا كان المراد من الإصابة في الحسنة مجرد الأخذ و الاستيلاء. و أما إذا كان المراد منها، القتل- كما هو ظاهرها- بقرينة ما في صدرها، و هو قوله عليه السّلام: (فإنه ينبغي له أن يدفنه و لا يأكله أحد) فعليه تقع المعارضة بين هذه الأخبار و بين الخبرين، فتندرج في الطائفة الثانية من الأخبار المعارضة بظاهرها للخبرين- و سنذكرها- ان شاء اللّه تعالى- في ذيل هذه المسألة، لما فيها من قوله عليه السّلام: (فلان الحلال يأكله). و وجه المعارضة بينهما و بين الخبرين واضح، لدلالة الخبرين على حرمة ذبيحة المحرم على الحلال و الحرام، و هذا بخلافها؛ لدلالتها على حلية ذبيحة المحرم على الحلال، إلا أن يحمل على كون المراد من الإصابة الواقعة في ذيل الحديث، و هو قوله عليه السّلام: (و إذا أصابه في الحل فان الحلال يأكله). هو مجرد الأخذ و الاستيلاء و أما التذكية فكانت من المحل- كما حملها الشيخ- قدس اللّه سره- على ذلك- فعليه لا تعارض بينها و بين الخبرين.

و الحاصل: أن هذه الحسنة بناء على معنى تعارض الخبرين و بناء على معنى آخر لا تؤيدهما و أما اشتمالها على قوله عليه السّلام: (فإنه ينبغي له أن يدفنه). فيقال: إنه لا يلزم عليه

دفنه، لأنه بناء على القول بحرمة أكله حتى للمحل و حرمة مطلق الانتفاع به، نقول: بجواز إعطائه للكلاب، و لا يلزم دفنه، و ان ورد فيها كلمة:

[يدفنه]. خصوصا مع اختلاف النسخة في قوله: يدفنه فان بدلها في أخرى:

[يفديه] مضافا إلى اشتمالها على لفظ: (ينبغي) الظاهر في استحباب الدفن.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 24

..........

(الثاني)- أنه لا تتحقق التذكية المحللة إلا بذكر [اللّه] في وقت الذبح لما في صحيح محمد بن مسلم، عن أبى جعفر عليه السّلام: «و لا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم اللّه عليه «1». فعليه لا يمكن للمحرم أن يقول بذلك حتى يوجب حليته، لأنه لا معنى لذكره على ما حرمه، فيكون لغوا. و (فيه): أنه لا منافاة بين حرمة الأكل و صحة التذكية- كما في تذكية المغصوب- فلا منافاة بين الحرمة التكليفية و بين الصحة الوضعية الثابتة للتسمية التي هي شرط للتذكية، فعليه لا وجه لجعله تأييدا للخبرين.

(الثالث)- أخبار تعارض الميتة و الصيد للمحرم المضطر، سيما ما رجح منها الميتة على الصيد- منها:

1- صحيح حماد، عن الحلبي، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (سألته عن المحرم يضطر فيجد الميتة و الصيد أيهما يأكل؟) قال: «يأكل من الصيد، أ ليس هو بالخيار أن يأكل من ماله؟ قلت: بلى قال: «انما عليه الفداء فليأكل و ليفده». «2».

2- ما رواه محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن ابن فضال، عن يونس بن يعقوب، قال (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المضطر إلى الميتة و هو يجد الصيد؟.)

قال: «يأكل الصيد». قلت: (إن اللّٰه عز و جل قد أحل له الميتة إذا اضطر إليها و لم يحل له الصيد؟). قال «تأكل من

مالك أحب إليك أو ميتة». قلت (من مالي) قال: «هو مالك؛ لأن عليك فداؤه». قلت: (فان لم يكن عندي مال؟) قال:

«تقضيه إذا رجعت إلى مالك». «3» و رواه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن محمد بن يعقوب و كذا ما قبله.

______________________________

(1) الوسائل- الباب- 14- من أبواب: الذبائح حديث 2. و في باب 15 حديث 1.

(2) الوسائل ج 2- الباب- 43- من أبواب: كفارات الصيد و توابعها، الحديث 1.

(3) الوسائل ج 2- الباب- 43- من أبواب: كفارات الصيد و توابعها، الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 25

..........

3- ما رواه شهاب عن ابن بكير و زرارة جميعا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في في رجل اضطر إلى ميتة و صيد و هو محرم؟؟ قال: «يأكل الصيد و يفدى» «1» 4- ما عن محمد بن على بن الحسين قال: قال أبو الحسن الثاني صلّى اللّه عليه و آله: «يذبح الصيد، و يأكله، و يفدي: أحب إلى من الميتة». «2».

5- خبر محمد بن يحيى العطار؛ عن العمركي، عن على بن جعفر، عن أخيه موسى- عليهما السّلام- قال: (سألته عن المحرم إذا اضطر إلى أكل صيد و ميتة و قلت: ان اللّه عز و جل: حرم الصيد و أحل الميتة؟.). قال: «يأكل و يفديه؛ فإنما يأكل ماله». «3».

6- ما رواه أبان؛ عن أبي أيوب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام (عن رجل اضطر و هو محرم إلى: صيد و ميتة؛ من أيهما يأكل؟.). قال: «يأكل من الصيد» قلت: (فان اللّه قد حرم عليه و أحل له الميتة؟). قال: «يأكل و يفديه؛ فإنما يأكل من ماله». «4».

7- ما رواه سعد بن عبد اللّه، عن محمد بن عبد الحميد؛

عن يونس بن يعقوب عن منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد اللّه: (محرم اضطر الى: صيد؛ و الى ميتة من أيهما: يأكل؟.). قال: «يأكل من الصيد». قلت: (أ ليس قد أحل اللّه الميتة لمن اضطر إليها؟.) قال: «بلى و لكن يفدى ألا ترى: أنه انما يأكل من ماله فيأكل الصيد و عليه فداؤه» «5» 8- ما رواه محمد بن الحسن، بإسناده عن موسى بن القسم، عن محمد بن سيف ابن عميرة؛ عن منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (عن محرم اضطر

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 3.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 4.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 5.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 6.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 26

..........

إلى أكل الصيد و الميتة؟.) قال: «أيهما أحب إليك أن تأكل؟.» قلت: (الميتة لأن الصيد محرم على المحرم) فقال: «أيهما أحب إليك أن تأكل من مالك أو الميتة؟». قلت: (أكل مالي) قال: «فكل الصيد و أفده» «1».

و رواه البرقي في المحاسن عن أبيه؛ عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، نحوه، و زاد قلت: [فان لم يكن عندي؟ قال: «تقضيه إذا رجعت إلى مالك»] «2» 9- ما رواه صفار، عن محمد بن عبد الجبار، عن إسحاق، عن جعفر. عن أبيه- عليهما السّلام- ان عليا عليه السّلام كان يقول: «إذا اضطر المحرم إلى الصيد و الى الميتة فليأكل

الميتة التي أحل اللّه له» «3».

10- ما رواه عبد الغفار الجازي؛ قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة فوجدها، و وجد صيدا.؟) فقال: «يأكل الميتة و يترك الصيد» «4».

11- ما روى مرسلا قال: «انه يأكل من الميتة لأنها أحلت له و لم يحل له الصيد» «5». و أنت ترى دلالة جملة من هذه الأخبار على ترجيح الصيد على الميتة في مقام الاضطرار إلى أحدهما، فتدل على المدعى- و هو كون ذبيحة المحرم ميتة و حرام على المحل و المحرم.

و لكن التحقيق: أنه يستشهد بهذه الأخبار على خلاف المطلوب، و ذلك لأن ترجيح الصيد على الميتة في مقام الاضطرار المستفاد من بعض الاخبار المتقدمة ليس إلا لعدم كونه ميتة، و إلا لكان: [العكس- أو المساوي و الخيار] في اختيار أيهما شاء للإنسان المضطر، بل في بعضها المرجع للصيد على الميتة التعليل: (بأنه ماله)

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 9.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 33 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 10.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 11.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 12.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 8.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 27

..........

و هذا بخلاف الميتة، و هو كالصريح في أنه- اى صيده- مذكى، و إلا لم يكن مالا. و كيف كان لا يمكن جعلها تأييدا للخبرين و اما الاخبار الأخيرة الدالة على ترجيح الميتة على الصيد فلم يعمل بظاهرها. و قد حملها الشيخ- رحمه اللّه تعالى- على ما

حكاه صاحب الوسائل- قدس اللّه سره- على محامل عديدة:

(أ)- حملها على التقية، و قال في وجه ذلك: (لانه مذهب بعض العامة).

(ب)- حملها على: ما إذا وجد الصيد غير مذبوح.

(ج)- حملها على ما إذا لم يجد فداء الصيد، و لو لم يتمكن من الوصول اليه.

(د)- حملها على: ما لم يكن متمكنا من الفداء أصلا.

و قد ظهر مما ذكرنا عدم إمكان جعل هذه الوجوه الثلاثة تأييدا للخبرين فالعمدة في الحكم بحرمة ذبيحة المحرم و كونها ميتة هي ما عرفته من الخبرين في صدر المبحث- و هما خبر وهب و خبر الحسن بن موسى الخشاب- و أما ضعفهما فقد عرفت أنه منجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و لكن ذهب الصدوق- رحمه اللّه تعالى- في الفقيه إلى: أن مذبوح المحرم في غير الحرم لا يحرم على المحل، حيث قال:- على ما نقل في الحدائق-: (و لا بأس أن يأكل المحل مما صاده المحرم، و على المحرم فداء). و نقل الشهيد الأول- قدس اللّه تعالى سره- القول بذلك عن ابن الجنيد ايضا على ما حكاه صاحب المدارك- رضوان اللّه تعالى عليه- و نقل في المنتهى هذا القول عن الشيخ المفيد و السيد المرتضى- قدس سرهما- حيث قالا- على ما نقل في الحدائق: (لا بأس أن يأكل المحل ما صاده المحرم و على المحرم الفداء). و مال إلى هذا القول صاحب المدارك- قدس سره- أيضا، نظرا إلى صحة اخباره. و يدل على ذلك جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح حماد بن عيسى عن حريز، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (عن محرم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 28

..........

أصاب صيدا أ يأكل منه المحل؟.). فقال: «ليس

على المحل شي ء إنما الفداء على المحرم» «1» 2- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (عن رجل أصاب صيدا و هو محرم أ يأكل منه الحلال؟). فقال: «لا بأس إنما الفداء على المحرم» «2» 3- ما رواه محمد بن الحسن، عن موسى بن القسم؛ عن عباس، عن سيف ابن عميرة، عن منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (رجل أصاب من صيد و هو محرم أكل منه و أنا حلال.؟) قال: «أنا كنت فاعلا» قلت له:

(فرجل أصاب مالا حراما؟.). فقال: «ليس هذا مثل هذا، يرحمك اللّه تعالى ان ذلك عليه» «3».

4- ما روى عنه ايضا، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (رجل أصاب من صيد أصابه محرم و هو حلال؟). قال: «فليأكل منه الحلال، و ليس عليه شي ء إنما الفداء الى المحرم» «4».

5- ما رواه على بن إبراهيم؛ عن أبيه، عن حماد بن عيسى و ابن أبى عمير؛ عن معاوية بن عمار؛ قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أصاب المحرم: الصيد في الحرم و هو محرم، فإنه ينبغي له أن يدفنه، و لا يأكله أحد. و إذا أصاب في الحل، فان الحلال يأكله و عليه الفداء» «5» و رواه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- عن حماد بن عيسى، عن معاوية بن عمار مثله إلا أنه في نسخة: [يدفنه] و في أخرى [يفديه].

6- ما رواه على بن إبراهيم، عن أبيه؛ عن ابن أبى عمير. عن حماد. عن الحلبي، قال: (المحرم إذا قتل: الصيد، فعليه جزاؤه؛ و يتصدق بالصيد على مسكين) «6»

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 3- من أبواب: تروك الإحرام الحديث 4.

(2) الوسائل: ج 2- الباب-

3- من أبواب: تروك الإحرام الحديث 5.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 3- من أبواب: تروك الإحرام الحديث 3.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 3- من أبواب: تروك الإحرام الحديث 1.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 3- من أبواب: تروك الإحرام الحديث 2.

(6) الوسائل: ج 2- الباب- 10 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 29

..........

و رواه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن محمد بن يعقوب. و رواه الصدوق- قدس سره- مرسلا، و كيف كان و دلالة هذه الأخبار على عدم حرمة صيد المحرم على المحل و ان كانت ظاهرة، و لذا تقع المعارضة بين هذه الأخبار و بين الخبرين المذكورين في صدر المبحث، و هما: [خبر وهب و خبر الحسن بن موسى الخشاب]. إلا أن التحقيق: عدم نهوض الصحاح لمعارضة الخبرين، و ذلك لإعراض الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- عنها الموجب لسقوطها عن حيز دليل الحجية و الاعتبار، و على فرض تسليم عدم الاعراض فيمكن الجمع بينهما و بين الخبرين بوجهين:

(الأول)- بحمل الصحاح المتضمنة لكلمة: [أصاب] على مجرد الأخذ و الاستيلاء بان لم يكن المراد منها: القتل، فيكون معناها بناء عليه: أنه بمجرد استيلاء المحرم على الصيد لا يوجب حرمته على الحلال و لو ذكاه محل، بل للمحل تذكيته و أكله و غيره من أنحاء التصرفات و التقلبات، و حمل الخبرين المتضمنين لكلمة: [ذبح] على ما إذا كان الذابح هو المحرم- كما هو الظاهر منها- فيكون معناها حينئذ: أنه حرام على المحل و المحرم إذا كان الذابح محرما و الا فلا. و نتيجة هذا الجمع هو الحكم بحلية مصيد المحرم إلا إذا كان الذابح محرما.

و لكن هذا الجمع على فرض تماميته انما يتم بين

الخبرين و بين الصحاح؛ و لا يتم بين الخبرين و بين الحسنتين- و هما حسنتا: الحلبي، و معاوية بن عمار- لما فيهما من التصريح بجواز أكل مصيد المحرم للمحل، حيث أن قوله عليه السّلام في ذيل حسنة الحلبي: (أنه يتصدق بالصيد على مسكين). كالصريح في حلية أكل مصيد المحرم على المسكين الذي يأخذه بعنوان الصدقة. و كذا قوله عليه السّلام في ذيل حسنة معاوية بن عمار: (و إذا أصاب في الحل فان الحلال يأكله، و عليه هو الفداء) فإذا يبقى التعارض بينهما و بين الحسنتين على حاله. لكن يمكن المناقشة في دلالتهما:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 30

..........

أما في حسنة الحلبي فلاحتمال كون الباء الداخل على الصيد للسببية. و المراد من مدخولة هو المعنى المصدري- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس اللّه تعالى سره- فعليه يكون المعنى أنه يتصدق على المسكين بسبب ارتكابه الصيد. و يحتمل فيها أيضا أن يكون المراد من الصيد الواقع في منطوقها هو الجزاء بمثله بأن يقدر كلمة: [مثل] فيكون المعنى أنه يتصدق على المسكين بمثل الصيد. و (فيه) أن القول بكون الباء الداخل على الصيد الواقع في حسنة الحلبي للسببية؛ أو القول بتقدير، كلمة: [مثل] فيها؛ كلها- كما ترى- خلاف الظاهر، و بهذه الاحتمالات و التأويلات لا يمكن رفع اليد عن ظاهرها الدالة على حلية مصيد المحرم على الحلال. و أما في حسنة معاوية بن عمار فلحمل ذيلها و هو قوله عليه السّلام: (إذا أصاب في الحل؛ فان الحلال يأكله). على مجرد الأخذ و الاستيلاء- كحمل الصحاح على ذلك. (و فيه): أن: الإصابة و ان لم تكن بنفسها- آبية عن حملها على مجرد الأخذ و الاستيلاء؛ كما حمل على ذلك: الصحاح-

المتضمنة لكلمة: [أصاب]- إلا ان صدر الحسنة و هو قوله عليه السّلام: (فإنه ينبغي له أن يدفنه) قرينة على كون المراد من: « [الإصابة]» فيها هو: القتل، لا صرف الاستيلاء و قوى ذلك في الجواهر، حيث قال: (المراد ب: [الإصابة] هو: القتل؛ بقرينة الأمر بالدفن في صدره؛ فيتعدى إلى الذيل بشهادة السياق، و هو لا يخلو من قوة.).

نعم، لما اختلف نسخه و في بعض: [يدفنه]. و في بعض آخر: [يفديه] يمكن أن يقال بكون المراد من: (الإصابة) بناء على النسخة الثانية هو مجرد الأخذ و الاستيلاء؛ لعدم وجود قرينة على الخلاف؛ و لكن لا سبيل إلى إحراز صحة هذه النسخة.

و أجاب الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في التهذيب عن الحسنتين: [حسنة معاوية بن عمار- و حسنة الحلبي] المتقدمتين على ما نقل في المدارك: بالحمل على ما إذا أدرك الصيد و به رمق، بحيث يحتاج إلى الذبح، فإنه يجوز للمحل إذا كان كذلك أن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 31

..........

يذبحه و يأكله و لكن لا يخفى ما فيه من التأويل البعيد- كما أفاده صاحب المدارك- قدس سره- و ذلك لأنه بعد تصريح الامام عليه السّلام في حسنة الحلبي بالقتل؛ بقوله:

(المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه. إلخ.) و بعد وجود القرينة فيها، أعنى قوله عليه السّلام: (فإنه ينبغي له أن يدفنه) بناء على هذه النسخة في حسنة معاوية بن عمار المتقدمة على ارادة القتل من: (الإصابة): لا يبقى مجال لهذا الحمل؛ فما أفاده الشيخ- رحمه اللّه تعالى- من الحمل مما لا يمكن المساعدة عليه.

(الثاني)- أن يقال في الجمع و التوفيق بينها و بين الخبرين باحتمال التفصيل بين ذبح المحرم، و بين تذكيته بالرمي أو بإرسال الكلب المعلم

فيقال بناء عليه: باختصاص التحريم بصورة الذبح فقط، كما هو صريح الخبرين- لقوله عليه السّلام في خبر وهب:

(إذا ذبح المحرم: الصيد لم يأكله الحلال و الحرام و هو كالميتة) و في خبر الحسن ابن موسى الخشاب: (إذا ذبح المحرم: الصيد. إلخ)- و اختصاص الحلية بما إذا كانت التذكية بنحو آخر- برمي أو بإرسال الكلب المعلم- فتحمل الأخبار الدالة على حلية مصيد المحرم على الحلال بما إذا كان تذكيته له بغير الذبح- بالرمي أو بإرسال الكلب المعلم، و لا يأبى عن ارادة ذلك لفظ: [أصاب] الواقع في منطوق الصحاح المتقدمة، لأنه مطلق، و قابل لأن يقيد بغير صورة الذبح، و لا إشكال في إطلاقه على التذكية: بالرمي أو بإرسال الكلب المعلم؛ كإطلاقه على التذكية بالذبح.

هذا كله بالنسبة إلى الصحاح و أما حسنتا: الحلبي و معاوية بن عمار فكذلك لا مانع من الجمع بينهما و بين الخبرين بذلك أما حسنة الحلبي فلانه لا يأبى عن ارادة ذلك لفظ: [قتل] الواقع في صدرها لأنه أعم من قتله بآلة الصيد و بالذبح بعد أن وجده حيا بإرسال الآلة اليه فإطلاقه يحمل على غير فرض الذبح. فنفصل بين ما إذا ذبحه بعد أن وجده حيا، و بين ما إذا قتله بآلة الصيد في الحكم بحرمة أكل مصيد المحرم على الحلال في الأول دون الثاني و أما حسنة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 32

..........

معاوية بن عمار فكذلك لا يأبى عن حملها على ذلك أما صدرها؛ و هو قوله عليه السّلام:

(إذا أصاب المحرم: الصيد في الحرم و هو محرم، فإنه ينبغي له أن يدفنه) فكما قلنا في حسنة الحلبي بحمل القتل على غير صورة الذبح فكذلك فيها. لأنه بقرينة قوله عليه

السّلام: (ينبغي له أن يدفنه) يصير معنا قوله: (إذا أصاب): (إذا قتل) إلى آخر ما ذكرناه. و أما ذيلهما، و هو قوله عليه السّلام (و إذا أصابه في الحل فان الحلال يأكله).

فإن قلنا بكون المراد من: الإصابة فيه هو القتل، بقرينة صدرها فحكمه عين حكم صدرها. و ان لم نقل بذلك، فيجري حكم الصحاح عليه. فيحمل على ما إذا كان تذكيته له بغير الذبح: بالرمي أو بإرسال الكلب المعلم- كما لا يخفى- فبهذا الوجه يجمع بين الصحاح و بين الخبرين المذكورين ان لم نقل بإعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عنها و لا يلزم منه خلاف الظاهر و لا التأويل- كما هو واضح.

و احتمل هذا الجمع الشيخ- رحمه اللّه تعالى- على ما نقل في الجواهر، و هو ظاهر اختيار المفيد- قدس سره- في المقنعة على ما حكاه صاحب المدارك، و اختاره ايضا صاحب المستند- رضوان اللّه تعالى عليه- و لا يتوجه عليه اشكال سوى إمكان دعوى: الإجماع على كون المراد من الذبح الواقع في النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- و الفتاوى هو مطلق تذكية المحرم بذبح كانت أو بغيره، كما مال اليه صاحب الجواهر- قدس سره- حيث قال بعد نقل هذا الجمع من الشيخ- رحمه اللّه تعالى-: (لكن يمكن دعوى الإجماع على كون المراد مطلق تذكية المحرم من الذبح نصا و فتوى) و لكن لا يخفى ما في كلامه- قدس سره- و ذلك لأنه لو قلنا باعتبار الإجماع انما نقول به في المسائل الفقهية. و أما هذا الإجماع فليس في مسألة فقهية حتى يقال بحجيته؛ لأنه إجماع في استظهار المراد، و ليس بحجة، لرجوعه إلى الفهم و الاستفادة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 33

..........

ثم: انه

إذا قلنا بهذا الجمع فهو، و إلا فتصل النوبة إلى التعارض، و من المعلوم:

أنه حينئذ يقدم الخبران المتقدمان على الصحاح المتقدمة و يحكم بحرمة مصيد المحرم على الحلال و الحرام، لما عرفت من أعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عنها الموجب لعدم نهوضها للمعارضة، لسقوطها حينئذ عن حيز دليل الحجية و الاعتبار و قد عرفت أيضا انه ليست في البين قاعدة على وفق حكمهم، و كذلك لم يرد خبر صحيح على ذلك، فيحصل حينئذ الوثوق و الاطمئنان لنا بأن استنادهم في مقام العمل لم يكن إلا الى هذين الخبرين فيقدم الخبران عليها، وفاقا لصاحب الجواهر و غيره- قدس سرهم- حيث قال بعد ما ذكر الاخبار الصحاح (و حينئذ فيكون المراد: من كونه ميتة بالنسبة للمحرم لا المحل، الا أن الشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية الجابرة للخبرين ترجح القول الآخر عليه و ان صحت أخباره. إلخ).

ثم: لا يخفى أنه لا تصل النوبة إلى الجمع الحكمي- و هو حمل الخبرين على الكراهة و حمل الصحاح على الجواز- أما (أولا): فلأنه قد مر منا مرارا: أن الجمع الموضوعي ما دام كان ممكنا لا تصل النوبة إلى الجمع الحكمي. فلا مجال له في المقام لإمكان الجمع الموضوعي بينها و بين الخبرين- كما عرفت- و أما (ثانيا): فلان حملها على الكراهة يوجب اللغوية، ضرورة: أنه إذا كان المقصود هو الكراهة لما صح التعبير عنها في الخبرين بالميتة، التي هي نص في الحرمة؛ فالمقصود منها هو أنه ميتة حقيقة أو حكما. و كيف كان فالمرجع في ما نحن فيه هو الخبران فيحكم بحرمة ذبيحة المحرم على الحلال و الحرام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 34

..........

« (فرع ينبغي التنبيه عليه)» ثم إنه

ينبغي التنبيه هنا على فرع آخر لم يتعرض له المصنف- طاب ثراه- و هو: أنه هل يجرى على صيد المحرم على القول بحرمته على كل من الحلال و الحرام أو على المحرم فقط: جميع أحكام الميتة، أم خصوص حرمة الأكل؟ فيه وجهان:

(أولهما)- جريان جميع أحكام الميتة عليه كما نقل ذلك في الجواهر عن: (ير) لإطلاق التنزيل في خبر وهب المتقدم، حيث قال الامام عليه السّلام فيه: (إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحرام و الحلال، و هو كالميتة. إلخ). و ما في خبر إسحاق: (إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة. إلخ). الظاهر في ترتيب جميع آثار الميتة عليه: من عدم جواز الصلاة في جلده، و حرمة أكله، و نجاسته؛ و سائر منافعه بناء على حرمة الانتفاء بالميتة مطلقا بأي نحو من الانتفاعات. مع عدم ورود دليل تعبدي على الخلاف. (ثانيهما)- جريان حكم الميتة عليه في خصوص حرمة أكله دون غيرها من الأحكام، و هذا هو الأقوى في النظر، وفاقا لما مال اليه صاحب الجواهر- قدس سره- حيث قال: في ذيل هذا المبحث: (و قد قيل: أن الظاهر جريان جميع أحكام الميتة عليه فلا تجوز الصلاة في جلده، و لا غيرها من الاستعمالات، و خصوصا المائعات. و الفاضل في «ير» و ان استشكل فيه، للإشكال في أنه ميتة. أو كالميتة أو لاحتمال أن يكون لحمه كلحم. الميتة لا جلده لكنه استقرب بعد ذلك عدم الجواز و ان كان لا يخفى عليك أن في النفس منه شيئا، خصوصا مع ملاحظة ما سمعته من نصوص الترجيح له على الميتة، و التعليل المزبور فيها و العمومات، و عدم معروفية اشتراط كونه محلا في التذكية بل ظاهر

تلك الأدلة خلافه فلا يعد في إرادة معنى كالميتة من قوله فيها. فينصرف إلى حرمة الأكل لا غيره فتأمل جيدا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 35

..........

و الوجه في أقوائية الحكم بجريان حكم الميتة عليه في خصوص حرمة أكله هو أن الظاهر من التنزيل هو تنزيله منزلتها في أوضح منافعه و أظهر آثاره، و هو في المقام ليس الا حرمة الأكل.

و يؤيد ذلك ما ورد من الروايات المتقدمة الدالة على ترجيح الصيد على الميتة في مقام الاضطرار إلى أحدهما، خصوصا التعليل المذكور فيها ب (أنه ماله). إذ يستكشف من ذلك- اى من ترجيح أكل المحرم من المصيد عند الضرورة على أكل الميتة-: أن الحرمة تختص بأكله و لا تشمل غيره.

و يؤيده أيضا ما ورد في صدر الخبر من حرمة الأكل، لقوله عليه السّلام فيه: (إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و الحرام). حيث أنه صالح لأن يكون قرينة على إرادة الحرمة مما في ذيله من التنزيل؛ فيختص التنزيل بأظهر الآثار- و هو ليس في المقام إلا حرمة الأكل فلا يمكن الإفتاء بالنجاسة و حرمة غير الأكل مع وجود جميع شرائط التذكية. و لم يرد دليل تعبدي على اعتبار كون الذابح محلا، حتى يقال بعدم تحقق هذا الشرط كما ورد ذلك في اعتبار كونه مسلما؛ و غيره من الشرائط الأخر مضافا إلى انه قد ورد رواية خاصة في جواز استعمال جلود الصيد التي جعلت فيها الماء و هو ما رواه محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى؛ عن أحمد بن محمد عن على ابن مهزيار قال: سألت الرجل عليه السّلام: (عن محرم يشرب الماء من قربة أو سقاء اتخذ من جلود الصيد هل يجوز ذلك

أولا؟). فقال: «يشرب من جلودها» «1» فظهر بما ذكرناه ضعف ما استقر به في محكي (ير) من عدم الجواز و جريان أحكام الميتة عليه.

هذا كله في ما إذا ذبح المحرم: الصيد. و أما إذا ذبحه المحل في الحرم فهل يحكم بحرمته مطلقا أولا؟. قال في الجواهر: (قد صرح غير واحد بحرمته أيضا و أنه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 9 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 36

..........

كالميتة. بل قال في الحدائق: «اتفاق الأصحاب عليه» و هو الحجة بعد خبر وهب و إسحاق المتقدمين، المجبورين بذلك. إلخ). لا ينبغي الكلام في حرمته مطلقا إذا ذبحه المحل في الحرم، و يدل على ذلك- مضافا إلى اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- خبر وهب المتقدم، لقوله عليه السّلام في ذيله: (و إذا ذبح الصيد في الحرم، فهو ميتة، حلال ذبحه أو حرام «1». و خبر إسحاق المتقدم أيضا لقوله عليه السّلام في ذيله:

(و إذا ذبح المحل: الصيد في جوف الحرم، فهو ميتة؛ لا يأكله محل و لا محرم «2».

و أنت ترى دلالتهما صريحا على المدعى- و هو حرمة مذبوح المحل في الحرم.

و أما ضعفهما من حيث السند- لأجل ان الراوي في الأول هو وهب و هو مشترك بين الضعيف و غيره؛ و في الثاني هو الخشاب، و هو غير ممدوح مدحا يعتد به- فقد بينا في صدر المبحث: أنهما و لو كانا ضعيفين من حيث السند، إلا أن ضعفهما منجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- الموجب للوثوق بصدورهما عن المعصوم.

مضافا إلى أنه يؤيدان- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- بصحيح منصور بن حازم، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «في حمام ذبح

في الحل.؟» قال: (لا يأكله محرم و إذا ادخل مكة أكله المحل بمكة. و إذا ادخل الحرم حيا؛ ثم ذبح في الحرم فلا تأكله؛ لأنه ذبح بعد ما دخل مأمنه «3» و صحيح الحلبي قال سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام «عن صيد رمى في الحل، ثم ادخل الحرم و هو حي.؟» فقال: (إذا أدخله الحرم و هو حي، فقد حرم لحمه و إمساكه). و قال: لا تشتره في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل؛ ثم دخل الحرم فلا بأس به «4» و رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه و عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن أبى عمير مثله؛ إلا أنه قال: (فلا

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 10 من أبواب: تروك الحرام الحديث 4

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 10 من أبواب: تروك الحرام الحديث 5

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 5 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 5 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 37

..........

بأس به للحلال) و خبر شهاب بن عبد ربه، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «انى أتسحّر بفراخ اوتى بها من غير مكة، فتذبح في الحرم فأتسحر بها؟». فقال:

(بئس السحور سحورك؛ أما علمت أن ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه و إمساكه) «1» و صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: «عن طائر أهلي أدخل الحرم حيا؟» فقال: (لا يمس لان اللّه تعالى يقول: [وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً] «2». و خبر خلاد السري عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: (في رجل ذبح حمامة من حمام

الحرم) قال: (عليه الفداء). قلت: «فيأكله؟.». قال: (لا). قلت:

(فيطرحه؟). قال: (إذا طرحه فعليه فداء آخر). قلت: «فما يصنع به؟» قال:

(يدفنه) «3». و خبر محمد بن أبى الحكم قال قلت لغلام لنا: «هيئى لنا غدانا، فأخذ لنا أطيارا فذبحها و طبخها فدخلت على أبى عبد اللّه عليه السّلام؟». قال: (ادفنهن و افد عن كل طير منهن) «4». و رواه الكليني- رحمه اللّه تعالى- مثله؛ إلا أنه قال: (أطيارا من الحرام). إلى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام.

هذا كله فيما لو ذبح المحل في الحرم صيدا. و أما لو ذبحه في الحل فلا إشكال في جواز أكله له في الحل و الحرم، حتى لو كان صيده بدلالة المحرم و إشارته عليه و إعانته بدفع سلاح و نحوه- وفاقا لصاحب الجواهر قدس سره- و يدل على ذلك- مضافا إلى الأصل- و صحيحي الحلبي و منصور بن الحازم المتقدمين. صحيح الحلبي، عن

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 4

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 11

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 55 من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث: 1 و في الباب 10 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(4) الوسائل ج 2- الباب- 55 من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 38

..........

أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تشتره في الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل؛ ثم جي ء به إلى الحرم مذبوحا فلا بأس للحلال «1» و صحيحة عبد اللّه بن أبى يعفور؛ قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (الصيد يصاد في الحل، و يدخل الحرم أ

يؤكل؟.) قال «نعم لا بأس به» «2».

إلى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- و هي- كما ترى- تدل على جواز أكل المحل من المصيد الذي ذبحه في الحل.

ثم أن هذه الاخبار و ان كانت بعضها مطلقة و يعم المحرم و المحل من حيث جواز أكل المذبوح في الحل؛ إلا أن إطلاقه يقيد بالأخبار الدالة على حرمة أكل الصيد على المحرم مطلقا، كصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تأكل شيئا من الصيد و أنت محرم و ان صاده حلال» «3». و في صحيح آخر عنه: (لا تأكل شيئا من الصيد و أنت محرم و ان كان اصابه محل) «4». و في صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لحوم الوحش تهدى للرجل، و هو محرم و لم يعلم بصيده، و لم يأمره به أ يأكله؟.» قال: [لا] «5» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- [1] يستفاد من صحيح الحلبي المتقدم- كما ترى- عدم جواز أكل المحرم من لحوم الوحش حتى في صورة ما إذا لم يعلم بكونها من المصيد فضلا عما إذا علم

______________________________

[1] [فائدة] هي أنه قد يتوهم أن حرمة الصيد يسرى الى الصيد فيصير حراما و ان ذبحه محل في الحل و هو جار في بعض موارد أخر كتوهم ان حرمة التجري يسرى الى المتجرى به و ان حرمة التشريع يسرى إلى الفعل المتشرع به و لكن فساده ظاهر لعدم سراية العمل الى المفعول به و مقتضى القاعدة في هذا المقام عدم حرمة المصيد و لو ذبحه محرم في الحل و الحرم و رفعا اليد عن مقتضاها في ما نحن

فيه لأجل الأخبار المتقدمة فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب 5- من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

(2) الوسائل: ج 2- الباب 5- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(4) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(5) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 39

و كذا يحرم فرخه و بيضه (1)

بكونها منه ثم انه في الجواهر بعد ما حكم بجواز أكل المحل في الحرم الصيد المذبوح في الحل ان ذبحه محل و لو كان صيده بدلالة المحرم و بإعانته قال (بل لا يبعد جواز اكله مع الجهل بحاله؛ إذا كان في يد مسلم لقاعدة الحل. لكن في صحيح منصور بن حازم قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «اهدى لنا طير مذبوح فأكله أهلنا؟.» فقال: (لا ترى أهل مكة به بأسا). قلت: «فأي شي ء تقول أنت؟» قال: (عليهم ثمنه) «1».

و يمكن حمله على معلومية ذبحه في الحرم و سيأتي- ان شاء اللّه تعالى- التعرض في كلام المصنف لذلك و غيره من أحكام المحرم، و أحكام الصيد، و المراد به» و غير ذلك.).

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا و الظاهر: أنه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل من أحد منهم الخلاف فيه. قال:

في الجواهر في شرح قول المصنف- طاب ثراه-: (أكلا و إتلافا مباشرة و دلالة و اعانة بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه: بل في المنتهى: «أنه قول كل من يحفظ عنه العلم». مضافا الى المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة التي تسمعها- ان شاء اللّه تعالى- في الكفارات نعم

لا يحرم البيض الذي أخذه المحرم أو كسره على المحل في الحل، للأصل و عدم اشتراط حله بنحو تذكيته، أو بشي ء فقد هنا خلافا للمحكي عن المبسوط.) و قال في المستند: (كما يحرم الصيد يحرم فرخه و بيضه بلا خلاف يعلم؛ كما في (خيره) بل عن كرة و في ح تيح الإجماع عليه. إلخ) و قال في المدارك:

(هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء قاله في التذكرة، و يدل عليه الروايات الكثيرة المتضمنة لثبوت الكفارة بذلك، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (في الحمامة درهم، و في الفرخ نصف درهم، و في البيض ربع درهم) «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 5 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

(2) الوسائل ج 2- الباب- 10 من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 40

و الجراد في معنى الصيد البري (1)

لا ينبغي الإشكال في ذلك بعد ثبوت اتفاق جميع الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- عليه و يدل عليه- كما افاده صاحب الجواهر و غيره- الروايات المتضمنة لثبوت الكفارة بذلك بناء على تسليم الملازمة بين الكفارة و الحرمة و سنذكر الاخبار- ان شاء اللّه تعالى- في مبحث الكفارات.

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قال في الحدائق:

(ينبغي أن يعلم أن الجراد في معنى الصيد البري؛ فيحرم قتله، و يضمنه المحرم في الحل و الحرم. و ان كان أصله من البحر لانه يتوالد منه أولا ثم يتوالد في البر و في المستند:

(الجراد في معنى الصيد البري اتفاقا محققا و محكيا له) و في كشف اللثام (أنه صيد بري عندنا) و في الجواهر. (و الجراد في معنى الصيد البري

عندنا، بل في المنتهى و عن تذكرة: أنه قول علمائنا؛ و أكثر العامة و في المسالك: لا خلاف فيه عندنا، خلافا لأبي سعيد الحذرى و الشافعي و احمد. إلخ). لا ينبغي الإشكال في ذلك.

و الظاهر أنه المتسالم عليه بينهم و يدل عليه مضافا إلى اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال «ليس للمحرم ان يأكل جرادا و لا يقتله» قال قلت (ما تقول في رجل قتل جرادة و هو محرم؟) قال: تمرة خير من جرادة. و هي من البحر، و كل شي ء أصله من البحر و يكون في البر و البحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فان قتله متعمدا فعليه الفداء كما قال اللّه تعالى «1».

و صحيح حريز عن زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «في محرم قتل جرادة؟» قال:

(يطعم: تمرة، و تمرة خير من جرادة «2»). و صحيح محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن محرم قتل جرادا كثيرا؟» قال: (كف من طعام، و ان

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 37 من كفارات الصيد و توابعها الحديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 37 من كفارات الصيد و توابعها الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 41

..........

كان أكثر فعليه شاة «1»). و صحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام الجراد من [في- خ ل] البحر و كل شي ء يكون أصله في البحر و يكون في البر و البحر؛ فلا ينبغي للمحرم أن يقتله و ان قتله فعليه الفداء كما قال اللّه تعالى «2» و صحيح محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال: «سألته

عن محرم قتل جرادة»؟ قال: (كف من طعام و ان كان كثيرا فعليه دم شاة «3») و صحيح ابن ابى عمير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: (اعلم ان ما وطئته من الدّبا أو وطأ بعيرك فعليك فداؤه) «4». و صحيح محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال: مر على (صلوات اللّه عليه) على قوم يأكلون جرادا فقال: «سبحان اللّه و أنتم محرمون؟!.» فقالوا: (انما هو من صيد البحر) فقال لهم: (فارمسوه في الماء إذا) «5» و رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن العلاء نحوه. و رواه الصدوق- قدس سره- مرسلا. و رواه في المقنع ايضا مرسلا إلا انه قال فيها:

(مر أبو جعفر على قوم) و خبر يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجراد يأكله المحرم؟ قال: لا «6» و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

(ليس للمحرم أن يأكل جرادا و لا يقتله) الحديث «7» و صحيح محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال: (المحرم لا يأكل الجراد) «8» الى غير ذلك من الروايات الواردة عنهم- عليهم السّلام- الدالة على حرمة صيد الجراد، فيحرم على المحرم صيده؛ و أكله فإن فعله متعمدا فعليه الكفارة إلا ما يقتل منه من غير تعمد في حال الاضطرار، لانتشارهم في الطريق، و يدل على ذلك الأخبار الكثيرة الواردة في المقام كصحيح حريز عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 37 من كفارات الصيد و توابعها الحديث 3.

(2) الوسائل ج 2- الباب- 37 من كفارات الصيد و توابعها الحديث 4.

(3) الوسائل ج 2- الباب- 37 من كفارات الصيد و توابعها الحديث

6.

(4) الوسائل ج 2- الباب- 37 من كفارات الصيد و توابعها الحديث 8.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 7 من أبواب: تروك الحرام الحديث 1

(6) الوسائل: ج 2- الباب- 7 من أبواب: تروك الحرام الحديث 5

(7) الوسائل: ج 2- الباب- 7 من أبواب: تروك الحرام الحديث 4

(8) الوسائل: ج 2- الباب- 7 من أبواب: تروك الحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 42

و لا يحرم صيد البحر [1] و هو ما يبيض و يفرخ في الماء (1)

زرارة عن أحدهما قال: المحرم يتنكب الجراد إذا كان على الطريق فان لم يجد بدا فقتله فلا شي ء عليه) «1». و خبر إسحاق بن عمار عن أبى بصير قال: «سألته عن الجراد يدخل متاع القوم فيدرسونه من غير تعمد لقتله أو يمرون به في الطريق فيطأونه؟». قال:

(أن وجدت معدلا فاعدل عنه فان قتله غير متعمد فلا بأس) «2» و صحيح معاوية ابن عمار قال قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الجراد يكون في ظهر الطريق و القوم محرمون فكيف يصنعون؟» قال: (يتنكبونه ما استطاعوا) قلت: فان قتلوا منه شيئا فما عليهم؟» قال: (لا شي ء عليهم) «3» إلى غير ذلك من الاخبار المستفاد منها عدم حرمة القتل في الفرض المزبور فما افاده المصنف- قدس سره- من أن الجراد في معنى الصيد البري متين.

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه بينهم قال في الجواهر: (بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه. بل عن المنتهى دعوى إجماع المسلمين عليه و أنه لا خلاف فيه بينهم) و قال في الحدائق:

(لا خلاف في جواز صيد البحر نصا و فتوى، و جواز أكله؛ و سقوط الفدية

فيه) و قال في المدارك: (اجمع العلماء كافة على عدم تحريم صيد البحر و جواز أكله و سقوط الفدية فيه) و يدل على ذلك قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ

______________________________

[1] قال في المستند و المراد بالبحر ما يعم النحر ايضا، كما قيل بل بلا خلاف، كما عن التبيان قال: (لان العرب يسمى النهر بحرا، و منه قوله تعالى (ظَهَرَ الْفَسٰادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ) و الأغلب في البحر هو الذي يكون ماؤه مالحا، لكن إذا أطلق دخل فيه الأنهار بلا خلاف).

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 7 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و قد ورد في باب 38 من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 3.

(2) الوسائل ج 2- الباب 7 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2- الباب- 38 من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 43

..........

و للسيارة) «1». و جملة من النصوص الكثيرة الواردة في المقام- منها:

1- صحيح معاوية عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال (و السمك لا بأس بأكله طريه و مالحه و يتزود قال اللّه تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ). قال: (فليختر الذين يأكلون؛ و قال فصل ما بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض في البر و يفرخ في البر فهو من صيد البر، و ما يكون من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر «2».

2- صحيح حريز عمن أخبره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا بأس بأن يصيد المحرم السمك، و يأكل مالحه و طريه، و يتزود قال اللّه [أُحِلَّ لَكُمْ

صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ.] قال مالحه الذين تأكلون؛ و فصل ما بينهما، كل طير يكون في الآجام يبيض في البر، و يفرخ في البر، فهو من صيد البر و ما كان من صيد البر يكون في البر و يبيض في البحر، فهو من صيد البحر «3» و رواه الصدوق (ره) مرسلا الا انه اقتصر على الآية و ما بعدها و رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القسم عن عبد الرحمن عن حماد عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام و ذكره بتمامه إلا انه قال: (متاعا لكم قال: فليختر الذين يأكلون).

3- ما رواه العياشي في تفسيره عن زيد الشحام عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن قول اللّه تعالى:» (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ؟) قال: (هي الحيتان المالح و ما تزودون منه ايضا و ان لم يكن مالحا فهو متاع) «4» و لا يخفى ان المستفاد من صحيحي معاوية و حريز المتقدمين هو كون المدار في

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 97.

(2) الوسائل ج 2- الباب 6- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

(3) الوسائل ج 2- الباب 6- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.

(4) الوسائل ج 2- الباب 6- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 44

..........

إلحاق الطيور التي تعيش في البر و البحر معا بأحد الصنفين على البيض و الفرخ في ذلك المكان لا على التعيش و الارتزاق فيه؛ فما كان من الطيور الوحشية يبيض و يفرخ في البر، فهو من الطيور البرية و ان كان يعيش في البحر ايضا؛ و ما كان من الطيور يبيض و يفرخ في البحر فهو من

الطيور البحرية، و ان كان يعيض في البر ايضا.

فما افاده المصنف- قدس سره- من ان صيد البحر هو ما يبيض و يفرخ في الماء موافق لما يستفاد منهما. و قال في المنتهى: (لا يعلم في تمامية هذه الضابطة خلافا الا من العطاء) على ما نقل في الجواهر.

و اما مرسلة ابن سماعة، أبان عن الطيار عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: (لا يأكل المحرم طير الماء) «1» فيحمل بعد تسليم صحة سنده على ما إذا كان في البحر، و لكنه يبيض و يفرخ في البر- كما فعله ذلك صاحب الجواهر- رحمه اللّه تعالى.

و كيف كان يستفاد من صحيح محمد بن مسلم المتقدم- الذي استشهد به الامام عليه السّلام على حرمة صيد الجراد ضابطة اخرى؛ لما ورد فيه من ان عليا عليه السّلام حين ما مر على قوم محرمين رأى انهم يأكلون الجراد؛ فاعترض عليهم؛ فأجابوه بأنه بحري فقال لهم:

(ارمسوه في الماء إذا)- ان الضابط في البرية و البحرية هو التعيش في الماء أو البر فان عاش في الماء فقط فهو بحري؛ و ان عاش في البر فقط فهو بري، لأن ظاهر الأمر في قوله عليه السّلام (ارمسوه في الماء إذا) هو الإنكار عليهم في ما ادعوه من كونه من صيد البحر، فان معناه انه لو كان بحريا يعيش فيه، فالمعيار المستفاد من هذا الحديث في إلحاق المشكوك بأحد الصنفين هو التعيش في البحر و عدمه، فما لا يعيش إلا في الماء فهو بحري، و ما لا يعيش إلا في البر فهو بري.

و لا تنافي بين هذا الضابط و بين الضابط الذي استفيد من صحيحتي معاوية و حريز

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 6 من أبواب تروك الإحرام

الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 45

..........

المتقدمتين من كون المدار على البيض و الفرخ؛ و ذلك لأن مورد الضابط المستفاد من صحيح محمد بن مسلم هو الحيوان الذي لا يعيش إلا في خصوص البحر أو البر، فان كان لا يعيش إلا في البحر فهو بحري و ان كان يعيش في البر فقط فهو بري. و مورد الضابط المستفاد من صحيحتي معاوية و حريز هو الحيوان الذي يعيش في البر و البحر كليهما، فالمرجح في إلحاق المشكوك بأحد الصنفين هذا الضابط فيقال: فان كان يبيض و يفرخ في البحر فهو بحري و ان كان يعيش في البر، و ان كان يبيض و يفرخ في البر فهو بري و ان كان يعيش في البحر.

« (ينبغي التنبيه هنا على فرعين)» (الأول)- في انه هل يلحق حكم التوالد بحكم البيض و الفرخ أو لا؟.

قد يقال بذلك لشموله قوله عليه السّلام في صحيح معاوية: «و يفرخ» وفاقا لصاحب الجواهر و صاحب المستند و صاحب كشف اللثام- قدس اللّه تعالى أسرارهم- حيث قال صاحب الجواهر: (الظاهر إلحاق حكم التوالد بحكم البيض و الفرخ، بل لعله أولى بل يمكن ارادة ما يشمله من قوله: [و يفرخ]. و قال في المستند؛ (حكم التوالد حكم البيض) و نحوه ما في كشف اللثام.

و لكن الأقوى في النظر عدمه، لعدم شموله لفظ: [البيض؛ و الفرخ] له أما لفظ: (البيض) فعدم شموله للتوالد بديهي. و أما لفظ [الفرخ] فلاختصاصه ظاهراً بما يتكون في البيض و المفروض عدمه و أما قوله عليه السّلام: (فرخك و ابن فرختك) فهو محمول على ضرب من التجوز فعليه لا يمكن تسرية الحكم الثابت على البيض و الفرخ الى التوالد؛ لانه قياس،

و هو ليس من مذهب أهل الحق إلا إذا حصل لنا تنقيح المناط القطعي، و لكنه غير حاصل في الشرعيات- كما هو واضح-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 46

..........

و غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا، فالضابطة انما تختص بالحيوان الذي يبيض و يفرخ، و أما غيره كحيوان الذي له التوالد دون البيض و الفرخ فلا دليل لنا على جريان الضابطة عليه فإذا ظهر بما ذكرنا ضعف ما ذهب اليه صاحب الجواهر و المستند و كشف اللثام- قدس سرهم- هذا كله مبنى على الغض عما في القاموس حيث انه يظهر منه عدم اختصاص الفرخ بما يتكون في البيض و إلا فلا قياس أصلا.

(الثاني)- ان مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام في صحيحتي معاوية و حريز المتقدمين (و ما يكون من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر) هو اعتبار بيضه و فرخه في نفس الماء لا في حواليه و لا الآجام و نحوهما- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- و لذلك صرح بعض الفقهاء بان البط من صيد البر بل قال العلامة- رحمه اللّه تعالى- في المنتهى: (أنه قول عامة أهل العلم) مع أنه يبيض و يفرخ حول الماء لا في الماء نفسه؛ و على ذلك فأكثر الطيور البحرية بل تمامها تكون من صيد البر، لعدم تحقق الصغرى للضابطة المستفاد من صحيح معاوية و حريز المذكورين، لانه كل ما راجعنا أهل الخبرة و سئلناها لم يعرف بوجود طير يبيض و يفرخ في نفس البحر نعم، بعض الطيور يبيض و يفرخ في طرف البحر القريب منه، اللهم الا ان يقال: ان عدم الوجدان لا يدل

على عدم الوجود.

ان قلت: انه يمكن تحقق الصغرى للضابطة و هو انه يصدق عرفا على الطير الذي باض و فرخ في آجام البحر و حواليه أنه باض و فرخ في الماء فالضابطة المستفادة من الاخبار انما تكون ناظرة الى ما يراه العرف صغرى لتلك الضابطة.

قلت: انه لا وجه لاتباع المسامحات العرفية في تطبيق ما جعله الشارع من كون البيض و الفرخ في الماء و عدمه مناطا للبرية و البحرية لما قد تكرر منا مرارا في الأصول من أن المسامحات العرفية انما تكون متبعة في تشخيص نفس المفاهيم لا في تطبيقها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 47

..........

على المصاديق الخارجية، و لعله ليس في الحيوانات ما كان ذا نفسين و ذا حياتين، و لذلك لا نحتاج إلى هذه الضابطة، و على فرض التسليم قد عرفت اختصاصها بالطيور و عدم شمولها لغيرها لما في صحيحتي معاوية و حريز: (كل طير) ان لم نقل انها و ان اختصت بالطيور لكنها ظاهرة في كون البرية و البحرية مطلقا منوطتين بالبيض و الفرخ في أحدهما فيحكم بشمول الضابطة لغير الطيور فتدبر. و كيف كان فلم نظفر بتنقيح لذلك في كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- كما أشار إليه صاحب الجواهر قدس سره- حيث قال في ذيل هذا المبحث و إليك نص عبارته:

و لكن لم نجد ذلك منقحا في كلامهم، إذ من المحتمل كون ذلك ميزانا لغير المحكوم بكونه من صيد البحر عرفا؛ بل من المحتمل الاكتفاء في كونه صيدا بحريا بالبيض و الفرخ في حوالي الماء، أو في الآجام التي فيه أو نحو ذلك، إلا ان الاحتياط يقتضي اجتنابه) و ما افاده صاحب الجواهر- قدس سره- من الاحتياط متين إلا

إذا أحرزنا انه يبيض و يفرخ في الماء.

فتحصل من جميع ما ذكرنا انه إذا علم بكون حيوان بريا فلا ينبغي الإشكال في حرمة صيده، و إذا علم بكونه بحريا؛ فلا إشكال في حلية صيده. و اما إذا شك فيه و لم يعلم بدخوله في أحد الصنفين سواء كانت الشبهة حكمية أم موضوعية، فالمرجع حينئذ في إلحاق المشكوك بأحد الصنفين هو الضابط الأول المستفاد من صحيح محمد بن مسلم، لو كان يعيش في البحر فقط؛ أو في البر فقط. و الضابط الثاني المستفاد من صحيحتي معاوية بن عمار و حريز لو كان يعيش في البر و البحر كليهما.

هذا كله مما لا كلام لنا فيه انما الكلام و الاشكال فيما لو شك في دخوله في أحد الصنفين و لم يرتفع الشك بالضابط، لا بالأول، و لا بالثاني فيقع الكلام في أنه هل يلحق ذلك بالصيد المعلوم كونه بريا و يحكم بحرمته، أو المرجع هو أصالة البراءة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 48

..........

يمكن المصير إلى الأول، لوجوه:

(الأول)- إطلاق قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ. «1» و إطلاق الاخبار الدالة على حرمة مطلق الصيد كقوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم: (لا تستحلن شيئا من الصيد و أنت حرام) «2». و نحوه غيره من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- و خرج عن هذا الإطلاق مطلق الصيد البحري بالأدلة المتقدمة ذكرها التي قد دلت على حلية الصيد بالنسبة اليه، و بقي الباقي تحت أدلة الناهية، فعلى هذا ان أحرز كون حيوان بحريا، فصيده حلال. و الا فالمرجع هو الاطلاقاة الدالة على حرمة الصيد مطلقا.

و اما كون موضوع الحرمة خصوص البري في قوله تعالى:. حُرِّمَ

عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً «3» فلا يصلح لحمل الإطلاقات الدالة على الحرمة مطلقا عليه، لعدم التنافي الموجب للحمل بعد كونهما مثبتين غير دالين على مطلوبية صرف الوجود، بل مطلق الوجود. (و فيه): أنه بعد تقييد الإطلاقات الدالة على حرمة مطلق الصيد بالنسبة إلى البحري لا يمكن إثبات حرمة الصيد المشكوك بها، و ذلك لان مقتضى تقييد الإطلاقات الدالة على حرمة الصيد مطلقا بالبحري هو تقييد عنوان المطلق- و هو مطلق الصيد- بنقيض عنوان الخاص- و هو عدم البحرية- فعليه يكون متعلق التحريم بعد التقييد. هو الصيد الغير البحري. و من الواضح: أنه لا يمكن إثبات هذا التقييد بالتمسك بها، فإذا شك فيه و لم يعلم بدخوله في أحد الصنفين لا يمكن

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 96.

(2) الوسائل ج 2- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 و في الباب 17 من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 1.

(3) سورة المائدة الآية 97

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 49

..........

الحكم بحرمة صيده تمسكا بالعمومات و الإطلاقات سواء كانت الشبهة مصداقية- كما إذا لم يعلم أنه يبيض و يفرخ في البر أو في البحر- أم كانت مفهومية- كما إذا علم موطن بيضه و فرخه و أنه يبيض و يفرخ و يعيش في البر و البحر معا؛ و لكن لأجل تعيشه فيهما شك في أنه ملحق شرعا بالبري أو البحري- و قد حققنا في الأصول انه بعد فرض تعنون العام بعد التخصيص بغير العنوان الذي كان له قبله لا يبقى مجال للتفصيل في حجية العام و عدمها بين الشبهة المفهومية و المصداقية بحجيتها في الأول دون الثاني.

نعم انما يصح هذا التفصيل في التخصيص الأفرادي الذي لا

يعنون به العام و أما في مفروض المقام فليس الأمر كذلك؛ لانه تخصيص عنواني، و قد حققنا في الأصول أن مرجعه الى التقييد، فالعام يعنون بالخاص قطعا، فعليه يكون ما يعنون بعنوان البرية حراما؛ و ما يعنون بعنوان البحرية حلالا، فإذا أحرز أحد هذين العنوانين فلا اشكال. و أما إذا شك في ذلك و لم يعلم أنه بحري أو برئ فلا يمكن إحراز موضوع الحرمة- و هو كونه غير بحري- بالعمومات و الإطلاق الدالة على حرمة مطلق الصيد، لقصورها عن ذلك- كما عرفت آنفا.

و توهم: إمكان التمسك بالعمومات و الإطلاقات لإحراز موضوع الحرمة في المشكوك كونه بريا و بحريا. بتقريب: عدم تعنون العام بعد التخصيص بنقيض الخاص، لان التخصيص من قبيل إعدام الفرد، و من المعلوم عدم تعنون الافراد الباقية تحت العام بعدم الفرد الخارج، لعدم اتصاف جوهر بجوهر آخر لا وجودا و لا عدما؛ فلا يتصف الصيد في المقام بعدم البحرية، و حينئذ فالمشكوك داخل في العام فيتشبث به لإحراز حكمه- و هو الحرمة- واضح الفساد.

ضرورة: عدم كون البحرية من قبيل الافراد بل من العناوين المتنوعة للصيد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 50

..........

بحيث يتصف بكل منهما فيقال: (الصيد البحري) و (الصيد البري). فإذا خرج البحري عن دائرة مطلق الصيد فلا محالة يتضيق مصب العام؛ و يصير الموضوع الصيد الغير البحري؛ فيصير التخصيص من قبيل التقييد لا من قبيل موت فرد. و لا يظن من أحد التمسك بالمقيد مع الشك في القيد. فالمتحصل أنه لا وجه للتشبث بالعام لإحراز موضوع الحرمة في ما شك في بريته و بحريته.

(الثاني)- التمسك بقاعدة: كل حكم ترخيصي علق على أمر وجودي، حيث أنه يؤخذ بضد ذلك الحكم ما

دام لم يعلم بوجود ذلك الأمر الوجودي، ففي المقام يحكم بالحرمة التي هي ضد الحكم الترخيصى المعلق على أمر وجودي- و هو البحرية- فما لم يحرز هذا العنوان يحكم بحرمة الصيد المشكوك كونه بريا أو بحريا.

و الوجه في ذلك هو فهم العرف، لفهمه الملازمة بين ان شاء الحكم المعلق على الأمر الوجودي بعنوانه الواقعي و بين ان شاء الحكم الظاهري الذي هو ضد ذلك الحكم فيما إذا كان الأمر الوجودي مشكوكا، فحكم الأول مدلول مطابقي للأدلة، و الحكم الثاني مدلول التزامي عرفي لها.

و (فيه): منع صغرى و كبرى:

أما الصغرى: فلعدم كون الصيد المشكوك بريته و بحريته من صغريات هذه القاعدة التي موردها عدم اناطة ضد الحكم الترخيصى بأمر وجودي- كالمقام- لكون الحرمة أيضا معلقة على أمر وجودي- و هو البرية، لقوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً. كما أنه قد علقت الحلية على أمر وجودي- و هو كونه بحريا-، فيكون الحكم بالحرمة و الحلية في المقام كليهما معلقين على أمر وجودي في الأول بكونه بريا و في الثاني بكونه بحريا؛ فعليه لا يمكن الحكم بالحرمة إلا بعد إحراز عنوان البرية، و لا يكفي في الحكم بالحرمة مجرد عدم إحراز البحرية- كما لا يخفى-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 51

..........

لعدم وجود الشرط في المقام.

و أما الكبرى: فلعدم دليل على اعتبارها لا عقلا و لا شرعا و لا عرفا- كما قد حقق في الأصول- و أما ما ذكر في تقريب الاستدلال له من التلازم العرفي، فلا يمكن المساعدة عليه، لعدم التلازم عرفا بين الحكم المعلق على الأمر الوجودي بعنوانه الواقعي، و بين إنشاء الحكم الظاهري الذي هو ضده، فيما إذا كان الأمر الوجودي مشكوكا؛ لانه

لا يفهم العرف من الدليل إلا الحكم الواقعي الثابت عند وجود المعلق عليه و ليس المتكلم في بيان الحكم الظاهري و لا يفهمه العرف ايضا من كلامه، لانه ليس له دلالة أخرى بأن كل ما شك في بحرية ذلك الحيوان فيحكم ظاهرا بحرمة صيده- كما لا يخفى- فتدبر.

فقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما ذهب اليه المحقق النائيني- قدس سره- من الاحتياط و عدم إجراء البراءة هنا؛ لتمامية القاعدة بنظره- قدس سره- كبرى و صغرى، و الحرمة في المقام و ان علقت على أمر وجودي- و هو كونه بريا- كالحلية المعلقة على أمر وجودي- و هو كونه بحريا- و لكنه- قدس سره- يرى العبرة بتعليق الحلية عليه دون الحرمة- كما لا يخفى.

(الثالث)- التمسك في إثبات الحرمة بقاعدة المقتضى و المانع.

بتقريب: أن الصيدية مقتضية للحرمة و البحرية مانعة عنها، فإذا أحرز المقتضى و شك في وجود المانع يحكم بوجود المقتضى (بالفتح) و المفروض في المقام العلم بوجود المقتضى (بالكسر) و هو كونه صيدا و عدم العلم بوجود المانع و هو كونه بحريا فيحكم بالحرمة و (فيه) أولا: منع الكبرى، لما قد حققناه في الأصول من عدم اعتبار هذه القاعدة، إذ لم يرد دليل شرعي على حجيتها و عدم كفاية عدم العلم بوجود المانع في ترتب الأثر بل لا بد من العلم بعدم المانع. و ثانيا: منع الصغرى، إذ لم يثبت من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 52

..........

الاخبار الا حرمة الصيد الغير البحري- كما ذكرنا سابقا- و أما كون المقتضي للحرمة خصوص الصيدية و عنوان البحرية مانعا عنها فلم يثبت.

ان قلت: ان عموم العام- و هو حرمة كل صيد- حجة ما لم يرد دليل أقوى على خلافه،

و حيث ان دليل المخصص، و هو قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ. «1»

لا يكون حجة في الافراد التي لم يحرز دخولها تحت عنوان موضوع المخصص، فتبقى حجية العام فيها بلا معارض، ففي مفروض المقام يحكم بحرمة صيد المشكوك كونه بريا أو بحريا، لعدم إحراز عنوان المخصص فيه.

قلت: إنه قد عرفت أن العام بعد تقييده بدليل المخصص بغير افراد الخاص لا يكون حجة إلا في المقيد بغير عنوان الخاص؛ و المفروض أنه مشكوك في المقام فلا يمكن التمسك فيه بعموم العام.

(الرابع)- التمسك في إثبات الحرمة باستصحاب العدم الأزلي أو المحمولي بتقريب أن يقال: ان موضوع الحرمة مركب من جزئين أحدهما وجودي- و هو الصيد- و الآخر عدمي- و هو عدم كونه بحريا- حسب ما عرفت و يثبت هذا العدم بالاستصحاب لانه حين لم يكن موجودا لم يكن بحريا و بعد وجوده نشك في انتقاض عدم بحريته بالوجود فيستصحب هذا العدم، فيحكم بعدم كونه بحريا، فإذا أحرز هذا الجزء العدمي بالأصل و جزءه الآخر و هو الصيدية بالوجدان يلتئم كلا جزئي الموضوع فيحكم بالحرمة.

و (فيه): ما حققناه في الأصول من عدم حجية استصحاب العدم الأزلي فيما إذا كان الأثر مترتبا على خصوص العدم النعتي- كما في ما نحن فيه- لما مر من ان المستفاد من أدلة التخصيص كون موضوع الحكم هو الصيد المتصف بعدم كونه بحريا،

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 97

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 53

..........

بل يمكن أن يستفاد من الأدلة دخل القيد الوجودي- و هو البرية- في موضوع الحكم لا القيد العدمي- و هو عدم البحرية- كي يتم الموضوع باستصحاب العدم المحمولي بعد ضم الوجدان، و هو كونه صيدا؛ و ذلك لقوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ

صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً «1» و عليه فلا مجال لجريان استصحاب العدم المحمولي في المقام، و على فرض تسليم جريانه لا يمكن إثبات برية المشكوك به؛ لكونه مثبتا- كما لا يخفى.

نعم، على القول بعدم تعنون العام بهذا الخاص- كما أشرنا إليه سابقا- لا بأس بالعمل بهذا الأصل لو كان صحيحا في حد نفسه، و أغمض النظر عما ذكرنا من كون الأثر مترتبا على العدم النعتي.

فقد ظهر من جميع ما ذكرنا أنه ليس في البين دليل تعبدي يثبت حرمة الصيد المشكوك في كونه بريا أو بحريا فالمرجع حينئذ عند الكل هو أصالة البراءة في الشبهة الموضوعية بلا اشكال و أصالة البراءة أيضا في الشبهة الحكمية عند الأصوليين، و أصالة الاحتياط فيها عند جل المحدثين.

ثم ان الرجوع إلى البراءة في المشكوك مبنى على عدم تمامية الضابط المتقدم المستفاد من الاخبار المتقدمة في تمييز الصيد البري عن البحري؛ و الا فلا وجه للرجوع إلى البراءة أصلا، إذ مقتضى ذلك الضابط كونه بريا ان كان يعيش في البر فقط و بحريا ان كان يعيش في البحر كذلك، و مع تعيشه في كليهما فينظر إلى مكان بيضه و فرخه؛ فان كان هو الماء فبحرى و ان تعيش في البر ايضا؛ و ان كان هو البري فبري و ان تعيش في البحر أيضا.

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 97

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 54

[و النساء]
اشارة

و النساء وطيا (1)

« (إيقاظ)» لا يخفى: ان الظاهر عدم كون الضابط المتقدم المستفاد من الاخبار من الأمارات المعتبرة في ظرف الشك بل الظاهر كونه رافعا للاشتباه و موجبا للوثوق باندراج المشكوك في أحد الصنفين؛ فالمدار حينئذ في ترتيب آثار أحد الصنفين على هذا الوثوق.

و هذا انما

تكون نظير صفات الحيض الموجبة للوثوق و الاطمئنان به و نظير الأمارات بناء على ما سلكناه في الأصول من ان اعتبارها انما يكون لأجل حصول الوثوق و الاطمئنان منها فاعتبارها انما يكون ببناء العقلاء على ما حقق مفصلا في الأصول.

و الثمرة: بين كون الضابط المزبور عقلائيا أو تعبديا هي أن يؤخذ بذلك الضابط مطلقا على الثاني دون الأول؛ لأن الأخذ به منوط بالوثوق فبدونه يرجع الى الأصل العملي- و هو البراءة- على ما تقدم فلاحظ و تأمل و اللّه هو الهادي إلى الصواب

(1) بلا خلاف أجده في ذلك، و هذا هو المعروف بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا و الظاهر انه المتسالم عليه بينهم. و في الجواهر بعد ما نفي الخلاف قال: (للإجماع بقسميه عليه). و ادعاه صاحب المدارك- قدس سره- ايضا و يدل على ذلك قوله تعالى فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «1» و الرفث هو الجماع بالنصوص الكثيرة الواردة عنهم- عليهم السّلام- في المقام كصحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه؛ و ذكر اللّه، و قلة الكلام الا بخير، فان تمام الحج و العمرة ان يحفظ المرء لسانه

______________________________

(1) سورة البقرة الآية 92.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 55

..........

الا من خير، كما قال اللّه عز و جل فان اللّه يقول فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ فالرفث الجماع، و الفسوق الكذب و السباب و الجدال قول الرجل: (لا و اللّه، و بلى و اللّه) «1». و كخبر على بن جعفر قال: سألت أخي موسى عليه السّلام: (عن

الرفث؛ و الفسوق، و الجدال ما هو و ما على من فعله؟.) فقال: (الرفث جماع النساء، و الفسوق الكذب و المفاخرة، و الجدال قول الرجل: (لا و اللّه و بلى و اللّه) «2». و كخبر المفضل بن صالح عن زيد الشحام قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال؟» قال: (اما الرفث فالجماع، و اما الفسوق فهو الكذب، الا تسمع، لقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ «3». و الجدال قول الرجل: (لا و اللّه، و بلى و اللّه و سباب الرجل الرجل «4».

و ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن، عن جده عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرفث، و الفسوق، و الجدال، ما هو و ما على من فعله؟.» قال: (الرفث: جماع النساء و الفسوق: الكذب و المفاخرة، و الجدال: قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه. إلخ «5»).

و ما رواه محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلا من نوادر احمد بن محمد بن أبى نصر البزنطي عن عبد الكريم، عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام في حديث قال:

«قلت له: أ رأيت من ابتلى بالرفث و الرفث هو الجماع ما عليه؟» قال: (يسوق الهدي.

إلخ) «6» و أنت ترى صراحة دلالة هذه الاخبار على المدعى، و هو كون المراد

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) سورة الحجرات الآية 6

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 32 من أبواب تروك

الإحرام الحديث 8

(5) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 16

(6) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 15

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 56

..........

من الرفث الجماع و يدل على ذلك مضافا الى الآية الشريفة. جملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- منها:

1- خبر على بن حمزة، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام: «عن رجل محرم واقع اهله؟ قال: (قد اتى عظيما) قال: «استكرهها أو لم يستكرهها»؟ قلت: (أفتني فيها جميعا) قال: (ان كان استكرهها فعليه بدنتان، و ان لم يكن استكرهها فعليه بدنة، و عليها بدنة، و يفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان، حتى ينتهيا إلى مكة و عليهما الحج من قابل لا بد منه. قال قلت: «فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأة كما كانت؟» فقال: (نعم هي امرأة كما هي فإذا انتهيا الى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا فإذا أحلا فقد انقضى عنهما فان أبى كان يقول ذلك «1». و رواه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله 2- خبر سليمان بن خالد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما؟» فقال: (ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعا و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك؛ و حتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء) «2» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام الدالة على ترتب الكفارة على الوطي في حال الإحرام. و لا يخفى

ان دلالة هذه الاخبار على المدعى- و هو الحرمة- انما يتم بناء على تسليم الملازمة بين الكفارة و الحرمة و الا فلا- كما هو واضح- ثم ان تنقيح هذا المبحث يتوقف على الإشارة إلى فروع:

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 4 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 4 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 57

..........

(الأول)- ان حرمة وطيها في حال الإحرام ليست مختصة بإتيانهن قبلا لصدق: [الجماع- و الرفث] على وطي الدبر أيضا لأنه قد فسر: [الرفث] في بعض الاخبار المتقدمة: ب (جماع النساء)- كما في خبر على بن جعفر قال عليه السّلام فيه:

(الرفث: جماع النساء) و هي- كما ترى- تصدق على وطي الدبر ايضا كصدقها على وطي القبل فتدبر.

(الثاني)- انه هل يكون إيجاب الكفارة و إفساد الحج مختصا بالعالم بالحرمة أو يعم غيره- من الجاهل و الناسي.؟- فنقول: لا ينبغي الإشكال في اختصاص ذلك بالعالم بالحرمة. و أما الجاهل و الناسي فليس عليهما شي ء؛ و يدل على ذلك- مضافا الى اتفاق جميع الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قديما و حديثا- جملة من النصوص الكثيرة الواردة عنهم- عليهم السّلام- الدالة على ذلك- كصحيح زرارة قال:

سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة؟ فقال (ان كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا على حجهما و ليس عليهما شي ء «1» و ما عنه قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: (رجل وقع على أهله و هو محرم؟.) قال: (أ جاهل أو عالم)؟ قال قلت (جاهل) قال: (يستغفر اللّه؛ و لا يعود، و لا شي ء عليه) «2» و كصحيح معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عليه

السّلام: «عن محرم وقع على أهله؟» فقال: (ان كان جاهلا فليس عليه شي ء) «3» و ما رواه زرارة و ابى بصير جميعا قال: (سألنا أبي جعفر عليه السّلام عن الرجل الذي اتى أهله في شهر رمضان أو أتى اهله و هو محرم، و هو لا يرى إلا ان ذلك حلالا له؟» قال: (ليس عليه شي ء) «4» و ما رواه عن أبى جعفر: «في المحرم يأتي أهله ناسيا؟» قال: (لا شي ء عليه انما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناس) «5» و نحوها غيرها من الاخبار التي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 3.

(4) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 4.

(5) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 58

..........

سيأتي ذكرها- إنشاء اللّه تعالى- في مبحث الكفارات، و لا إشكال أيضا في ان الرفث مفسد للحج ان لم يكن بعد المشعر و ذلك للأخبار التي سيأتي ذكرها في محله- ان شاء اللّه تعالى.

(الثالث)- في أنه هل يختص الحكم المزبور- و هو ثبوت الكفارة- برفث امرأته أو يعم غيرها من النساء. يمكن ان يقال بالأول و ذلك لان قوله تعالى [فَلٰا رَفَثَ] الدال على حرمته في حال الإحرام ليس ناظرا إلى حرمة مطلق مجامعة النساء، بل هو ناظر إلى حرمة ما لم يكن محرما قبل الإحرام و هو مجامعته مع امرأته، فعليه يختص الحكم برفث

امرأته فقط و الوجه في ذلك: هو أن ما يكون محرما في حد نفسه كحرمة الرفث مع الأجنبية لا يمكن ان يصير محرما ايضا بالحرمة الإحرامية لكون الحكم و هو الحرمة منتزعا عن إنشاء النسبة الذي لا يكون قابلا للشدة و الضعف، حتى يقال بأشدية الحرمة في مجامعته مع الأجنبية في حال الإحرام من الحرمة المترتبة عليها في غير حال الإحرام نعم: بناء على كون الحرمة هي الحزازة و المبغوضية في متعلقها لكانت قابلا للتأكد و الشدة فيمكن حينئذ ان يقال بأن المبغوضية الثابتة للرفث مع الأجنبية تتأكد و تشتد بوطئها في حال الإحرام و لكن قد حققنا في الأصول خلافه و قلنا:

ان الأحكام بأسرها- من الحرمة و غيرها- أمور بسيطة انتزاعية غير قابلة للتأكد و الازدياد فعليه ما يكون حراما لا يمكن ان يصير حراما أيضا بالحرمة الإحرامية لعدم قابليته للشدة و الضعف.

و اما الأهمية و المهمية المقررة فإنما تكون بلحاظ المتعلق و الواجب لا بلحاظ نفس الحكم، كما هو واضح فعليه يختص ذلك الحكم و الكفارة بما إذا جامع مع امرأته و لكن الحق ان الحكم في المقام يعم جميع النساء و يحكم بشموله الأجنبية و ذلك لعدم المنافاة بين كونه محرما من أصله و كونه محرما ايضا بالحرمة الإحرامية بمعنى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 59

..........

صيرورة وطيه مع الأجنبية موجبا للكفارة عليه كما ذكر الفسوق في الآية الشريفة مع كونها محرما من أصله فيحكم بثبوت الكفارة فيما إذا وطئ امرأة أجنبية كما يحكم بذلك إذا وطئ امرأته.

(الثالث)- انه لا يخفى اختصاص الحكم المزبور- من الكفارة و غيرها- بوطي النساء و لا يمكن التعدي منه إلى مساحقة النساء بعضهن ببعض؛ و الى

وطئ البهائم، و غيرها، و ان كان العقاب في بعضها أشد و ذلك لوجوب الاقتصار على مورد الأخبار المتقدمة- و هو جماع النساء- لاحتمال خصوصية فيها. و لا دافع لهذا الاحتمال إلا فهم المثالية من ذكر جماع النساء (بدعوى): ظهوره فيها، و لكنها غير مسموعة، لكون الظاهر على خلافها فتدبر.

نعم: إذا حصل القطع بالمناط، فلا مانع من التعدي من موردها- و هو جماع النساء- الى غيره- و هو وطي البهائم و غيرها- و لكن ذلك مجرد فرض لا واقع له، لعدم الإحاطة، بالملاكات و موانعها لغير علام الغيوب؛ و غاية ما يحصل منه في المقام هو الظن بالحكم؛ و هو لا يغني من الحق شيئا، لعدم دليل على اعتباره فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا غير مشروع عندنا.

و لكن يمكن ان يقال بعدم اختصاص الحكم- و هو ثبوت الكفارة- بوطي النساء بل يحكم بذلك أيضا في وطي البهائم و غيرها (بدعوى): انه و لو فسر:

[الرفث] الواقع في منطوق الآية الشريفة ب [جماع النساء] في بعض الاخبار المتقدمة- كما في خبر على بن جعفر قال عليه السّلام فيه: (الرفث: هو جماع النساء). إلا أنه قد فسر في بعض آخر منها [بالجماع] و هو ايضا تقدم ذكره في صدر المبحث- كما في صحيح معاوية بن عمار قال عليه السّلام فيه: (و الرفث هو: الجماع). و من الواضح:

أنه يعم النساء و غيرها، و ذلك لان المعيار في الحكم بناء عليه هو صدق هذا العنوان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 60

و لمسا (1)

و لا ينبغي الإشكال في صدقه على وطي البهائم و غيرها، كصدقه في وطي النساء.

و اما تقييد ما دل على ان (الرفث) هو الجماع بما

دل على ان [الرفث] هو جماع النساء فيمكن ان يقال بأنه لا مجال له لعدم التنافي الموجب للحمل المطلق على المقيد فيما نحن فيه، لكونهما مثبتين و عليه فالتعدي عن جماع النساء الى غيرها- من البهائم و غيرها- ليس من تنقيح المناط حتى يورد عليه بعدم إمكانه في الشرعيات لعدم الإحاطة بالملاكات و موانعها و غاية ما يحصل منه الظن بالحكم و لا دليل على اعتباره بل لأجل إطلاق بعض الاخبار الواردة في تفسير الآية الشريفة المتقدمة [فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ. إلخ] و منها صحيح معاوية بن عمار المتقدم لقوله عليه السّلام فيه و الرفث هو الجماع.

و لكن يمكن ان يقال بتمامية ضابط باب حمل المطلق على المقيد- و هو التنافي الموجب للحمل- في ما نحن فيه، و ذلك لورود الأخبار المتقدمة- كما ترى- في مقام تفسير كلمة [الرفث] المتضمنة له الآية الشريفة، و معنى الرفث اما هو مطلق الجماع، أو خصوص جماع النساء لا كلاهما، فيتعين بناء عليه حمل ما دل على ان الرفث مطلق الجماع على ما دل على أنه جماع النساء و ذلك لكونهما في مقام التفسير و التحديد، فعليه يحكم باختصاص الحكم المزبور بوطي النساء دون البهائم و غيرها و ان كان العقاب في بعضها أشد، لأن مجرد أشدية العقاب لا توجب الكفارة.

نعم إذا أحرز بعدم ورود الأخبار المتقدمة في مقام التفسير و التحديد فلا يتم ذلك لما عرفت و لكن من أين يحصل ذلك فعليه يحكم بثبوت الكفارة على المحرم إذا وطي النساء سواء كانت امرأته أو كانت أجنبية دون البهائم و غيرها كما هو المشهور بل ادعى عليه الإجماع.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من حرمة

لمس النساء على المحرم انما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 61

و عقدا لنفسه و لغيره (1)

يكون فيما إذا كان ذلك عن شهوة، و اما إذا كان بدون شهوة فلا بأس به؛ و هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و يدل على ذلك- مضافا إلى اتفاقهم- ما في خبر مسمع بن أبى سيار، قال قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: (يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة؛ ان قبل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة و ان قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر اللّه و من مس امرأته و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة، و من نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و ان مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه «1» و لا يخفى ان حرمة المس على المحرم الموجب للكفارة انما يكون مختصا بما إذا مس بامرأته دون غيرها- من الأجنبية و غيرها- و ذلك لاختصاص الخبر بها فلا يمكن التعدي عن مورده- و هو امرأته- إلى غيره و هو الأجنبية و غيرها.

و أما القول بإمكان التعدي بتنقيح المناط فلا يمكن المساعدة عليه لانه غير قطعي و غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و لا دليل على اعتباره فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا غير مشروع عندنا لاحتمال خصوصية في مس الزوجة دون غيرها ثم أنه لا يخفى ان الحكم- و هو ثبوت الكفارة- في مفروض المقام انما يختص بالرجل المحرم إذا مس امرأته و أما إذا مس الامرأة المحرمة زوجها فلا مانع منه، لعدم الدليل على الحرمة. و أما الخبر المتقدم فهو-

كما ترى- لا دلالة فيه على ذلك نعم إذا قام دليل تعبدي عليه فيؤخذ به.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من حرمة عقد المحرم لنفسه و لغيره مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قال في الجواهر في شرح قول المصنف- طاب ثراه-: (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه؛ بل المحكي منهما مستفيضة ان لم يكن متواترة) و يدل على

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 12 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 62

..........

ذلك- مضافا إلى اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- جملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- في المقام كصحيح حماد عن ابن المغيرة، عن ابن سنان، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (ليس للمحرم أن يتزوج و لا يزوج، و ان تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل) «1». و رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن عبد اللّه بن سنان مثله، إلا أنه قال: (و لا يزوج محلا). و زاد: [و أن رجلا من الأنصار تزوج و هو محرم، فأبطل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نكاحه] و خبر أبى الصباح الكناني؛ قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن محرم يتزوج.؟» قال: (نكاحه باطل) «2». و ما رواه موسى بن القسم، عن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن سنان؛ عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: (ليس ينبغي للمحرم أن يتزوج، و لا يزوج محلا) «3» و ما رواه محمد بن عيسى، عن الحسن بن على، عن بعض أصحابنا، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: (المحرم لا ينكح و لا ينكح، و لا

يشهد؛ فان نكح فنكاحه باطل) «4». و رواه الكليني- رضوان اللّه تعالى عليه- عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد مثله و زاد: [و لا يخطب]. و صحيح ابن أبى عمير، عن صفوان؛ عن معاوية ابن عمار، قال: (المحرم لا يتزوج، و لا يزوج فان فعل فنكاحه باطل) «5». و خبر الحسن بن محبوب؛ عن سماعه بن مهران، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوج محرما و هو يعلم أنه لا يحل له). قلت: «فان فعل فدخل بها المحرم.؟» فقال: (ان كانا عالمين فان على كل واحد منهما بدنة، و على المرأة ان كانت محرمة بدنة، و ان لم تكن محرمة فلا شي ء عليها، إلا أن تكون هي قد علمت أن الذي تزوجها محرم، فان كانت علمت ثم تزوجته فعليها بدنة) «6» و رواه الشيخ

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

(6) الوسائل: ج 2- الباب- 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 63

..........

- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن محمد بن يعقوب. و خبر عاصم بن الحميد، عن أبى بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (المحرم يطلق و لا يتزوج) «1» و رواه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن موسى بن القسم، عن صفوان و ابن أبى عمير، عن عاصم بن

حميد إلا أنه قال: (للمحرم أن يطلق و لا يتزوج) و رواه الصدوق- قدس سره- عن عاصم بن الحميد كالأول. إلى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- و أنت ترى تمامية دلالتها على المدعى.

ثم أن تنقيح البحث في هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الاولى)- أنه كما يستفاد من الأخبار المتقدمة حرمة التزويج لنفسه، كذلك يستفاد منها حرمة إجراء الصيغة لغيره عليه تكليفا و وضعا- و هو فساد العقد و عدم ترتب الزوجية عليها- و لا مجال لاحتمال أن يقال: إن قوله عليه السّلام في الاخبار المتقدمة: (يتزوج) حقيقة في التزويج، و لا يشمل إجراء الصيغة.

اللهم إلا أن يقال بعدم شمول التزويج الحقيقي لإجراء الصيغة، لأنه عبارة عن قيام الأب أو المولى بزواج ابنه الصغير أو عبده فهناك يصدق هذا العنوان حقيقة- و هو كونه مزوجا و أما مجرى الصيغة فلا يصدق عليه هذا العنوان حتى يقال بشمول الأخبار الناهية له.

لكن يمكن المناقشة فيه بما في خبر الحسن بن على المتقدم قال عليه السّلام فيه:

(المحرم لا ينكح، و لا ينكح؛ و لا يشهد. إلخ) لظهوره عرفا في حرمة كل عمل له دخل في تحقق الزواج و لو بنحو الاعداد.

مضافا إلى إمكان دعوى ظهور عنوان المزوج عرفا في مجرى الصيغة بل هو المتعين لان المزوج حقيقة من يوجد علقة الزوجية بين الرجل و المرأة، و من

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 17 من أبواب تروك الحرام الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 64

..........

المعلوم عدم انطباقه إلا على المجرى لعقد النكاح، فالمناقشة في صدق المزوج على مجرى الصيغة في غاية الضعف. و على كل حال لا ينبغي الارتياب في حرمة إجراء صيغة النكاح على

المحرم إما لصدق المزوج عليه حقيقة- كما عرفت- و إما لكونه دخيلا في تحقق الزواج و لو دخلا إعداديا- كما مر آنفا.

فعلى هذا ليس لأحد من الجد المحل أو الأب كذلك أن يوكل شخصا محلا لتزويج الصغير المحرم و كذلك ليس لأحدهما مع فرض كونه محرما دون المولى عليه ان يوكل محلا لتزويجه لحرمة كل فعل له دخل و لو بنحو الاعداد في تحقق الزواج فليس لهم توكيل الغير في التزويج و ان لم نقل بكون التوكيل تزويجا.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه العلامة- طاب ثراه- في القواعد من ان الأقرب جواز توكيل الأب المحرم محلا في تزويج المولى عليه، بعد توجيهه في الجواهر بان التوكيل ليس من التزويج المحرم بالنص و الإجماع. و لا بأس بذكر ما في الجواهر حيث أنه بعد ما جمع بين ما دل على حرمتها عليه مؤبدا بالعقد في حال الإحرام و ما دل على عدم حرمتها عليه مؤبدا به بل له تزويجها و نكاحها بعد إحلاله بحمل الأول و هو ما دل على عدم جواز نكاحها عليه بعد إحلاله على صورة العلم و بحمل الثاني و هو ما دل على جواز نكاحها له بعد إحلاله على صورة الجهل بشهادة خبر داود بن سرحان الدال على ان المحرم إذا تزوج و هو يعلم انه حرام لم يحل له ابدا و اعتضاده بالنسبة إلى علمائنا قال: (فوسوسة بعض الناس في غير محلها كما ان ما عن أبي حنيفة و الثوري و الحكم من جواز نكاحه لنفسه فضلا عن غيره من جملة إحداثهم في الدين بل الظاهر عدم الفرق في الحرمة في الأول بين المباشرة، و التوكيل؛ كما عن المشهور

و غيره؛ التصريح به. بل لو كان قد وكل حال الحل لم يجز للوكيل العقد له حال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 65

..........

الإحرام، كما لو وكل حال الإحرام محلا على العقد له حال الإحلال صح، بناء على عدم اعتبار إمكان وقوع الموكل فيه من الموكل حال الوكالة، لأن التوكيل ليس نكاحا، و ستسمع تحقيقه في التفريع الذي ذكره المصنف. و كذا بين الفضولي و الوكالة و الولاية في الثاني، بل قد عرفت صراحة النصوص في بطلان العقد، كما هو معقد صريح الإجماع في الخلاف و الغنية و التذكرة، و ظاهره في غيرها. نعم؛ في القواعد: «الأقرب جواز توكيل الجد المحرم محلا أي في تزويج المولى عليه» بل مقتضاه الصحة و ان أوقعه الوكيل و الولي محرما؛ و لعله لانه و المولى عليه محلان؛ و التوكيل ليس من التزويج المحرم بالنص و الإجماع. و فيه: ما لا يخفى عليك في ما لو أوقعه الوكيل حال الإحرام، إذ الوكيل نائب الموكل و لا نيابة في ما ليس له فعله على التزويج المنهي عنه في النصوص، الذي يشمل التوكيل، و لذا قطعوا بحرمة توكيل المحرم على التزويج لنفسه و بطلان العقد، و لعله لذا كان خيرة محكي الخلاف عدم الجواز مدعيا عليه الإجماع. على أنه لا وجه لتخصيص الجد بالذكر) و مضافا إلى ما افاده- قدس سره-: ان الأمر بالكفارة في بعض الاخبار المتقدمة كخبر سماعة بن مهران المتقدم في صدر المبحث يكشف عن حزازة و مبغوضية في هذا الفعل بحيث لا يرضى الشارع المقدس بوجوده في ذلك الحال؛ بناء على الملازمة بين الكفارة و الحرمة. و بالجملة: فلا فرق في حرمة النكاح في ذلك الحال بين

كون الوكيل و المولى عليه محلين و محرمين و مختلفين.

(الثانية)- أنه لا معارضة بين الاخبار المتقدمة الدالة على عدم جواز التزويج في حال الإحرام و بين خبر الحسن بن على عن عمر بن أبان الكلبي عن المفضل أنه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال له: «هذا الكلبي على الباب و قد أراد الإحرام و أراد ان يتزوج ليغض اللّه بذلك بصره، إن أمرته فعل و الا انصرف عن ذلك؟.» فقال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 66

..........

له: (مره فليفعل ليستتر) «1». و ذلك لوضوح ان مورده قبل التلبس بالإحرام لا بعده حتى يتحقق التعارض. قال في الوسائل بعد ما ذكر هذا الحديث: (قال الشيخ قوله: عليه السّلام [فليفعل] انما أراد قبل دخوله في الإحرام؛ و قال يمكن أن يكون محمولا على التقية؛ لأنه مذهب بعض العامة. أقول: الوجه الأول عين مدلوله) (الثالثة)- أنه لو عقد الفضولي للمحرم و بعد خروجه عن الإحرام أجاز ذلك العقد فهل يمكن القول بصحته أم لا؟. الظاهر: أن المسألة مبنية على أن الإجازة في باب الفضولي ناقلة أو كاشفة فإن قلنا بكونها ناقلة- كما هو الأصح؛ على ما حقق في محله- فلا مانع من صحته، لحصول الزواج- بناء عليه- بعد الإحلال و ان قلنا بكونها كاشفة فلا.

ثم انه لا يجوز للمحرم اجازة عقد النكاح الواقع فضولا و ان وقع العقد في حال إحلاله بناء على النقل. و لكن بناء على الكشف فيمكن أن يقال: أنه لا مانع منه لأن المؤثر حينئذ ليس إلا العقد حين وقوعه لا حين الإجازة.

اللهم إلا أن يقال بعدم جواز كل شي ء له تعلق بالنكاح للمحرم- كما قلنا به سابقا- و يومي اليه مرسل ابن

أبي شجرة في المحرم يشهد على نكاح محلين؟ قال:

(لا يشهد) ثم قال: يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محل!؟! «2» حيث انه أريد به الإنكار و التشبيه. بتقريب:، أنه كما لا يجوز اشارة المحرم الى الصيد كذلك لا يجوز له الشهادة، فإن مقتضى تشبيهها بالإشارة إلى الصيد هو عدم جواز صدور كل ما له دخل في النكاح من المحرم و لو بالإجازة. بل يستفاد من هذا المرسل أن كل ما يتعلق بالنكاح و لو تعلقا إثباتيا لا ثبوتيا- كالشهادة التي لا تؤثر في ثبوت

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 1 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 67

..........

النكاح بل تؤثر في إثباته- يحرم على المحرم. و ان التعلق الاثباتى في النكاح كالتعلق الثبوتي في غيره- كالإشارة التي لها دخل إعدادي في تحقق الصيد.

(الرابعة)- انه لو تزوج المحرم فعقد على المحلة أو المحرمة؛ فإن كان ذلك عن علم بالحرمة و مع ذلك أقدم على التزويج فرق بينهما؛ و لا يتعاودان أبدا، لصيرورة المعقود عليها حراما مؤبدا عليه، من دون فرق بين تحقق الإيلاج و عدمه، كما ان الأمر كذلك على معقودة الغير، و ذلك بمقتضى ما روى أحمد بن محمد عن الحسن بن على عن ابن بكير عن إبراهيم بن الحسن عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان المحرم إذا تزوج و هو محرم فرق بينهما ثم لا يتعاودان ابدا «1». و ما روى موسى بن القسم عن عباس عن عبد اللّه بن بكير عن أديم الحر الخزاعي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

ان المحرم إذا تزوج و هو

محرم فرق بينهما و لا يتعاودان ابدا، و الذي يتزوج المرأة و لها زوج يفرق بينهما و لا يتعاودان ابدا) «2». و في المرسل قال: قال عليه السّلام: من تزوج امرأة في إحرامه فرق بينهما و لم تحل له ابدا «3». و لا يعارضهما ما رواه صفوان و ابن أبى عمير عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبى جعفر قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل ان يحل فقضى ان يخلى سبيلهم و لم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل فإذا أحل خطبها ان شاء و ان شاء أهلها زوجوه و ان شاؤا لم يزوجوه «4» و ذلك لانه يجمح بينهما بحمل هذا الخبر على صورة الجهل و تلك الاخبار على صورة العلم بقرينة خبر زرارة و داود بن سرحان في حديث و، المحرم إذا تزوج و هو يعلم انه حرام لم يحل له أبدا «5». كما أفاده

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(5) الوسائل ج 3- الباب- 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 68

و شهادة على العقد (1)

صاحب الجواهر- قدس سره- فالمتحصل: انه لو تزوج المحرم فعقد على المحرمة أو المحلة فإن كان ذلك منه عن علم بالحرمة فرق بينهما و لا يتعاودان لصيرورتها حراما مؤبدا عليه. و أما إذا كان عن جهل فلا. فعليه لو

اتفق الزوجان على وقوع العقد العقد في حال الإحرام بطل سواء كانا عالمين أم جاهلين أم مختلفين. و أما إذا اختلفا و ادعى أحدهما وقوع العقد في حال الإحلال و الآخر في حال الإحرام فسيتضح لك تحقيق ذلك- ان شاء اللّه تعالى- عن قريب عند تعرض المصنف- طاب ثراه- لهذا الفرع.

(الخامسة)- انه قد عرفت ان العقد الواقع في حال الإحرام باطل فلا مهر إلا مع الدخول، فان دخل بها كان لها مهر المثل، لخبر سماعة عنه عليه السّلام قال:

(لها المهر ان دخل بها) «1» هذا إذا لم تكن عالمة و إلا فلا مهر أصلا إذ لا مهر لبغي- كما لا يخفى.

(1) ما افاده المصنف- قدس سره- من حرمة شهادة المحرم على العقد مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قال في الجواهر عند شرح قول الماتن: (و كذا تحرم عليه شهادة على عقد النكاح للمحلين و المحرمين و المفترقين، بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب، بل عن محتمل الغنية الإجماع عليه، بل عن الخلاف دعواه صريحا. إلخ) و إطلاق عبارة المصنف- قدس سره- كما افاده صاحب المدارك يقتضي عدم الفرق بين ان يكون العقد لمحل أو محرم. و قد صرح به العلامة- رحمه اللّه تعالى- في التذكرة و المنتهى و هو الحق و يدل على ذلك- مضافا إلى دعوى الاتفاق المزبور- ما رواه عيسى عن الحسن بن على عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (المحرم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 69

..........

لا ينكح و لا ينكح و لا

يشهد فان نكح فنكاحه باطل «1». و ما رواه عثمان بن عيسى عن ابن أبي شجرة عمن ذكره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «في المحرم يشهد على نكاح محلين؟» قال: لا يشهد ثم قال: يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محل؟! «2».

ان قلت: ان في الخبرين قصورا من حيث السند؛ لكونهما مرسلين، فلا يمكن الاعتماد عليهما في الحكم بحرمة شهادة المحرم على العقد. قلت: نعم؛ لكنه منجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بمضمونهما الموجب تكوينا للاطمئنان بصدورهما الذي هو مناط اندراج الخبر تحت دليل الاعتبار، على ما تكرر منا ذلك في غير واحد من المقامات، فلا يصغى إلى المناقشة فيهما بضعف السند كما افاده صاحب الجواهر و غيره من الفقهاء- قدس سرهم- حيث قال بعد ما استشهد بهما في الحكم بحرمة شهادة العقد عليه في حال الإحرام: (و على كل حال فوسوسة بعض متأخري المتأخرين فيه، لضعف الخبرين في غير محلها؛ بعد ما عرفت. و خلو المقنع و المقنعة و جمل العلم و العمل و الكافي و الاقتصاد و المصباح و مختصره و المراسم عن ذلك لا يقتضي الخلاف فيه. إلخ.)

ثم انه يقع الكلام في دلالتهما، فنقول: انه يحتمل إرادة إقامة الشهادة و أداءها من كلمة: [يشهد] و ربما يقرب هذا المعنى ما في نسخة الوسائل من كلمة: (على) في مرسل ابن أبي شجرة لما فيها: (المحرم يشهد على نكاح محلين؟.) فحينئذ يكون المحرم على المحرم هو خصوص أداء الشهادة لا التحمل و الحضور في مجلس العقد كما يمكن تأييده بما في ذيل هذا المرسل حيث أنه عليه السّلام بعد أن نهى عن الشهادة قال فيه: (يجوز للمحرم أن

______________________________

(1) الرسائل ج 2

الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب- 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 8 و في باب 14 من هذه الأبواب الحديث 5 و لم يذكر فيه ذيل الحديث.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 70

..........

يشير بصيد على محل!؟) بناء على إن هذا الاستفهام إنكاري، و المراد تشبيه الشهادة بالإشارة إلى الصيد من حيث دخل الشهادة في النكاح، كدخل الإشارة في الصيد. و من المعلوم ان الدخيل في النكاح هو أداء الشهادة لا مجرد تحملها.

لكن فيه ما لا يخفى ضرورة: أن أداء الشهادة أيضا ليس كالإشارة إلى الصيد حيث أن للإشارة دخلا في وجود الصيد؛ و هذا بخلاف أداء الشهادة، فإنه ليس من علل وجود النكاح بل من وسائط إثباته في مقام النزاع و الدعوى. نعم مقدمات التزويج- كالرضا الطرفين- تكون كالإشارة إلى الصيد. و بالجملة فهذا الوجه لا يجدى في التأييد أصلا.

و يحتمل قويا ارادة التحمل و الحضور من قوله عليه السّلام: [يشهد] لا أداء الشهادة و يقربه مرسل ابن أبي شجرة ما في نسخة الجواهر من عدم كلمة: (على). اللهم إلا أن يقال بعدم كون كلمة (على) صالحا للقرينية على إرادة الشهادة؛ فيحتمل كل منهما.

و كيف كان فإن أمكن استظهار أحدهما فهو، و إلا فيحصل العلم الإجمالي بحرمة أحد الأمرين- من تحمل الشهادة، أو أداءها عليه- و هذا العلم الإجمالي يوجب عقلا الاجتناب عن كليهما، لرجوع الشك إلى المكلف به الموجب للاحتياط فعليه يحكم بثبوت كفارة واحدة عليه إذا ارتكب كليهما؛ و أما إذا ارتكب أحدهما فلا يجب عليه الكفارة للشك في ارتكاب حرام واقعي.

و بهذا التقريب يتم ما أفاده المصنف من الحكم بحرمة كل من التحمل و الأداء.

إلا

أن يقال: ان حرمة كل منهما حينئذ تكون بحكم العقل لا الشرع؛ و المراد بمحرمات الإحرام هو الحرمة الشرعية لا العقلية فلم يظهر دليل تام على ما افاده المصنف- قدس سره- من حرمة كليهما، و التمسك بالإجماع على الحرمة فيه ما لا يخفى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 71

و اقامة لو تحملها محلا (1)

هذا كله بناء على كون [يشهد] مبنيا للفاعل و أما بناء على احتمال كونه مبنيا للمفعول، فلا يثبت حرمة شي ء من التحمل و الأداء. لكون أطراف العلم الإجمالي حينئذ ثلاثية، لانه اما يحرم عليه التحمل؛ أو الأداء و إما يحرم على الغير طلب الشهادة منه، و مع هذا الدوران يسقط العلم الإجمالي عن التأثير لأنه دائر بين شخصين، و من المعلوم ان مرجع الشك في مثله إلى الشك في نفس التكليف لا المكلف به؛ لكون كل من الشخصين شاكا في توجه الخطاب اليه؛ فلا ينبغي الارتياب في مرجعية أصالة البراءة في كل علم إجمالي دائر بين شخصين كما نقح في الأصول، فالمتحصل: انه لا يمكن الحكم بحرمة شي ء من التحمل و الأداء و الاستشهاد منه و لكن و الذي يسهل الخطب انه لا سبيل إلى إنكار ظهور رواية الحسن بن على المتقدم في النهي عن التحمل و الحضور، لأن الشهادة مأخوذة من الشهود الذي هو بمعنى الحضور، فاستعماله في الأداء يكون مجازا، و لا يصار اليه بلا قرينة و لم تقم عليه في ما نحن فيه، فلا وجه لرفع اليد عن الظاهر، كما لا وجه لإنكار ظهور:

[يشهد] كونه مبنيا للفاعل لوحدة السياق؛ حيث ان الأفعال السابقة عليه تكون مبنية للفاعل.

فتلخص: ان الشهادة بمعنى التحمل و الحضور في مجلس العقد حرام على المحرم

مطلقا كما افاده المصنف و غيره من الفقهاء- قدس سرهم.

ثم ان مقتضى إطلاق حرمة تحمل الشهادة عدم اختصاص الحرمة بما إذا كان الحضور لأجل تحمل الشهادة، فما ذهب اليه صاحب المدارك- قدس سره- من قصر الحكم بما إذا كان الحضور لأجل تحمل الشهادة ضعيف.

(1) ما افاده المصنف- قدس سره- من حرمة إقامة الشهادة على المحرم مما قد نسب إلى المشهور و قال في الجواهر: (و كذا تحرم عليه إقامته اى إقامتها على العقد كما عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 72

..........

المبسوط و السرائر بل في الرياض إلى المشهور بل في الحدائق ظاهرهم الاتفاق عليه لاحتمال دخولها في الشهادة المنهي عنها في الخبرين و الفتاوى. و فيه منع واضح، لان شهادته غير الشهادة عليه، و لفحوى الإنكار المتقدم في أحد الخبرين، و لكن في القواعد: الإشكال في ذلك، و لعله مما عرفت؛ و من عموم أدلة النهي عن الكتمان و توقف ثبوت النكاح شرعا عليها، و وقوع مفاسد عظيمة إن لم تثبت بخلاف إيقاعه إذ لا يتوقف عليها عندنا، و لذا يصح العقد و ان حضره، قيل: و لأنها أخبار لا إنشاء، و الخبر إذا صدق و لم يستلزم ضررا لم يحسن تحريمه؛ و لأنها أولى بالإباحة من الرجعة التي إيجاد للنكاح في الخارج على أنه لا جابر للخبرين المزبورين في إرادة ذلك من الشهادة فيهما و النسبة إلى الشهرة لم نتحققها، على انك قد عرفت ظهور الخبرين في حضور العقد، لا الفرض. و مرسل الإنكار مع انه لا جابر له أيضا لم يعلم ارادة ما يشمل الفرض منه، و لعله أولى و ان كان الأول أحوط بل ربما يومئ النهي عن شهادته إلى عدم

إقامتها.) و لكن التحقيق: انه لا دليل على حرمة أداء الشهادة على المحرم، و أن نسب إلى المشهور حرمته أيضا، لكن قد عرفت قصور النصوص المتقدمة الدالة على حرمة شهادة المحرم على العقد عن شموله، فلو شك في حرمته فالأصل عدمها من دون حاجة في إثبات جوازه (تارة): إلى التشبث بأدلة حرمة كتمان الشهادة الدالة على وجوبها عند الاحتياج إليها. و (اخرى): إلى الاستدلال بلزوم ترتب مفاسد عظيمة على عدم الشهادة. و (ثالثة): إلى التمسك بكون الشهادة إخبارا لا إنشاءً و الخبر الصادق إذا لم يترتب عليه ضرر فلا يحسن تحريمه. و (رابعة):

بأولوية جواز أداء الشهادة من جواز الرجوع إلى المعتدة في العدة الرجعية لانه إيجاد للنكاح دون أداء الشهادة. و (خامسة): إلى الاستدلال بأن الأصحاب- رضوان اللّه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 73

..........

تعالى عليهم- لم يفهموا من قوله: عليه السّلام [لا يشهد] إلا النهي عن الحضور في مجلس العقد و تحمل الشهادة. فتحصل من جميع ما ذكرنا: جواز أداء الشهادة و حرمة التحمل و الحضور في مجلس العقد للمحرم و لا يلزم من الحكم بحرمة التحمل و الحضور في مجلس العقد عليه حرمة الأداء، لعدم الملازمة بينهما- كما لا يخفى- فعليه لا يمكن المساعدة على ما ذهب اليه المصنف- قدس سره- من الحكم بحرمة إقامة الشهادة عليه، إلا بناء على تمامية ما سبق ذكره عند البحث عن حكم شهادة المحرم على العقد و الإغماض عما فيه.

ثم انه بناء على القول بحرمة أداء الشهادة أيضا، كما افاده المصنف- قدس سره- لا بد من تقييدها بما إذا لم يترتب على تركها خطر عظيم لا يمكن التخلص عنه إلا بأداء الشهادة، فلو ترتب ذلك على تركها

فلا محيص عن الحكم بالجواز لأجل العنوان الثانوي الذي حقق في محله تقدمه على العنوان الاولى. و أما إذا أمكن دفع المفسدة بغير أداء الشهادة، كما إذا أمكن تأجيل الحكم إلى زمان إحلاله تعين ذلك، لكن لا يجوز له أن يقول للحاكم: [عندي شهادة على النكاح و التزويج و لا أقيمها إلا بعد أن أحل من الإحرام] و ذلك لان هذا عين أداء الشهادة. و الحاصل: أنه لا منافاة بين حرمة إقامة الشهادة و بين حرمة الكتمان إذا اقتضت الضرورة المبيحة لإقامتها.

ثم انه نبه المصنف- قدس سره- بقوله: (و لو تحملها محلا) على خلاف الشيخ- رحمه اللّه تعالى- حيث قيد تحريم إقامة شهادة النكاح على المحرم بما إذا تحملها و هو محرم، و مقتضى إطلاق عبارته عدم الفرق في تحريم إقامة الشهادة بين ان يكون العقد الواقع بين محلين و محرمين و مختلفين. ثم انه لا بأس بذكر ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- في ذيل هذا المبحث قال: (ثم على التحريم؛ قيل تحرم الإقامة حاله و لو تحملها محلا أو كان بين محلين، لانتفاء دليل المخصص و ان تأكد المنع إذا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 74

و لا بأس به بعد الإحلال (1)

تحملها محرما أو كان على محرمين. بل قيل لا تسمع شهادته؛ لخروجه به عن العدالة فلا يثبت بشهادته. و فيه: أنه ممنوع، لجواز الجهل و الغفلة و التوبة و سماع العقد اتفاقا» بل يمكن القول بقبولها لو أداها محرما لغفلة و نحوها. و في محكي التذكرة:

«و لو قيل أن التحريم مخصوص بالعقد الذي أوقعه المحرم كان وجها». بل قال:

ان ذلك معنى كلام الأصحاب على ما حكاه عنه ولده و في المدارك:

«لا بأس به قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق ان تم، و إلا اتجه عدم التحريم مطلقا» و فيه:

انه يمكن المنع بناء على أنه نوع تعلق بالنكاح. إلخ).

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من نفي البأس على إقامة الشهادة بعد إحلاله مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر عند شرح قول الماتن: (. كما صرح به الفاضل و غيره؛ على معنى ثبوت النكاح بإقامتها بعده و ان علم تحملها محرما، لإطلاق الأدلة. و ما عرفت من عدم خروجه بذلك عن العدالة؛ خلافا للمحكي عن المبسوط، من عدم ثبوتها إذا كان التحمل في حال الإحرام، إما لفسقه. و فيه: ما عرفت. أو لأن هذه الشهادة شهادة مرغوب عنها شرعا فلا تعتبر و ان وقعت جهلا أو سهوا أو اتفاقا. و هو مجرد دعوى لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها).

و قال في المدارك عند شرح قول المصنف- قدس سره-: (و لا بأس به بعد الإحلال) هذه العبارة لا تخلو من شي ء، و كان المراد منها: أنه لا بأس بإقامة الشهادة بعد الإحلال و ان كان قد تحملها في حال الإحرام، و ينبغي تقييده بما إذا وقعت الشهادة بعد التوبة؛ لتحريم التحمل وقت الإحرام على ما سبق.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 75

..........

« (الكلام في حرمة الخطبة و عدمها)» ينبغي هنا التكلم في حرمة الخطبة و عدمها على المحرم، فنقول: انه يمكن الاستدلال على حرمتها بمرسل ابن فضال الذي رواه في الجواهر قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يخطب و لا يشهد النكاح و ان نكح فنكاحه باطل).

و بما في النبوي المروي فيها ايضا قال: (و لا ينكح المحرم و لا ينكح و لا يشهد و لا يخطب)، و ذلك لظهوره في حرمة الخطبة على حذو ظهوره في حرمة النكاح هذا بناء على كون [لا يخطب] مبنيا للفاعل، كما هو الظاهر بقرينة سائر الأفعال المذكورة فيه. و أما بناء على كونه بصيغة المجهول، فلا يتم دلالته على المدعى، لصيرورة معناه حينئذ أنه لا يأخذه غيره للخطبة، فعليه إذا لم يكن الاحتمال الأول ظاهرا، بل احتمل كلا الأمرين؛ فيحصل العلم الإجمالي بين حرمة الخطبة عليها و بين حرمة طلب الغير له للخطبة، و المرجع حينئذ هو البراءة، لما عرفت في المسألة السابقة من عدم تأثير العلم الإجمالي الدائر بين شخصين في التنجيز، لكن هذا الاحتمال في غاية الوهن و السقوط، فلا ينبغي الارتياب في كون [يخطب] بصيغة المعلوم؛ لوحدة السياق، حيث ان الأفعال السابقة عليه تكون مبنية على الفاعل.

نعم، ينبغي أن يناقش في اعتبار المرسل المذكور و نحوه بالنسبة إلى جملة [لا يخطب] حيث أن ضعف سنده و ان أنجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- إلا ان هذه الجملة مما اعرض عنها الأصحاب؛ لعدم بناء أحد من القدماء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- على حرمة الخطبة، و من المعلوم ان الاعراض كاسر، كما ان العمل جابر و استنادهم إلى المرسل المزبور و غيره مما هو مثله بالنسبة إلى غير الخطبة من سائر الجمل المذكورة فيه غير جابر لما أعرضوا عنه من الخطبة بعد انحلال الرواية الواحدة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 76

..........

المشتملة على جمل عديدة إلى روايات كثيرة بعدد تلك الجمل؛ كما قد حقق في محله، و مجرد عمل بعض نادر به

لا يرفع وهنه، و لا يجبر ضعفه، فحينئذ يكون الحكم بحرمة الخطبة على المحرم اعتمادا على المرسل في غاية الإشكال، فمقتضى الأصل على تقدير الشك فيه جواز الخطبة للمحرم.

و أما الكراهة فقد ذهب إليه أكثر الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر: (و تكره الخطبة؛ كما في القواعد، و محكي المبسوط و الوسيلة، للنهي عنه في النبوي. إلى أن قال: و المرسل السابق المحمول عليها بعد القصور عن إثبات الحرمة مؤيدا بأنها تدعو الى المحرم، كالصرف الداعي إلى الربا. فما عن ظاهر ابى على من الحرمة واضح الضعف، بل الظاهر عدم الفرق في الكراهة بين كونها لنفسه أو لغيره من المحلين، لإطلاق الخبرين). لكن ينبغي الكلام في وجه استفادة الكراهة منها؛ مع أن ظاهرها الحرمة، يمكن الاستدلال لذلك بوجهين:

(الأول)- اخبار من بلغ. و (فيه): بعد الغض عن تعدد الاحتمالات المتطرقة في مفادها- من كونها اخبارا عن ترتب الثواب الموعود على العمل أو إنشاء لحكم أصولي- و هو حجية الخبر الضعيف- أو فقهي- أعني استحباب نفس العمل أو بعنوان بلوغ الثواب عليه على التفصيل الذي استوفيناه في الأصول؛ و تسليم تماميتها دلالة- أنها تختص بالمستحبات. و التعدي عن موردها إلى المكروهات بان يكون الخبر الضعيف حجة في المكروهات أو يكون الفعل مكروها محتاج إلى الدليل، و هو مفقود.

(الثاني)- دعوى: كون النهى عن الخطبة لأجل دخلها في وقوع الشخص المحرم في التزويج المحرم؛ فليس في نفس الخطبة مفسدة تقتضي تشريع حرمتها، فلا وجه لتحريمها، بل دخلها الاعدادى في النكاح أوجب فيها حزازة اقتضت كراهتها.

و (فيه): أولا- انه تخرص بالغيب إذ لا سبيل إلى إحرازه و مجرد الاحتمال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 77

و تقبيلا (1)

لا

تكون حجة. و ثانيا- أنه أخص من المدعى، لقولهم بالكراهة حتى فيما يخطب للمحلين مع عدم احتمال وقوعه في الحرام في هذا الفرض. فتحصل: انه لا بد إما من الالتزام بحرمة الخطبة كما يحكم بها في النكاح و الشهادة. و اما من الالتزام بعدم الحرمة و الكراهة. أما عدم الحرمة: فلعدم دليل معتبر على الحرمة، لما عرفت من عدم عمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بجملة: [لا يخطب] إلا صاحب الوسائل حيث أنه على ما يظهر من عنوان الباب أفتى بالحرمة. و أما عدم الكراهة فلعدم الدليل عليها ايضا. هذا كله بناء على كون المستند في الحكم بحرمة الخطبة أو كراهتها مرسل ابن فضال أو النبوي المتقدمين.

و قد يستدل على حرمة الخطبة بما في مرسل ابن أبي شجرة المتقدم لقوله عليه السّلام في ذيله: (يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محل؟!). المراد الإنكار و التشبيه على أنه كما لا يجوز اشارة المحرم إلى الصيد كذلك لا يجوز له الخطبة و غيرها، فان مقتضى التشبيه بالصيد هو عدم جواز صدور كل ما له دخل في النكاح من المحرم و لو بالخطبة. هذا و (فيه): بعد الغض عن سنده و تسليم دلالته على عموم التشبيه المزبور أن أعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عن جملة: [لا يخطب] كاشف عن عدم حرمته و صالح لتخصيص العموم المزبور. إلا ان يقال: ان الاعراض رافع لدليلية جملة [لا يخطب] على الحرمة و ليس دليلا على عدم الحرمة حتى يصلح لتخصيص عموم التشبيه المستفاد من مرسل ابن أبي شجرة، و عليه فيمكن الاستناد في حرمة الخطبة إليه. فتدبر.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من حرمة التقبيل على المحرم مما لا ينبغي

الإشكال فيه، و يدل على ذلك جملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- في ما نحن فيه كحسن أبى سيار قال عليه السّلام فيه: (يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة ان قبل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 78

..........

امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة؛ و ان قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر اللّه؛ و من مس امرأته و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة، و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور؛ و ان مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه «1». و هذه الرواية- كما ترى- مصرحة بعدم الفرق بين كون التقبيل بشهوة و عدمه إلا في الكفارة حيث أنه إذا قبلها بشهوة و أمنى فعليه الجزور و ان قبلها بغير شهوة فعليه الشاة و كخبر على بن أبي حمزة عن أبا الحسن عليه السّلام قال «سألته عن رجل قبل امرأته و هو محرم»؟. قال: عليه بدنة و ان لم ينزل و ليس له أن يأكل منها «2». و مقتضى إطلاق هذه الرواية أيضا عدم الفرق في الحرمة بين كون التقبيل بشهوة و عدمه. إن لم نقل بظهور قوله: (و إن لم ينزل) في كون تقبيله لها كان على وجه الشهوة فتدبر.

و كصحيح ابن أبى عمير عن حماد عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته؟. قال: نعم يصلح عليها خمارها، و يصلح عليها ثوبها و محملها. قلت: أ فيمسها؟ و هي محرمة؟ قال: نعم: قلت المحرم يضع يده بشهوة؟ قال: يهريق دم شاة. قلت: فان قبل؟ قال: هذا أشد

ينحر بدنة «3». و كخبر محمد بن سنان عن العلاء بن فضيل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل و امرأة تمتعا جميعا فقصرت امرأته و لم يقصر فقبلها؟ قال: يهريق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3 و أورد صدره أيضا في باب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 3 و ذيله أيضا في باب 17 منها الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب- 18- من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الإحرام الحديث 2 و أورد ذيله [قلت المحرم إلخ.] في باب 18 منها الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 79

..........

دما، و ان كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما «1».

و لا يخفى ان الاستشهاد على الحرمة بهذه النصوص مبنى على تسليم الملازمة بين الكفارة و الحرمة، و إلا فلا وجه للاستدلال بها عليها؛ بل لا بد حينئذ من الاحتجاج على الحرمة بما رواه أبان بن عثمان عن الحسين بن حماد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام «عن المحرم يقبل أمه؟.» قال: لا بأس به؛ هذه قبلة رحمة؛ إنما تكره قبلة الشهوة «2».

ان قلت: انه لا يمكن استفادة الحرمة من قوله عليه السّلام: (انما قبلة الشهوة)، لكون ذلك خلاف الظاهر. قلت: انه لا مانع من استفادة ذلك منه بقرينة جعل قوله: [تكره] في مقابل قوله [لا بأس].

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 3، ص: 79

ان قلت: على هذا لا يمكن إثبات الحرمة مطلقا

سواء كان التقبيل على وجه الشهوة أو لا، و ذلك لأن مقتضى الجمع بين خبر حماد و الاخبار المتقدمة هو الحكم بالحرمة و الكفارة إذا كان التقبيل على وجه الشهوة و بعدمه إذا لم يكن كذلك.

و لكن الأقوى ثبوت الحكم- و هو حرمة التقبيل- مطلقا لجواز اختصاص التفصيل الواقع في خبر حماد بمورده- من الام و من هو بمنزلتها من المحارم- فلا تعارض حينئذ حتى يتكلف في الجمع بينهما، لتغاير الموضوع فيهما، لأنه في الأخبار المتقدمة- كما ترى- هو الزوجة و في خبر حماد هو الام فقط، و على تقدير التعدي عنها لا يتعدى إلا الى من هي بمنزلتها من المحارم؛ فيكون المستفاد من الكل بناء على الملازمة بين الحرمة التكليفية و الوضعية- اعنى الكفارة- حرمة تقبيل الحليلة تكليفا و وضعا؛ سواء كان قبلة شهوة أم غيرها، و جواز تقبيل الأم إذا كان قبلة رحمة فظهر بما ذكرنا عدم الفرق في ثبوت الحرمة و الكفارة بين كون

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 6

(2) الوسائل ج 2- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 80

..........

تقبيل المرأة بشهوة و عدمه وفاقا لما ذهب اليه صاحب الجواهر- قدس سره- و لا بأس بذكر كلامه قال بعد ذكر الأخبار: (و بذلك كله يظهر لك المناقشة فيما في الذخيرة من ان الظاهر: تقييد حرمة التقبيل بالشهوة، و ان تبعه في الرياض حاكيا له عن جماعة للأصل المقطوع بما سمعت، و خبر الحسين حماد. المحمول على إرادة إنما يكره ما يحتمل الشهوة، بخلاف الام و غيرها من المحارم، المستفاد جواز تقبيلها من التعليل المزبور، و

الأصل. و اختصاص النصوص السابقة بقبلة امرأته و ان كان الظاهر إرادة الأعم منها و من الأجنبية، كما هو مقتضى الفتاوى. هذا و لكن قد يقال: ان المنساق من إطلاق تقبيل الامرأة كونه على وجه الاستمتاع و الالتذاذ المقابل لتقبيل الرحمة، و قوله عليه السّلام في الخبر الأول: (من غير شهوة) محمول على ارادة عدم الأمناء بقرينة المقابلة؛ لا كونه تقبيل رحمة و نحوه مما لم يكن استمتاعا و التذاذا بالامرأة الذي يمكن دعوى ظهور النصوص في كون المدار عليه في منع المحرم، كما تسمعه في المس، و الملازمة، و الحمل و نحوها و بذلك يقوى إرجاع القيد في نحو عبارة المتن إليه أيضا و لكن الأحوط الإطلاق. نعم، الظاهر تقييد جواز قبلة المحارم بما إذا كان لا عن شهوة؛ لكونه أشد حرمة و لفحوى التعليل المزبور) ما أفاده- قدس سره- كلها صحيحة و لكن لا يمكن المساعدة على ما افاده من دعوى الظهور في ثبوت الحكم- و هو الكفارة- في التقبيل بشهوة و غيرها بالزوجة و الأجنبية؛ و ذلك لاختصاص الحكم و هو وجوب الكفارة في صورة التقبيل مطلقا بالزوجة دون غيرها من الأجنبية و الغلام و ان كان العقاب فيها أشد و أعظم، لاختصاص مورد النصوص المتقدمة بمرأة المحرم لقوله عليه السّلام في حسن أبى سيار: (ان قبل امرأته. إلخ) و في خبر على بن أبي حمزة: (عن رجل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 81

..........

قبل امرأته. إلخ) فلا وجه للتعدي عنها إلى الأجنبية فضلا عن الغلام إلا دعوى:

القطع بعدم الخصوصية، و هي غير مسموعة، لتوقفها على تنقيح المناط القطعي الذي لا سبيل إليه في الشرعيات؛ لعدم إحاطة العقول بملاكاتها؛ فلا وجه لدعوى

القطع بالمناط بالأولوية خصوصا بعد جعل قضية أبان نصب العين.

نعم إذا فرض قطع بملاك الحكم و عدم مانع عن الجعل أيضا فلا محيص حينئذ عن التعدي من امرأته إلى غيرها من الأجنبية و الغلام و لكنه مجرد فرض لا واقع له لعدم العلم بالملاكات و موانعها- كما لا يخفى- و غاية ما يحصل من الأولوية هو الظن بالحكم، و من الواضح: أنه لا يغني من الحق شيئا، لكونه قياسا باطلا في مذهبنا.

و كيف كان فمجرد أشدية العقاب لا توجب الكفارة فالظاهر اختصاصها بتقبيل امرأته دون غيرها من النساء. و ان كان العقاب فيها أشد و أعظم.

« (إيقاظ)» ثم ان ما ذكرنا من حرمة التقبيل و الكفارة انما يختص بتقبيل الرجل المحرم امرأته، و أما العكس و هو تقبيل المرأة المحرمة زوجها فلا دليل على حرمته. لان مورد النصوص المتقدمة هو تقبيل المحرم امرأته، و لا وجه للتعدي عنه إلى غيره؛ الا دعوى: كون حرمة التقبيل من أحكام المحرم مطلقا سواء كان رجلا أم امرأة لكن لا تسمع هذه الدعوى، لإناطتها بإلغاء خصوصية الرجولية، و هو موقوف على إحراز عدم دخل هذه الخصوصية؛ و كون الرجل مذكورا من المثال، و دون إثباته خرط القتاد، لظهور كل عنوان مأخوذ في دليل شرعي في الموضوعية. و من هنا يظهر قصور قاعدة الاشتراك ايضا عن إثبات اطراد الحكم للمحرم و إلغاء خصوصية الرجولية فيه، فالمتحصل: ان الحكم تكليفا و وضعا مختص بمورد النصوص- و هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 82

و نظرا بشهوة (1)

تقبيل الرجل المحرم امرأته- دون العكس و دون الأجنبية و الغلام.

نعم، لا إشكال في أشدية العقاب في الأجنبية و الغلام أما الكفارة فلا دليل دليل

عليها، و لو شك فيها فالأصل عدمها، و اللّه العالم بحقائق الأحكام.

(1) ما ذهب اليه المصنف- قدس سره- من حرمة نظر المحرم بشهوة إلى المرأة مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قال في الجواهر: (و كذا يحرمن عليه نظرا بشهوة، كما صرح به غير واحد، و ان قيل خلى كتب الشيخ. و الأكثر عن تحريمه مطلقا، لما سمعته من كون المستفاد حرمة الالتذاذ بالنصوص. إلخ) و يدل عليه- مضافا إلى الاتفاق المزبور- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته: «عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم؟» قال: لا شي ء عليه؛ و لكن ليغتسل و يستغفر ربه، و ان حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى و هو محرم فلا شي ء عليه، و ان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم. و قال: في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتى ينزل؟. قال: عليه بدنة «1» و رواه الشيخ- قدس سره- بإسناده عن محمد بن يعقوب إلى قوله: (لا شي ء عليه). و خبر مسمع أبى سيار قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا سيار أن حال المحرم ضيقة. إلى أن قال: (و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور. إلخ «2».

و لكن الاستدلال بهذه النصوص للحرمة مبنى على تسليم الملازمة بين الكفارة و الحرمة، و بناء على عدم تسليمها يكفي الاحتجاج على الحرمة بقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (و يستغفر ربه) لان وجوب الاستغفار عليه المستفاد منه كاشف عن ثبوت الحرمة- كما هو واضح- فما عن الصدوق- قدس

سره- من القول

______________________________

(1) لوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 1

(2) لوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 83

..........

بجواز النظر إلى امرأته بشهوة، و عن كشف اللثام الميل اليه استنادا إلى الأصل؛ و الى الموثق عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى؟» قال:

ليس عليه شي ء. ضعيف. أما الأصل فلا مجال له مع الدليل و أما الموثق فلعدم العمل بظاهره، لإعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عنه، الموجب لخروجه عن حيز دليل الحجية و الاعتبار.

ثم انه لا يخفى ان هذه الاخبار انما تدل على حرمة النظر بشهوة حتى ينزل أو يمذي لا مطلقا؛ و لذا قال في الجواهر بعد ما ناقش في الاخبار المتقدمة به: (اللهم إلا أن يقال: ان من المعلوم عدم مدخلية الإمذاء في الكفارة فليس إلا النظر بشهوة، فينتظم حينئذ في الدلالة على المطلوب التي منها: فحوى ما دل من النصوص على حرمة المس و الحمل إذا كان بشهوة لا بدونها، كصحيح ابن مسلم و خبره سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحمل امرأته أو يمسها فأمنى أو أمذى؟. فقال: ان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم شاة يهريقه، و ان حملها أو مسها بغير شهوة فليس عليه شي ء أمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذي. و غيره من النصوص حتى نصوص الدعاء عند التهيؤ للإحرام المشتملة على تحريم الاستمتاع عليه بالنساء، بل لعله لا خلاف فيه في الأول، كما اعترف به في كشف اللثام. و المصنف و ان

تركه هنا لكن ذكر في باب الكفارات ان كفارته شاة؛ بل ربما كان إطلاق بعض العبارات حرمته مطلقا. كاقتضاء بعض آخر حرمة النظر كذلك و ان كان هو واضح الضعف، للأصل و ما سمعته من النص.) و لا يخفى: ان ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره من الحكم بحرمة النظر عن شهوة و لو بدون الإنزال أو الإمذاء تمسكا بفحوى ما دل من النصوص على حرمة المس و الحمل إذا كان بشهوة لا يخلو من تأمل، و ذلك لاحتمال خصوصية في المس و الحمل؛ و معه لا يمكن استفادة حرمة النظر المجرد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 84

..........

عن الإنزال أو الإمذاء من تلك النصوص و لو كان نظر شهوة- كما لا يخفى.

نعم إذا دلت نصوص الدعاء على حرمة الاستمتاع عليه بالنساء مطلقا فما أفاده- قدس سره- هو الصواب و الحاصل: ان اخبار حرمة النظر بشهوة المتعقب بالأمناء أو الإمذاء؛ محكمة و لا يعارضها موثق إسحاق المتقدم الدال على ان المحرم إذا نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى ليس عليه شي ء، لا لان نفي الشي ء لا يدل على نفي الحرمة و انما يدل على نفي الكفارة كما في الجواهر، كحسن على بن يقطين عن أبى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل قال لامرأته أو لجاريته بعد ما حلق و لم يطف و لم يسع بين الصفاء و المروة: اطرحي ثوبك و نظر إلى فرجها؟. قال: لا شي ء عليه إذا لم يكن غير النظر «1» الذي أريد به عدم الكفارة، و ذلك لدلالة النكرة الواقعة في حيز النفي عن العموم؛ فقوله عليه السّلام: (لا شي ء عليه). يدل على نفي الحكم التكليفي و الوضعي معا، و نفي

أحدهما بقرينة في مقام لا يدل على عدم العموم في مورد آخر، بل عدم المعارضة بينهما انما هو لأجل أرجحية ما يدل على حرمة النظر تكليفا من حيث السند فيقدم على موثق إسحاق و لذا حمله الشيخ- قدس سره- على حال السهو و لم يعمل بظاهره؛ بل لا موضوع للتعارض بناء على ثبوت الاعراض عن الموثق المزبور؛ لما قرر في محله من أن موضوع التعارض هو الخبران الواجدان لشرائط الحجية، و من المعلوم عدم شمول دليل الحجية و الاعتبار لخبر اعرض عنه الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و كيف كان فقد ظهر بما ذكرنا ضعف مستند المحكي عن الصدوق و صاحب كشف اللثام- قدس سرهما- من جواز النظر إلى امرأته بشهوة كما عرفت آنفا.

ثم انه قال الشهيد الثاني- رحمه اللّه تعالى- في المسالك بعد قول المصنف- قدس سره-

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 85

..........

[و نظرا بشهوة] ما لفظه: (لا فرق في ذلك بين الزوجة و الأجنبية بالنسبة إلى النظرة الاولى ان جوزناها و النظر إلى المخطوبة و إلا فالحكم مخصوص بالزوجة).

قال في المدارك بعد نقل ذلك: (و كأن وجه الاختصاص عموم تحريم النظر إلى الأجنبية على هذا التقدير و عدم اختصاصه بحال الشهوة، و هو جيد، إلا أن ذلك لا ينافي اختصاص التحريم الإحرامي بما إذا كان بالشهوة، كما أطلقه المصنف- قدس سره- قال في الحدائق بعد نقل قولي المسالك و صاحب المدارك: (أقول الظاهر ان كلامه- قدس سره- هنا لا يخلو من خدش فإنه متى قيل بالتحريم: النظر إلى الأجنبية مطلقا؛ في أول نظرة أو غيرها، من محل كان أو محرم،

فالتفصيل بالنسبة إلى المحرم بين ما إذا كان نظرة بشهوة فيحرم؛ أو لا بشهوة فيحل، لا معنى له، لان المدعى عموم التحريم للمحرم و غيره، فكيف يتم ما ادعاه من اختصاص التحريم الإحرامي بما إذا كان بشهوة. و بالجملة: لا أعرف لهذا الكلام وجه استقامة، و ان تبعه من من تبعه فيه).

و لكن التحقيق: ان عموم تحريم النظر إلى الأجنبية لا ينافي اختصاص التحريم الإحرامي بالشهوة كما هو مقتضى الفتاوى في موثق إسحاق بن عمار عن أبى بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل محرم نظر إلى ساق امرأة فأمنى؟» فقال:

ان كان موسرا فعليه بدنة، و ان كان وسطا فعليه بقرة؛ و ان كان فقيرا فعليه شاة ثم قال: أما انى لم أجعل عليه هذا لأنه أمنى إنما جعلته عليه لانه نظر إلى ما لا يحل له «1» و رواه الصدوق- قدس سره- بإسناده عن أبى بصير مثله إلا انه قال: الى ساق امرأة أو الى فرجها فأمنى) و في حسن معاوية بن عمار: «في محرم نظر إلى غير أهله فأنزل؟.» قال: عليه دم، لانه نظر إلى غير ما يحل له و ان لم يكن أنزل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 16- من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 86

..........

فليتق اللّه و لا يعد و ليس عليه شي ء «1» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- « (إيقاظ)» لا يخفى: ان مقتضى نصوص الباب اختصاص حرمة النظر إلى الزوجة بالزوج المحرم، لانه مورد تلك النصوص و عدم حرمة نظر الزوجة المحرمة إلى زوجها، لعدم دلالتها على ذلك و لا دليل آخر على حرمة نظر الزوجة

المحرمة إلى زوجها، و مع الشك فالأصل عدم الحرمة، و عليه فلا مانع من جواز نظر المرأة المحرمة إلى زوجها و أما القول بأن حرمة النظر انما تكون من أحكام المحرم لا خصوص الرجل، فهو في غاية البعد، لتوقفه على إلغاء خصوصية الرجل المذكور في الاخبار المتقدمة و حمله على المثال، و ذلك خلاف الظاهر جدا؛ و لا يصار اليه الا بالدليل؛ و مجرد قاعدة الاشتراك لا تصلح لذلك.

ان قلت: انه يمكن التعدي من المورد- اعنى نظر الرجل المحرم- الى غيره، و هو نظر الزوجة المحرمة، بوحدة المناط، أو بغلبة اشتراك الرجل و المرأة في أحكام الإحرام. لندرة الأحكام المختصة بكل منهما. فإذا شك في ان الحكم الكذائي مختص بالرجل المحرم أو مشترك بينه و بين المرأة المحرمة فيلحق المشكوك بالأعم الأغلب. قلت: في كليهما ما لا يخفى.

أما (في الأول): فلما تكرر مرارا من ان المعتبر منه هو القطعي و هو غير حاصل في الشرعيات؛ و غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و من المعلوم أنه لا يغني من الحق شيئا، لعدم دليل على اعتباره فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا عندنا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 87

و كذا الاستمناء (1)

لاحتمال خصوصية في نظر الرجل المحرم دون غيره؛ و لا دافع لهذا الاحتمال إلا فهم المثالية من نظر الرجل المحرم، بدعوى: ظهوره فيها، و لكنها غير مسموعة، لكون الظاهر على خلافها فتدبر.

و أما (في الثاني): فلعدم الدليل ايضا على اعتبار الظن الحاصل من الغلبة في الشرعيات و نفس الشك في اعتباره كاف في عدم جواز ترتب آثار الحجية عليه. فتأمل

و اغتنم و اللّه الهادي إلى الصواب.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من حرمة الاستمناء الذي هو استدعاء المنى على المحرم من جهة الإحرام أيضا مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و الظاهر انه المتسالم عليه بينهم، و لم ينقل الخلاف من أحد منهم؛ قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه) و لا ريب في تحريمه للأخبار الكثيرة الواردة عنهم- عليهم السّلام- الدالة على الحرمة كخبر إسحاق بن عمار عن أبى الحسن عليه السّلام قلت: «ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟.» قال: أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم: بدنة و الحج من قابل «1» و كصحيح صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله و هو محرم حتى بمنى من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان، ما ذا عليهما؟؟

قال: عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار التي تقدم بعضها و يأتي بعضها الآخر في مبحث الكفارات- ان شاء اللّه تعالى.

ثم ان تنقيح البحث في هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى أمور:

(الأول)- ان ظاهر النصوص المتقدمة هو ثبوت الكفارة من جهة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 88

..........

الإحرام على الاستمناء و لكن بشرط خروج المنى منه به و إلا فالمقدمات بدون ترتب الانزال عليها لا يترتب عليها كفارة و إذا شك فالمرجع هو الأصل كما انه يكون كذلك فيما

لو سبقه المنى من غير استمناء منه.

(الثاني)- ان الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- لم يقتصروا في الحكم فيما نحن فيه على مورد النصوص المتقدمة- و هو العبث بذكره و بزوجته- لحكمهم بثبوت الكفارة و لو عبث بغيرهما، لان المناط في ثوبتها هو الاستمناء و هو يحصل بغيرهما كحصوله بهما؛ إذ الظاهر عدم الفرق بين موجبات الاستمناء و عدم الخصوصية لهذين الأمرين؛ كما افاده صاحب الجواهر- قدس سره- حيث قال ما لفظه: (بل الظاهر عدم الفرق بين أسبابه- من الملاعبة، و التخيل، و الحضحضة و غير ذلك- كما صرح به غير واحد، حتى السيد (قده) في الجمل قال: «على المحرم اجتناب الرفث، و هو الجماع، و كل ما يؤدى إلى نزول المنى من قبلة و ملامسة و نظر بشهوة» بناء على ارادة ما يقصد به الأمناء كما في شرحها للقاضي قال: فاما الواجب فهو ان لا يجامع و لا يستمنى على أى وجه كان- من ملامسة أو نظر بشهوة أو غير ذلك- بل عن بعضهم إدراج اللواط و وطي الدواب و ان كان فيه منع واضح و لذا قال في كشف اللثام: «انهما يدخلان في الرفث و ان لم ينزل» و ان كان فيه انه جماع النساء في الصحيح عن الكاظم عليه السّلام الذي يرجع اليه مطلق الجماع في الصحيح الآخر مع انه المنساق منه، فلا يبعد القول ببقائه على الحرمة السابقة على الإحرام؛ اللهم إلا ان يقال: انه يستفاد من التأمل في النصوص شدة التحريم في حال الإحرام في كل ما حرم الجائز منه للإحرام، فان الاستمناء في العبث بالزوجة كان جائزا و لكنه حرم عليه في الإحرام، ففي الأجنبية أشد، و هكذا بقية الاستمناءات

كما أومى إليه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 89

..........

في النصوص السابقة.).

و لا يخفى: ان ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- بقوله (إلا أن يقال: انه يستفاد من التأمل في النصوص شدة التحريم في حال الإحرام. إلخ) انما يتم بناء على كون الحرمة من قبيل الأعراض الخارجية القابلة للشدة و الضعف- كالسواد و البياض- فحينئذ تشتد الحرمة و تتأكد في اللواط و وطي الدواب و الأجنبية في حال الإحرام، و لا يتم بناء على القول بكون الحرمة و غيرها من الأحكام منتزعة عن إنشاء النسبة، إذ على هذا المبنى لا يكون الحكم وجوبا كان أو حرمة موجودا خارجيا قابلا للشدة و الضعف، و كذا منشأ انتزاعه- و هو إنشاء النسبة- فإنه أيضا مما لا يتصور فيه التأكد- كما حقق ذلك كله في الأصول- فما يكون حراما لا يتصف بحرمة اخرى إحرامية أو غيرها.

نعم يتأكد الحب و البغض بتأكد المصلحة و المفسدة القائمتين بالافعال الداعيتين الى تشريع الوجوب و الحرمة، فعلى هذا لا يتصور الشدة و التأكد في الحرمة حتى يقال باشتداد الحرمة في اللواط و وطي الدواب و الأجنبية و الاستمناء في حال الإحرام و لكن لا بأس بإرادة ازدياد الكراهة و المبغوضية في نفس العمل بطرو جهات مقتضية لذلك، كما هو الحال في الواجبات، فان الأهمية لا تتصور في نفس الوجوب بعد البناء على كونه منتزعا عن إنشاء النسبة، بل تتصور في الواجب باعتبار أقوائية ملاكه و صلاحه من ملاك المهم فتدبر.

(الثالث)- ان مقتضى إطلاق النصوص المتقدمة و ان كان عدم الفرق في الحكم بثبوت الكفارة فيما إذا عبث بذكره أو بزوجته أو بغيرهما حتى أمنى بين كونه قاصدا للإنزال و عدمه لكنه لا

بد من تقييده بصورة القصد بما رواه أحمد بن محمد بن أبى نصر عن سماعة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «في المحرم تنعت له المرأة الجميلة الخلقة فيمني؟.»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 90

..........

قال: ليس عليه شي ء «1» و ما رواه أحمد بن محمد بن أبى نصر عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى؟.» قال: ليس عليه شي ء «2» و ما رواه على بن إبراهيم عن أبيه عن وهب بن حفص عن أبى بصير قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: «عن رجل يسمع كلام امرأة من خلف حائط و هو محرم فتشاهى حتى أنزل؟.» قال: ليس عليه شي ء «3» فلو كان نزول المنى مطلقا موجبا للكفارة لم يكن وجه لنفي كل شي ء عنه.

مضافا الى النصوص المتقدمة في النظر و اللمس النافية للكفارة فيهما بدون الشهوة و لو مع نزول المنى فلاحظ، و الى أصالة البراءة. و عليه فيختص وجوب الكفارة في صحيح ابن الحجاج و خبر إسحاق المتقدمين بصورة قصد الانزال بالمقدمات المؤدية اليه المنى، فيستفاد منها عدم وجوب الكفارة بمجرد خروج المنى و لو قهرا و بدون الشهوة و القصد، فخروج المنى بدونهما كالاحتلام الذي لا يترتب عليه شي ء من الحرمة و الكفارة.

و لكن يمكن أن يقال بالتعارض بين الطائفة الأولى من الاخبار الدالة على ثبوت الكفارة إذا عبث بذكره أو بزوجته أو غيرهما حتى يمنى؛ و بين الطائفة الثانية الدالة على عدم ثبوتها، و ذلك لعدم تمامية حمل المطلق على المقيد في المقام، حيث انه لم يذكر لفظ القصد في الطائفة الثانية حتى تصلح لتقييد الطائفة الأولى، فتكون كل واحدة من

الطائفتين مطلقة؛ فلا محالة يقع التعارض بينهما.

اللهم إلا أن يجمع بينهما بحمل الأخبار الأولى على ما إذا صدر من المحرم فعل- كالعبث بذكره أو بزوجته أو غيرهما- فيحكم حينئذ بثبوت الكفارة عليه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 20- من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب- 20- من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب- 20- من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 91

..........

و بحمل الأخبار الثانية على ما إذا لم يصدر منه فعل سوى التلذذ و الاستمتاع فحينئذ يقال بعدم ثبوت شي ء عليه أي الكفارة، و ان كان في هذا الجمع ما لا يخفى:

أما (أولا): فلعدم كونه جمعا عرفيا بعد ظهور العبث بيده أو بزوجته في المثالية و عدم دوران الحكم شرعا مدارهما و عدم كونه مما قام عليه شاهد من النصوص الخاصة و أما (ثانيا): فلكونه تفصيلا في موجبات الاستمتاع، لخروج التخيل الموجب للإنزال حينئذ عن موضع وجوب الكفارة و لا يظن التزام أحد به؛ للتسالم على وجوب الكفارة بالاستمناء بأي موجب كان فتدبر.

مضافا الى أنه يمكن أن يكون اعتبار الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- للقصد لأجل وقوع مثل العبث المذكور في الطائفة الأولى بالقصد غالبا لكونه من الأسباب العادية للاستمناء و الانزال؛ و هذا بخلاف الاستمناء المستفاد من الطائفة الثانية، لعدم كونه من الأسباب العادية للاستمناء و الانزال، و لذا فحصول الانزال به أمر اتفاقي جدا، و لذلك كله فهم الأصحاب من الطائفة الثانية من الاخبار ان المنى نزل منه قهرا و لذلك قيدوا الأولى بالثانية، فتأمل جيدا.

هذا كله في استمناء الرجل المحرم و هل يلحق به استمناء

المحرمة أم لا؟؟

الظاهر: العدم، لأن مورد النصوص هو الرجل، و مع احتمال دخل خصوصية المورد في الحكم لا وجه للتعدي إلى غيره، إذ لا قطع بالمناط حتى يمكن التعدي. و قاعدة الاشتراك في التكاليف أيضا لا تصلح لذلك بعد احتمال دخل خصوصية الرجل في الحكم بوجوب الكفارة. نعم، لا إشكال في حرمة الاستمناء مطلقا في غير حال الإحرام حتى على المرأة لكنها غير وجوب الكفارة على المحرمة.

ثم ان صاحب المدارك- قدس سره- بعد ما ذكر خبر إسحاق بن عمار المتقدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 92

[تفريع:]
[الأول إذا اختلف الزوجان في العقد]

تفريع: إذا اختلف الزوجان في العقد فادعى أحدهما وقوعه في الإحرام و أنكر الآخر فالقول قول من يدعى الإحلال، ترجيحا لجانب الصحة (1)

الدال على ثبوت كفارة بدنة و الحج من قابل على من عبث بذكره و أمنى قال:

(و الظاهر: أن الأمر بالحج محمول على الاستحباب لضعف الرواية من حيث السند عن إثبات الوجوب و لما سيجي ء- ان شاء اللّه تعالى- من أن الحج انما يفسد بالجماع قبل الموقفين) أقول: ان ما أفاده- قدس سره- في الفرض مما لا يمكن المساعدة عليه؛ و ذلك لانه لو كانت الرواية ضعيفة سندا فلا عبرة بها أصلا حتى في إثبات الاستحباب بها.

اللهم إلا أن يقال: انه يمكن إثباته بقاعدة التسامح في أدلة السنن المستفادة من أخبار [من بلغ] لكن فيه ما بيناه في محله من تطرق الاحتمالات الكثيرة في تلك الاخبار؛ و اختلاف الآثار المترتبة على تلك الاحتمالات، و قلنا هناك بعد البناء على عدم الإجمال: ان أخبار [من بلغ] ليست ظاهرة في إنشاء حكم أصولي اعنى حجية الخبر الضعيف الذي هي مبنى قاعدة التسامح في أدلة السنن، بل ظاهرة في كونها

إخبارا عن ترتب الثواب الموعود على الفعل الذي بلغ عليه الثواب زائدا على ثواب أصل الانقياد؛ و هذا المعنى أجنبي عما أفادوه من قاعدة التسامح. فتلخص أن الخبر الآمر بالحج من قابل ان كان ضعيفا فيسقط عن الاعتبار أصلا و لا يمكن استفادة الاستحباب منه جزما.

(1) قد عرفت سابقا: انه لا خلاف و لا إشكال في أنه متى اتفق الزوجان على وقوع العقد في حال الإحرام بطل سواء كانا عالمين أو جاهلين أو بالتفريق، لدلالة النصوص المتقدمة الدالة على بطلان النكاح في حال الإحرام، و إن دخل بها و هي جاهلة ثبت لها المهر و فرق بينهما مؤبدا مع العلم على ما قطع به الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- للروايات، و الى أن يحصل الإحلال مع الجهل. انما الخلاف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 93

..........

و الاشكال فيما إذا اختلفا فادعى أحدهما وقوع العقد في حال الإحرام و أنكر الآخر و ادعى وقوعه في حال الإحلال، و قد حكم أكثر الأصحاب بأن القول قول من يدعى الصحة، لأصالة الصحة من دون فرق في ذلك بين ما إذا تنازعا في عنوان الصحة و الفساد بدون ذكر السبب، و بين ما إذا تنازعا في تقدم السبب و هو تقدم العقد على الإحرام و تأخره عنه؛ إلا أنه بعض الموارد يختلف؛ فينقلب المدعى في نزاع السبب منكرا في نزاع المسبب و المنكر في ذلك النزاع مدعيا في هذا النزاع. و السر في البناء على الصحة في كلتا صورتي ذكر السبب و عدمه هو تقدم أصالة الصحة على جميع الأصول.

و لا فرق في هذا الحكم أيضا بين أن يكونا مجهولي التاريخ، كما إذا جهل تاريخ كل من العقد و

الإحرام، و بين أن يكون أحدهما معلوم التاريخ؛ كما إذا علم بأنه صار محرما في يوم الجمعة و لم يعلم تاريخ العقد، فالمرأة تدعى وقوعه قبل يوم الجمعة؛ و الرجل يدعى وقوعه يوم السبت. أو علم بوقوع العقد يوم الجمعة و جهل تاريخ الإحرام، فيدعى الرجل وقوعه في يوم الخميس؛ و تدعى المرأة وقوعه يوم السبت؛ و كيف كان فبمقتضى أصالة الصحة بعد البناء على اعتبارها هو الحكم بصحة العقد في جميع الصور، و ان كان في بعضها أصل موضوعي يقتضي الفساد؛ كما إذا علم تاريخ الإحرام و جهل تاريخ العقد فان مقتضى استصحاب عدم وقوع العقد الى تاريخ الإحرام هو وقوعه حال الإحرام ان لم يكن مثبتا أو كان المثبت حجة، فان لسان قاعدة الصحة على ما قرر في محله هو إثبات صحة ما شك في صحته و فساده مطلقا و ان كان هناك أصل موضوعي يقتضي الفساد، كأصالة عدم بلوغ أحد المتعاقدين؛ و أصالة عدم الكيل و الوزن و غير ذلك من الأصول الموضوعية المقتضية لفساد العقد؛ فإن أصالة الصحة على ما حقق في محله حاكمة على جميع الأصول الموافقة و المخالفة لها، فالتفصيل في الحكم بالصحة كما عن بعض ضعيف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 94

..........

إلا أن يناقش في اعتبار أصل قاعدة الصحة، كما نوقش في محله، و ان كان الحق اعتبارها في الجملة بل لا محيص عن ذلك، كما حررنا في الأصول. و نتعرض له في المقام إجمالا؛ فنقول: يمكن ان يستدل على اعتبار أصالة الصحة بوجوه:

(الأول)- الإجماع. و (فيه): انه قد تكرر منا مرارا ان الإجماع المعتبر هو التعبدي منه الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام، أو

الكاشف عن رضاه عليه السّلام، لا المدركى، و في المقام يحتمل أن يكون مدركيا. لاحتمال استناد المجمعين في حكمهم بالصحة في المقام إلى الوجوه الآتية، فلا عبرة به، بل العبرة حينئذ بالمدرك ان تم.

(الثاني)- السيرة المستمرة القائمة على عدم الاعتناء بالشك في الفساد و البناء على الصحة في عقد شك في صحته و فساده للشك في واجديته للشرائط و عدمها.

و (فيه): ما حقق في محله من ان السيرة المعتبرة هي المتصلة بسيرة أصحاب الأئمة عليهم السّلام حتى تكشف عن رضا المعصوم عليه السّلام بها و أما هذه السيرة القائمة في مفروض المقام فلم يثبت كونها منها؛ لانه لا سبيل لنا إلى إحراز اتصالها بزمن أصحاب الأئمة- عليهم السّلام- كي نعبر عنها بالسيرة المتشرعة، فلا تكون حجة.

(الثالث)- النصوص الواردة عن المعصومين- صلوات اللّه عليهم أجمعين- 1- الحديث المشهور: [أحمل أخاك المؤمن على سبعين محملا من الخير] 2- قولهم- عليهم السّلام- كذب سمعك و بصرك عن أخيك] 3- ما رواه في الكافي عن الحسين بن المختار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في كلام له: (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه؛ و لا تطمئن بكلمة خرجت من أخيك سوء و أنت تجد لها في الخير محملا). إلى غير ذلك من الأخبار الآمرة بحسن الظن بالمؤمن. و (فيه): ان هذه الاخبار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 95

..........

- كما ترى- لا تدل على لزوم حمل كل فعل يصدر عن المسلم على الصحة بمعنى ترتيب الآثار الشرعية المترتبة عليه و غاية دلالتها هو أن المسلم لا يرتكب الحرام متعمدا فلا تدل على أزيد منه؛ مثلا إذا شرب مائعا و

لا نعلم أنه خمر أو خل. فمقتضى النصوص المتقدمة و نظائرها هو البناء على أن المسلم لا يشرب الخمر متعمدا، فإذا فرض أثر شرعي لشرب الخل لا يترتب ذلك الأثر بإجراء أصالة الصحة، و المقصود من أصالة الصحة في المقام هو ترتيب الآثار الشرعية على المشكوك لا مجرد الاعتقاد الذي مرجعه إلى حسن الظن بالمسلم و أنه لا يرتكب حراما عمدا كما لا يخفى.

(الرابع)- ما رواه على بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعد بن صدقة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: (كل شي ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك؛ و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة و المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضعيتك؛ و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة «1» بناء على عدم دلالته على اعتبار اليد، كما قيل. و ملخص الكلام في تقريب الاستدلال به على أصالة الصحة هو أن الحلال بمعنى الجواز الذي يحمل على الأفعال و التصرفات لوضوح عدم صحة حمل الحكم جوازا أو منعا على العين الخارجية، و من المعلوم ان الشك في الجواز في الأمثلة المذكورة في الموثق ناش عن الشك في المرتبة الأخيرة من مراتب الحكم بالصحة و هي العقد لثبوت جواز التصرف في تلك الأمثلة من غير ناحية العقد، اما لقاعدة اليد، كما في الثوب، و اما للأصل الموضوعي، كاستصحاب عدم الرضاع؛ أو عدم الانتساب أو غير ذلك فالمستفاد حينئذ هو اعتبار أصالة الصحة في كل عقد شك في صحته و فساده

لاختلال شرط من شرائطه فلا تجري فيما إذا كان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 96

..........

الشك في الصحة ناشئا من احتمال اختلال شرط من شرائط المتعاقدين أو العوضين، لما عرفت من جواز التصرف من غير ناحية العقد بالحجة الجارية في تلك الشرائط فما يستفاد من الموثق على هذا موافق لما يستفاد من الإجماع و السيرة من اختصاص أصالة الصحة بالشك في اختلال شرط من شرائطه- كالعربية و الماضوية و نحوهما- و عدم دليل على اعتبارها في مطلق الشك في صحة العقد و لو من ناحية احتمال خلل في شي ء من شرائط المتعاقدين أو غيرهما. هذا لكن الإنصاف عدم خلو ما ذكرناه من المناقشة فأولى إيكال البحث في أصالة الصحة إلى محله.

ثم انه بناء على تمامية أصالة الصحة و الحكم في المقام بان القول قول من يدعى وقوع العقد في حال الإحلال، كما أفاده المصنف- قدس سره- و غيره، حملا لفعل المسلم على الصحة، فإنما يتم ذلك إذا لم يكن الشك فيه راجعا الى الشك في الأمور المقومة للعقد العرفي، و إلا فلا مجال لجريانها أصلا، و ذلك لعدم رجوع الشك حينئذ إلى الشك في أصل الصحة و الفساد حتى يحكم بالصحة ببركة قاعدة الصحة. بل يرجع الى الشك في تحقق أصل الموضوع و هو العقد العرفي، كما هو واضح، و كيف كان فعلى مسلك المشهور يحكم في المقام بان القول قول من يدعى الإحلال، حملا لفعل المسلم على الصحة؛ و قد تبعهم صاحب الجواهر- قدس سره- ايضا حيث قال:

عند شرح قول الماتن: [. ترجيحا لجانب الصحة] المحمول فعل المسلم عليها

في صورة النزاع و غيرها من أحوال الشك في العقد المفروض اتفاقهما على وقوعه كما في غير المقام من صور مدعى الصحة و الفساد التي من الواضح كون مدعيها موافقا لأصلها، على ان مدعى الفساد يدعى وصفا زائدا يقتضي الفساد، و هو وقوع العقد حال الإحرام؛ فالقول قول المنكر بيمينه، لانه منكر للمفسد، كما صرح بذلك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 97

..........

الكركي في حاشيته، و ثاني الشهيدين في المسالك). لكن ناقش صاحب المدارك في الأول- و هو حمل فعل المسلم على الصحة- بأنه انما يتم إذا كان المدعى لوقوع الفعل في حال الإحرام عالما بفساد ذلك؛ أما مع اعترافهما بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة و في الثاني. و هو ان مدعى الفساد يدعى وصفا، زائدا بأن كل منهما يدعى وصفا ينكره الآخر، فتقديم أحدهما يحتاج إلى دليل.

و اعترض صاحب الجواهر على ما أفاده صاحب المدارك بقوله: (و فيه: أن أصل الصحة في العقد و نحوه لا يعتبر فيه العلم، لإطلاق دليله. نعم، أصل عدم وقوع المعصية من المسلم يعتبر فيه العلم، و هو غير أصل الصحة التي هي بمعنى ترتب الأثر، كما هو واضح، و ان مدعى الفساد المعترف بحصول جميع أركان العقد المحمول إقراره على الصحة يدعي وقوع العقد حال الإحرام و الآخر ينكره و ان كان يلزمه كونه واقعا حال الإحلال، و لا ريب في أن الأصل عدم مقارنة العقد للحال المزبور و ذلك كاف في إثبات صحته من غير حاجة إلى إثبات كونه في حال الإحلال بل يكفي احتماله، فلا يكون مدعيا كالأول: كل ذلك مضافا إلى ملاحظة كلام الأصحاب و حكمهم بتقديم مدعى الصحة على مدعى الفساد فيما هو

أعظم من ذلك، كدعوى عدم البلوغ؛ و كون المبيع خنزيرا أو شاة مثلا، و غير ذلك مما يرجع بالأخرة إلى أوصاف أركان العقد فضلا عن المقام. إلى أن قال- قدس سره-: فما أدرى ما الذي أختلجه في خصوص ما نحن فيه). ثم أنه قال صاحب المدارك: (في صورة الجهل يحتمل تقديم قول من يدعى تأخير العقد مطلقا، لاعتضاد دعواه بأصالة عدم التقديم، و يحتمل تقديم قول من يدعى الفساد، لأصالة عدم تحقق الزوجية إلى تثبت شرعا و المسألة محل تردد) و اعترض عليه صاحب الجواهر بقوله: (و فيه: أنه خلاف مفروض المسألة الذي هو مجرد دعوى الفساد بوقوعه في الإحرام؛ و دعوى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 98

..........

الصحة بعدم كونه كذلك من غير تعرض للتقديم و التأخير، و انه لا وجه لاحتمال تقديم مدعى الفساد فيما فرضه مع فرض كون مدعى الصحة يدعي تأخيره عن الإحرام الذي هو مقتضى الأصل. اللهم إلا أن يكون ذلك من الأصول المثبتة ضرورة: عدم اقتضائه التأخر عنه، لكن مقتضى ذلك مجهولية التقدم و التأخر بعد الاتفاق على عدم الاقتران، و المتجه فيه جريان أصالة الصحة لا الفساد، فتأمل جيدا؛ لان كلام الأصحاب في المقام و غيره مطلق بالنسبة إلى الحكم بالصحة من غير التفات إلى مسألة التاريخ.

هذا و في كشف اللثام بعد ان حكم بتقديم قول مدعى الصحة في مفروض المسألة و ان كان المدعى يدعي إحرام نفسه قال: (و كذا أن وجه الدعوى إلى تاريخ الإحرام مع الاتفاق على تاريخ العقد فادعى أحدهما تقديم، الإحرام عليه لذلك، و لأصل التأخير و ان ادعى إحرام نفسه، إلا أن يتفقا على زمان و مكان يمكن فيهما الإحرام فيمكن أن

يقال القول قوله، لانه بصر بأفعال نفسه و أحواله. و أما ان اتفقا على تاريخ الإحرام و وجه الدعوى إلى تاريخ العقد فادعى تأخره، أمكن أن يكون القول قوله للأصل، بل لتعارض أصلي الصحة و التأخر الموجب للفساد و تساقطهما فتبقى أصل عدم الزوجية بلا معارض). و (فيه): ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- أن البصيرة بأفعال نفسه لا يقتضي إثبات حق على الآخر خصوصا مع إمكان الاطلاع على أحواله بإقرار و غيره مما يعلم منه أنه كاذب في دعوى الإحرام، و التعارض انما هو في افراد وقوعه لا بين أصالة التأخر و أصل الصحة، كي يتجه ما ذكر بخلاف ما قلناه فان المتجه فيه الصحة لبقاء أصلها بلا معارض فتأمل جدا و كيف كان فقد ظهر لك ان القول قول من يدعى الصحة في مفروض المسألة و نظائره).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 99

لكن ان كان المنكر المرأة كان لها نصف المهر اعترافه بما يمنع من الوطي و لو قبل لها المهر كله كان حسنا (1)

(1) موضع الخلاف كما أفاده صاحب المدارك ما إذا وقعت الدعوى قبل الدخول، و كيف كان و قد نسب إلى الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في المبسوط تنصيف المهر بذلك، لما ذكره المصنف- قدس سره- من التعليل و هو اعترافه بما يمنع من الوطي، فيكون كالطلاق قبل الدخول، أو لأن العقد انما يملك نصف المهر و مملك النصف الآخر هو الوطي أو الموت؛ و لكن لا يخفى ما فيه من المناقشة و الإشكال، و ذلك لان مقتضى القاعدة هو ثبوت تمام المهر في مفروض المقام كما استحسنه المصنف- قدس سره- لثبوته بالعقد و تنصيفه بالمفارقة بينهما قبل الدخول يكون على

خلاف الأصل فلا بد من الاقتصار على مورد النص و الوفاق و هو الطلاق قبل الدخول، و لا يمكن إلحاق غيره به مما أشبهه، لبطلان القياس.

و من هنا يظهر لك أنه لو قيل لها المهر كله و ان لم يكن قد دخل بها كان حسنا و قد جزم به كل من تأخر عن المصنف- قدس سره- على ما قيل، قال في الجواهر بعد أن اختار ما أفاده المصنف- قدس سره- في المقام: (بل ربما احتمل كون مراد الشيخ النصف بعد الطلاق و أطلق بناء على الغالب من اختيار الزوج ذلك تخلصا من غرامة الجميع، و لا يقدح دعواه الفساد المقتضية لكون الطلاق لغوا، إذ هو و ان كان كذلك لكنه في حقها باعتبار دعواها الصحة مؤثر لسقوط مطالبتها بالجميع ان لم تكن قد قبضته و موجب لرد النصف ان كان قد قبضته.

هذا و لكن العلامة الأصبهاني- قدس سره- في كشف اللثام بعد ان حكم بان لها المهر كله مطلقا دخل بها أم لا، قال: (إلا أن يطلقها قبل أن دخل بها باستدعائها فإنه يلزم به حينئذ و ان كان بزعمه في الظاهر لغوا و يكون طلاقا صحيحا شرعيا فإذا بعدم الدخول ينتصف المهر. و أما إذا لم تستدع الطلاق و جرى فلها المهر كاملا و ان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 100

..........

طلقها قبل الدخول فإنه بزعمه لغو و العقد الصحيح مملك لها المهر كاملا).

و لكن يمكن المناقشة فيه بما أفاده بعض المحققين من ان استدعائها و عدمه لا مدخلية له في ذلك، إذ الطلاق ان كان صحيحا ممن يدعى الفساد في حق مدعى الصحة يترتب حينئذ حكمه، و إلا فلا كما لا يخفى، فلا

وجه للتفصيل الذي أفاده صاحب كشف اللثام. هذا و في الدروس: (و ظاهر الشيخ انفساخ العقد حينئذ و وجوب نصف المهر ان كان قبل المسيس و جميعه بعده). يمكن المناقشة فيه أيضا بما أفاده بعض الفقهاء من إن الاختلاف في الصحة و الفساد لا يقتضي الانفساخ في حق مدعى الصحة لا في المقام و لا في غيره و على فرض تسليم ذلك في مفروض المقام فليس لنا دليل على الحاقه بالطلاق. و أما تنقيح المناط فلا مجال له في الشرعيات لان المعتبر منه هو القطعي، و هو غير حاصل فيها بعد الالتفات إلى قضية ابان، فلا يخرج عن كونه قياسا باطلا في مذهبنا. هذا كله إذا كان النزاع قبل الدخول و أما إذا كان بعده فلا ينبغي الإشكال في لزوم تمام المهر، و الظاهر: أنه مما لا خلاف فيه بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم.

هذا تمام الكلام فيما إذا كانت المرأة منكرة للفساد و أما إذا كان الرجل منكرا له فلا ينبغي الإشكال في انه ليس للمرأة المطالبة بشي ء من المهر لا كلا و لا بعضا قبل الدخول مع عدم القبض، كما انه ليس له المطالبة برد شي ء منه مع قبضه أخذاً لهما بإقرارهما. و أما بعد الدخول و إكراهها أو جهلها بالفساد أو الإحرام فلها المطالبة بأقل الأمرين من المسمى و مهر المثل، لانه المستحق لها عليه ظاهرا قطعا بعد دعواها الفساد التي تقدمت عليها دعوى الصحة دون غيره، و لعل إطلاق خبر سماعة: (لها المهر ان كان دخل بها) «1» منزل على ذلك.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 15- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 101

..........

ثم انه قد قطع

الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بان قبول قول مدعى الصحة انما هو بحسب الظاهر، فيؤاخذ كل منهما ظاهرا بإقراره في لوازم الزوجية و عدمها. و أما في الواقع و نفس الأمر فيجب على كل واحد منهما فيما بينه و بين اللّه تعالى فعل ما هو حكمه مع التمكن منه؛ فان كان المدعى للصحة هو الرجل: ثبت النكاح ظاهرا و حرم عليه التزويج بأختها؛ و وجب عليه نفقتها و المبيت عندها، و يجب عليها مع دعواها الفساد فيما بينها و بين اللّه تعالى: أن تعمل بما تعلم انه الحق بحسب الإمكان و تخلص نفسها منه، و لو بالهرب، و استدعاء الفراق و نحوه، و ليس لها المطالبة بشي ء من حقوق الزوجية، و لا بالمهر قبل الدخول، أما بعده فتطالب بأقل الأمرين من المسمى و مهر المثل مع جهلها كما عرفت.

و ان كان المدعى للصحة هو المرأة انعكست الأحكام المذكورة، فلها المطالبة بالنفقة و المهر و سائر حقوق الزوجية، و لا يحل لها التزويج بغيره، و لا الأفعال المتوقفة على اذنه بدون اذنه؛ و عليه أن يخلص نفسه من لوازم الزوجية المستحقة عليه ظاهرا، مع دعواه الفساد بطلاق و نحوه، و ليس لأحد منهما المخالفة في حق الآخر في الظاهر بعد الحكم بصحة العقد.

قال في الجواهر: (و لعل هذا هو مراد ثاني الشهيدين في المسالك و ان كان في عبارته بعض القصور فإنه قال: (حيث تكون المرأة المنكرة للفساد يلزم الزوج حكم البطلان فيما يختص به فيحكم بتحريمها عليه؛ لعموم إقرار العقلاء؛ و لان الزوج يملك الفرقة، فإذا اعترف بما يتضمنها قبل، و لا يقبل قوله في حقها؛ فلها المطالبة بحق الاستمتاع و النفقة مما يمكن فعله

منه؛ كأداء النفقة يكلف به، و ما لا يمكن كالوطي فإنه بزعمه محرم يتعارض فيه الحقان فلا يكلف به، بل ينبغي التخلص من ذلك بإيقاع صيغة الطلاق و لو معلقة على شرط مثل: [ان كانت زوجتي فهي طالق].

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 102

..........

إلى ان قال: و ما يختص بها من الأحكام المترتبة على دعواها يلزمها قبل الطلاق، فلا يحل لها التزويج بغيره، و لا الأفعال المتوقفة على اذنه بدونه، و يجوز له التزويج بأختها، و خامسة، و نحو ذلك من لوازم الفساد. هذا بحسب الظاهر و أما في ما بينهما و بين اللّه تعالى فيلزمهما حكم ما هو الواقع في نفس الأمر و لو انعكست الدعوى و حلف الزوج استقر له النكاح ظاهرا؛ و عليه النفقة و المبيت عندها و يحرم عليه التزويج بالخامسة و الأخت، و ليس لها المطالبة بحقوق الزوجية من النفقة و المبيت عندها، و يجب عليها القيام بحقوق الزوجية ظاهرا، و يجب عليها فيما بينها و بين اللّه تعالى أن تعمل ما تعلم انه الحق بحسب الإمكان و لو بالهرب، أو استدعاء الفرقة. إلى أن قال: و إنما جمعنا بين هذه الأحكام المتنافية مع إن اجتماعها في الواقع ممتنع جمعا بين الحقين المبنيين على المضايقة المحضة و عملا في كل سبب بمقتضاه حيث يمكن).

و اعترض عليه صاحب الجواهر بقوله: (و فيه أنه إذا لا يكلف هو بوطئها لانه حرام بزعمه في الصورة الأولى؛ ينبغي أن لا تكلف هي بتمكينه من نفسها في الصورة الثانية، لأنه حرام بزعمها؛ و أيضا له التزويج بأختها و بالخامسة ان كان صادقا فيما بينه و بين اللّه تعالى و لكن لا يمكن منه في الظاهر

بعد الحكم شرعا بصحة العقد المانع من ذلك).

ثم انه صاحب المدارك- قدس سره- بعد ما ذكر كلام الشهيد- رضوان اللّه تعالى عليه قال-: (ان إثبات هذه الأحكام مشكل جدا للتضاد خصوصا جواز تزويجه بأختها مع دعواه الفساد، إذ اللازم منه جواز تزويجها بغيره إذا ادعت ذلك، و هو معلوم البطلان. و الذي يقتضيه النظر أنه متى حكم بصحة العقد شرعا ترتبت عليه لوازمه، فيجوز لها المطالبة بحقوق الزوجية ظاهرا و ان ادعت الفساد؛ و لا يجوز له التزويج بأختها و أن ادعى ذلك لحكم الشارع بصحة العقد ظاهرا؛ و أما في نفس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 103

[الثاني: إذا وكل في حال إحرامه]

الثاني: إذا و كل في حال إحرامه فأوقع فإن كان قبل إحلال الموكل بطل، و ان كان بعده صح (1)

الأمر فيكلف كل منهما بحسب ما يعلمه من حاله؛ لكن لو وقع منهما أو من أحدهما حكم مخالف لما ثبت في الظاهر وجب الحكم ببطلانه كذلك و اللّه أعلم) و استجود صاحب الجواهر قده كلام صاحب المدارك، إلا قوله: [فيجوز لها المطالبة. إلخ.

حيث قال: ضرورة: كونه منافيا لإقرارها الذي هو ماض عليها بالنسبة إلى حقها، و غير ماض في حق الغير، فليس لها الامتناع مع طلب الاستمتاع بها و ليس لها مطالبته بذلك، و على هذا يكون المدار فيها و فيه كما عرفت و اللّه العالم و الموفق و المؤيد و المسدد).

و قد تحصل انه إذا كان أحدهما عالما بفساد العقد و الآخر بصحته يحكم بصحة العقد ظاهر، و يترتب عليه آثاره، و لكن في الواقع و نفس الأمر لا بد أن يعمل كل واحد منهما على طبق عمله و في صورة المزاحمة فكل منهما صار غالبا

في التدافع لا يبقى تكليف للآخر المغلوب لانه مقهور و لا شي ء عليه.

(1) إذا وكل محرم في حال إحرامه محلا أو محل محلا على عقد نكاح ثم أحرم الموكل فأوقع الوكيل فان كان قبل إحلال الموكل يحكم ببطلان ذلك العقد كما أفاده المصنف- قدس سره- و هو المعروف بين الفقهاء- قدس سره تعالى أسرارهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف و لا إشكال. إلخ) و في المدارك: و أما البطلان إذا وقع قبل الإحلال فمقطوع به في كلام الأصحاب، بل قال في المنتهى: لو وكل محل محلا في التزويج فعقد له الوكيل بعد إحرام الموكل لم يصح النكاح، سواء حضره الموكل أم لم يحضره، و سواء علم الوكيل أو لم يعلم؛ و استدل عليه: بان الوكيل نائب عن الموكل فكان الفعل في الحقيقة مستند اليه و هو محرم؛ و هو جيد، أن ثبت امتناع ذلك منه على وجه العموم و في استفاد ذلك من الاخبار نظر).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 104

..........

و لا يخفى جودة ما أفاده صاحب المدارك إلا ما ذكره أخيرا بقوله: (و في استفادة ذلك من الأخبار نظر) فإنه لا يخلو عن نظر. و ذلك لما عرفت في المباحث السابقة من النصوص الدالة على أنه لا يتزوج و لا ينكح، الصادقة على الفرض، و هو ما إذا و كل محل محلا في التزويج فعقد له الوكيل بعد إحرام الموكل و يظهر من التأمل فيها منافاة الإحرام لحصول النكاح حاله مباشرة أو توكيلا أو ولاية، و قد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في المباحث السابقة، و من ارادة الوقوف عليها فليراجع بحث حرمة عقد المحرم لنفسه و لغيره.

هذا إذا أوقع الوكيل العقد قبل إحلاله

و أما ان كان أوقع الوكيل العقد بعد الإحلال فيحكم بصحته- كما أفاده المصنف قدس سره- و هو أيضا معروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و في المدارك: (و أما الصحة إذا وقع بعد إحلال الموكل فظاهر، للأصل السالم عما يصلح للمعارضة) و في الجواهر: (صح بلا خلاف أيضا و لا إشكال، لإطلاق أدلة الوكالة و عمومها السالمين عن المعارض؛ حتى لو كانت الوكالة في حال الإحرام، إذ لا دليل على بطلانها. قيل: (الا يكون في حال إحرام الوكيل؛ و لعله لعدم قابليته لإيقاعه حال التوكيل). و لكن لا يخلو من نظر أو منع، خصوصا بعد ان اعترف بصحة التوكيل محرما على النكاح، و حينئذ فالصور الأربع صحيحة؛ مع عدم تقييد الإيقاع حال الإحرام. و تخلل عدم الصحة في زمان الإحرام لا ينافي صحة الوكالة على الفعل بعده؛ فلا أقل من بقاء الإذن الكافي في صحة النكاح، لو سلم بطلان عقد الوكالة ضرورة: كونه كالبطلان بالشرط الفاسد، و ليس هو كالجنون و نحوه الرافع لأصل الإذن باعتبار انتقال الولاية لغير الموكل، كما أوضحناه في محله. و به جزم هنا في (مى) في صورة ما لو و كل المحرم الحلال على

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 105

و يجوز مراجعة المطلقة الرجعية (1) و شراء الإماء في حال الإحرام (2)

التزويج و أن كان لنا نظر في بطلان الوكالة المزبورة، ضرورة كونه من المانع على نحو المانع في الموكل فيه كالحيض في طلاق الزوجة و اللّه العالم). لا ينبغي الإشكال في صحة العقد الواقع بعد إحلال الموكل بعد ثبوت الاتفاق المزبور، و الوجه في ذلك هو انه حسب ما يستفاد من الأخبار الناهية عن التزويج المتقدمة

ذكرها هو حرمة التزويج في حال الإحرام، و من الواضح: أن التوكيل ليس تزويجا ابتداء.

(1) الظاهر ان هذه المسألة هي المتسالم عليها بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و لم ينقل من أحد منهم الخلاف في ذلك، قال في الجواهر: (بلا خلاف كما عن التذكرة و (مى) الاعتراف به بل و لا إشكال بعد عدم تناول النهى المزبور لمثله، فيبقى على الأصل و العموم الذي منه قوله تعالى [وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ «1» لا ينبغي الإشكال في جواز مراجعة مطلقة الرجعية في حال الإحرام بعد ثبوت الاتفاق من جميع الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- عليه و ذلك لان متعلق النهى التزويج في حال الإحرام و المراجعة كما عرفت آنفا ليست ابتداء نكاح، لأن المطلقة رجعية في حكم الزوجية كما أفاده صاحب المدارك- قدس سره- ثم أنه لا فرق في هذا الحكم بين المطلقة تبرعا و التي رجعت ببذلها كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره.

(2) لا ينبغي الإشكال في جوازه شراء الإماء في حال الإحرام كما أفاده المصنف- قدس سره- و هو أيضا مما قد تسالم عليه الأصحاب و لم ينقل الخلاف من أحد منهم و يدل عليه- مضافا إلى الأصل السالم من المعارض- ما رواه سعد الأشعري القمي عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يشتري الجواري فيبيعها؟.»

______________________________

(1) سورة البقرة في الآية 228

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 106

..........

قال نعم «1» و رواه الكليني- رحمه اللّه تعالى- عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن البرقي عن سعد بن سعد و رواه الصدوق- قدس سره- بإسناده عن سعد بن سعد إلا أنه قال: (و يبيع).

« (إيقاظ)» و هو أنه مقتضى

إطلاق صحيح المتقدم و كذا كلام الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عدم الفرق في الحكم بجواز شراء الإماء بين أن يقصد بذلك الخدمة أو التسري و ان حرم عليه المباشرة لهن حال الإحرام، بل مقتضى إطلاقه كما ترى صحة الشراء و ان قصد المباشرة حاله حين الإحرام و ان أثم بالقصد المزبور لكنه لا يقتضي فساد العقد الذي تحقق جامعا للشرائط و ان احتمله في التذكرة على ما نقل في الجواهر لحرمة الغرض الذي وقع العقد له كمن اشترى العنب لاتخاذه خمرا لكن فيه كما أفاده صاحب الجوهر على فرض تسليم ذلك انما يتم في ما إذا اشترط ذلك في متن العقد لا في الفرض الذي لم يكن الشراء فيه منهيا عنه بخصوصه و لا علة في المحرم اعنى المباشرة؛ فلا يكون تحريمها مستلزما لتحريمه، كما هو واضح. و قال الشهيد الثاني:

- رحمه اللّه تعالى في المسالك على ما نقل في الحدائق انه لو قصد المباشرة عند عقد الشراء في حال الإحرام حرم؛ و هل يبطل الشراء فيه وجه منشأه النهي عنه، و الأقوى العدم، لانه عقد لا عبادة. و قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: (قلت لا ريب في عدم البطلان؛ بل الظاهر عدم تحريم الشراء أيضا، لأنه ليس منهيا عنه بخصوصه، و لا علة في المحرم. إلخ) و استجوده صاحب الحدائق أيضا ثم أنه ينبغي هنا التنبيه على أمرين:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 16- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 107

[و الطيب]

و الطيب على العموم (1)

1- انه لا خلاف و لا إشكال في جواز مفارقة النساء بالطلاق و يدل عليه مضافا إلى الأصل ما رواه محمد بن

يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عاصم بن حميد عن أبى بصير قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المحرم يطلق و لا يتزوج «1» و ما رواه حماد بن عثمان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن المحرم يطلق؟. قال: نعم «2».

2- لا خلاف أيضا في جواز مفارقة النساء بالفسخ؛ و ذلك لعدم تناول العموم المذكورة في صدر المبحث له؛ لان متعلق النهى هو التزويج في حال الإحرام و أما الفسخ فليس منه؛ كما هو واضح.

(1) حرمة الطيب على المحرم مما لا ينبغي الإشكال فيه في الجملة و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر عند شرح قول المصنف (إجماعا في الجملة بين المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل النصوص متواترة فيه، بل في المتن و غيره هو على العموم. وفاقا للمقنعة و جمل العلم و العمل و المراسم و السرائر و المبسوط و الكافي و غيرها على ما حكى عن بعضها كما حكى عن الحسن. إلى أن قال: بل في الذخيرة نسبته إلى أكثر المتأخرين، بل في (مى) إلى الأكثر، بل في الرياض نسبته إلى الشهرة العظيمة. إلخ). و في المدارك: (و هو في الجملة موضوع وفاق. إلخ). و يمكن أن يستدل على ذلك بجملة النصوص المروية عنهم- عليهم السّلام- في هذا المقام منها: صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك؛ و اتق الطيب في طعامك، و أمسك على أنفك من الرائحة الطيبة، و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة؛ فإنه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 108

..........

لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة «1» و منها ما رواه حماد عن حريز عمن أخبره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان، و لا يتلذذ به و لا بريح طيبة، فمن ابتلي بذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر سعته «2». و منها: صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: اتق قتل الدواب كلها، و لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك، و اتق الطيب في زادك؛ و أمسك على أنفك من الريح الطيبة، و لا تمسك من الريح المنتنة، فإنه لا ينبغي لك أن تتلذذ بريح طيبة فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليعد غسله؛ و ليتصدق بصدقة بقدر ما صنع «3» و منها:

ما رواه محمد بن إسماعيل [يعني ابن بزيع] قال: رأيت أبا الحسن عليه السّلام كشف بين يديه طيب لينظر اليه و هو محرم، فأمسك بيده على أنفه بثوبه من رائحته [ريحه خ ل] «4» و منها: ما رواه محمد بن إسماعيل عن حنان بن سدير عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام-: ما تقول في الملح فيه زعفران للمحرم؟. قال: «لا ينبغي للمحرم أن يأكل شيئا فيه زعفران، و لا يطعم شيئا من الطيب» «5». و منها ما رواه صفوان عن عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تمس ريحانا و أنت محرم و لا شيئا فيه زعفران، و لا

تطعم طعاما فيه زعفران «6». و منها ما رواه العباس بن عامر عن حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: انى جعلت ثوب إحرامي مع أثواب قد جمرت؛ فأخذ من ريحها؟. قال: «فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها» «7». و منها: ما رواه النضر بن سويد عن أبى الحسن عليه السّلام في حديث: ان المرأة المحرمة لا تمس طيبا «8». و منها صحيح زرارة قال: من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسيا فلا شي ء عليه و يستغفر اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

(2) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6.

(3) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9.

(4) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

(5) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

(6) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.

(7) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

(8) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 109

..........

و يتوب اليه «1» بناء على تسليم الملازمة بين الكفارة و الحرمة إلى غير ذلك من من الأخبار المأثورة عنهم- عليهم السّلام- الدالة منطوقا و مفهوما على حرمة مطلق الطيب على المحرم و سيأتي- ان شاء اللّه تعالى- تقريب دلالة هذه الروايات على حرمة مطلق الطيب أو كراهته مع الغض عن النصوص الدالة على حرمة بعض أنواع الطيب، و وجه الجمع بينها، و ما هو المختار في مسألة الطيب.

و لا يخفى: ان المستفاد من

هذه النصوص تصريحا و تلويحا كون العبرة في الحرمة بعنوان الطيب. و قد يشكل على هذه الاستفادة بالإجمال المسقط للاستدلال إذ يحتمل مغايرة معنى الطيب عرفا في زمان صدور الروايات لمعناه كذلك في زماننا و لكنك خبير باندفاعه باستصحاب القهقرى، إذ بعد العلم بمفهوم الطيب عرفا في زماننا إذا شككنا في كونه بهذا المعنى في زمان صدور الروايات فيستصحب إلى ذلك الزمان و يحكم بان معنى الطيب في عرف ذلك الزمان هو معناه في عرفنا و به يرتفع إشكال الإجمال المانع عن صحة الاستدلال. كما لا يرد التشبث بالأخبار المتقدمة: ضعف بعضها، لانجباره بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم.

ثم إنه يمكن ان يقال: ان المراد من لفظ: [لا ينبغي] الواقع في خبر سدير و غيره من الأخبار المتقدمة هو الحرمة، خصوصا إذا قلنا بأنها للقدر المشترك بين الحرمة و الكراهة. و لم يكن المراد منها المعنى المصطلح، و ذلك بقرينة الأخبار الناهية عنه الظاهرة في الحرمة، بل يمكن القول بظهورها في إرادة الحرمة، كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- للإجماع على حرمة الطيب في الجملة المانع عن إرادة الكراهة منه. خصوصا بعد التعبير به في الزعفران الذي لا خلاف في حرمته له.

و أما اشتمال صحيح حريز المتقدم على الريحان بعد تسليم كراهته فلا ينافي ذلك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 110

ما خلا خلوق الكعبة [1] (1)

حرمة الطيب بعد كونه منهيا عنه لأجل الدليل، بناء على ان قوله: (لا) نهى، لا زائدة، و الحاصل إن هذه الأخبار ظاهرة في القول المشهور و هو حرمة مطلق الطيب و من هنا ظهر: ضعف ما في

محكي الذخيرة حيث قال: بعد ما ذكرها: (و لا يخفى ان دلالة هذه الاخبار على التحريم غير واضحة و الأصل يقتضي حملها على الكراهة و يناسب ذلك قوله: لا ينبغي) و كيف كان كما ذكرنا آنفا سيتضح لك تحقيق الكلام في هذه المسألة في القريب عند تعرض المصنف الأقوال و آراء الأصحاب.

(1) ما أفاده المصنف من استثناء خلوق الكعبة من الطيب المحرم مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في المنتهى و محكي الخلاف: الإجماع عليه. و يدل عليه صحيح حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن خلوق الكعبة و خلوق القبر يكون في ثوب الإحرام:؟ فقال.

«لا بأس بهما هما طهوران» «1» و ما رواه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم؟. قال: «لا بأس و لا يغسله فإنه طهور» «2» و ما رواه الكليني عن ابن ابى عمير

______________________________

[1] خلوق: (هو ضرب من الطيب مائع فيه صفرة) كما عن المغرب و المعرب. و عن الحريري في نهايته: (انه طيب معروف مركب من الزعفران و غيره من أنواع الطيب و تغلب عليه الحمرة و الصفرة). و عن ابن جزلة المتطبب في منهاجه: [أن صنعة: زعفران ثلاثة دراهم، قصب الذريرة خمسة دراهم، اشنه درهمان، قرنفل و قرفة من كل واحد درهم، يدق ناعما و ينخل و يعجن بماء ورد و دهن حتى يصير كالرهش في قوامه و الرهش: (هو السمسم المطحون قبل ان يعصر و يستخرج دهنه) على ما في الجواهر و في المدارك: (و الخلوق كصبور

ضرب من الطيب قاله في القاموس و قال الشارح (قده) إنه أخلاط خاصة من الطيب منها الزعفران فعلى هذا لو كان طيب الكعبة غيرها حرم. إلخ).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 111

..........

في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنه سأله عن خلوق الكعبة للمحرم أ يغسل منه الثوب؟. قال: «لا» هو طهور، ثم قال: أن بثوبي منه لطخا «1» إلى غير ذلك من الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام الدالة على ذلك.

بل في التهذيب و النهاية و السرائر و التحرير و التذكرة زيادة زعفرانها أيضا، لاشتمال الخلوق عليه، و لصحيح يعقوب بن شعيب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة؟ قال: «لا يضره و لا يغسله» «2». و خبر سماعة أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة و هو محرم فقال: «لا بأس به و هو طهور فلا تتقه ان تصيبك» «3» و نحوهما غيرهما من الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام. ثم ان تنقيح البحث فيه يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الأولى)- إن مقتضى إطلاق إطلاق النصوص- كما ترى هو عدم حرمة شم ما يتطيب به الكعبة المقدسة، و لكن يختص ذلك بما إذا استعمل الخلوق بالكعبة، و أما قبل استعماله فلا يجوز ذلك؛ لقوله عليه السّلام في صحيح ابن سنان المتقدم في صدر المبحث: (لا تمس ريحانا و أنت محرم و لا شيئا فيه زعفران. إلخ) فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن في الخروج عن عموم النهى

عن شم الطيب، و هو بعد استعمال الخلوق بالكعبة المقدسة.

(الثانية)- انه لا بد من الاقتصار على مورد النصوص المتقدمة و هو خلوق الكعبة و خلوق القبر في الحكم بعدم لزوم الاجتناب عنه في ثوب الإحرام، و لا يمكن التعدي إلى غيره- كالتجمير و نحوه- وفاقا لما أفاده الشهيد الثاني في المسالك حيث انه على ما حكى عنه في الجواهر حرم غير الخلوق إذا طيبت به الكعبة بتجمير و غيره- إلا إذا قام دليل تعبدي على ذلك أو علم بوحدة المناط و شي ء منهما غير حاصل في المقام

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 21 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

(2) الوسائل ج 3 الباب 21 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

(3) الوسائل ج 3 الباب 21 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 112

..........

أما (الأول): فواضح و أما (الثاني) فلما ذكرناه غير مرة من ان المعتبر منه هو القطعي الذي لا يمكن تحصيله في الشرعيات و غاية ما يحصل منه هو الظن و لا دليل على اعتباره بل قام الدليل على عدم اعتبار الظن المشكوك الاعتبار و قد ذكرنا مرارا ان نفس الشك في اعتباره كاف في عدم حجيته.

(الثالثة)- أنه ذهب بعض الأصحاب إلى حرمة شم ما يتجمر به الكعبة المقدسة و لكن قيل: انه لا يحرم الجلوس فيها و عندها، و لكن ذهب الشيخ و العلامة- قدس سرهما- إلى عدم تحريم الشم أيضا، و ظاهر المدارك الميل اليه؛ و استدل لذلك بفحوى صحيح هشام بن الحكم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: سمعته يقول:

«و لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفاء و المروة من ريح العطارين و لا يمسك

على أنفه» «1» فعليه إذا جاز شم الرائحة الطيبة من العطارين بين الصفاء و المروة فرائحة الكعبة المقدسة أولى. و لكن يمكن المناقشة فيه بعدم إمكان التعدي من مورده- و هو الرائحة الطيبة بين الصفاء و المروة- إلى غيره و هو الرائحة الحاصلة من تجميرها، و ذلك لاحتمال خصوصية في الرائحة الطيبة فيما بين الصفاء و المروة فتدبر. فالأولوية على تقديرها ظنية و من المعلوم عدم العبرة بها، لعدم خروجها عن القياس الباطل في مذهبنا، فلا يمكن التعدي من مورد صحيح هشام إلى غيره، فيحكم بحرمة الشم في ما نحن فيه فتأمل.

ثم انه قد استثنى أيضا من الطيب المحرم خلوق القبر، و هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و يدل على ذلك صحيح حماد بن عثمان المتقدم لقوله عليه السّلام فيه: «لا بأس بهما [أى خلوق الكعبة و خلوق القبر] هما طوران».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 113

و لو في الطعام (1)

ثم لا يخفى: ان مقتضى إطلاق الرواية هو استثناء خلوق مطلق القبور. نعم ان الظاهر اختصاص الحكم بالقبور الواقعة في مكة؛ و أما غيرها فليست داخلة فيه لخروجها عن محل ابتلاء المحرم. و أما ما قيل من اختصاص الحكم بخلوق قبور الأعاظم التي صارت مزارا: فمدفوع بمقتضى إطلاق الحديث فتدبر.

و قد استثنى أيضا من الطيب المحرم على المحرم طيب العطارين بين الصفا و المروة و يدل عليه- مضافا إلى اتفاق الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم- ظاهرا عليه صحيح هشام المتقدم، لقوله عليه السّلام فيه: (لا بأس بالريح الطيبة بين الصفاء و المروة من ريح العطارين و لا يمسك على انفه)

هذا مما لا كلام و لا إشكال فيه، إنما الكلام في أنه هل يختص الجواز بالمرور للسعي أو يعم مطلق المرور و لو لم يكن للسعي؟.

مقتضى إطلاقه هو الثاني. نعم، شموله لحال الجلوس مشكل إلا إذا تعب عن المشي.

ثم لا يخفى أنه كما عرفت مقتضى ظاهره هو عدم حرمة شم الريح الجائي من سوق العطارين و لكن لا يشمل ما إذا تعمد الشم كما إذا شم من قارورة العطار فيحكم بحرمة ذلك عليه، لانصرافه إلى كون الشم قهرا في حال المرور بين الصفاء و المروة، فتعمد الشم مطلقا سواء كان في حال الجلوس أم المرور غير داخل في صحيح هشام و المرجع فيه عموم حرمة شم الطيب.

(1) أن مقتضى الأخبار الواردة في المقام هو وجوب اجتناب المحرم الطيب شما و تطيبا و أكلا و لو في الطعام، كما أفاده صاحب الجواهر و غيره من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و ذلك لعموم الأدلة مضافا إلى خصوص بعض النصوص السابقة، لقوله عليه السّلام في صحيح عبد اللّه بن سنان: (و لا تطعم طعاما فيه زعفران).

و قوله عليه السّلام في خبر حنان بن سدير: (لا ينبغي للمحرم ان يأكل شيئا فيه زعفران و لا يطعم شيئا من الطيب): بل في التذكرة نسبته إلى إجماع علماء الأمصار.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 114

..........

هذا لا كلام فيه في الجملة إنما الكلام في أنه هل يعتبر في الحرمة عدم استهلاكه على وجه يعد أنه آكل له و مستعمل إياه و لو ببقاء رائحته التي هي المقصد الأقصى في الطعام من استعماله كما ان المقصد الأقصى من الزعفران لونه أم لا يعتبر ذلك؟. يمكن أن يقال باعتبار عدم استهلاكه في الحكم

بحرمة الأكل من الطعام الذي فيه طيب على المحرم، إذ مع الاستهلاك لا يصدق الأكل و الاستعمال، فلا يحرم للأصل.

و يؤيده في الجملة، كما أفاده صاحب الجواهر صحيح عمران عن الصادق عليه السّلام انه سئل عن المحرم يكون به الجرح فيتداوى بدواء فيه زعفران؟ فقال ان كان الزعفران الغالب على الدواء فلا و ان كانت الأدوية الغالبة عليه فلا بأس «1».

و من هنا ظهر ضعف ما عن الخلاف و التحرير و موضع من التذكرة و غيرها من حرمة أكل ما فيه طيب و ان زالت أوصافه، لعموم النهى عن أكل ما فيه طيب أو زعفران لما عرفت من منع تناول العموم له، و لم يرد في الروايات ما دل على حرمة ما فيه طيب على وجه يتناول المستهلك؛ و لا فرق في ذلك بين ما مسته النار و غيره؛ خلافا للمسالك و أصحاب الرأي؛ لأنهم أباحوا ما مسته النار بقيت أوصافه أولا.

و لكنه مع ذلك كله لا يخلو المنع من تناول العموم له من تأمل، و ذلك لان النهي عن أكل الطعام الذي فيه زعفران مطلق؛ و لا يصلح. صحيح عمران الحلبي لتقييده بالغلبة و عدم الاستهلاك، لكون مورده الدواء لا الطعام، و لا دافع لاحتمال خصوصية المورد- و هو الدواء- حتى يتعدى عنه إلى الطعام، فلا بد من الاقتصار على مورده. و أما القول بإمكان التعدي بتنقيح المناط، فمدفوع بما ذكرنا غير مرة و هو أن المعتبر منه هو القطعي و لا يمكن تحصيله في الشرعيات؛ فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا في مذهبنا.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 69 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 115

و لو

اضطر إلى أكل ما فيه طيب أو لمس الطيب قبض على أنفه (1)

هذا مضافا إلى إمكان إرادة بقاء الأثر- و هو الريح الطيبة من الغالب لا إرادة الغلبة من حيث الوزن فتدبر و أما الأصل فلا مجال له حتى يحكم بعدم الحرمة في صورة استهلاكه في الطعام به، و ذلك لانقطاعه بالإطلاقات الناهية عنه مطلقا فعليه قد يقوى في النظر ما ذهب اليه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في الخلاف و العلامة في التذكرة و غيرها، و يظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب الجواهر- قدس سره- من عدم الحرمة إذا كان مستهلكا حيث قال في ذيل المبحث: (و التحقيق ما عرفت من حرمة أكله إذا لم يكن مستهلكا) فتأمل و اللّه الهادي إلى الصواب.

(1) ان ما ذكرنا من حرمة أكل ما فيه طيب أو لمسه إنما يختص بحال الاختيار و أما في حال الاضطرار فلا بأس به؛ و ذلك للضرورة المبيحة للمحظورات، و لكن لا يخفى ان الضرورات تتقدر بقدرها، فإذا توقف اندفاع ضرورة مثلا على استعمال الدهن الذي ليس فيه طيب تعين ذلك عليه، فلا يستعمل الدهن الذي فيه طيب إلا مع توقف اندفاع الضرورة عليه، كما هو الحال في سائر الضرورات، فلو اضطر إلى شمه خاصة اقتصر عليه دون غيره، من الأكل أو غيره مما لم يضطر اليه. لعدم الضرورة المسوغة له، و لذا تضمنت نصوص الاضطرار لاستعمال الدهن الزيت و السمن كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن محرم تشققت يداه؟ قال: فقال: يدهنهما بزيت أو بسمن أو إهالة «1» و صحيح هشام بن سالم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا خرج بالمحرم الجراح أو الدمل فليبط

و ليداوه بسمن أو زيت «2» و صحيح إسماعيل بن جابر و كانت عرضت له ريح في وجهه من علة اصابته و هو محرم قال: فقلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ان الطبيب الذي يعالجني وصف لي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 31- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب- 31- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 116

و قيل: (1) إنما يحرم المسك و العنبر و الزعفران و الورس و العود و الكافور و قد يقتصر بعض (2) على أربعة: المسك و الزعفران و العنبر و الورس.

سعوطا فيه مسك؟. فقال: اسعط به «1» و نحوه غيره.

و أما إطلاق خبره الآخر عنه قال: سألته عن السعوط للمحرم و فيه طيب؟

فقال: لا بأس (به خ) «2» فيحمل على حال الضرورة كما حمله الشيخ- قدس سره- و يمكن حمله على غير الأنواع المحرمة، و ذلك للجمع بينها و لكن شاهد له فلا يصار اليه و العمدة هو عدم عمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بإطلاقه.

(1) و القائل هو الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة بل عن الخلاف الإجماع على انه لا كفارة في غيرها.

(2) و هو الصدوق- قدس- سره- في المقنع على ما نقل عنه بل هو المحكي عن التهذيب و ابن سعيد. ثم ان هنا قولا ثالثا: و هو حصره في خمسة بإسقاط الورس و هو المحكي عن الجمل و العقود و المهذب و الإصباح و الإشارة و في الغنية نفي الخلاف عن حرمتها؛ و كيف كان فيدل على القول الثاني و هو الأربع صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام

قال: لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم، و لا من الدهن، و أمسك على انفك من الريح الطيبة و لا تمسك عليه من الريح المنتنة؛ فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة، و اتق الطيب في زادك؛ فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليعد غسله، و ليتصدق بصدقة بقدر ما صنع و انما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران. إلخ «3» و خبر عبد الغفار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الطيب: المسك و العنبر و الزعفران و الورس «4».

و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: انما يحرم عليك من الطيب أربعة

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 19 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

(2) الوسائل ج 3 الباب 19 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8.

(4) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 16.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 117

..........

أشياء: المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح «1» و نحوها غيرها من الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- و كيف كان قال: في الجواهر بعد ذكره ما في صحيح معاوية و خبر عبد الغفار: (و منه يعلم كون المراد منه ذلك بالنسبة للمحرم، لا ان المراد حصر الطيب في نفسه، بل في صحيح معاوية الآخر عنه أيضا: الرجل يدهن بأي دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك و لا عنبر و لا زعفران و لا ورس قبل أن يغتسل للإحرام غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح؛ و بذلك يظهر

لك: ان لا وجه لإسقاط الورس ممن سمعت و ان قال الصادق عليه السّلام في خبر ابن ابى يعفور: (الطيب المسك و العنبر و الزعفران و العود) فان المتجه في الجمع بينها الحكم بحرمة الخمسة التي نفي الخلاف فيها في محكي الغنية، بل ينبغي إضافة الكافور إليها، لفحوى ما دل على منع الميت المحرم منه، فالحي أولى، بل لعل الحصر المزبور في النصوص المذكورة فيما عداه باعتبار قلة استعمال الأحياء كما انه يجوز كون ترك العود في نصوص الأربعة لاختصاصه غالبا بالتجمير، و كونها فيما يستعمل لنفسه؛ و بما ذكرنا ظهر لك حجة القول بالستة و الخمسة و الأربعة و على كل حال فيخص أو يقيد ما دل على حرمة مطلق الطيب أو يحمل على الكراهة كما عساه يشعر بها ما عرفت من قوله: (لا ينبغي) و نحوه. إلخ).

يمكن ان يقال بمعارضة خبر ابن أبى يعفور المشتمل على لفظ العود مع صحيح معاوية بن عمار و خبر عبد الغفار المشتمل على لفظ الورس، و ذلك لان مقتضى حصر خبر ابن أبى يعفور المستفاد من وروده في مقام التحديد هو عدم حرمة الورس و حرمة العود؛ و مقتضى الحصر في صحيح معاوية بن عمار و نحوه عدم حرمة العود على المحرم، فيقع بينهما التعارض، فلا بد من ملاحظة ما يوجب ترجيح أحدهما على

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 118

..........

الآخر، أو التخيير، أو غيرهما من أحكام التعارض، و يمكن أن يقال بترجيح الأخبار المشتملة على الورس على خبر ابن أبى يعفور بوجهين:

(الأول)- كثرة الأخبار المشتملة على الورس و وحدة ما دل على حرمة العود، فالعبرة

بها، لكثرتها عددا دونه؛ لوحدته. و (فيه): ما حقق في محله من عدم كون كثرة العدد من مرجحات تعارض الروايات حتى يحكم بتقدم الأخبار المشتملة على ما عدا العود على خبر ابن أبى يعفور المشتمل على العود، و ذلك لعدم دليل شرعي و لا عقلي على كون كثرة العدد من المرجحات.

(الثاني)- قوله عليه السّلام: (خذ بما اشتهر بين أصحابك و دع الشاذ النادر) فتقدم الأخبار المشتملة على الورس على خبر ابن أبى يعفور لأجل كونها مشهورا و (فيه): انه بناء على تسليم ذلك فإنما يتم إذا لم يكن الثاني مشهورا و ليس الأمر كذلك لثبوت الشهرة في تمامها.

و لكن يمكن ان يقال: بعد البناء على اعتبار خبر ابن أبى يعفور لانجباره بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- انه لا تعارض بين الروايات ضرورة: أن ضابط التعارض هو عدم الملائمة بين الكلامين إذا اجتمعا، مثلا لا يجتمع قوله:

(اغتسل للجمعة) و (لا تغتسل للجمعة) لمنافاة الأمر للنهي، بخلاف [اغتسل للجمعة] و (لا بأس بترك غسل الجمعة) فإنه لا منافاة بين رجحان الفعل و الترخيص في تركه فنقول في مقامنا: انه لا منافاة بين قولنا: الطبيب هو المسك و العنبر و الزعفران و الورس، و بين قولنا: الطيب هو المسك و العنبر و الزعفران و العود، فان العرف لا يتحير في الجمع بين هاتين العبارتين، و لا يراهما من المتعارضين.

فان قلت: ان الحصر المستفاد من كلمة: [انما] في صحيحي معاوية بن عمار المتقدمين، و من التحديد في خبر عبد الغفار المتقدم ينفي حرمة ما عدا الأربعة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 119

..........

المذكورة فيها من العود و غيره فالنص الدال على حرمة ما عداها ينافي الحصر المزبور فلا

محالة يقع التعارض بينهما. قلت: ان الحصر بكلا قسميه المزبورين ليس نصا في الحصر بل ظاهرا فيه، فإذا دل دليل يكون صريحا أو أظهر من ذلك الحصر، فلا محالة ترفع اليد عن الحصر، نظير: (لا تعاد الصلاة إلا من خمس) و قوله عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: (لا يضر الصائم إذ اجتنب أربعة خصال) و غير ذلك مما هو في غاية الكثرة؛ و من المعلوم انه لا تعارض بين النص أو الأظهر و بين الظاهر؛ فمقتضى ما ذكرنا هو الأخذ بجميع النصوص و الالتزام بحرمة جميع أفراده المنصوصة.

و بعبارة أوضح: انه ترتفع اليد عن ظاهر الحصر و هو (انما) الواقع في بعض الاخبار المتقدمة المستفاد منه انحصار الحرمة في المسك و العنبر و الزعفران و الورس دون غيره بقاعدة تقديم النص أو الأظهر على الظاهر؛ لان خبر ابن أبى يعفور نص في ان العود محرم. و صحيح معاوية المشتمل على كلمة (انما) ظاهر في ان العود و الكافور ليس بحرام، فترتفع اليد عن ظهوره لأجل النص فتصير النتيجة ان المحرم هو خمسة أشياء و ستة أشياء بناء على اضافة الكافور إليها ان قلنا بتمامية فحوى ما دل على منع ميت المحرم منه فالحي أولى.

ثم أن هنا تقريبا آخر لعدم المعارضة بينها، و هو ان قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (انما يحرم) ظاهر في حصر الطيب المحرم في الأربعة المذكورة فيه و هو المسك و العنبر و الزعفران و الورس و لا دلالة فيه على انحصار أقسام الطيب فيها، لكي تقع المعارضة بينه و بين غيره من الاخبار فيكون الحصر بلحاظ الحكم فلا مانع من انه يكون شي ء آخر من الطيب

أيضا، كالعود و غيره، فلا معارضة بينها؛ لانه لم يقل في خبر ابن أبى يعفور المشتمل على العود (انما يحرم) بل قال:

(الطيب المسك و العنبر و الزعفران و العود) فيؤخذ بجميعها من ناحية الموضوع،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 120

و الأظهر هو الأول (1)

لعدم المنافاة بين أن يكون جميعها طيبا و بين أن يكون المحرم منها هو خصوص المسك و العنبر و الزعفران و الورس بمقتضى ظاهر الحصر في صحيحي معاوية، و أما غيرها فيحكم بكراهته. و لكن يبقى مجال حينئذ للسؤال عن تخصيص ذكر العود في خبر ابن أبى يعفور، فان كان المقصود هو الكراهة فليس مختصا به، لان كل طيب مكروه على المحرم، و ان كان المقصود انحصار حقيقة الطيب بهذه الأشياء فلا يمكن الالتزام به و لعل ذكر العود لأجل أشدية كراهته عن بقية المكروهات.

و لكن التحقيق: انه لا يرتفع التهافت و التعارض بهذا التقريب؛ لورودها في في مقام التحديد أى تحديد موضوع الحرمة و ليس شأن الإمام مجرد بيان الموضوع حتى يتم ما ذكر بل يكون ذكرها فيه لأجل الحكم فعليه يتعين الجمع المتقدم و هو رفع اليد عن الحصر الواقع في الصحيح الظاهر في الانحصار لأجل النص و هو الخبر المشتمل على العود فتأمل

(1) و اختاره صاحب الجواهر أيضا حيث قال بعد ذكره حجة القول بالأربعة و الخمسة و الستة، و تخصيص ما دل على حرمة مطلق الطيب بها أو حملها على الكراهة بقرينة: (لا ينبغي): (و لكن مع ذلك الأول أظهر من ذلك كله، خصوصا القول بالأربعة الذي هو في غاية الندرة؛ حتى ان الشيخ الذي قال به في التهذيب قد رجع عنه في المبسوط الى العموم. و

في الخلاف إلى الستة؛ و منه يعلم المناقشة في الحصر في الصحيح بالأربعة المشتمل على ما لا يقول به أحد من الكفارة بأنه لا بد من صرفه عن ظاهره بالنسبة إلى الكافور و العود؛ لما عرفت فيكون مجازا بالنسبة إلى ذلك، و هو ليس بأولى من إبقاء العموم على حاله، و حمله على ما هو أغلظ تحريما أو المختص بالكفارة؛ بل لعله أولى، و ان كان التخصيص بالترجيح أحرى من المجاز حيث ما تعارضا، فان ذلك حيث لا يلزم إلا أحدهما، و أما إذا لزم المجاز على كل تقدير

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 121

..........

فلا ريب في أن اختيار فرد منه يجامع العموم أولى من الذي يلزم معه التخصيص كما لا يخفى. و العمدة كثرة النصوص المزبورة مع عمل المشهور بمضمونها، و اشتمال بعضها على التعليل: (بأنه لا ينبغي للمحرم التلذذ بذلك) المناسب لمعنى الإحرام، و لما ورد في دعائه من إحرام الأنف و غيره، فيكون الظن بها أقوى، و إجماع الخلاف على نفي الكفارة فيما عدي الستة لا تنافي الحرمة بعد تسليمه كما أن إجماع ابن زهرة لا ينافي حرمة غيرها. إلخ) تحقيق الكلام هو أنه إن الأخبار الواردة في المقام كما ترى مختلفة المفاد لدلالة بعضها على حرمة مطلق الطيب و بعضها على حرمة بعض أقسامه كاختلاف الأخبار الواردة في تفسير الطيب، إذ بعضها يفسره بالأربعة مع اختلاف في نفس الأربعة لابدال الورس في بعضها بالعود. و بعضها الآخر يفسر الطيب بالستة و كيف كان فلو كان المحرم نفس عنوان الطيب كما هو مقتضى الإطلاقات و العمومات فلم يكن إشكال في عموم الحكم لكل ما يعد طيبا من دون اختصاص بقسم خاص

منه، لكنه بعد تفسيره في بعض النصوص بأشياء خاصة فحينئذ يقع التعارض بينها، فلا بد من الجمع بينها و يمكن الجمع بينها بوجهين:

(الأول)- حمل الأخبار الدالة على حرمة مطلق الطيب على الحرمة فقط دون ثبوت الكفارة، و حمل غيرها من الأخبار الدالة على حرمة خصوص الأربعة و هي: المسك و العنبر و الزعفران و الورس على ثبوت الكفارة فيها أيضا، و نتيجة ذلك هو ان المحرم كل ما يصدق عليه عنوان الطيب عرفا و لكن الكفارة لا تترتب إلا على بعض أقسامه و هو الأربعة المزبورة.

و لكن لا يخفى ما فيه، لأنه لا شاهد له، و ليس أيضا جمعا عرفيا، إذ الجمع العرفي هو تقييد المطلقات بالأخبار المفسرة للطيب، لكن لما كان بين نفس تلك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 122

..........

الأخبار تهافت، فلا تصلح لتقييدها، فلا بد أولا من علاج هذا التهافت كما عرفت سابقا ثم تقييد المطلقات بها.

(الثاني)- حمل الأخبار المطلقة الدالة بظاهرها على حرمة مطلق الطيب على الكراهة؛ و الأخذ بظاهر الأخبار المفسرة من حرمة خصوص بعض أقسام الطيب. و المتحصل حينئذ هو كراهة مطلق الطيب إلا الأربعة المزبورة و هي:

المسك و العنبر و الزعفران و الورس، و الشاهد على ذلك هو خبر معاوية بن عمار المتقدم، لقوله عليه السّلام فيه: (لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم، و لا من الدهن، و أمسك على انفك من الريح الطيبة، و لا تمسك عليها من الريح المنتنة. فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة و اتق الطيب في زادك، فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليعد غسله. إلى أن قال: و انما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: (المسك و العنبر و

الزعفران و الورس) غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة إلا المضطر الى الزيت أو شبهه يتداوى به) حيث أنه- كما ترى قد اشتمل صدره على الأمر باتقاء المحرم عن مطلق الطيب؛ و الأمر بإمساك الأنف عن الريح الطيبة مع التعليل بقوله: (لا ينبغي أن يتلذذ بريح طيبة) و ذيله على قوله: (غير أنه يكره للمحرم الأدهان. إلخ) و ظاهرهما هو التفصيل بين ما إذا كان الطيب من الأربعة المزبورة و غيرها؛ فيحكم بالحرمة في الأول، و بالكراهة في الثاني.

ثم إن المراد بالكراهة التي وردت في بعض الأخبار كقوله عليه السّلام من أنه يكره من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الزعفران و الورس هو معناه اللغوي- و هو الحرمة بقرينة الأخبار المتضمنة قوله: (و انما يحرم). و لو لا هذه القرينة لم تكن ظاهرة في ذلك؛ بل كانت ظاهرة في مجرد الحزازة من دون دلالتها بشي ء من الكراهة المصطلحة و الحرمة كذلك.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 123

..........

و من هنا ظهر ملائمة الكراهة الواردة في الروايات لكل من الحرمة و الكراهة و عدم دلالتها على خصوص الكراهة حتى ينافيها ما يدل على الحرمة، بل يكون ذلك قرينة على إرادة الحرمة منها كما لا يخفى.

ثم أنه يمكن أن يقال بحرمة جميع أنواع الطيب وفاقا لما أفاده المصنف- قدس سره- و من تبعه، للعمومات الدالة على حرمته على المحرم مطلقا. و أما ما دل على حرمة بعض أقسامه، فيمكن توجيهه، أما رواية ابن أبى يعفور المتضمنة لقوله عليه السّلام: (الطيب المسك و العنبر و الزعفران و العود (فإنها- كما ترى- لا تدل على أن غيرها ليست بحرام، و غاية ما تدل عليها هو حرمة الأمور المزبورة،

و إثبات الشي ء لا ينفي ما عداه.

و لكن الإنصاف دلالته على نفي الحرمة عما عدا هذه الأربعة، لأن قوله عليه السّلام فيها: (الطيب: المسك و العنبر و الزعفران و العود) في مقام تحديد موضوع الحرمة و قد قرر في محله أن التحديد مما يدل على المفهوم، فتدل رواية ابن أبى يعفور على حرمة خصوص هذه الأربعة من الطيب و عدم حرمة غيرها. نعم لو لم يكن واردا مورد التحديد لما كان نافيا لحرمة غير هذه الأربعة كما لا يخفى و أما خبر عبد الغفار المتضمن لقوله عليه السّلام: (الطيب المسك و العنبر. إلخ) فهو أيضا كذلك، بل هو كسابقه من دون تفاوت بينهما و أما صحيح معاوية بن عمار المشتمل على قوله عليه السّلام: (و إنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الزعفران و الورس) فهو و ان كان يدل على حصر الحرمة بالأمور المذكورة، لكون الظاهر من كلمة [انما] الحصر الحقيقي و لا يمكن المصير الى غيره الا بالقرينة، و لكنه يمكن أن يقال أنه ترفع اليد عن ظهورها لأجل العمومات الدالة على حرمة مطلق الطيب، فعليه يقال: أنه لا معارضة بينها و يحكم بحرمة كل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 124

..........

ما يصدق عليه عنوان الطيب عرفا.

هذا لكن فيه ما لا يخفى ضرورة: أخصية ما دل على الحصر المزبور من العمومات؛ فمقتضى الصناعة تخصيص العمومات بها، فالمتحصل حينئذ أن المحرم من الطيب هو ما يستفاد من الحصر لأكل ما يكون طيبا، و ما عداه مكروه، لا من جهة ظهور لفظ (لا ينبغي) في الكراهة لعدم ظهوره فيها كنفس لفظ (الكراهة) كما عرفت آنفا؛ بل بقرينة قوله عليه السّلام: (انما

يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الزعفران و الورس) لكونه موجبا لظهور: (لا ينبغي) في الكراهة، فالمتحصل من جميع النصوص بعد تخصيص عموماتها و تقييد مطلقاتها و تحكيم أظهرها على ظاهرها هو عدم حرمة مطلق الطيب بل الأقسام المذكورة منه؛ فقد ظهر مما ذكرنا عدم صحة جعل العمومات قرينة على رفع اليد عن ظهور: (انما) في الحصر، لما عرفت من الأخصية الموجبة لتخصيص العمومات لا محالة، و معه لا مجال للقول بحرمة الطيب بجميع أقسامه كما نسب الى المشهور، و اختاره صاحب الجواهر قدس سره تبعا للمصنف مستدلا عليه كما عرفت آنفا بان تخصيص العمومات يوجب المجاز للزوم رفع اليد حينئذ عن الحصر الحقيقي؛ و حمله على الإضافي؛ لحرمة العود و الكافور؛ كما ان إبقاء العموم على حالها و حمل الحصر المزبور على ما هو أغلظ حرمة أو الحرام المختص بالكفارة أيضا يوجب المجاز في متعلق الحصر لكن الثاني أولى، لعدم انثلام العموم معه؛ بخلاف التخصيص، فإنه يوجب انثلام العموم، فترجيح التخصيص على المجاز فيما دار الأمر بينهما يختص بما إذا لم يلزم المجاز على كل حال.

و أما مع لزومه فالفرد المجتمع منه مع العموم أولى من فرده الهادم للعموم، و عليه فيحكم بحرمة مطلق الطيب، و يحمل الحصر على كون الأربعة أغلظ حرمة من غيرها أو على ما يختص بالكفارة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 125

..........

وجه عدم المجال لما ذكر (أولا): ما عرفته من قرينية الخاص على العام الموجبة لتقدمه عليه كسائر القرائن، و حكومة القرينة على ذيها توجب التقدم و ان لم تكن أظهر من ذيها؛ كما هو الشأن في كل حاكم فلا يصلح العام لان تكون قرينة على

الخاص.

(و ثانيا): أنه لا يلزم من تخصيص العمومات بالحصر المذكور في صحيح معاوية بن عمار المتقدم مجاز أصلا لا في العام، لما قرر في محله من عدم كون العام بعد التخصيص مجازاً، و لا في الحصر بحمله على الإضافي بالنسبة إلى العود و الكافور، لان أدوات الحصر كألفاظ العموم تدل على حصر متلوها، كقولنا: (ما جائني الا زيد) فان كلمة [ما] و (الا) تدل على حصر المجي ء في زيد فان، قلنا في المثال: (الا زيد و عمرو) يكون الحصر ثابتا في اثنين، و هكذا. و أداة الحصر لا تتفاوت في الدلالة على الحصر بين وحدة المحصور فيه و تعدده و قلته و كثرته كألفاظ العموم فان لفظة:

(كل) مثلا تفيد العموم سواء كان مدخولها جنسا مطلقا كقوله: (أكرم كل رجل عالم) أم مقيدا كقوله (أكرم كل رجل عالم) لكون التقييد راجعا إلى مصب العموم لا نفسه.

فنقول في المقام: ان قوله عليه السّلام: (إنما يحرم) في صحيح معاوية بن عمار المتقدم تفيد الحصر، و أما كون المحصور فيه خصوص الأربعة فمنوط بعدم دليل على حرمة غيرها، و أما معه فيكون المحصور فيه أزيد من الأربعة، و لا فرق في الزيادة على الأربعة بين كون الدليل على الزائد متصلا و منفصلا. فاتضح من هذا البيان عدم لزوم مجاز أصلا حتى يكون الفرد المجامع منه مع العموم اولى من فرده الآخر.

و (ثالثا): ان حمل: (انما يحرم) على الاغلظية أو ما يختص بالكفارة يكون بلا شاهد؛ بعد وضوح عدم كونه جمعا عرفيا، و ان كان هذا الجمع لا يوجب المجازية أيضا فما أفاده قدس سره في الجواهر من لزوم المجاز على كل تقدير مما لا يمكن المساعدة عليه

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 3، ص: 126

..........

فالمتحصل من جميع ما ذكرناه ان الأوفق بالجمع العرفي هو تخصيص العمومات الدالة على حرمة مطلق الطيب بمثل صحيح معاوية بن عمار المتقدم و الالتزام بحرمة الأربعة و غيرها مما قام الدليل على حرمته من العود و الكافور ان تمت الفحوى فتأمل.

و سيجي ء ذكر الروايات الدالة على حرمة استعمال الكافور على الميت المحرم عند تعرض المصنف له- إنشاء اللّه تعالى.

ثم أن تنقيح متعلق الحرمة في هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الاولى)- أنه يمكن أن يقال أنه ليس المراد من قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (و انما يحرم عليك من الطيب أربعة: المسك و العنبر و الزعفران و الورس). بعد عدم إمكان تعلق الحكم بنفس الأعيان هو حرمة مطلق استعمالها فلا مانع من اقتناءها و بيعها و شراءها و النظر إليها؛ لعدم صدق الاستعمال عليها عرفا، كما لا يخفى.

(لا يقال): ان حذف المتعلق يفيد العموم فيحرم كل ما فعل يتعلق بها و ان لم يصدق عليه الاستعمال فإنه (يقال): نعم لكن بشرط عدم الظهور لبعض الأفعال المتعلقة بها؛ و معه لا يكون الكلام ظاهرا في الجميع بل في خصوص بعضها؛ و من الواضح: ان الاستعمال هو الظاهر بحيث لا ينصرف الذهن إلى غيره من الأفعال؛ كما لا يخفى.

و أما شمها فان كان من مصاديق الاستعمال بحيث يصدق عليه هذا العنوان فيحكم بحرمته و إلا فلا يشمله الصحيح المزبور و حرمته حينئذ منوطة بدليل آخر دل على حرمة هذه الأربعة أو كل طيب، و لكن الظاهر صدق الاستعمال على الشم فيحكم بحرمته عليه و سيجي ء تحقيق الكلام فيه في ذيل هذا البحث ثم أنه إذا أخذها المحرم ليشمها

فحينئذ أيضا يحكم بحرمته و لو لم يصدق عنوان الاستعمال عليه و ذلك لأجل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 127

..........

المس و يدل عليه قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة: (لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم) كدلالة قوله عليه السّلام في تلك الصحيحة أيضا (و أمسك على أنفك من الريح الطيبة) على حرمة الشم بنفسه و كذا غيرها من النصوص الدالة على حرمة الشم كصحيح حريز المتضمن للنهى عن التلذذ بالطيب.

فالمتحصل: ان كل ما يعد استعمالا للأربعة: و هي المسك و العنبر و الزعفران و الورس حرام، و أما غيرها فالمحرم فيه شمها، فحرمة الشم لا تختص بالأربعة؛ بل كل ما كان فيه رائحة طيبة يحرم شمه و ان كان أكله جائزا سواء صدق عليه عنوان الطيب أو لا و بالجملة فظهور النصوص المتقدمة في حرمة شم مطلق الرائحة الطيبة مما لا يمكن إنكاره.

و لكن التحقيق: انه مع الغض عن الروايات الدالة على النهى عن التلذذ بريح طيبة و الدالة على الأمر بإمساك الأنف عن الرائحة الطيبة يمكن الحكم بحرمة شم تلك الأربعة أيضا، و ذلك لانه لا وجه لعدم شمول قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (انما يحرم عليك من الطيب أربعة المسك و العنبر و الزعفران و الورس) للشم، إلا دعوى: عدم صدق الاستعمال عليه؛ لكنها ممنوعة، لعدم ذكر الاستعمال في الكلام حتى يبقى لتلك الدعوى مجال فمقتضى إطلاق دليل حرمة الأربعة هو حرمة استعمالها و شمها، كيف و الشم هو الفرد الجلي مما يطلب من الطيب و لعله أجلى من غيره، فيحكم بحرمة شم الطيب إذا كان من الأربعة المزبورة، و اما غيرها فيجب

الإمساك أيضا من ريحه الطيبة للأمر به في الاخبار، كما يحرم الإمساك من ريحه الكريهة للاخبار الناهية عن ذلك و سنذكرها ان شاء اللّه تعالى في القريب.

اللهم إلا أن يقال بعدم وجوب الإمساك و ذلك بقرينة قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة) بناء على ظهور

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 128

..........

كلمة: (لا ينبغي) في الكراهة فحينئذ يحكم بكراهة الشم لا حرمته فلاحظ و تأمل.

فتلخص ان الأربعة المذكورة حرام مطلقا استعمالا أكلا و شماً و غيرها لإطلاق الدليل و اما غيرها مما له رائحة طيبة فلا حرمة فيه. نعم، يكره خصوص شمه من غير فرق في ذلك بين الفواكه الطيبة الريح و الخضروات التي لها رائحة طيبة و الرياحين و بالجملة يكره شم كل ماله رائحة طيبة و أن لم يعد طيبا عرفا.

و أما مسها: فلا ينبغي الإشكال في حرمته من جهة الاخبار الناهية عن مس مطلق الطيب كقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك. إلخ) و في صحيح حريز: (لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان. إلخ) و نحوهما غيرهما مما في الاخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- فحرمة المس لا تختص بالأربعة بل كل ما كان من الطيب و يصدق عليه أنه منه يحرم مسه، للأخبار المتقدمة.

ثم انه لا يخفى: ان الحكم بالحرمة لا يختص بما إذا كان المس بالظاهر فلو مس الطيب بالباطن- كالاحتقان مثلا- يكون حراما أيضا، لإطلاق المس الشامل لكل من الظاهر و الباطن، كما لا يخفى و (دعوى): انصرافه إلى خصوص الظاهر- كما ترى-

لانه على فرض ثبوته فبدوى فلا عبرة به، في تقييد الإطلاق لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي هو الضابط في الانصراف الصالح للتقييد فتأمل.

(الثانية)- انه لا فرق في حرمة الطيب على المحرم بين احداثه بعد الإحرام و قبله مع بقاء أثره إلى زمان الإحرام؛ فكما يحرم على المحرم الطيب بعد إنشاء الإحرام فكذلك يحرم عليه إبقاءه حين إنشاء الإحرام إذا كان متطيبا قبله، لقوله عليه السّلام في صحيح الحلبي: (لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من أجل أن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 129

..........

رائحته يبقى في رأسك بعد ما تحرم. إلخ) «1».

(الثالثة)- انه لا فرق في حرمته بعد الإحرام بين الحدوث و البقاء، فإذا تطيب بعد الإحرام أو تلطخ ثوبه مثلا بأحدها في النوم أو غيره وجب عليه إزالته فورا كما صرح به الفاضل، لحرمة الاستدامة كالابتداء هذا مما لا كلام و لا إشكال فيه.

انما الكلام في انه هل يجوز له ان يزيله بيده أم لا بل يجب أن يزيله بآلة أو أمر الحلال بها لئلا يمس الطيب، و قد وقع الخلاف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- في ذلك، و في محكي الدروس: (أنه أمر الحلال بغسله، أو غسله بآلة) و في محكي التهذيب و التحرير: (التصريح بجواز إزالته بمباشرته و بنفسه).

تفصيل الكلام في هذه المسألة هو أنه (تارة): يتكلم فيها على ما تقتضيه القاعدة و (اخرى): على ما تقتضيه النصوص فهنا مقامان:

أما (المقام الأول): فملخص الكلام فيه انه مع التمكن من رفعه بدون المس كازالته عن ثوبه بالخرقة أو بواسطة الغير، فلا يجوز له أن يزيله بيده، لأنه من المس المحرم فهو حرام.

اللهم إلا أن يقال:

انه لا مانع له من إزالته بيده المستلزم لمسه المحرم و ذلك لأنه مقدمة للتخلص عن الحرام فهو بصدد ترك الطيب لا التطيب به و هذا نظير خروج الغاصب عن المكان الغصبي بقصد التخلص عن الغصب، بل ما نحن فيه أولى من ذلك إذا فرض ان تلطخ ثوبه بالطيب لم يكن باختياره، فهو يكون نظير ما إذا دخل في المكان الغصبي قهرا، فإنه لا يحرم عليه الخروج قطعا، ففي مفروض المقام أيضا كذلك؛ فلا مانع من أن يزيله بيده، و كذا الحال فيما إذا تطيب قبل الإحرام و بقي إلى زمان الإحرام، لأن التطيب حينئذ لم يكن حدوثا حراما، كتلطخ ثوبه مثلا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 130

..........

بالطيب بعد الإحرام في حال النوم؛ و المفروض ان هذا المس إزالة للطيب و ترك له لا تطيب به فلا يحرم فتدبر.

و لكن قد يقال بالفرق بين المقامين و ذلك لانه تركه الغصب و التخلص عنه لا يمكن إلا بإخراج بدنه عن المكان المغصوب؛ فالتخلص هناك لا ينفك عن المباشرة فيجوز له الخروج، لأنه مقدمة لتخلصه عن الحرام و هو البقاء في المكان الغصبي، و لكن هذا بخلاف المقام، فان التخلص عن الحرام فيه و هو الطيب لا يتوقف على المس باليد، لإمكانه ان يزيله عن ثوبه بواسطة المحل فلا يجوز له مس الطيب و لو كان في مقام الإزالة فيتعين عليه ان يزيله بيد المحل.

نعم، إذا فرض عدم وجود محل أو كان زمان اشتغال المحل بإزالته أوسع من وقت إزالته بنفسه، فحينئذ يقدم على المحل، هذا كله بحسب مقتضى القاعدة.

و اما (المقام الثاني): و هو

ما تقتضيه الأخبار فنخبة الكلام فيه ان مقتضاها جواز إزالته عن ثوبه بيده لمرسل ابن أبى عمير عن بعض أصحابنا عن أحدهما- عليهما السّلام- في محرم أصابه طيب؟. فقال: «لا بأس أن يمسحه بيده أو يغسله» «1» و مرسله الآخر عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في المحرم يصيب ثوبه الطيب؟. قال: «لا بأس بأن يغسله بيد نفسه» «2» و ما رواه عبد اللّه بن جبلة عن إسحاق بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يمس الطيب و هو نائم لا يعلم؟. قال: «يغسله و ليس عليه شي ء و عن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيب و المحرم لا يعلم ما عليه؟.

قال: «يغسله أيضا و ليحذر» «3». و ظاهر قوله عليه السّلام لمن رأى عليه طيبا على ما في الجواهر: (اغسل عنك الطيب). و هذه الأخبار كما ترى تدل على جواز إزالته بيده.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 131

..........

و لكن يمكن أن يقال بعد الغض عن سندها انه لا يمكن الاعتماد عليها أيضا بعد مسلمية حرمة مسه بالإجماع و النصوص التي تقدم ذكرها في صدر المبحث و انه لا يمكن رفع اليد عنها بمثل هذه الروايات، و لذلك يمكن حملها على حال الضرورة؛ و عليه قد يقوى في النظر تمامية ما ذهب اليه الشهيد الأول- قدس سره- في الدروس: (من أنه أمر الحلال بغسله أو غسله بآلة) فلاحظ و تأمل و اللّه هو الهادي إلى الصواب.

(الرابعة)- انه إذا

توقف ازالة الطيب عن ثوبه على استعمال ماء و فرض أن له ماء و لكن حضر وقت الصلاة و احتاج إلى صرفه في الوضوء و لم يكن الماء وافيا بكليهما، فحينئذ هل يقدم الوضوء على الإزالة أم العكس أم التخيير؟؟ وجوه.

و في المدارك: (صرفه لغسله و يتيمم للطهارة) و قال في وجه ذلك: (لان للطهارة المائية بدلا و لا بدل للغسل الواجب) بل في الدروس: (و صرف الماء في غسله أولى من الطهارة و إزالة النجاسة فيتيمم) و هو صريح في عدم الفرق بين الحدث و الخبث الذي لا بدل له أيضا. ثم انه احتمل في المدارك وجوب الطهارة به، لان وجوبها قطعي و وجوب الإزالة و الحال هذه مشكوك فيه، لاحتمال استثناءه للضرورة، كما استثنى شمه في الكعبة و المسعى، و الاحتياط يقتضي تقديم الغسل على التيمم، لتحقق فقد الماء حالته.

و قال في الحدائق: (و من المحتمل قريبا التفصيل في ذلك بين الوقت و خارجه فان كان في الوقت فالأظهر تقديم الوضوء لانه مخاطب به في تلك الحال و التيمم غير مشروع، لانه واجد للماء، و يسقط وجوب الإزالة للضرورة، و ما ذكر صاحب المدارك [من ان الاحتياط يقتضي تقديم الغسل] لا يتم في هذه الصورة؛ لأن بالتصرف بالماء في تلك الحال يصير من قبيل من دخل عليه الوقت واجدا للماء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 132

..........

فتعمد إراقته و إتلافه، و لا أقل من التأثيم و العقوبة عليه ان لم نقل ببطلان تيممه، و ان كان قبل الوقت فلا يبعد وجوب الإزالة في هذا الحال لانه غير مخاطب بالطهارة و الخطاب بوجوب الإزالة متوجه اليه، ليس له معارض، و كيف كان فالمسألة لعدم

النص الذي هو المعتمد عندنا في جميع الأحكام لا تخلو من الإشكال انتهى.

يمكن أن يقال بلزوم صرفه في إزالة الطيب بعد دخول وقت الصلاة لما اشتهر في باب التزاحم من أن كل ما ليس له البدل من المتزاحمين يقدم على ماله البدل و ذلك لان فيه الجمع بين الحقين و امتثال كلا التكليفين، أما فيما ليس له البدل فلحصول امتثاله بالإتيان به و أما فيما له البدل فللاتيان ببدله و هذا بخلاف ما لو قدم ماله البدل فإنه لم يمتثل إلا تكليفا واحدا؛ فعليه يجب عليه صرف ماءه في إزالة الطيب عن ثوبه و يتيمم لوضوءه. و (فيه): انه لا دليل عقلا و لا شرعا على كونه من مرجحات باب التزاحم، فيتعين ملاحظة الأهمية بينهما؛ لانه قد يكون ماله البدل أهم مما ليس له البدل، فعليه ان أحرز أهمية الوضوء و الصلاة مع الطهارة المائية فيقدم و يصرف الماء في وضوءه، و ان أحرز أهمية وجوب ازالة الطيب عن الثوب فيقدم و يصرف الماء فيه، و إلا فالمرجع التخيير.

(الخامسة)- انه هل يختص حرمة الطيب بالرجل أم لا؟. الظاهر شمولها للمرأة؛ و لكن لقاعدة الاشتراك بعد احتمال دخل خصوصية الرجولية و عدم دافع له، بل لتصريح بعض الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- في المقام بكون الحكم المزبور للمحرم كقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة) و قوله عليه السّلام في صحيح حريز المتقدم: (لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به) و نحوهما غيرهما من الاخبار المأثورة عنهم و لا ينبغي الارتياب في شمول إطلاق المحرم للمرأة كالرجل بل و شموله للصبي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 133

..........

و الصبية أيضا فإنه قضية جنس المحرم؛ و هذا أيضا هو المشهور بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- فلو كنا نحن و هذه الروايات المشتملة على كلمة: (المحرم) لحكمنا بشمولها لكل محرم سواء كان رجلا أو امرأة أم غيرهما. مضافا إلى صحيح نضر ابن سويد المتقدم و هو ما عن أبى الحسن عليه السّلام في حديث: (إن المرأة المحرمة لا تمس طيبا) «1».

و أما الاخبار التي ليست مشتملة على لفظ (المحرم) بل وردت بلسان الخطاب بالرجل كقوله عليه السّلام: (إنما يحرم عليك. إلخ) فيمكن دعوى: شمولها للمرأة أيضا، لأن الظاهر من قوله عليه السّلام: (إنما يحرم عليك) هو كونه بعنوان أنه محرم، فالحكم ثابت له بعنوان المحرمية عليه فلا ينبغي الشك في شمولها لها أيضا.

إلا ان يقال: ان الموضوع هو الرجل و الإحرام جهة تعليلية للحكم فيختص الحكم حينئذ بالرجل و لا يتعدى عنه إلى المرأة و لكن فيه ما لا يخفى لأنه جهة تقييدية و كون الموضوع هو إحرامه لأنه كل ما يؤخذ في لسان الدليل هو الموضوع على ما بين في محله.

« (تذييل)» يقع الكلام في تعريف الطيب المحرم على المحرم بناء على القول بالتعميم كما ذهب اليه صاحب الجواهر و المدارك- قدس سرهما- أو المكروه على القول الآخر و في الجواهر: (قد عرفه في التذكرة بأنه ما تطيب رائحته و يتخذ للشم، كالمسك و العنبر و الكافور و الزعفران و ماء الورد و الأدهان الطيبة كدهن البنفسج و الورس؛ و المعتبر ان يكون معظم الغرض منه التطيب أو يظهر فيه هذا الغرض و قال الشهيد: (يعنى به كل جسم ذي ريح طيبة بالنسبة إلى معظم الأمزجة

أو إلى مزاج

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 134

..........

المستعمل له غير أمر الرياحين) و في المسالك: «هو الجسم ذو الريح الطيبة المتخذة للشم غالبا غير الرياحين كالمسك و العنبر و الزعفران و ماء الورد و الكافور» و في المدارك بعد نقله هذا القول عن الشارح قال: (و هو حسن) ثم أنه قد ذكر الشيخ و العلامة و غيرهما- قدس اللّه تعالى أسرارهم- أن أقسام النبات الطيب ثلاثة:

(الأول)- ما لا ينبت للطيب و لا يتخذ منه كالشيح و القيصوم و الخزامى و الفواكه كلها من الأترج و التفاح و السفرجل و أشباهها، و هذا كله ليس بمحرم و لا يتعلق به كفارة و هذا هو المشهور بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل الخلاف من أحد منهم و يدل عليه- مضافا إلى ثبوت الاتفاق بينهم على ذلك جملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- كصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (لا بأس أن تشم الإذخر و القيصوم و الخزامى و الشيح و أشباهه و أنت محرم) «1». و ما رواه عمار بن موسى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يأكل الأترج؟ قال: نعم قلت: له رائحة طيبة؟. قال: الأترج طعام ليس هو من الطيب «2» و نحوهما غيرهما من الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام.

و أما مرسل ابن أبى عمير عن بعض أصحابه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن التفاح و الأترج و النبق و ما طاب ريحه؟. فقال يمسك

على شمه و يأكله «3» ففيه (أولا) انه مرسل و لا عبرة به، فلا يعارض الأخبار المتقدمة. و أما (ثانيا) بعد الغض عن سنده فالجمع العرفي يقتضي حمل الإمساك على الاستحباب، لرفع اليد عن ظهوره في الوجوب بنص: (لا بأس) في الجواز و رفع اليد عن ظهور نفي البأس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 135

..........

في الإباحة بنص (يمسك) في الرجحان فينتج الجواز مع الرجحان و ليس ذلك إلا الاستحباب كما أفاده في الجواهر.

(الثاني): ما ينبته الآدميون للطيب و لا يتخذ منه طيب كالريحان الفارسي و المرزنجوش و النرجس، و قد اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم في حكمه- على قولين:

1- ما ذهب اليه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- و هو انه غير محرم و لا يتعلق به كفارة على ما نقل في المدارك.

2- ما أفاده العلامة- طاب ثراه- حيث انه استقرب في التحرير تحريمه و الظاهر كونه من الرياحين التي تعرف الكلام فيها، هنا عند نقل كلام صاحب المدارك في القسم الثالث من أقسام الطيب فعليه لو صدق عليه اسم الريحان لحقه حكمه و إلا فلا.

(الثالث): ما يقصد شمه و يتخذ منه الطيب كالياسمين و الورود و النيلوفر و قد وقع الخلاف في حكمه أيضا بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و استقرب العلامة- طاب ثراه- في التذكرة و المنتهى التحريم، لأن الفدية تجب فيما يتخذ منه فكذا في أصله و ناقش فيه صاحب المدارك حيث قال بعد نقل كلام العلامة:

هو استدلال ضعيف، و الظاهر دخول هذا النوع قبل الجفاف في قسم الرياحين و قد اختار المصنف كراهة استعمالها؛ و سيجي ء الكلام فيه؛ و ان الأظهر تحريمها لقوله عليه السّلام في رواية (لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا من الريحان و لا يتلذذ به) و صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (سمعته يقول: لا تمس الريحان و أنت محرم).

و في محكي المبسوط الطيب على ضربين (أحدهما:) تجب فيه الكفارة و هي الأجناس الستة التي ذكرناها: المسك و العنبر و الكافور و الزعفران و العود

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 136

..........

و الورس، و الضرب الآخر على ثلاثة أضرب: (أولها): ما ينبت للطيب و يتخذ منه الطيب، مثل الورد و الياسمين و الخزي و الكارى و النيلوفر، فهذا يكره و لا يتعلق باستعماله كفارة إلا أن يتخذ منه الأدهان الطيبة فيدهن بها فيتعلق بها كفارة و (ثانيها):

ما لا تنبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب مثل الفواكه كالتفاح و السفرجل و النارنج و الأترج و الدارصيني و المصطكى و الزنجبيل و الشيح و القيصوم و الإذخر و تبق الماء و السعد و نحو ذلك و كل ذلك لا يتعلق به كفارة و لا هو محرم بلا خلاف و كذلك حكم أنوارها و أورادها و كذلك ما يعتصر منها من الماء و الأولى تجنب ذلك للمحرم و (ثالثها):

ما ينبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب مثل الريحان الفارسي، و لا تتعلق به كفارة و يكره استعمالها و فيه خلاف و هو نحو ما سمعته عن التذكرة إلا ما عرفت من الحرمة في مثل الورد). على كل حال إذا قلنا

بحرمة كل طيب على المحرم فلا بد أن يحكم بها لكل ما صدق عليه عنوان الطيب عرفا سواء كان نبته للطيب أو لا و سواء اتخذ منه للشم أو لا، إلا أنه يمكن أن يقال عدم عد شي ء من الأمور المتقدمة من الطيب عرفا كما أن الرياحين أيضا كذلك كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- فتدبر. فعليه يحكم بحرمة المسك و العنبر و الزعفران و الورس و غيرها مما هو طيب عرفا و يتطيب به عادة و أما غيرها هو طيب الرائحة و ليس من الطيب عرفا فلا إشكال في إباحة ما كان منه طعاما كالتفاح و السفرجل و الأترج و غيرها. و كذا ما كان نبتا بريا طيب الرائحة كالشيح و القيصوم و نحوهما، و أما غير ذلك مما هو طيب الرائحة فالظاهر جوازه، للأصل، مضافا إلى خبر عمار بن موسى المتقدم حيث أنه كالصريح في أن المحرم الطيب لا مطلق ذي الرائحة الطيبة التي قد يعسر اجتنابها أوقات الربيع في الحرم و غيره، بل لعل السيرة على خلافه و كذا الفواكه، نعم قد تقدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 137

..........

في السابق كراهة شم ماله رائحة طيبة من غير فرق في ذلك بين الفواكه الطيبة الريح و الخضروات التي لها رائحة و طيبة الرياحين. بل شم كل ماله رائحة طيبة و إن لم يكن يعد طيبا و ذلك للأخبار المتقدمة الدالة على أنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة.

و كيف كان فما في كشف اللثام من الوجوه التسعة في الأجسام الطيبة الريح لا نعرف بها قائلا، بل و لا مأخذا لبعضها، فإنه بعد ان استظهر من المصنف و الفاضل و الشهيد خروج

الرياحين من الطيب و من الشيح في المصباح دخول الفاكهة فيه لاستثنائها منه و كذا في الإرشاد و التلخيص مع زيادة استثناء الرياحين قال:

(الأول): حرمتها مطلقا. (الثاني): حرمتها إلا الفواكه. (الثالث): حرمتها إلا الرياحين. (الرابع): حرمتها إلا الفواكه و الرياحين (الخامس): حرمتها إلا الفواكه و الرياحين، و ما لا ينبت للطيب و لا يتخذ منها الطيب و هي نبات الصحراء و الإذخر و الاباذير خلا الزعفران. (السادس): حرمتها إلا الفواكه و الاباذير غير الزعفران و ما لا يقصد به الطيب و لا يتخذ منه. (السابع): إباحتها إلا ستة (الثامن): إباحتها إلا أربعة (التاسع): إباحتها إلا خمسة و في الأربعة وجهان.)

و على كل حال فالتحقيق هو ما عرفت.

« (ثم انه ينبغي لنا التنبيه على فروع:)» 1- انه لا ينبغي الإشكال في جواز اجتياز المحرم في موضع يباع فيه الطيب و كذلك الجلوس عند متطيب بشرط عدم تأثر جسده و ثوبه من ريحه و كان قابضا على انفه، كما صرح غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم-؛ و يدل عليه- مضافا إلى الأصل بعد عدم صدق عنوان النهى من المس و الأكل و الاستعمال كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- صحيح ابن بزيع المتقدم لما فيه: (رأيت

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 138

..........

أبا الحسن عليه السّلام كشف بين يديه طيب لينظر اليه و هو محرم فأمسك بيده على أنفه بثوبه من رائحته) و عليه فلا بأس ببيعه و شراءه و غيرهما مما لا يندرج في عنوان النهى كما أفاده صاحب الجواهر و قال صاحب المدارك: (يجوز للمحرم شراء الطيب و النظر إليه إجماعا، لأن المنع إنما ورد عن استعماله و ذلك ليس استعمالا. إلخ) هذا

مما لا ينبغي الكلام و الاشكال فيه إنما الكلام في أنه هل يجب الامتناع عن شمه بقبض الأنف و نحوه حينئذ أو لا؟. يمكن أن يقال بوجوب ذلك عليه لحرمة الشم عليه و لصحيح ابن بزيع المعتضد بالأمر في الروايات السابقة بذلك عن الرائحة الطيبة كما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم، لقوله عليه السّلام فيه: (و أمسك على أنفك من الرائحة الطيبة) و نحوه ما في غيره من الروايات و هذا الحكم مخالف للمحكي عن ظاهر المبسوط و الاستبصار و السرائر و الجامع، لذهابهم إلى عدم وجوبه، للأصل بعد منع اندراج اصابة الرائحة في الطريق في موضع النهى بخلاف الشم و المباشرة و الأكل المؤديين له؛ و بصحيح هشام بن الحكم المتقدم، لقوله عليه السّلام فيه: (لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفاء و المروة من ريح العطارين و لا يمسك على أنفه) و لكنه لا يخلو من المناقشة و الاشكال: أما الأصل: فلانقطاعه بما عرفت من الروايات الدالة على وجوب قبض الأنف من الرائحة الطيبة مطلقا سواء كانت في الطريق أو في غيره. و أما صحيح هشام فلاختصاصه بالمكان المخصوص للضرورة أو غيرها فلا بد من الاقتصار على مورده، فقد ظهر مما ذكرناه جواز اجتياز المحرم في موضع يباع فيه الطيب و لكن يجب عليه الامتناع عن شمه بقبض الأنف و نحوه، كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- خلافا لما حكى عن ظاهر المبسوط و غيره فتدبر 2- أنه حسب المستفاد من النصوص عدم جواز إمساك الأنف عن الرائحة الكريهة كما هو المنسوب إلى المشهور بل عن ابن زهرة نفي الخلاف فيه؛

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 139

..........

و ذلك للنهى عنه فيما سمعته

من الروايات المعتبرة التي منها صحيح ابن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «المحرم إذا مر على جيفة فلا يمسك على أنفه» «1» و منها صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تمس شيئا من الطيب في إحرامك و أمسك على انفك من الرائحة الطيبة و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة» «2».

و منها صحيح الحلبي و محمد بن مسلم جميعا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «المحرم يمسك على انفه من الريح الطيبة و لا يمسك على انفه من الريح الخبيثة» «3» و ظاهر النهى هو الحرمة ما لم يقم ما يوجب الخروج عنه، كما يكون كذلك ما دل على الأمر بإمساك الأنف عن الرائحة الطيبة، فيحكم بوجوب إمساك الأنف عن الرائحة الطيبة إلا أن يقوم دليل تعبدي على الخلاف.

3- انه يحرم على المحرم لبس الثوب المطيب سواء صبغ بالطيب أو غمس فيه كما إذا غمس في ماء الورد أو غيره مما يكون مطيبا كما هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل عن التذكرة إجماع علماء الأمصار على حرمة لبس ثوب فيه طيب و يدل عليه خبر حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انى جعلت ثوب إحرامي مع أثواب قد جمرت فأخذ من ريحها؟. قال: «فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها» «4». و مفهوم خبر الحسين بن أبى العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام «عن الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب أ يحرم فيه؟ فقال: «لا بأس إذا ذهب ريحه. إلخ» «5». و خبر إسماعيل بن فضل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس

الثوب قد أصابه الطيب؟. فقال: «إذا ذهب ريح الطيب فلا بأس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(5) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 140

..........

فليلبسه» «1». و ما رواه سعيد بن يسار قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الثوب المصبوغ بالزعفران أغسله و أحرم فيه؟. قال: «لا بأس» «2».

4- يحرم على المحرم الجلوس على الثوب المطيب و في حانوت عطار مثلا فتشبث به الرائحة لذلك كما يومي اليه ما في خبر حماد بن عثمان المتقدم المشتمل على اكتساب ثوبي الإحرام من الثياب المجمرة التي أمر فيه بنشرها حتى يذهب ريحها بل في محكي التذكرة و التحرير: (لو داس بنعله طيبا فعلق بنعله اثم و كفر): و قال في الجواهر: (و ما عن الخلاف من انه يكره للمحرم أن يجعل الطيب في خرقة و يشمها فان فعل فعليه الفداء) يراد به الحرمة بقرينة الفداء.

5- لا يجوز للمحرم افتراش ثوب المطيب و النوم عليه و أما لو فرش فوق ثوب مطيب ثوبا يمنع رائحته ثم جلس أو نام عليه فهل يجوز الجلوس و النوم عليه أو لا و الظاهر أنه لا مانع منه و يقتضيه الأصل، وفاقا لصاحب الجواهر و المدارك و غيرهما- قدس سرهم- هذا إذا كان الحائل بينهما غير ثوب بدنه؛ و أما إذا كان الحائل ثوب بدنه فهل يجوز ذلك أو لا؟. في المدارك: (و

لو كان الحائل بينهما ثياب بدنه فوجهان: الجواز، للأصل، و عدم صدق مس الطيب الذي هو متعلق النهى. و المنع- و هو خيرة المنتهى- لان المحرم كما منع من استعمال الطيب في بدنه منع من استعماله في ثوبه. و في الجواهر بعد أن اختار جواز جلوس المحرم و نومه على ثوب مطيب الذي جعل فوقه ثوب يمنع من رائحته قال: (بل يمكن القول بالاكتفاء بثيابه مع عدم العلوق به خلافا للاصبهانى فقال لا يكفي حيلولة ثياب بدنه. إلخ).

و التحقيق: هو انه إذا صدق المس بذلك كما حكى عن التذكرة حيث قال:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 141

[و لبس المخيط]

و لبس المخيط للرجال (1)

استعمال الطيب عبارة عن شمه أو إلصاق الطيب بالبدن أو الثوب أو تشبث الرائحة بأحدهما قصدا. إلخ) فلا يجوز و إلا فلا.

6- انه لو انقطعت رائحة الطيب من الثوب لطول الزمان أو صبغ بغيره بحيث لا يظهر رائحته لا مع الرطوبة و لا مع اليبوسة فالظاهر جواز استعماله.

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و قال في الجواهر (بلا خلاف أجده فيه كما في الغنية و مى و التحرير و التنقيح و المفاتيح و غيرها على ما حكى عن بعضها، بل عن التذكرة و موضع آخر من مى إجماع العلماء كافة عليه، بل عن الأخير منهما عن ابن عبد البر: انه لا يجوز لبس شي ء من المخيط عند جميع أهل العلم و في الأول عن ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المحرم يمنع من لبس القميص و العمامة

و السراويل و الخف و البرنس، لما روى العامة ان رجلا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (لا يلبس القميص و لا العمائم و لا السراويلات و لا البرانس و لا الخفاف إلا أحدا لا يجد نعلين فليلبس الخفين و ليقطعهما أسفل من الكعبين) و في الدروس: (يجب تركه على الرجال و ان قلت الخياطة في ظاهر كلام الأصحاب.) و في المدرك: (اجمع العلماء كافة على انه يحرم على الرجل المحرم لبس الثياب المخيطة) قاله في التذكرة و قال في المنتهى: (يحرم على المحرم لبس المخيط من الثياب أن كان رجلا و لا نعلم فيه خلافا. إلخ).

و استدل لذلك بجملة من الأخبار فمنها: صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزره و لا تدرعه، و لا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك أزرار، و لا خفين إلا أن لا يكون لك نعلان «1» و منها:

صحيحة الآخر عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم إلا أن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 142

..........

تنكسه، و لا ثوبا تدرعه و لا سراويل إلا أن لا يكون لك أزرار، و لا خفين إلا أن لا يكون لك نعلين «1». و منها: ما في صحيحة الآخر أيضا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: ان لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلب و أعد غسلك و ان لبست قميصا فشقه و أخرجه

من تحت قدميك «2» و منها: خبر خالد بن محمد الأصم قال:

دخل رجل المسجد الحرام و هو محرم، فدخل في الطواف، و عليه قميص و كساء، فاقبل الناس عليه يشقون قميصه. و كان صلبا فرآه أبو عبد اللّه عليه السّلام و هو يعالجون قميصه يشقونه، فقال كيف صنعت؟ قال: أحرمت هكذا في قميصي و كسائي فقال:

انزعه من رأسك ليس هذا ينزع من رجليه انما جهل فأتاه غير ذلك فسأله؟. فقال:

ما تقولون في رجل أحرم في قميصه؟ قال ينزع من رأسه «3» و نحوه رواية عبد الصمد بن بشير نحوها و غيرها من الروايات المروية عنهم- عليهم السّلام- و لكن لا يخفى: انه لا دلالة في شي ء من النصوص المتقدمة على حرمة لبس المخيط و لا تعرض له بالكلية و إنما تدل على تحريم القميص و القبا و السراويل و الثوب المزرر أو المدرع لا على تحريم مطلق المخيط، و قد اعترف بذلك الشهيد الأول- رحمه اللّه تعالى- في الدروس فقال: (و لم أقف إلى الآن على رواية بتحريم عين المخيط انما نهى عن القميص و القبا و السراويل) و في صحيح معاوية ابن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا تلبس ثوبا تزره و لا تدرعه و لا تلبس سراويل) و تظهر الفائدة في الخياطة في الإزار و شبهه) و يعضده ما نقل عن الشيخ المفيد رحمه اللّه تعالى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5 و أورد صدره أيضا في باب 13 من أبواب الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب تروك الإحرام

الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 143

..........

في المقنعة من انه لم يذكر إلا المنع من أشياء معينة و لم يتعرض لذكر المخيط. بل في صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته: عما يكره للمحرم ان يلبسه؟ فقال يلبس كل ثوب الا ثوبا يتدرعه «1» و في صحيح يعقوب بن شعيب قال سألت أبى عبد اللّه عن المحرم يلبس الطيلسان المزرورة؟ فقال: نعم. و في كتاب على عليه السّلام (لا تلبس طيلسانا حتى ينزع أزراره فحدثني أبي أنه أنما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل عليه «2» و غيرهما من الأخبار المأثورة عنهم- عليهم السّلام- و هذه الأخبار كما ترى إنما تدل على كون المانع هو الادراع و الزر لا كونه مخيطا.

و من هنا ظهر أن ما اشتهر بين المتأخرين من انه يكفي في المنع مسمى الخياطة و ان قلت غير واضح، بل يمكن أن يقام بعدم كونه مانعا، و ذلك لظهور صحيح الحلبي المشتمل على الطيلسان في الجواز، و ان كان فيه أزرار مخيط، بل قد يدعى- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- انصراف المخيط إلى غير ذلك خصوصا بناء على استفادة حرمته، و لو بمعونة الإجماع المزبور مما ورد في الثوب الذي يدرع و القيص و السراويل و الخف و نحو ذلك، بناء على انها مثال لكل مخيط و نحوها، دون الخياطة القليلة في الأزرار و الرداء.

و لكنه مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في اجتناب مطلق المخيط بعد ثبوت الاتفاق عليه من جميع الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل المظنون قويا عدم استناد المجمعين إلى النصوص، بعد وضوح المناقشة في دلالتها على حرمة لبس المخيط و إن كان قليلا فلا

يكون الإجماع حينئذ مدركيا حتى يسقط عن الاعتبار، و ينحصر مستند الحكم في النصوص؛ فالأقوى وفاقا للمشهور حرمة لبس المخيط و إن كان قليلا و اللّه العالم.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 144

..........

ثم ان تنقيح البحث في هذا المبحث يتوقف على الإشارة إلى أمور:

1- يمكن أن يقال أنه لا يعتبر في حرمة المخيط كونه محيطا بالبدن و ذلك لإطلاق الأدلة- كما أفاده صاحب الجواهر- خلافا للمحكي في الدروس عن ظاهر ابن الجنيد من اشتراطه حيث قيد المخيط بالضام للبدن، و مقتضاه عدم تحريم التوشح به؛ و استدل صاحب المدارك على عدم حرمة التوشح به بالأصل، و بقوله عليه السّلام في رواية معاوية بن عمار: (لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم إلا ان تنكسه) «1».

و لكن يمكن أن يقال بعدم حرمة التوشح بالمخيط حتى بناء القول بعدم اعتبار كون المخيط محيطا بالبدن في الحكم بالحرمة و ذلك لعدم صدق اللبس به الذي يكون هو العنوان في معقد الإجماع لا حرمة المخيط مطلقا و لذا حكموا بجواز افتراشه.

و يؤيد ذلك قوله عليه السّلام في الأخبار المتقدمة (يدرعه) لظهوره في كون المحرم الادراع به لا التوشح و نحوه و لكن الحكم بعدم صدق اللبس في التوشح به مما لا يخلو من تأمل بل منع لكون التوشح من مصاديق اللبس و ان لم يكن من اللبس المتعارف و (دعوى): انصراف اللبس الى المتعارف غير مسموعة، إذ البناء عليه يستلزم تأسيس فقه جديد، كما لا يخفى على المتأمل، مضافا الى ما ذكرناه غير مرة من ان

الانصراف الصالح لتقييد الإطلاق هو ما إذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرح بخروج المنصرف عنه عن حيز الإطلاق كان توضيحا للواضح و في المقام ليس كذلك قطعا فلا عبرة به في تقييد الإطلاق فيحكم بشموله له بمقتضى إطلاق الدليل فتأمل.

2- في المدارك انه الحق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بالمخيط ما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 145

..........

أشبهه كالدرع المنسوج وجبة اللبد و الملصق بعضه ببعض و قال في التذكرة «و قد ألحق أهل العلم بما نص النبي صلّى اللّه عليه و آله ما في معناه فالجبة و الدراعة و شبههما ملحق بالقميص و النبان و الران و شبههما ملحق بالسراويل و القلنسوة و شبههما مساو للبرنس و الساعدان و القفازان و شبههما مساو للخفين قال: إذا عرفت هذا فيحرم لبس الثياب المخيطة و غيرها إذا شابهها كالدرع المنسوج و المعقود، كجبة اللبد و الملصق بعضه ببعض حملا على المخيط لمشابهته له في المعنى من الترفة و التنعم». و في الحدائق و غيرها قال: (ان الأجود الاستدلال عليه بما يتضمن تحريم لبس الثياب على المحرم فإنها متناولة بإطلاقها لهذا النوع و ليس فيها تقييد بالمخيط حتى يكون إلحاق غيره به خروجا عن المنصوص.

و لا يخفى انه انما يتم بناء على تمامية صدق العناوين المذكورة في الأخبار من الثياب و القباء و السراويل عليها و عدم انصرافها إلى المخيط و إلا فلا مانع منها وفاقا لما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- إذ المفروض عدم الصدق فيجوز لبسها 3- انه صرح الفاضل و الصدوق و ابن حمزة و يحيى بن سعيد و

الشهيد و غيرهم- قدس سرهم- بجواز لبس المنطقة [1] و شد الهميان للمحرم و ان كانا مخيطين لا ينبغي الخلاف و الاشكال في ذلك، و يدل عليه- مضافا إلى الأصل- صحيح يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يصير الدراهم في ثوبه؟. قال نعم، و يلبس المنطقة و الهميان «1». و خبر يعقوب بن سالم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام تكون معى الدراهم فيها تماثيل و أنا محرم و أجعلها في همياني و أشده في وسطى؟. فقال: لا بأس أو ليس هي نفقتك و عليها اعتمادك بعد اللّه عز و جل «2» و خبر يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام المحرم يشد الهميان في وسطه؟ فقال نعم و ما خيره بعد

______________________________

[1] المنطقة: و هي ما يشد به الوسط

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 146

..........

نفقته «1» و صحيح ابن بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في المحرم يشد على بطنه العمامة قال: لا، ثم قال: كان أبى يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق منها، فإنها من تمام حجه «2» و خبره الآخر قال سألت: أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته؟. قال يستوثق منها فإنها من تمام حجه «3» بل في المنتهى و التذكرة على ما حكاه صاحب الجواهر: (ان جواز لبس الهميان قول جمهور العلماء) و في المنتهى: (انه لو أمكن إدخال سيور الهميان بعضها في بعض و عدم عقدها فعل؛

لانتفاء الحاجة إلى العقد و لو لم يثبت بذلك كان له عقده).

و لكن لا يخفى ما في كلامه من المناقشة و الاشكال: و ذلك لإطلاق الأخبار المتقدمة؛ مضافا إلى انه يمكن منع اندراجه في لبس المخيط و صاحب المدارك بعد ما استحسن كلام المنتهى قال و ان كان الأظهر الجواز مطلقا.

4- انه يمكن أن يقال بجواز شد العمامة للمحرم على بطنه، و ذلك للأصل و ما في صحيح عمران الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: المحرم يشد على بطنه العمامة و ان شاء يعصبها على موضع الإزار و لا يرفعها الى صدره «4».

و ما رواه الكليني- رحمه اللّه تعالى- عن عاصم بن الحميد عن ابى بصير (يعني المرادي) قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يشد على بطنه العمامة؟ قال:

لا «5». الدال بظاهره على حرمة شدها على بطنه فيمكن حمله على الكراهة، و على كونها حريرا، و يمكن حمل البطن فيه على الصدر جمعا بين الخبرين. و لكن لا شاهد لها فلا يصار إليها، نعم إذا ثبت تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم-

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الإحرام الحديث 5

(4) الوسائل ج 2 الباب 72 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 و أورد أيضا في باب 47 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 نقلا عن أبي بصير

(5) الوسائل ج 2 الباب 72 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 147

..........

على الجواز فيمكن جعلها قرينة على حمل النهى فيه على الكراهة، كما ان الجمع العرفي

بينهما يقتضي حمل النهى على الكراهة؛ لأن قوله عليه السّلام في صحيح عمران الحلبي:

(يشد على بطنه) نص في الجواز، و قوله عليه السّلام في ما رواه الكليني: (لا) ظاهر في الحرمة و من المعلوم كون النص قرينة على صرف الظاهر عن ظهوره، كما ان النهى صريح في الحزازة؛ فنتيجة هذا الجمع هو الجواز مع الحزازة و ليس ذلك إلا الكراهة ثم ان مقتضى صحيح عمران الحلبي هو تحريم عصبها على الصدر، لقوله عليه السّلام فيه: (و لا يرفعها إلى صدر) الظاهر في الحرمة فتدبر.

5- انه قد صرح الفاضل و غيره بجواز عقد الإزار للمحرم، للأصل و لما في قول ابى عبد اللّه عليه السّلام في خبر القداح عن جعفر عليه السّلام: (ان عليا عليه السّلام كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر ثم يصلّى فيه و ان كان محرما «1» و للاحتياج اليه لستر العورة فيباح كاللباس للامرئة) قال في المدارك ( «و هو حسن»).

و لكن في خبر سعيد الأعرج أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال: «لا» «2» و في ما رواه أحمد بن على بن أبى طالب الطبرسي في (الاحتجاج) عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السّلام أنه كتب إليه يسأله عن المحرم يجوز أن يشد المئزر من خلفه على عنقه (عقبه خ ل) بالطول و يرفع [من خ ل] طرفيه إلى حقويه و يجمعهما في خاصرته و يعقدهما و يخرج الطرفين الأخيرين من بين رجليه و يرفعهما إلى خاصرته و يشد طرفيه إلى وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك، فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب

الرجل جمله يكشف ما هناك؛ و هذا أستر.؟؟. فأجاب عليه السّلام جائز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض و لا ابرة تخرجه به عن حد الميزر و غرزه غرزا و لم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 148

..........

يعقده و لم يشد بعضه ببعض و إذا غطى سرته و ركبته [ركبتيه خ ل] كلاهما فإن السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة و الركبتين، و الأحب إلينا و الأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا ان شاء اللّه تعالى «1» و ما في خبر عبد اللّه بن جعفر الحميري في (قرب الاسناد) عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته و لكن يثنيه على عنقه و لا يعقده «2» و في ما عنه انه سأل هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة؟ فأجاب لا يجوز شد الميزر بشي ء سواء من تكة أو غيرها «3» و هذه الأخبار كما ترى تدل على النهى عن عقد الإزار و شد بعضه ببعض فبناء عليها يتعين الحكم بعدم جواز عقد الإزار له.

و أما ما ذكر من الوجوه المتقدمة فلا عبرة بها أما الأصل فلانقطاعه بها و اما خبر القداح فبعد الغض عن سنده، فيمكن حمله على الضرورة بل هو ظاهر فيها فلا منافاة بينه و بين الاخبار. و أما الاحتياج اليه لستر العورة فلعدم توقف ستر العورة على عقد

الإزار لإمكان ذلك بغيره، كما هو واضح.

5- انه قد صرح الشهيد الأول في الدروس بعدم جواز عقد الرداء له كالمحكي عن الفاضل و غيره، و استدل بما رواه ابن بابويه عن سعيد الأعرج أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يعقد رداءه في عنقه قال لا «4» هذا بناء على ما في نسخة الجواهر في مبحث الإحرام من قوله: (رداءه) و أما بناء على نسخة المدارك و الحدائق و الوسائل من قوله:

(إزاره) فلا يمكن الاستدلال به على حرمة عقد الرداء، كما لا يخفى. هذا كله مضافا الى ما فيه من ضعف السند، كما أفاده صاحب المدارك- قدس سره-

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 149

و في النساء خلاف و الأظهر الجواز اختيارا و اضطرارا (1)

(1) القول بالجواز هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و في الجواهر: (و لكن الأظهر و الأشهر اضطرارا و اختيارا، بل المشهور شهرة عظيمة، بل لا يبعد دعوى الإجماع معها، لندرة المخالف الذي هو الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار و معروفية نسبه، على انه قد رجع عنه في ظاهر محكي المبسوط في القميص، بل عن موضع آخر منه مطلق المخيط، بل عبارته فيها غير صريحة قال: «لا يحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرجل و يحل لها جميع ما يحل له» ثم قال بعد ذلك:

«و قد وردت رواية بجواز لبس القميص للنساء و الأفضل ما قدمناه، و أما السراويل فلا بأس بلبسه لهن على كل حال» بل لعل قوله: «و الأفضل ما قدمناه» صريح في الجواز، لكن عن بعض النسخ:

«و الأصل ما قدمناه». كل ذلك مضافا الى الإجماع صريحا في التذكرة و (مى) و السرائر و المختلف و التنقيح على ما حكى عن بعضها فضلا عن ظاهر المستفاد من غير واحد قال في الأول: «يجوز للمرأة لبس المخيط إجماعا، لأنها عورة و ليست كالرجال و كذا مى بل قال: لا نعلم فيه خلافا إلا قولا شاذا للشيخ لا اعتداد به، و هو كالصريح في انعقاد الإجماع بعد الشيخ. إلى أن قال: (و في محكي السرائر الأظهر عند أصحابنا ان لبس المخيط غير محرم على النساء، بل عمل الطائفة و فتواهم و إجماعهم على ذلك و كذلك عمل المسلمين إلى غير ذلك من العبارات الظاهرة و الصريحة في معلومية الحكم. إلخ).

و استدل لذلك بجملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- منها:

1- خبر يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المرأة تلبس القميص تزره عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج؟. فقال: نعم لا بأس به، و تلبس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 150

..........

الخلخالين و المسك «1».

2- ما رواه نضر بن سويد عن أبى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب؟. قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين «2». و نحوهما غيرهما من الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- و بها تخص قاعدة الاشتراك على فرض تماميتها كما يقيد بها المحرم في بعض الروايات بناء على

ارادة الجنس منه الشامل لهن، إذ الجمع العرفي هو تقييد المطلقات بالمقيدات.

« (إيقاظ)» لا يخفى ان المستفاد من الأخبار المتقدمة هو جواز الإحرام في الحرير للنساء و لكنه مع ذلك اختلف الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في جواز إحرامهن في الحرير المحض فعن الشيخ المفيد في كتاب أحكام النساء و ابن إدريس في محكي السرائر و الفاضل في القواعد و غيرهم من الأصحاب: الجواز و هو المشهور بين أكثر المتآخرين على ما في الجواهر، و اليه مال في المدارك و الذخيرة، و لكن عن الشيخ و ابن الجنيد القول بالمنع، و به صرح الشيخ المفيد في المقنعة و الشهيد الأول في الدروس على ما في الحدائق، و منشأ هذا الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في المقام أما الأخبار الدالة على جواز ذلك لها فقد عرفتها.

و أما الأخبار الدالة على المنع؛ فمنها: صحيحة عيص ابن القاسم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين «3» و منها: خبر ابان بن عثمان عن إسماعيل بن فضيل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة هل يصلح لها ان تلبس ثوبا حريرا و هي محرمة؟. قال لا و لها ان تلبسه في غير إحرامها «4» و منها: خبر أبى عينية عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 9

(4) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 151

..........

ما يحل للمرأة

أن تلبس و هي محرمة؟. فقال: الثياب كلها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير؛ قلت: أ تلبس الخز؟ قال: نعم. قلت: فان سداه إبريسم و هو حرير؟.

قال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس «1». و منها: موثق ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: النساء تلبس الحرير و الديباج إلا في الإحرام «2» و دلالة هذه الاخبار على حرمة الإحرام في الحرير للنساء مما لا يكاد لا يخفى، فعليه تقع المعارضة بينها و بين الاخبار المتقدمة الدالة على الجواز و لكن يمكن الجمع بينها بوجهين:

(الأول)- حمل الأخبار الناهية على الكراهة، و يمكن تأييد هذا الجمع بجملة من الاخبار المشتملة على لفظ (لا ينبغي) و لفظ (الكراهة) كما أفاده الفاضل الخراساني في الذخيرة، منها: موثق سماعة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض و هي محرمة فأما الحر و البرد فلا بأس «3» و خبر أبى بصير المرادي أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القز تلبسه المرأة في الإحرام؟. قال: لا بأس إنما يكره الحرير المبهم «4» و خبر ابى الحسن الأحمسي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن العمامة السابرية فيها علم حرير تحرم فيها المرأة؟. قال: نعم انما يكره ذلك إذا كان سداه و لحمته جميعا حريرا، ثم قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام قد سألني أبو سعيد عن الخميصة سداها إبريسم أن ألبسها و كان وجد البرد فأمرته أن تلبسها «5» و صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان تحرم المرأة في الذهب و الخز و ليس يكره إلا الحرير

المحض «6» و خبر سماعة أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرمة تلبس الحرير؟ فقال: لا يصلح ان تلبس حريرا محضا لا خلط فيه فاما الخز و العلم في الثوب. فلا بأس ان تلبسه و هي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 1 الباب 16 من أبواب لباس المصلى الحديث 3

(3) الوسائل ج 1 الباب 16 من أبواب لباس المصلى الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 5

(5) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 11

(6) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 152

..........

محرمة و ان مر بها رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر بيدها من الشمس و تلبس الخز. إلخ «1».

و لكن لا يخفى ان الاستشهاد بهذه الاخبار على حمل الأخبار الناهية على الكراهة انما يتم إذا أحرز بأن المراد من كلمة (يكره- و لا ينبغي- و لا تصلح) هو المعنى المصطلح منها، و إلا فلا يتم الاستشهاد بها بل يمكن ان يقال بحملها أيضا على الحرمة بقرينة الأخبار الناهية، لأنها للقدر المشترك بين الحرمة و الكراهة، لأن استعمال لفظ: (الكراهة) في الاخبار بمعنى التحريم، و كذا لفظ: (لا ينبغي) مما لا يكاد ينكر، فلا يمكن الحمل على أحدهما إلا مع القرنية الصارفة عن المعنى الآخر، فعليه تحمل على الحرمة بقرينة الأخبار الناهية، و ذهب إليه أيضا صاحب المدارك أيضا حيث قال بعد احتمال الجمع بين الاخبار بحمل الأخبار النواهي و الاستدلال بصحيح الحلبي ما لفظه: (لكن في حمل الكراهة الواقعة في الروايات على المعنى المتعارف نظر تقدم تقريره مرارا.

إلخ) يمكن أن يكون مراده- قدس سره- هو ما ذكرناه من استعمال الكراهة في التحريم، فعليه لا يتم حمل الأخبار الناهية على الكراهة استشهادا بها.

(الثاني)- حمل الأخبار الناهية على الحرير المحض، و بذلك صرح في المدارك فإنه احتمل في الجمع بين الاخبار أولا: بحمل النهى على الكراهة، ثم رده بما قدمنا نقله عنه، و ثانيا بحمل الأخبار المبيحة على ان المراد بالحرير الغير المحض، و استشهد برواية داود بن الحصين عن ابن عيينة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام. قلت: أ تلبس يعنى المحرم الخز؟

قال: نعم قلت: فان سداه إبريسم و هو حرير؟. قال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس به «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 153

..........

ثم طعن فيها بضعف السند، فعليه لا يمكن ان يصار الى هذا الجمع أيضا إلا إذا كان لنا خبر آخر بهذا المضمون و كان صحيحا و كيف كان و الأظهر هو القول بالتحريم و لا سيما مع اعتضاده بالاحتياط و حصول اليقين بالبراءة.

ثم لا يخفى أن الاخبار المتقدمة قد دلت على حرمة القفازين [1] لهن في صحيح عيص بن القاسم قوله عليه السّلام (المرأة المحرمة تلبس ما شائت من الثياب غير الحرير و القافزين و في خبر أبي عيينة قوله عليه السّلام في جواب السؤال عما يحمل للمرأة أن تلبس من الثياب (الثياب كلها ما خلا القفازين إلخ). مضافا إلى أنه قد ادعى الإجماع على ذلك في الخلاف و الغنية و التذكرة

______________________________

[1] قال في التذكرة: (و المراد بالقفازين شي ء يتخذه المرأة لليدين يحشى بقطن و يكون

له أزرار تزره على الساعدين من البرد تلبسه المرأة) و نحوه قال في المنتهى.

و قال في القاموس: [القفاز كرمان شي ء يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسها المرأة للبرد أو ضرب من الحلي لليدين و الرجلين].

و عن الأزهري قال: (سمى القفازان شي ء تلبسه نساء الأعراب في أيديهن يغطى أصابعهن و أيديهن مع الكف، يعنى كما يلبسه حملة الجوارح من البازي) و نحوه كما قاله الثغورى و غيره. و عنه أيضا عن خالد بن جنبه: «القفازان تقفزهما المرأة إلى كعوب المرفقين، فهو سترة لها و إذا لبست برقعها و قفازيها و خفها فقد تكفنت و القفاز يتخذ من القطن فيحشى له بطانة و ظهارة من الجلود و اللبود». يستفاد منها أنه من الثياب، و يستفاد من بعض آخر أنه من جنس الحلي لليدين و الرجلين، كما عن بنى دريد و فارس و عباد، و كيف كان سواء قلنا أنه من الثياب أو من جنس الحلي، فيحكم بحرمته المحرمة للأخبار المتقدمة التي تقيد الأخبار الدالة على جواز لبس الثياب للمرأة بها، و لا يمكن حمل الأخبار الناهية على الكراهة إلا إذا ثبت تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم الحرمة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 154

و أما الغلالة [1] فجائزة للحائض إجماعا (1)

و بما ذكرنا ظهر ضعف ما احتمله بعض المتأخرين من ارادة الكراهة من النهى المزبور اللهم إلا أن يقال بعدم حرمة القفازين عليها بقرينة ما في رواية يحيى بن أبى العلاء عن أبى عبد اللّه عن أبيه- عليهما السّلام-: أنه كره للمرأة المحرمة البرقع و القفازين «1» بناء على ظهور كلمة: (كره) في الكراهة المصطلحة فيحكم بناء عليه بكراهة لبس القفازين لها لا الحرمة.

و لكن قد

يقوى في النظر ان المراد من قوله عليه السّلام: (كره) هو الحرمة بقرينة الأخبار المتقدمة المتضمنة للنهى عن لبسهما الظاهرة في الحرمة و لو لا هذه القرينة لم يكن ظاهراً في ذلك بل كان ظاهرا في مجرد الحزازة من دون دلالته بشي ء من الكراهة المصلحة و الحرمة كذلك و من هنا ظهر ملائمة الكراهة لكل من الحرمة و الكراهة و عدم دلالتها على خصوص الكراهة حتى ينافيها ما يدل على الحرمة، بل يكون ذلك قرينة على إرادة الحرمة منها، كما هو واضح، فعليه يتعين الحكم بحرمة لبس القفازين على المحرم. نعم إذا قام دليل تعبدي على كون المراد منها هو الكراهة المصطلحة، فتحمل الأخبار الناهية على الكراهة، و ذلك لوجود القرينة حينئذ فتدبر.

ثم أنه بعد الغض عما ذكرنا يمكن أن يقال بظهور كلمة: (كره) في إرادة الحرمة- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- للإجماع على حرمة لبس القفازين في الجملة المانع من ارادة الكراهة منه فتأمل.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره من جواز لبس الغلالة للحائض مما

______________________________

[1] الغلالة (بكسر الغين) ثوب رقيق يلبسها الحائض تحت الثياب على ما في الجواهر و المدارك و غيرهما.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 155

و يجوز لبس السراويل للرجل إذا لم يجد إزارا (1) و كذا لبس طيلسان [1]

لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا، و ادعى عليه الإجماع، كما في التذكرة و غيرها، و الشيخ- قدس سره- في النهاية و ان منع من لبس المخيط لهن كالرجال، و لكن مع ذلك قال فيها: (و يجوز للحائض أن تلبس تحت

ثيابها غلالة تتقي ثيابها من النجاسات) و يدل عليه- مضافا إلى الأصل و اتفاق المزبور- ما رواه صفوان بن يحيى و النضر بن سويد عن عبد اللّه ابن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: تلبس المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة «1». و كذا لا ينبغي الخلاف في جواز لبس السراويل لهن و هو أيضا معروف بين الأصحاب و قد نفي عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع، و يدل عليه- مضافا إلى الأصل و الاتفاق- ما رواه محمد بن على بن الحسين بإسناده عن محمد بن على الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة إذا أحرمت أ تلبس السراويل؟. قال: «نعم» إنما تريد بذلك الستر «2».

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز لبس السراويل للرجل إذا لم

______________________________

[1] طيلسان (بفتح الطاء و اللام و بضم اللام على قول آخر): «على ما في المسالك» (هو ثوب منسوج محيط بالبدن). و عن مغرب المطرزي و مغربه و تهذيب الأسماء:

(انه معرب تالسثان). و عن المطرزي: [هو من لباس العجم مدور اسود]. قال و عن ابى يوسف: (في قلب الرداء في الاستسقاء ان يجعل أسفله أعلاه، فإن كان طيلسانا لا أسفل له، أو قميصة أو كساء يثقل قلبها حول يمينه على يساره). قال و في جميع التعاريف:

«الطيالسة لحمتها قطن و سداها صوف» و عن مجمع البحرين: (هو ثوب محيط بالبدن ينسج للبس خال عن التفصيل و الخياطة، و هو من لباس العجم، و الهاء في الجمع للعجمة لانه فارسي معرب تالشان).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 3 الباب 50 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 3، ص: 156

له أزرار و لكن لا يزره على نفسه (1)

[و الاكتحال بالسواد]

و الاكتحال بالسواد على قول (2)

يجد إزارا هو الصواب، و لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم قديما و حديثا و قد نفي عنه الخلاف، بل في التذكرة: (إجماع العلماء عليه)، و يدل عليه ما رواه موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: «و لا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزارا «1». و رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار مثله. و ما رواه أبان عن عبد الرحمن عن حمران عن أبى جعفر عليه السّلام قال:

«المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار، و يلبس الخفين إذا لم يكن معه نعل «2»

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز لبس طيلسان له أزرار مما هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم، و قد صرح به الصدوق و الشيخ و الفاضل و الشهيد و غيرهم بل ظاهر الجميع جوازه اختياراً بل كاد يكون صريح التذكرة و الدروس و غيرهما في رواية صفوان بن يحيى عن يعقوب بن شعيب قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور؟. فقال: نعم و في كتاب على عليه السّلام لا نلبس طيلسانا حتى ينزع إزاره فحدثني أبي انه إنما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل عليه «3» و في خبر أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: و ان لبس الطيلسان فلا يزره عليه «4».

(2) القول للشيخ- رحمه اللّه تعالى- في النهاية

و المبسوط و المفيد و سلار و ابن إدريس و ابن الجنيد و غيرهم من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قال في المدارك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 157

..........

أيضا تبعا لهم: (و الأصح التحريم، لورود النهى عنه في أخبار كثيرة. إلخ).

و لكن في الاقتصاد و الجمل و العقود و المختلف و الغنية و النافع على ما حكى عن بعضها [انه مكروه] بل عن الشيخ دعوى: إجماع الفرقة عليه. على ما في الجواهر. و يدل على حرمة الاكتحال بالسواد صحيح معاوية عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة) «1».

و صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا تكتحل المرأة بالسواد ان السواد زينة) و رواه الكليني- رحمه اللّه تعالى- عن على بن إبراهيم عن أبيه حماد بن عثمان عن حريز. و رواه الصدوق- قدس سره- في العلل عن محمد بن الحسن عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن حماد مثله إلا أنه قال: (ان السواد من الزينة) «2» و صحيح حماد الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تكتحل و هي المحرمة»؟ قال: (لا تكتحل) قلت: «بسواد ليس فيه طيب؟» قال: (فكرهه من أجل أنه زينة و قال: إذا اضطرت اليه فلتكتحل» «3». و خبر أبى بصير عن أبى عبد اللّه

عليه السّلام قال: (لا ليس بأس للمحرم ان يكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا كافور إذا اشتكى عينيه و تكتحل المرأة المحرمة بالكحل كله إلا كحل أسود لزينة «4».

و صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «تكتحل المرأة بالكحل كله إلا الكحل الأسود للزينة» «5». و صحيح حماد عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الكحل للمحرم؟) فقال: (أما بالسواد فلا و لكن بالصبر و الحضض» «6» و نحوها غيرها من الاخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- و المستفاد من هذه الاخبار- كما ترى- هو حرمة الاكتحال و لكن لا مطلقا بل فيما إذا كان المكتحل به أسود.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 14

(4) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 13

(5) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(6) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 158

و بما فيه طيب (1)

ثم ان تنقيح هذه المسألة يتوقف إلى الإشارة إلى جهات:

(الأولى)- أنه لا يختص حرمته بما إذا كان بقصد الزينة، لأنه حسب ما يستفاد منها هو حرمته لكونه بنفسه زينة و ان لم يكن قاصدا للتزيين به، لعدم كونه من العناوين القصدية على ما يفهم من صحيح حريز المتقدم المستفاد منه: ان الاكتحال بالكحل الأسود حرام معللا بكونه من الزينة، فعليه يحكم بحرمة الاكتحال بالسواد و لو لم يكن قاصدا به الزينة على الأقوى- كما هو خيرة

جماعة من الفقهاء، منهم الشيخان و سلار و بنو حمزة و غيرها من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم.

(الثانية)- ان مقتضى التعليل المذكور في بعض النصوص المتقدمة- أعني قوله عليه السّلام في صحيح حريز: (ان السواد زينة)- هو حرمة الاكتحال بكل ما يعد زينة عرفا و ان لم يكن أسودا، فيكون بناء عليه حرمة السواد من باب الانطباق كما هو قضية العلة المنصوصة في غير مفروض المقام، فعليه غير السواد ان كان بنفسه زينة- كالسواد- فيحكم بحرمته على المحرم و ان لم يقصد به الزينة لما عرفت آنفا من دلالة بعض النصوص من ان المحرم هو صدق الزينة فتدبر.

(الثالثة)- أنه يستفاد من التعليل المذكور في صحيح حريز اعنى قوله: (أنه من الزينة) بناء على ما رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- في العلل عن حماد هو حرمة كل تزيين على المحرم سواء تحقق ذلك من الاكتحال أو بغيره كما لا يخفى.

(الرابعة)- انه لا فرق في حرمة الاكتحال الموجبة للزينة بين كون الكحل مما فيه طيب و بين غيره، لما عرفت من الاخبار المتقدمة من ان المحرم هو صدق الزينة

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من حرمة الاكتحال على المحرم مما فيه طيب و ان لم يعد زينة عرفا و لا قاصدا لها مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المشهور بين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 159

..........

الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل ادعى عليه الإجماع قال في الجواهر عند شرح قول الماتن: (كما هو المشهور بل في التذكرة و المنتهى الإجماع عليه، و هو الحجة بعد عموم المنع عن استعمال الطيب. إلخ) و يدل على ذلك- مضافا إلى شهرته بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم-

و النصوص المتقدمة الناهية عن استعمال الطيب كصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم. إلخ). و صحيح حريز عنه عليه السّلام قال: (لا يمس المحرم شيئا من الطيب إلخ. إلخ) و نحوهما غيرهما من الأخبار- النصوص الخاصة الواردة عنهم- عليهم السّلام- في هذا المقام الدالة على المدعى- منها:

1- صحيح فضالة و صفوان عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

(لا بأس ان يكتحل و هو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأما للزينة فلا «1».

2- خبر يزيد بن إسحاق عن هارون بن حمزة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

«لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران و ليكحل بكحل فارسي» «2». المنجبر ضعفه بما عرفت.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 3، ص: 159

ان قلت: ان ذيله ينافي الأخبار السابقة، الدالة على جواز الاكتحال بالكحل الفارسي سواء قصد به الزينة أو لا، فعليه تقع المعارضة بينه و بينها. قلت «أولا»:

انه لا منافاة بين ذيله الأمر بالاكتحال بالكحل الفارسي و بينها، و ذلك لانه يمكن تقييده بما إذا لم يكن زينة أو بقصدها. و «ثانيا»: مع الإباء عن التقييد، فترفع اليد عنه، لعدم صلاحيته للمعارضة، لما تقدم من الاخبار و يبقى الصدر على حجيته و قد مر منا مرارا و كرارا أنه لا مانع من حجية جملة من الرواية و عدم حجية جملة أخرى منها.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك

الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 160

..........

3- صحيح ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

«المحرم لا يكتحل إلا من وجع، و قال لا بأس بأن تكتحل و أنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأما للزينة فلا» «1» و نحوها غيرها من الاخبار؛ و لا تنافيها ما رواه صفوان عن حريز عن زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: تكتحل المرأة بالكحل كله إلا الكحل الأسود للزينة «2». و ذلك لانه يمكن تقييده بما إذا لم يكن فيه طيب و لم يكن زينة أو بقصدها كما لا يخفى.

و بما ذكرنا ظهر ضعف ما ذهب إليه الإسكافي و الشيخ في الجمل و القاضي في المهذب و شرح جمل العلم و العمل من القول بكراهة الاكتحال، تشبثا بالأصل بعد منع صدق استعمال الطيب بالاكتحال عرفا بدعوى: اختصاص حرمته بالظاهر و عدم كون العين منه و الوجه في الضعف:

أما «أولا»: فلعدم اختصاص دليل حرمة الطيب من الإجماع و النصوص الواردة في المقام بالظواهر بل قد عرفت ان مقتضى إطلاق الاخبار حرمة مسه و لو بالباطن كالاحتقان و ان الإجماع بقسميه عليه.

و أما «ثانيا»: فلأنه يكفي في الحكم بالحرمة في ما نحن فيه هذه النصوص الخاصة المتقدمة الناهية عن الاكتحال بما فيه طيب، و ذلك بمقتضى إطلاقها فيحكم بحرمة الاكتحال من الطيب و لو كان المكتحل فيه من البواطن فتدبر.

و أما الأصل الذي أفادوه- قدس سرهم- فهو مقطوع بما عرفت من الأدلة فلا يبقى حينئذ في الحكم المزبور اشكال بل قيل قد تعطي النهاية و المبسوط الحرمة و ان اضطر اليه، و لعله لما ستسمعه من النصوص

الناهية عنه مع الحاجة منطوقا و مفهوما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 161

..........

و ان كان هو واضح الضعف أيضا، للعمومات الرافعة للاحكام الأولية بسبب الاضطرار؛ لعموم ما دل على الإباحة معها على وجه لا يخرج عنه بمثل ذلك و تحمل تلك النصوص على الاندفاع بغير ذلك.

ثم ان تنقيح البحث يتوقف على الإشارة إلى أمور:

1- لا يخفى ان مقتضى الأخبار الواردة في المقام هو حرمة الاكتحال بكل كحل فيه طيب سواء كان طيبه من الأربعة التي تقدم ذكرها- و هي: المسك و العنبر و الزعفران و الورس أم لا، و ذلك لإطلاقها فيحكم بشمولها لكل ما صدق عليه انه طيب عرفا. نعم إذا كان من الأربعة فتوجب الحرمة أيضا، لأجل صدق الاستعمال.

2- انه هل يعتبر في الحكم بالحرمة في المقام وجود الرائحة في الطيب كما أفاده في الذخيرة و أفتى به، على ما نقل في الجواهر أو لا؟ فيه: وجهان يمكن أن يقال بالأول لمنع صدق اسم الطيب مع ذهاب الرائحة. و يمكن ان يقال بالثاني. لصدق المسك و الزعفران على فاقدها، و لكن الأول لا يخلو من قوة، كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- 3- ان ما ذكرنا من حرمة الاكتحال بما فيه طيب إنما يختص بحال الاختيار و أما في حال الاضطرار فلا إشكال و لا خلاف في جواز الاكتحال به مطلقا سواء كان الكحل مما يعد زينة أو لا، و يدل على ذلك- مضافا إلى عموم ما دل على كون الضرورات مبيحة للمحظورات- مرسل أبان عن أبى عبد اللّه عليه

السّلام قال: (إذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا طيب «1» و ما رواه أحمد بن محمد عن على ابن الحكم عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن أبا عبد اللّه عليه السّلام قال: سأله رجل ضرير و أنا حاضر فقال: أكتحل إذا أحرمت؟. قال: لا و لم تكتحل؟ قال: لا و لم تكتحل؟ قال: انى ضرير البصر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 162

و يستوي في ذلك الرجل و المرأة (1)

و إذا أنا اكتحلت نفعني و ان لم أكتحل ضرني؟. قال: فاكتحل، قال: فإني أجعل مع الكحل غيره؟ قال: و ما هو؟ قال آخذ خرقتين فأربعهما فاجعل على كل عين خرقة و أعصبهما بعصابة إلى قفاي، فإذا فعلت ذلك نفعني، و إذا تركته ضرني؟:

قال: فاصنعه) «1» و صحيح معاوية عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة «2» و ما رواه موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن أبى عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: يكتحل المحرم ان هو رمد بكحل ليس فيه زعفران «3» و خبر ابى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس للمحرم أن يكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا كافور إذا اشتكى عينيه. إلخ) «4» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- الدالة على المدعى و مقتضى هذه الأخبار- كما ترى- هو جواز الاكتحال بكحل ليس فيه طيب و لو كان من السواد في حال الضرورة بعد إلغاء خصوصية الزعفران و المسك و

الكافور.

هذا كله إذا اندفعت الضرورة بذلك، و اما إذا توقف اندفاعها على الاكتحال بكحل فيه طيب بحيث انحصر العلاج به، فلا بأس به لعموم ما دل على الإباحة معها على وجه لا يخرج عنه بمثل ذلك بعد العلم بعدم انتفاء الإحرام بوجوده؛ لما قد حقق في محله من عدم رفع دليل الاضطرار لما له دخل مطلق، و كيف ما كان فما يستفاد من الاخبار الدالة على حرمة الاكتحال بالأمور المذكورة حتى في موقع الضرورة، فيمكن أن يقال باختصاصها بما إذا أمكنه التداوي بغير ذلك الكحل و ان كان ذلك الكحل أنفع، كما عرفت سابقا.

(1) لا ينبغي الإشكال في ذلك، و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 10

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(4) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 163

[و كذلك النظر في المرآة]

و كذلك النظر في المرآة على الأشهر (1)

أسرارهم- و الظاهر انه المتسالم عليه بينهم. و في الجواهر: (بلا خلاف و لا إشكال) و في المدارك: (هذا مما لا خلاف فيه بين الأصحاب. إلخ) و يدل عليه قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار الذي تقدم ذكره و هو: (لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة) و نحوه غيره من الاخبار.

(1) و من المحرمات على المحرم في حال الإحرام- كما أفاده المصنف- قدس سره- النظر في المرآة على الأشهر كما عن الشيخ و ابى الصلاح و ابني إدريس و سعيد بل نسبه غير

واحد إلى الأكثر و في المدارك: (و قد اختلف الأصحاب في هذه المسألة فذهب الأكثر إلى التحريم. إلى أن قال: و الأصح التحريم؛ لصحيحة حماد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا تنظر في المرآة و أنت محرم لانه من الزينة). و يدل على حرمة النظر في المرآة على المحرم جملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- في المقام منها ما رواه موسى بن القسم عن عبد الرحمن (يعنى ابن أبى نجران) عن حماد (يعنى ابن عثمان) عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا تنظر في المرآة و أنت محرم فإنه من الزينة) «1» و منها ما رواه الحسين بن سعيد عن فضالة عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تنظر المرأة المحرمة في المرآة للزينة «2» و منها ما رواه حماد ابن عيسى عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا تنظر في المرآة و أنت محرم لانه من الزينة) «3» و منها صحيح ابن عمير عن معاوية بن عمار قال قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام لا ينظر المحرم في المرآة لزينة، فإن نظر فليلب «4» و المستفاد من بعض هذه الروايات- كما ترى- هو حرمة النظر في المرآة على المحرم مطلقا سواء كان قصده من ذلك الزينة أو لا و كانت المرآة معدة للزينة أو لا؛ و ذلك لان النظر فيها زينة حسب ما يستفاد منها إما حقيقة و اما تعبدا فلا يتوقف صدق الزينة بناء عليها على كونه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل

ج 2 الباب 34 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 164

..........

قاصدا لها لعدم كونه من العناوين القصدية على ما يفهم منها ان النظر في المرآة حرام معللا بكونه من الزينة فالنظر في المرآة حرام على المحرم و لو لم يقصد به الزينة على الأقوى؛ كما هو مذهب جماعة منهم الشيخ و أبى الصلاح و صاحب المدارك و ابني إدريس و سعيد و غيرهم من الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم.

ثم ان تنقيح هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى جهات؛ (الأولى)- أنه كما عرفت عدم المجال للتفصيل بين ما إذا كان قاصدا للتزيين و عدمه في الحكم بالحرمة بمقتضى إطلاق بعض الاخبار كذلك لا مجال أيضا لرفع اليد عن إطلاقها الدال على عدم توقف صدق الزينة على القصد بتقييدها بصحيح معاوية ابن عمار الدال على حرمة النظر في المرآة للزينة و ذلك لعدم التنافي الموجب للحمل المطلق على المقيد في ما نحن فيه؛ لكونهما مثبتين إذ- كما ترى- لا تنافي بين حرمة النظر للزينة و غيرها.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب الذخيرة من أنه ينبغي تقييد الحكم بما إذا كان النظر للزينة جمعا بين الاخبار المطلقة و المقيدة، و كذلك ظهر ضعف ما ذهب إليه جماعة من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- من القول بالكراهة، كما عن الجمل و العقود و الوسيلة و المهذب و الغنية و الخلاف و المصنف في النافع على ما حكى عنه، لما عرفت من الاخبار الدالة على الحرمة، فالأقوى هو القول بثبوت الحرمة مطلقا و إن لم يكن بقصد الزينة.

(الثانية)- أنه بناء على

تمامية دلالة بعض الروايات المتقدمة على حرمة النظر في المرآة مطلقا، فلا مجال لحملها على غير ظاهرها، و إلا فبمقتضى الأصل يحكم بجواز نظر المحرم فيها مطلقا و أما إثبات الحرمة بالاحتياط في غير محله، لان ما نحن فيه من مجاري أصالة البراءة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 165

..........

(الثالثة)- أن الظاهر اختصاص الحكم المذكور- و هو الحرمة بالنظر في المرآة في حال الإحرام، و أما النظر فيما يحكى الوجه من ماء صاف و غيره من الأجسام الصيقلية كالفضة المصفاة و غيرها فلا بأس به، و ذلك لاحتمال خصوصية في المرآة فلا بد من الاقتصار على مورد الاخبار و هو النظر في المرآة دون غيره- و هو النظر في الماء الصافي و الجسم الصيقلي.

و أما القول بإمكان التعدي من موردها إلى غيره بتنقيح المناط. و (فيه):

أنه غير قطعي، و قد مر مرارا و كرارا أن المعتبر منه هو القطعي دون الظني و في المقام لا يحصل الظني منه فضلا عن القطعي و على فرض التسليم غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و لا دليل على اعتباره فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا غير مشروع عندنا.

(الرابعة)- ان مقتضى إطلاق الاخبار المتقدمة هو عدم جواز النظر في المرآة حال الإحرام مطلقا سواء كان للمعتاد فعله للزينة أو لا فإذا ظهر ضعف ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- بقوله في ذيل هذا المبحث: (لا بأس بالنظر في المرآة في غير المعتاد فعله للزينة) اللهم إلا أن يقال بجواز النظر في المرآة غير المأخوذة عادة للزينة، و لعله لقوله عليه السّلام في صحيح حريز المتقدم: (لانه من الزينة). و في صحيح حماد بن عثمان:

(فإنه من الزينة). بدعوى: ظهوره

في حرمة خصوص المرائي المعدة للزينة، و أما غيرها فلا بأس بالنظر إليها على المحرم- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- و يكفي في الحكم بجواز النظر فيها الشك في شمول الدليل له و ذلك لجريان أصالة البراءة (الخامسة)- أنه لا فرق في حرمة النظر في المرآة على المحرم بين الرجل و المرآة و لكن ليس هذا لأجل قاعدة الاشتراك بعد احتمال خصوصية الرجولية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 166

[و لبس الخفين]

و ما يستر ظهر القدم و ان اضطر جاز و قيل يشقهما و هو متروك (1)

و عدم دافع له، بل لصراحة النصوص المذكورة بكون الحكم المزبور للمحرم، كقوله في صحيح حريز: (لا تنظر في المرآة و أنت محرم لانه من الزينة) و في صحيح حماد بن عثمان المتقدم: (لا تنظر في المرآة و أنت محرم فإنه من الزينة) الشامل بإطلاقه لها، لظهوره في كون الحكم ثابتا للمحرم من دون خصوصية الرجل فتأمل.

(السادسة)- انه إذا نظر في المرآة يستحب له التلبية لحسن معاوية بن عمار المتقدم، لقوله عليه السّلام فيه: (فان نظر فليلب) و ظاهره و ان كان الوجوب، إلا أن التسالم على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن ظهوره في الوجوب، إلا أن التسالم على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن ظهوره في الوجوب، و أما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه، فيحمل على الندب كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- حيث قال بعد ما ذكره: (و منه يستفاد استحباب التلبية بعد الإجماع على عدم الوجوب. إلخ).

(السابعة)- انه لا يبعد إطلاق الحكم باستحباب التلبية بالنسبة إلى العالم و الجاهل و الناسي، و كذا بالنسبة إلى الرجل و المرأة.

(الثامنة)- ان ما ذكر من

حرمة النظر في المرآة إنما يكون في حال الاختيار و أما في حال الاضطرار فلا مانع منه، لعموم ما دل على الإباحة معها على وجه لا يخرج عنه بمثل ذلك.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من حرمة لبس الخفين و ما يستر ظهر القدم على المحرم مما هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قال في الجواهر عند شرح قول المصنف: (اختيارا كما في الاقتصاد و الجمل و العقود و الوسيلة و المهذب و النافع و القواعد و غيرها على ما حكى عن بعضها بل في الذخيرة نسبته إلى قطع المتأخرين. بل في المدارك: إلى الأصحاب. بل في الغنية: نفي الخلاف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 167

..........

و قال فيها: «و ان يلبس ما يستر ظهر القدم من خف أو غيره بلا خلاف». بل ظاهره نفيه بين المسلمين فضلا عن إرادة الإجماع منه. إلخ).

و استدل لذلك- مضافا إلى الاتفاق المزبور- بجملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام كصحيح صفوان عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: و لا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار، و لا خفين إلا أن لا يكون لك نعلان «1» و صحيح ابن أبى عمير عن حماد عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال. و أى محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك و الجوربين يلبسهما إذا اضطر إلى لبسهما «2» و كخبر على ابن أبي حمزة عن أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في رجل هلكت نعلاه و لم يقدر على نعلين؟ قال: له أن يلبس الخفين إذا اضطر

إلى ذلك فيشق (و ليشقه خ ل) عن ظهر القدم الحديث «3». و كخبر رفاعة بن موسى انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس الجوربين؟. قال نعم: إذا اضطر إليهما «4».

و كصحيح محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟. قال: نعم، لكن يشق ظهر القدم «5».

و لا يخفى: ان مورد النصوص- كما ترى- الخفين و الجوربين لكن نسب إلى المشهور شهرة عظيمة التعدي عنهما إلى كل ما يستر ظهر القدم و لو لم يكن منهما مؤيدا ذلك بقوة احتمال ورود الخفين و الجوربين في النصوص المتقدمة مورد الغالب في استعمالهما. و لكن التعدي عن مورد نصوص الباب بهذا الاحتمال و ان لم يكن بعيداً بحسب المرتكزات العرفية، لكن لا يعتد به ما لم يوجب ظهور اللفظ عرفا في الجامع بين المذكورة في النصوص و غيرها بحيث يحمل ما في النصوص و هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(5) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 168

..........

الخفين و الجوربين على المثال.

و لكن التحقيق: ان دعوى: ظهور اللفظ في المثال و كون الموضوع للحكم بالحرمة هو كل ما يستر ظهر القدم مما لا مجال له، و ذلك لإناطته بإلقاء خصوصية الخفين و الجوربين و كونهما مذكورين من باب المثال، و لا سبيل لنا إلى إحراز ذلك

إلا بالدليل و هو مفقود، فلا يصار اليه و لذا اقتصر عليهما في محكي المقنع و التهذيب ان قلت: يمكن التعدي من مورد نصوص الباب. اعنى الخفين و الجوربين إلى غيره و هو كل ما يستر ظهر القدم لوحدة المناط قلت: قد تكرر منا غير مرة من ان المعتبر منه هو القطعي و هو غير حاصل في الشرعيات، و غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و من المعلوم انه لا يغني من الحق شيئا لعدم دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا عندنا، و كيف كان فالتعدي من مورد نصوص الباب حينئذ مشكل مع التوجه إلى قضية أبان و ان كان الاحتياط يقتضيه و لكنه مطلب آخر فتدبر.

ثم انه إذا بنينا على التعدي عن الخفين و الجوربين الى غيرهما يمكن ان يقال ان اللازم التعدي إلى مثلهما من لباس القدم المشتمل على الساق لانه مقتضى المماثلة لا كل لباس ساتر لظاهر القدم، وفاقا لصاحب الجواهر- قدس سره- حيث انه بعد ان حكم بعدم حرمة ستر بعض ظهر القدم و بعدم حرمة ستر جميعه إذا كان بغير اللبس قال: (بل ان لم يكن إجماعا أمكن الاختصاص بما شابه الخف و الجورب من لباس القدم ذي الساق دون غيره، لانه المناسب لكونهما مثالا لغيرهما. إلخ و لذا اقتصر بعض من الفقهاء كصاحب المقنع و التهذيب على الخف و الجورب و آخر كالشيخ- رحمه اللّه تعالى- في المبسوط و الخلاف و ابن سعيد في جامعه على الخف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 169

..........

و الشمشك و ثالث كالعلامة الأصبهاني- رحمه اللّه تعالى- في كشف اللثام و الفاضل في النهاية على ما حكى على

الخف و هذا الخلاف الواقع بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- لم ينشأ الا من جهة عدم تعرض نصوص الباب لما عدا الخفين و الجوربين فوقع الكلام بينهم في جواز التعدي عنهما الى كل ما يستر ظهر القدم و ان لم يكن بأحدهما و عدمه و الحق لزوم الاقتصار على مورد النصوص لما عرفت آنفا.

و بما ذكرنا ظهر ضعف ما أفاده المصنف- قدس سره- بقوله: (و ما يستر ظهر القدم) تبعا لما أفاده الأصحاب في عنوان هذا المبحث: و مما يحرم على المحرم ستر ظهر القدم و ذلك لان النهي لم يتعلق بكل ما يستر ظهر القدم بل تعلق بالبعض و هو الخف و الجورب فلا وجه للتعدي و جعل عنوان الباب مطلقا فيجوز شد رجله بشي ء يستر ظهر قدمه.

و كيف كان فتنقيح هذا البحث يتوقف على الإشارة إلى أمور:

1- أنه لا ينبغي الإشكال في ان المحرم على المحرم هو ستر ظاهر القدم باللبس كما تقدم، فلا يحرم ستره بدون صدق اللبس، كالجلوس و إلقاء طرف الرداء و كونه تحت الغطاء في النوم و ذلك لأصالة البراءة بعد تصريحها باللبس.

2- ان المنهي في نصوص الباب هو ستر جميع ظاهر القدم فلا يمكن الحكم بحرمة ستر بعض القدم و ذلك لان الخفين و الجوربين المذكورين في منطوق الاخبار يستران تمام ظهر القدم، فالحرمة بناء عليه تدور مداره و لو كان لبس البعض حراما كالكل لما جاز النعل لستره بعض ظهر القدم فلا وجه لما قيل من دعوى اقتضاء حرمة الكل لحرمة البعض، و ذلك لعدم التلازم بينهما بعد دخل المجموع في الحرمة الذي لا يصدق على البعض.

مضافا الى ظهور كلام العلامة الأصبهاني- رحمه اللّه تعالى- في

الإجماع على عدم الحرمة حيث قال على ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره-: (و لا يحرم عندنا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 170

..........

الا ستر ظهر القدم بتمامه باللبس و هو كذلك بملاحظة فتاوى الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه في الروضة من أن الظاهر أن بعض الظهر كالجميع الا ما يتوقف عليه لبس النعلين و عليه فلا يحرم ستر بعضه كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره.

3- أنه هل يعتبر في حرمة لبس الخفين و الجوربين سترهما لباطن القدم كسترهما لظاهر القدم أم لا؟؟ لم نعثر الى الآن على من تعرض له بخصوصه و لكن مقتضى الجمود على ظاهر الخف و الجورب هو عدم الاعتبار، خلافا لما مال اليه صاحب الجواهر- قدس سره- حيث قال: (بل يمكن اعتبار ستر الظاهر و الباطن فيه لأن الغالب فيهما ذلك. إلخ) و لكن عدم ذكر الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» له يوهنه و قال في الجواهر بعد كلامه المتقدم (بل لعل ظاهر الأصحاب خلافه).

4- أنه هل تختص حرمة لبس الخفين و الجوربين بالرجل أو تعم المرأة؟

تفصيل الكلام فيه هو أنه بناء على كون حرمة لبس الخفين و الجوربين لأجل اشتماله على الخياطة كما احتمله غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فاللازم أن يحكم باختصاص الحكم بالرجال لجواز لبس النساء للمخيط على ما عرفت سابقا، و أما بناء على كون حرمتهما بعنوانهما كما قد يدعى ظهور النصوص و الفتاوى فيه، فاللازم حينئذ أن يحكم بعدم اختصاصها بالرجل بل تعم المرأة، قال في الجواهر:

(إن ظاهرهم [أي الأصحاب] حرمة ذلك على المحرم بخصوصه خارجا عن مسألة المخيط؛ و لذا يذكرونه مستقلا عنه، و

لولاه لأمكن القول بأنه منه على معنى كون المحرم الخف، لما فيه من الخياطة و يلحق به ما شابهه و إن لم تكن فيه خياطة،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 171

..........

كالجورب و نحوه، بل في (مى). الاستدلال عليه بذلك، و حينئذ يتجه اختصاصه بالرجال، لما عرفت من جوازه لهن، كما جزم به الشهيد هنا حاكيا له عن الحسن خلافا، لما عن ظاهر النهاية و المبسوط من عموم المنع، و أظهر منهما الوسيلة، لعموم الأخبار و الفتاوى. و قاعدة الاشتراك.

و لكن فيه ما لا يخفى عليك بناء على ما ذكرناه من كونه من مسألة المخيط التي قد عرفت البحث فيها مع الشيخ أيضا، بل لعل المنع منه هنا بناء على منعه المخيط على النساء مؤيدا بذلك الأصل و فحوى تعليل إباحة السراويل بالستر، قيل بل يشمله قوله في صحيح العيص: «تلبس ما شاءت من الثياب. إلخ «1»». بناء على أن الخف منه، مضافا إلى ما دل من النصوص على أن إحرامها في وجهها و إن كان فيه إن ذلك غير مناف نحو قوله عليه السّلام: (إحرام الرجل في رأسه).

و لكن التحقيق: ان دعوى اختصاص الحكم بالرجال، لعدم الدليل على حرمته على النساء غير مسموعة. لكفاية إطلاق المحرم في صحيح الحلبي المتقدم في شمول الحكم لكل من الرجل و المحرم مضافا الى قاعدة الاشتراك.

إن قلت: ان الاخبار المشتملة على المحرم المدعى شمول إطلاقها للرجل و المرأة تقيد بالاخبار المشتملة على الرجل كخبر أبى بصير المتقدم ذكره في صدر المبحث لما فيه قول السائل (عن رجل هلكت نعلاه. إلخ) و ذلك بمقتضى ضابط باب الإطلاق و التقييد فعليه يحكم باختصاص الحكم بالرجال و لا يعم النساء. قلت: إنه

لا يتم في ما نحن فيه ضابط باب الإطلاق و التقييد و هو التنافي الموجب للحمل و ذلك لأن اختصاص بعض نصوص الباب بالرجل لا ينافي إطلاق المحرم في صحيح الحلبي المزبور، لكونهما مثبتين، فمقتضى الصناعة اقوائية احتمال العموم، و عدم اختصاص

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 172

..........

الحكم بالرجال؛ كما أفاده صاحب المبسوط و النهاية و الوسيلة و غيرهم من الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم.

5- انه لا ينبغي الإشكال في اختصاص ما ذكرنا من حرمة الخفين و الجوربين بحال الاختيار، و أما في حال الاضطرار فلا بأس بجواز لبسهما كما هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم-، قال في الجواهر: (فان اضطر جاز بلا خلاف و لا إشكال). و يدل عليه- مضافا إلى عموم ما دل على حلية ما حرم اللّه بالاضطرار قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم: (فله ان يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك و الجوربين يلبسهما إذا اضطر إلى لبسهما) و قوله عليه السّلام أيضا في خبر رفاعة بن موسى: (و الخفين إذا اضطر إليهما) هذا مما لا ينبغي الخلاف و الاشكال فيه إنما الكلام في انه هل يجب شقهما في حال الضرورة أو لا قد وقع الخلاف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في ذلك، فعن الشيخ في محكي المبسوط و ابني حمزة و سعيد في الوسيلة و الجامع و الفاضل في محكي المختلف و الشهيد في الدروس و المسالك و الكركي في حاشية الكتاب: وجوب شقهما عليه حينئذ، و يمكن أن يستدل على ذلك بوجوه:

(الأول)- ما دل على وجوب ذلك عند الاضطرار الى لبسهما و هو ما

في خبر محمد بن مسلم المتقدم قال: (في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟. قال:

«نعم لكن يشق ظهر القدم» و قوله عليه السّلام أيضا في خبر أبى بصير: (له لان يلبس الخفين إذا اضطر الى ذلك فيشق عن ظهر القدم). و المرسل عن بعض الكتب:

(لا بأس للمحرم إذا لم يجد نعلا و احتاج: أن يلبس خفا دون الكعب) و النبوي العامي:

(فان لم يجد نعلين فليلبس خفين و ليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين) على ما في الجواهر.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 173

..........

(الثاني)- الاحتياط لاقتضائه ذلك كما هو واضح.

(الثالث)- ما دل على حرمة لبس ما يستر ظهر القدم بدون ضرورة و مع الشق لا ضرورة. هذا و لكن المشهور بل المدعى عليه الإجماع كما عن ابن إدريس عدم وجوب شقهما، و ذلك لضعف الوجوه المتقدمة. أما في الأخبار المتقدمة الدالة على وجوب الشق بعد الغض عما في سندها موافقتها لمذهب أكثر العامة كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- و منهم أبو حنيفة، فعليه لا تصلح لتقييد إطلاق النصوص المتقدمة المسوغة للبسهما في حال الضرورة و لو مع عدم الشق، لكونها مطلقة معتضدة بإطلاق فتاوى الأصحاب كصاحب المقنع و النهاية و التهذيب و المهذب على ما حكى عنها و صريح غيرها كالمحكي عن السرائر. و أما في الاحتياط فلان إطلاق ما دل على جواز لبسهما في حال الضرورة حاكم عليه فتبقى الإطلاقات الجواز سليمة عن التقييد.

مضافا إلى ما رواه العامة عن مولانا أمير المؤمنين على عليه السّلام من عدم الشق، بل رووا انه قال: (قطع الخفين فساد يلبسهما كما هما) بل ربما كان ذلك منه كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- إشارة إلى أنه

إتلاف مال و إضاعة له يدخل به تحت الإسراف و التبذير- لانه كما ترى لا يترتب عليه فائدة بعد حرمة اللبس اختيارا معه أيضا و بما رووا عن عائشة أيضا من أن النبي صلّى اللّه عليه و آله رخص للمحرم أن يلبس الخفين و لا يقطعهما؛ بل عن صفية كان ابن عمر يفتي بقطعهما فلما أخبرته بحديث عائشة رجع بل عن بعضهم الظاهر ان الحكم منسوخ و ذلك لان حديث ابن عمر الذي روى فيه القطع كان بالمدينة و الحديث الآخر قد كان في عرفات إلى غير ذلك من المؤيدات لما ذكرناه كما في الجواهر.

و لكن الأقوى في النظر بعد فرض الوثوق و الاطمئنان بصدور الأخبار المشتملة على الشق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 174

..........

هو ما ذهب اليه الشيخ و متابعوه من وجوب الشق و ذلك لعدم المعارضة بين الإطلاقات الدالة على الجواز عند حال الضرورة و بين الأخبار الدالة على التقييد بالشق، لوضوح الجمع العرفي بينهما بحمل المطلق على المقيد، لتمامية ضابط باب حمل المطلق على المقيد و هو التنافي كما أفاده صاحب الحدائق حيث انه بعد أن ذكر كلام ابن إدريس و جمع من الأصحاب منهم المحقق على عدم وجوب الشق و استدلاله بالأصل و إطلاق الأمر بلبس الخفين مع عدم النعلين في الأخبار المتقدمة: (و لو كان الشق واجبا لذكر في مقام البيان) قال: (و فيه ان غاية هذه الأخبار ان تكون مطلقة في ذلك و هي لا تنافي الأخبار المقيدة لأن المقيد يحكم على المطلق كما هو القاعدة المسلمة بينهم) فعليه يكون لبس الخف و الجورب في حال الضرورة جائزا مع الشق كما أفاده الشيخ و غيره من الفقهاء- قدس

اللّه تعالى أسرارهم، فلا وجه لحمل المقيدات و هي الأخبار المشتملة على الشق على التقية لعدم وصول النوبة إليها و غيرها من المرجحات إلا بعد تحقق التعارض المتوقف على عدم الجمع العرفي بحيث يتحير العرف في الجمع بينهما و من المعلوم كون حمل المطلق على المقيد من أوضح الجموع العرفية الرافعة للحيرة مضافا إلى اختلاف العامة.

و بما ذكرنا من الجمع بين ما دل على جواز لبس الخفين و الجوربين مطلقا و ما دل على جواز لبسهما مع شقهما بحمل الأول على الثاني ظهر عدم المجال لحمل الأمر بالشق على ضرب من الندب الذي هو جمع حكمي؛ و ذلك لإمكان الجمع الموضوعي المتقدم رتبة على الجمع الحكمي؛ كما قد تكرر ذلك غير مرة منا.

فعليه يظهر ضعف ما ذكره صاحب الجواهر- قدس سره- حيث انه بعد ان ناقش في اخبار الشق قال: (فلا بأس بحمل النصوص المزبورة على ضرب من الندب).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 175

..........

و لكن لا يخفى: ان ضعف السند و عدم الوثوق بانجباره بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- يمنع عن الاعتماد عليه في تقييد ما دل عموما أو خصوصا على جواز لبس الخفين و الجوربين عند الضرورة و عليه فالمرجع هو إطلاق أدلة الاضطرار التي مقتضاها جواز لبسهما بدون الشق.

ثم أنه بناء على وجوب الشق وفاقا للشيخ قدس سره و اتباعه فهل المراد منه هو القطع أو غيره؟؟ فنقول: قد اختلفت عبارات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في ذلك، فقال الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في المبسوط: (يشق ظهر قدمهما) و قال في الخلاف (انه يقطعهما حتى يكون أسفل من الكعبين) و قال ابن الجنيد:

(و لا يلبس المحرم خفين إذا لم يجد نعلين

حتى يقطعهما إلى أسفل الكعبين). و قال ابن حمزة: (انه يشق ظاهر القدمين و ان قطع الساقين كان أفضل) و كيف كان فمقتضى الاحتياط هو قطع الساق أيضا حتى يكون أسفل من الكعبين، كما في النبوي المشهور قال في الجواهر ان ظاهر: (المنتهى و التذكرة كون الشق هو القطع حتى يكونا أسفل من الكعبين الذي رواه (روته خ ل) العامة و أفتى به الشيخ في الخلاف و الإسكافي، بل عن الفاضل في التحرير و موضع من المنتهى و التذكرة:

القطع بوجوب هذا القطع، و عن موضع آخر من المنتهى انه أولى خروجا من الخلاف و أخذا بالتقية. و قال ابن حمزة: (شق ظاهر القدمين و ان قطع الساقين كان أفضل) و هو صريح في المغايرة؛ و قد سمعت المرسل عن الباقر عليه السّلام في بعض الكتب، فالمتجه التخيير بينهما، و ان كان الأحوط الجمع بين القطع المزبور و شق ظهر القدم، و لا إسراف و لا تبذير و لا إضاعة مع كون ذلك للاحتياط الذي هو من أغراض العقلاء. إلخ).

6- ثم انه لا يخفى سواء قلنا بوجوب القطع أو الشق أو بندبهما في حال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 176

..........

الضرورة فإنما يكون ذلك بما هو انه لا طريق لجواز اللبس باعتبار عدم كونه حينئذ ساترا لتمام ظهر القدم، لبقاء اسمهما مع القطع أو الشق فعليه يحكم بحرمة كل شي ء يكون لباسا ساترا قوة أو من شأنه و ان لم يكن فعلا متلبسا بهذا العنوان، فعليه لا يجوز لبس الخفين و الجوربين في حال الاختيار و لو قطعهما أو شقهما و من هنا نص في محكي الخلاف و التذكرة و المنتهى و التحرير على أنه مع

وجود النعلين لا يجوز لبس الخفين و لا مقطوعين إلى ظهر القدم، لكونه حينئذ كالجورب و الشمشك.

و في كشف اللثام: (و كذا إذا وجب الشق فوجد نعلين لم يجز لبس خفين مشقوقين إذا لم يجز في الشرع لبسهما الا اضطرارا مع إيجاب الشق، نعم ان لم يجب الشق كان النعل أولى كما في الدروس لا متعينة) و الموجود في الدروس بعد ان أوجب الشق قال: (و لو وجد نعلين فهما أولى من الخف المشقوق) و الظاهر إرادة الأولوية الواجبة لتصريح النصوص باشتراط جواز لبس الخفين أى و لو مشقوقين بعدم النعل بل مقتضى إطلاقها عدم الفرق في النعل بين المخيطة و غيرها فلا بأس باستثناء ذلك المخيط.

فعلى ما ذكرنا ليس وجوب الشق أو القطع مقدمة للتخلص من حرمة ستر ظهر القدم لان المراد كونه لباسا ساترا قوة أو شأنا فلا يجوز ان يلبسه و لو على وجه لا يكون ساترا.

ثم ان مقتضى الأخبار المتقدمة هو جواز لبس النعل و لو كان مخيطة، و أما غير النعل من ملابس القدم مع كونه مخيطا فجواز لبسه منوط بعدم تمامية الإجماع المدعى على حرمة لبس المخيط، و لكن بذكر الخف و الشمشك في كلماتهم يشهد بعدم ارادة المجمعين لعموم ملابس القدم فلا بأس بلبس مثل القندرة مما لا يستر ظهر القدم و ان كانت مخيطة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 177

[و الفسوق]

و الفسوق و هو الكذب (1)

و لكن مقتضى القاعدة التمسك بإطلاق معقد الإجماع على فرض ثبوته في غير ما خرج عنه بالدليل، فالإطلاق في غير ما خرج محكم و عليه فيقتصر في الجواز على لبس النعل دون غيرها من ملابس القدم، كما أن الاحتياط يقتضيه. نعم، إذا

لم يكن مخيطا كالقندرة و غيرها المعمولة بالمسمار و لا ساتر ظهر القدم فلا بأس بلبسه.

(1) من محرمات الإحرام كما أفاده المصنف- قدس سره- الفسوق، و هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا، قال:

في الجواهر: (بل لا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض، كالنصوص، مضافا إلى الكتاب. إلخ) هذا مما لا ينبغي الكلام فيه في الجملة، إنما الكلام في المراد به و منشأ اختلاف فيه هو اختلاف الروايات الواردة عنهم عليهم السّلام في تفسيرها.

ففي المتن و تفسير على بن إبراهيم و المقنع و النهاية و المبسوط و الاقتصاد و السرائر و الجامع و النافع و ظاهر المقنعة و الكافي على ما حكى عن بعضها: هو الكذب و يشهد لذلك خبر زيد الشحام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال؟ قال: «أما الرفث فالجماع- و أما الفسوق فهو الكذب ألا تسمع لقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ. «1»- و الجدال قول الرجل: «لا و اللّه و بلى و اللّه» و سباب الرجل الرجل «2».

و ما رواه العياشي في تفسيره عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في قوله عز و جل الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «3» و الرفث الجماع، و الفسوق الكذب؛ و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى

______________________________

(1) سورة البقرة الآية 193

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

(3) سورة الحجرات الآية 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص:

178

..........

و اللّه «1» و ما في الفقه الرضوي: (و الفسوق: الكذب فاستغفر اللّه عنه و تصدق بكف من طعام). و في كشف اللثام: (أنه رواه العياشي في تفسيره عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبى الحسن عليه السّلام و عن محمد بن مسلم) و في التبيان و مجمع البيان و روض الجنان: (أنه رواية أصحابنا) و في فقه القرآن للراوندي (أنه رواية بعض أصحابنا) و بذلك ينجبر ضعف السند المحتاج اليه.

و عن جماعة آخرين كما في جمل العلم و العمل و المختلف و الدروس أنه الكذب و السباب، و يشهد لهم صحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه و ذكر اللّه و قلة الكلام إلا بخير، فان تمام الحج و العمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير. إلى قال: «فالرفث الجماع و الفسوق الكذب و السباب. إلخ» «2». و يؤيد ذلك بما في الخبر على ما في الجواهر: (من أن سباب المسلم فسوق) و في صحيح على بن جعفر قال: سألت أخي موسى عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو؟. و ما على من فعله؟. فقال: الرفث جماع النساء و الفسوق الكذب و المفاخرة. إلخ «3» و لا يبعد رجوعها إلى سابقه، لاستلزام المفاخرة غالبا بل دائما للسباب. إذ المفاخرة يتحقق بإثبات كمالات و فضائل لنفسه و سلبها عن غيره و لا ينبغي الارتياب في أنه سباب بل فرده الجلي منه، كما انه يتحقق ذلك بسلب رزائل عن نفسه و إثباتها لخصمه و هذا الإثبات سباب، كما هو واضح، فما مال اليه صاحب الجواهر من رجوع ما في صحيح على بن

جعفر إلى ما في صحيح معاوية بن عمار من قوله: الفسوق الكذب و السباب هو الصواب. و قال العلامة في المختلف على ما حكاه صاحب المدارك: (إن المفاخرة لا تنفك عن السباب إذ المفاخرة إنما يتم بذكر فضائل له و سلبها عن خصمه أو سلب رزائل عنه و إثباتها

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

(2) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 179

..........

لخصمه و هذا هو معنى السباب) و لا بأس به.

و عن الجمل و العقود: (أنه الكذب على اللّه) و عن الغنية و المهذب و الإصباح و الإشارة «أنه الكذب على اللّه و رسوله أو أحد الأئمة عليه و عليهم أفضل التحية و السّلام» بل في الأول منها على ما نقل في الجواهر: (انه عندنا كذلك) و عن التبيان: (أن الأولى حملها على جميع المعاصي التي نهى المحرم عنها) و عن الراوندي في فقه القرآن متابعته.

و لكن لا يخفى خلو هذه الأقوال الثلاثة عن الدليل، فلا وجه للمصير إليها و ان كانت هذه المعاني حراما على المحرم أيضا، إلا أن الكلام في حرمتها عليه من حيث الإحرام، و إلا فلا ينبغي الشبهة في حرمتها في نفسها على كل أحد محرما كان أو محلا، فعليه يكون المتبع هو الأقوال السابقة و مقتضى الجمع بين تلك النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- بعد رفع اليد عن ظاهر كل منها في التعيينة بنص الآخر هو كون الفسوق جميع ما ذكر (من الكذب و السباب و المفاخرة) و أما خصوص الكذب على اللّه

أو بإضافة رسوله أو أحد الأئمة- عليهم السّلام- فلا مأخذ له، و قياسه بالكذب المانع عن صحة الصوم باطل، كما أفاده صاحب الجواهر و غيره من الفقهاء- قدس سرهم.

و بما ذكر ظهر لك ضعف ما في الكلام صاحب المدارك من الجمع بين الاخبار حيث أنه بعد أن ذكر ما في صحيح معاوية بن عمار بان الفسوق الكذب و السباب، و ما في صحيح على بن جعفر بأنه الكذب و المفاخرة قال: (و الجمع بينهما يقتضي المصير إلى أن الفسوق الكذب خاصة، لاقتضاء الاولى نفي المفاخرة، و الثانية نفي السباب) و وجه الضعف هو عدم كون ذلك جمعا، إذ هو طرح لكل منهما، فالمتعين هو الجمع الذي ذكرناه من رفع اليد عن ظاهر كل منها في التعيينية بنص الآخر،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 180

..........

فعليه يكون الفسوق عبارة عن الكذب و السباب و المفاخرة.

ثم أن تنقيح هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الأولى)- ان الظاهر إنه لا يبطل الإحرام بالفسوق كما أنه لا يبطل بغيره من المحرمات فحرمته تكليفية محضة، ألا أن المحكي عن المفيد- رحمه اللّه تعالى- الحرمة الوضعية، و لذا ذهب إلى كونه مفسدا للإحرام؛ و قد يستأنس له بما في صحيح عبد اللّه بن سنان في قول اللّه عز و جل وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ قال: (إتمامها أن لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج «1».

و لكن لا يخفى: أن الظاهر من الإتمام هو ما يقابل النقض لا ما يقابل الفساد فلا وجه للقول بالفساد لعدم الدليل على مانعية الفسوق عنه؛ و على كل حال فلا يترتب عليه وجوب الكفارة سوى الاستغفار عليه، لما رواه الحلبي عن أبى

عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (أ رأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟

قال: لم يجعل اللّه تعالى له حدا يستغفر اللّه تعالى و يلبى «2» فعليه لا يترتب ثمرة عملية في البحث عن المراد بالفسوق بعد ما عرفت من تحريمه على جميع التفاسير و عدم وجوب كفارة عليه سوى الاستغفار و عدم بطلان الإحرام به، و أما القول بترتب الثمرة عليه في النذر و أخويه، إذ مع الحنث تجب الكفارة ففيه أنه من الأمور النادرة أولا و من العناوين الثانوية ثانيا مضافا إلى أنه لا اختصاص له بذلك بل يكون كذلك كل شي ء تعلق نذره به و خالف.

(الثانية)- ان الظاهر حرمة مطلق الفسوق على المحرم من دون فرق في ذلك بين كونه في مقام المفاخرة و الإكرام و غيرهما و بين كونه مضرا و نافعا و لكن إذا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 181

[و الجدال]

و الجدال و هو: قول: (لا و اللّه و بلى و اللّه) (1)

اضطر اليه فلا بأس به لحلية كل محرم بالاضطرار على ما ثبت في محله.

(الثالثة) أن الكذب الغير المحرم لا يحرم على المحرم، فإنه ليس بفسوق، حتى يحكم بشموله النصوص المتقدمة، لأن وجوبه يقدم لأجل أهميته.

(الرابعة)- انه لا فرق في حرمة الفسوق على المحرم بين الرجل و المرأة لإطلاق الروايات الواردة عنهم- عليهم السّلام- في المقام المتقدمة ذكرها في صدر المبحث.

(1) و من المحرمات على المحرم- كما أفاده المصنف- قدس سره- هو الجدال و هو قول: (لا و اللّه

و بلى و اللّه) كتابا و سنة و إجماعا بقسميه كما في الجواهر و المراد منه عرفا هو الخصومة و البغضاء و لكن لا يكون الموضوع في المقام هذه مطلقا بل مع اشتمالها على الحلف بالصيغة المزبورة كما هو صريح جملة من الروايات المأثورة عنهم- عليهم السّلام- المتقدمة ذكر بعضها عند البحث عن الفسوق، لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (و الجدال قول الرجل لا و اللّه؛ و بلى و اللّه) و في صحيحة الآخر قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقول: لا لعمري و هو محرم؟ قال: «ليس بالجدال انما الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه» و أما قوله: لا ها فإنما طلب الاسم و قوله: يا هنا فلا بأس به و أما قوله: لا بل شانيك فإنه من قول الجاهلية «1» و نحوه ما في غيره من الروايات.

ثم ان تحقيق الكلام فيه يتوقف على ذكر جهات:

(الأولى)- انه هل يكون للجدال حقيقة شرعية بأن استعمله الشارع في معنى خاص خلاف ما يراد من المعنى اللغوي و العرفي منه أم لا بل أريد منه المعنى اللغوي و العرفي منه و هو الخصومة و البغضاء غاية الأمر اعتبر فيه الشارع المقدس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 182

..........

أمرا زائدا و هو قوله: (لا و اللّه و بلى و اللّه)؟ فيه وجهان. و لكن الظاهر: أنه ليس له حقيقة شرعية بل أريد منه المعنى العرفي و هو الخصومة و البغضاء غاية الأمر اعتبر فيه قيدا و هو الحلف بصيغة خاصة؛ و هذا نظير الصيغة الخاصة في الطلاق.

و

الحاصل: أن الشارع اعتبر صيغة مخصوصة في تحقق الجدال الموجب للحرمة إما بإحداث حقيقة شرعية بأن يكون الجدال عند اصطلاح الشارع المقدس خصوص قول: (لا و اللّه و بلى و اللّه) أو بتخصيصه الحكم بفرد من الافراد بأن يكون الجدال مطلق الخصومة، و لكن ما هو موضوع لحكم شرعي هو خصوص الجدال بالصيغة المخصوصة، و كيف كان فلا ثمرة عملية في إثبات أحد الطرفين لعدم تحقق الجدال الموضوع لحكم شرعي في المقام إلا بالخصومة و البغضاء المتعقب بهاتين الصيغتين سواء ثبت حقيقة شرعية له أو لا كما لا يخفى لما عرفت.

(الثانية)- انه هل يمكن التعدي من هاتين الصيغتين المزبورتين الموجبتين للحرمة إلى كل ما يسمى يمينا أم لا؟، قيل يتعدى إلى كل ما يسمى يمينا و حكم بتحقق الجدال المحرم بالخصومة و البغضاء المتعقب باليمين مطلقا سواء به (لا و اللّه- و بلى و اللّه) أو بغيرهما و اختاره الشهيد- قدس سره- في الدروس، و لكن المشهور بين الأصحاب عدم جواز التعدي و لزوم الاقتصار على مورد النصوص و هو هاتين الصيغتين، و في كشف اللثام: (و الجدال في العرف الخصومة و هذه خصومة متأكدة باليمين، و الأصل و البراءة من غيرها، و كأنه لا خلاف عندنا في اختصاص الحرمة بها. و حكى السيد ان الإجماع عليه) و في الجواهر: (و يؤيده مع ذلك أصالة البراءة في غيره، بل في الغنية: «و الجدال و هو عندنا قول لا و اللّه و بلى و اللّه» بدليل إجماع الطائفة).

و الأقوى ما نسب إلى المشهور و هو لزوم الاقتصار على مورد النصوص و هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 183

..........

(لا و اللّه و بلى و اللّه) و

لا يمكن التعدي إلى غيره و هو مطلق اليمين؛ إلا إذا قام دليل تعبدي على ذلك أو علم بوحدة المناط؛ و شي ء منهما في المقام غير حاصل. أما (الأول) فواضح و أما صحيح معاوية بن عمار الآتي فستعرف المناقشة فيه. و أما (الثانية):

فلما ذكرنا غير مرة أن المعتبر منه هو القطعي و هو غير حاصل في الشرعيات، و غاية ما يحصل منه في ما نحن فيه هو الظن بالحكم، و من المعلوم أنه لا يغني من الحق شيئا؛ لعدم دليل على اعتباره، بل قام الدليل على عدم اعتبار الظن المشكوك الاعتبار فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا عندنا، لاحتمال خصوصية في هاتين الصيغتين و هما: (لا و اللّه- و بلى و اللّه) دون غيرهما، و لا دافع لهذا الاحتمال إلا فهم المثالية (بدعوى): ظهورهما فيها و لكن هذه غير مسموعة، لكون الظاهر على خلافها، فعليه لا يتحقق الجدال المحرم المستلزم للكفارة إلا بهما دون غيرهما.

ان قلت: أنه يمكن الاستدلال للاكتفاء بمطلق الحلف المستلزم للكفارة بقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه و أعلم: أن الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه و يتصدق به و إذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جال و عليه دم يهريقه و يتصدق به قال و سألته عن الرجل يقول لا لعمري و بلى لعمري؟. فقال: ليس هذا من الجدال و إنما الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه «1». و بقوله عليه السّلام في صحيحة الآخر: (أن الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان

في مقام ولاء و هو محرم فقد جادل و عليه حد الجدال دم يهريقه و يتصدق به «2».

قلت (أولا) أنه بعد تفسير الجدال في صحيحة الأول به: (لا و اللّه و بلى و اللّه) يكون المراد من الايمان و يمينا واحدة هو الصيغة المزبورة، بل و كذا ما في صحيحة الآخر، إذ لا إطلاق له من هذه الجهة، لوروده في مقام بيان حكم آخر و هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 184

..........

الكفارة (بعبارة أوضح) أنه و لو ذكر فيه اليمين على الإطلاق، و لكنه إنما يكون في مقام التفصيل بين الجدال الكاذب و الصادق، و ليس في مقام البيان ان الجدال هل هو مطلق اليمين أو مخصوصة بالصيغة المخصوصة، كما وردت روايات كثيرة في مقام التفصيل بين الجدال الكاذب و الصادق و منها: ما رواه أبان بن عثمان عن أبى بصير عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: إذا حلف بثلاثة أيمان متعمدا متتابعات صادقا فقد جادل و عليه دم، و إذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل و عليه دم «1». و نحوها غيرها من الروايات المأثورة عنهم- عليهم السّلام.

و (ثانيا)- على فرض ثبوت الإطلاق لها فتحمل على الروايات التي فسروها بلا و اللّه و بلى. اللّه، لتقييدها بها. و بما ذكرنا ظهر أن القول بكون الجدال هو مطلق الحلف باللّه تعالى و عدم خصوصية للصيغتين المزبورتين- كما عن الشهيد في الدروس- ضعيف، ذلك ضرورة كونه بعد حمل المطلق على المقيد كالاجتهاد في مقابل النص الذي ينحصر الجدال المحرم فيهما و

عدم كون غيره جدالا و أضعف منه احتمال ارادة مطلق ما يطلق عليه اليمين. لو مسامحة كقوله: (لا لعمري و بلى لعمري) و نحوه من الجدال. و ظهر أيضا ضعف ما عن الانتصار و جمل العلم: (من انه الحلف باللّه الذي هو أعم من الصيغتين، بل ربما أيد بعموم لفظ الجدال لكل ما كان في خصومة و احتمال الحصر في الاخبار الإضافية و التفسير باللفظين التخصيص بالرد المؤكد بالحلف باللّه لا بغيره، و قول الصادق في حسن معاوية بن عمار المتقدم و نحوه). و ذلك لظهور النصوص مضافا الى معقد الإجماع و الفتاوى في اختصاص الجدال المحرم الموجب للكفارة باللفظين المزبورين و صرف احتمال كون ذلك مرادا منه في المقام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 185

..........

لا ينافي حجية الظهور، كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- و (دعوى) ظهور قوله عليه السّلام في خبر أبى بصير الآتي في الجهة الرابعة (إنما أراد بهذا إكرام أخيه) في كون الجدال هو مطلق الحلف باللّه إذا لم يكن للإكرام غير مسموعة، لعدم الشناعة في استناد عدم شي ء إلى أحد موجبات وجوده، فيصح استناد عدم وجوب الكفارة إلى المودة كما يصح استناده إلى عدم الصيغة الخاصة.

ثم أن بما ذكرنا ظهر ضعف ما في الرياض فإنه بعد ما ذكر عن الأكثر تفسيره بالصيغتين و في الغنية الإجماع عليه قال: (و لكن يحتمل رجوعه إلى تفسير الجدال بالخصومة المؤكدة باليمين بمثل الصيغتين لا إليهما) فظهر أنه ليست الخصومة المجردة من اليمين بالصيغة المزبورة من الجدال المحرم على المحرم لما عرفت و ان كان الجدال العرفي صادقا عليه عرفا و

ظهر أيضا ضعف ما أفاده صاحب المستند- قدس سره بقوله: (و الظاهر عدم الاختصاص بلفظ [اللّه] بل التعدي إلى كل ما يؤدى هذا المعنى كالرحمان و الخالق و نحوهما و بالفارسية و غيرها من اللغات إذ الأصل في الألفاظ إرادة معانيها دون خصوص اللفظ فالمراد باللّه معناه و هو الذات المخصوصة. إلخ).

(الثالثة)- أنه هل يمكن التعدي عن المقسوم عليه و هو لفظ (لا- و بلى) إلى ما يرادفه بالفارسية و غيرها أو لا، لان هذين اللفظين خارجان عن صيغة الحلف المعتبرة في الجدال؛ و اختاره صاحب الجواهر- قدس سره- حيث قال: (نعم لا يعتبر لفظ [لا- و بلى] نحو قوله إنما الطلاق أنت طالق، فإن صيغة القسم هو قول (و اللّه) و أما: «لا- و بلى» فهو المقسوم عليه فلا يعتبر خصوص هذين اللفظين في مؤداه، و لو بشهادة الصحيح المزبور، بل يكفي الفارسية و نحوها فيه، و أن لم تكف في لفظ الجلالة فتأمل جيدا.) و أشار بقوله: (و لو بشهادة الصحيح

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 186

..........

المزبور) إلى خبر أبى بصير الآتي في الجهة الرابعة و وجه شهادته أنه لم يسند عدم تحقق الجدال فيه إلى عدم ذكر هذين اللفظين أعنى: (لا- و بلى) بل إلى كون الحلف للمحبة و الإكرام فيظهر منه عدم دخل هذين اللفظين في الجدال و لكنه- كما ترى- لا دلالة فيه على مدعاه و الحكم بجواز التعدي إلى غير مورد النص أيضا لا يخلو من الإشكال فتأمل.

(الرابعة)- أنه إذا حلف بالصيغة المزبورة لا في مقام الجدال بل للمودة و الإكرام جاز و لا كفارة في البين، لما عرفت من اعتبار الخصومة و البغضاء في مفهوم الجدال عرفا

و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و يدل عليه خبر أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له صاحبه: (و اللّه لا تعمله) فيقول «و اللّه لأعملنه» فيخالفه مرارا يلزمه ما يلزم الجدال؟. قال: لا انما أراد بهذا إكرام أخيه «1».

(الخامسة)- أنه هل يختص الحكم بما إذا ذكرها عند غيره أو يعم حتى ما إذا ذكرها عند نفسه و لو لم يكن موجودا أحدا؟. فيه وجهان، مقتضى إطلاق الروايات الدالة على تحقق الجدال بالصيغة المزبورة هو شموله لما ذكرها عند نفسه أيضا كشموله ما إذا ذكرها عند غيره اللهم الا أن يدعى الانصراف عنه فتدبر.

(السادسة)- أنه هل الجدال مجموع هذين اللفظين أعنى (لا و اللّه- و بلى و اللّه) أو لا بل يكفي أحدهما؟.؟. الظاهر: عدم اعتبار وقوع اللفظين في تحقق الجدال فيكفي أحدهما، وفاقا لجماعة من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- منهم صاحب الجواهر و المدارك و الفاضل الأصبهاني في كشف اللثام حاكيا له عن المنتهى و التذكرة؛ بل قال: «و به قطع الصدوق في ير» و في الجواهر: «و لعله للصدق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 187

..........

عرفا بعد معلومية إرادة ما ذكرناه منهما؛ لا أن قولهما، معا من الواحد أو من الاثنين معتبر في الجدال» و كيف كان بل لا معنى لاعتبارهما معا في صدقه من شخص واحد، لانه إما مثبت لما يدعيه خصمه، و إما ناف له، فلا يتوجه النفي و الإثبات من شخص واحد الى معنى واحد، و لم يذكر في الحديث كليهما؛ لأجل كون الجدال

قول كليهما معا، فإنه جمع بين المتناقضين بل لكل منهما يتحقق الجدال صادقا أو كاذبا غاية الأمر يختلف في الكفارة في صورة الصدق و الكذب.

(السابعة)- ان الظاهر عدم الفرق في حرمة الجدال بين كونه صادقا و كاذبا، لعموم النص بل صراحة صحيح محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال:

سألته عن الجدال في الحج؟. فقال: من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم فقيل له الذي يجادل و هو صادق؟. قال: «عليه شاة» و الكاذب عليه بقرة» «1» فالاختلاف بينهما إنما يكون في الكفارة و لكن الاستدلال به إنما يتم بناء على تسليم ثبوت الملازمة بين الكفارة و الحرمة فدعوى: اعتبار الكذب في الجدال المحرم على المحرم فلو جادل صادقا لم يكن عليه شي ء- مؤيدا ذلك: بأصل البراءة- و بنفي الضرر و الحرج في الدين- و بأنه ربما وجب عقلا و شرعا- غير مسموعة.

أما الأصل. فلا مجال له لعموم النص و الفتوى و خصوص النص المتقدم الدال على ثبوت الكفارة على الصادق منه.

و أما نفي الضرر- و الحرج ففيه: ان الكلام ليس في ذلك بل كلامنا هنا في اعتبار الكذب مع الغض عن العنوان الثانوي و إلا فلا ينبغي الإشكال في جواز كل محرم بالاضطرار لكن ذلك في الحكم التكليفي و أما الوضعي- أعني الكفارة- فلا ملازمة بين ارتفاع الحرمة و بين ارتفاع الكفارة لثبوت الكفارة في بعض محرمات الإحرام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 188

[و قتل هوام الجسد]

و قتل هوام الجسد حتى القمل (1)

عند الضرورة الرافعة للحرمة.

و أما في الثالث و هو أنه ربما وجب عقلا و شرعا: ففيه أيضا يأتي جميع

ما ذكر آنفا في الثاني كما هو واضح فيما ذكرنا ظهر ما ذهب اليه بعض الفقهاء من اعتبار الكذب في تحقق الجدال المحرم على المحرم.

(الثامنة)- أنه إذا اضطر إلى إثبات حق أو دفع باطل و توقف ذلك على الجدال و الحلف بحيث لو لم يثبت ذلك الحق أو لم يدفع ذلك الباطل لوقع في الضرر فلا بأس حينئذ بالجدال، لعموم أدلة الاضطرار، و لكن في سقوط الكفارة إشكال، لما عرفته آنفا في الجهة السابعة من عدم الملازمة بين الحكم التكليفي و الوضعي بعد قوة احتمال سببية التروك الواجبة على المحرم لوجوب الكفارة. و أما القول بارتفاع حرمة الجدال المحرم على المحرم في صورة ما إذا توقف إثبات حق أو دفع باطل عليه مطلقا حتى مع عدم الضرورة فمحل تأمل إذ لم يثبت رافعية ذلك للحرمة فعليه يشكل إطلاق كلام ما حكى عن الدروس من قوله: (و لو اضطر الى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل فالأقرب جوازه على ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره-، إذ المتيقن منه هو صورة الضرورة فتدبر.

(1) من المحرمات على المحرم كما أفاده المصنف- قدس سره- قتل ما يتكون من جسده من الهوام و الدواب كالقمل و نحوه على المشهور بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و يدل عليه ما رواه أبان عن أبى الجارود، قال: سأل رجل أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل قملة و هو محرم؟. قال: «بئس ما صنع». قال: فما فداؤها؟. قال: «لا فداء لها «1» و حديث زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 و أورد أيضا في باب 15 من أبواب

بقية كفارات الإحرام الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 189

..........

هل يحك المحرم رأسه؟. قال: «يحك ما لم يتعمد قتل دابة» «1» و ما في صحيح معاوية ابن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال في حديث. (اتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى و العقرب و الفأرة. إلخ «2». بناء على عدم انصراف الدواب عن الحيوانات المتكونة عن البدن، كما هو كذلك بشهادة إطلاق الدابة عليها في حديث زرارة المتقدم آنفا لقوله عليه السّلام فيه: (يحك ما لم يتعمد قتل دابة) و في الجواهر: (مؤيدا ذلك كله بمنافاته لعدم الترفة المراد من المحرم الذي هو أشعث أغبر، بل لعل ما عن النهاية و السرائر: «من أنه لا يجوز قتل شي ء من الدواب» يشملها أيضا. و كذا ما عن الكافي: «ان مما يجتنبه المحرم قتل شي ء من الحيوان عدا الحية و العقرب و الفارة و الغراب ما لم يخف شي ء منه». بل عن المبسوط: «لا يجوز له قتل شي ء من القمل و البراغيث و ما أشبههما». و يمكن الاستدلال على ذلك أيضا بما دل على حرمة نزعها و القاءها من الجسد كرواية حسين بن أبى العلاء قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمدا و ان فعل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قال: كم؟ قال: «كفا من طعام» «3» و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال قال: المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده.

إلخ «4». و نحوهما غيرهما من الأخبار المأثورة عنهم- عليهم السّلام.

و لكن يمكن المناقشة فيها بان مقتضى هذه النصوص هو حرمة نزع القملة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3 و أورد أيضا في باب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3.

(4) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 190

..........

و الإلقاء عن جسده، لانه موردها، و أما حرمة القتل فلا يمكن الاستفادة منها.

ان قلت: ان مقتضى نصوص الباب و ان كان ذلك إلا أنه يتعدى عن موردها بدعوى:

أولوية حرمة قتل هوام الجسد من نزعها و إلقائها. فإن كان نزعها و إلقائها حراما فحرمة قتلها يكون بطريق أولى. قلت أن أريد منها الأولوية الظنية فلا فائدة فيها، لعدم العبرة بها. و ان أريد بها القطعية ففيه: أن الأولوية القطعية غير حاصلة في الشرعيات خصوصا بعد التوجه إلى قضية أبان لعدم الإحاطة بالملاكات الداعية إلى التشريع و غاية ما يحصل منها هو الأولوية الظنية، و من المعلوم أنه لا دليل على اعتباره فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا عندنا، لاحتمال خصوصية واقعا في نزعها و إلقائها.

نعم إذا حصل القطع إلى ذلك و عدم مانع عن الجعل أيضا فلا محيص حينئذ عن التعدي و لكنه لا سبيل إلى ذلك فتدبر، و كيف كان فمع النصوص المتقدمة المائدة بالشهرة لا حاجة إلى دعوى: أولوية قتل هوام الجسد من نزعها و إلقائها عن الجسد حتى تمنع الأولوية، لوفاء هذه الروايات بإثبات الحرمة كما لا يخفى. فيما ذكرنا ظهر أنه لا وجه لما عن ابن حمزة من جواز قتل القمل إذا كان على البدن و

حرمة إلقائه عنه لضعف الأدلة التي يستدل بها على مدعاه و يستدل للقائلين بجواز قتل القمل بوجوه:

(الأول) الإجماع. (و فيه): أولا ليس في البين إجماع لذهاب أكثر الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- إلى حرمة قتله و (ثانيا): على فرض ثبوته انه قد ذكرنا غير مرة ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام لا المدركى؛ و في المقام يحتمل ان يكون مدركيا لاحتمال استناد المجمعين في ذهابهم إلى عدم حرمة قتله إلى الوجوه الآتية، فلا يمكن الاعتماد عليه، إذ العبرة حينئذ بالمدرك ان تم.

(الثاني)- الأصل. و (فيه) انه مقطوع بما عرفت من النصوص.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 191

..........

(الثالث) هو ظهور كلمة: (لا ينبغي) في صحيح معاوية بن عمار قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال: «لا شي ء عليه في القمل و لا ينبغي ان يتعمد قتلها» «1» في الكراهة. و (فيه): ما ذكرناه غير مرة من عدم ظهور كلمة: (لا ينبغي) في الكراهة بل هو يلائم كل من الحرمة و الكراهة لكونه ظاهرا في حزازة العمل فلا بد من إثبات أحدهما بالقرينة و الأخبار المتقدمة في صدر المبحث الدالة على حرمة قتل القمل في حال الإحرام تصلح لأن تكون قرينة على إرادة الحرمة من كلمة: (لا ينبغي) كما لا يخفى؛ فلا تدل على خصوص الكراهة حتى تنافيها ما يدل على الحرمة.

(الرابع)- عموم قوله عليه السّلام (لا شي ء عليه) في هذه الصحيحة. و (فيه):

ان عموم: [لا شي ء عليه] فيها الدال على عدم الحرمة و ان كان تماما و لكنه لا مانع من تخصيصه بالنصوص المتقدمة الدالة على الحرمة مضافا إلى أنه قد يدعى ظهوره

في نفي الحكم الوضعي و هو الكفارة لا العقاب المستتبع من مخالفة الحكم التكليفي فتأمل و أما صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: فيه (لا بأس بقتل القملة في الحرم) «2». و مرسل ابن فضال عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم «3» فلا ينافي الأخبار المتقدمة الدالة على الحرمة، و ذلك لكونه من الإطلاق القابل للتقييد بالمحرم، فتصير النتيجة ان قتل القمل في الحرم جائز إلا إذا كان القاتل محرما.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و في باب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 6.

(2) الوسائل ج 2 الباب 84 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 79 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 192

..........

و كذا لا يعارض النصوص السابقة الظاهرة في حرمة قتل دواب الجسد ما دل على جواز قتلها مع الإرادة كرواية محمد بن المفيد في المقنعة قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن قتل الذئب و الأسد؟ فقال: «لا بأس بقتلهما للمحرم ان أراداه (د ه خ ل) و كل شي ء أراده السباع و الهوام فلا حرج عليه في قتله «1» و ما في ذيل صحيح معاوية بن عمار قوله عليه السّلام «كل شي ء أرادك فاقتله» «2» و ذلك لاختصاصه بغير هوام الجسد من هوام الأرض، لأن الإرادة ليست في هوام الجسد لأنه محلها؛ فالإرادة تختص بما لا يتكون في البدن فتأمل و كذا ما دل على جواز قتلها مع الإيذاء كصحيح جميل قال: سألت

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يقتل البقة و البرغوث إذا أذاه؟ قال: نعم «3» و نحوه خبر زرارة، و ذلك لعدم كون صورة الإيذاء مما نحن فيه، مضافا إلى عدم كون البقة و البرغوث من هوام الجسد، لعدم تكونهما منه فتدبر فلا يعارضها، فيما ذكرنا ظهر قوة ما نسب الى المشهور من حرمة قتل القملة و اقتصار جماعة من القدماء على حرمة إلقائه فقط لا يقتضي ذهابهم الى جواز قتله بل يمكن أن يكون ذلك لأجل اكتفائهم بذكره عنه فتأمل.

« (ثم ان هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها)» 1- ان مقتضى ظاهر بعض النصوص اختصاص حرمة قتل هوام الجسد بصورة العمد الذي هو قصد عنوان الفعل؛ كالقتل في المقام، فلو لم يقصد العنوان و قتل خطأ لم يحرم و ان كان فعلا له لكفاية مجرد صدور الفعل من شخص و لو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 13

(2) الوسائل ج 2 الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

(3) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 193

..........

بدون القصد و الإرادة مثل كسر الإناء في حال النوم في صحة اضافة الفعل الى فاعله فعليه يحكم بحرمة قتل القمل إذا كان عن عمد، و أما إذا كان خطأ فلا حرمة فيه و أما ما دل على حرمة قتل القمل مطلقا كما هو مقتضى ظاهر بعض النصوص المتقدمة في صدر المبحث فيقيد بما دل على الحرمة إذا كان عن عمد.

(الثاني)- انه اختلفت متون الكتب في عنوان هذا البحث و في بعض منها هو:

[قتل هوام الجسد] كالنافع و القواعد و متن هذا الكتاب الذي

نحن في صدد شرحه؛ و في بعض الكتب الجمع بين هوام الجسد و دوابه و في بعضها قتل القملة و الاولى جعل العنوان ما يتكون من البدن لإمكان استفادة هذا العنوان من قوله عليه السّلام في صحيح زرارة المتقدم: (ما لم يتعمد قتل دابة). إذ ظاهره هو الدابة المتكونة في الرأس و غيره من اجزاء البدن لا الدابة المتكونة في الخارج بالتوالد أو غيره الواردة في بدن الإنسان و ان كان عموم الدابة في سياق النفي موهما لعموم الدابة لما يتكون من البدن من القمل و غيره و ما يتكون من غير البدن. و لكن قوله عليه السّلام في صحيح زرارة:

(يحك رأسه. إلخ) قرينة على إرادة دابة البدن فقط و لا أقل من كونه صالحا للقرينية و أما من جعل عنوان الباب قتل القملة يمكن أن يكون لأجل اقتصاره على لسان بعض النصوص المشتمل على ذلك، كما أن التعبير بالهوام لعله لحمل القملة على المثال و ارادة كل ما يتكون من البدن في مقابل ما يتكون من البدن في مقابل ما يتكون من الأرض.

3- ان مقتضى إطلاق بعض الروايات عدم اختصاص حرمة قتل هوام الجسد بالرجل فالرجل و المرأة في ذلك سواء، و لكن لا لقاعدة الاشتراك بعد احتمال دخل خصوصية الرجولية فيه. و عدم دافع له، بل لتصريح بعض النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- في المقام بكون الأحكام المزبورة للمحرم لما في صحيح زرارة المتقدم. (هل يحك المحرم رأسه) قال عليه السّلام (يحكم ما لم يتعمد قتل دابة)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 194

و يجوز نقله من مكان إلى مكان آخر من جسده (1)

و لا ينبغي الشك في شمول إطلاق المحرم للمرأة كالرجل، بل

و شموله لغيرها من الصبي و الصبية أيضا، فإنه قضية جنس المحرم، و هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- اللهم إلا يقال بانصرافه عنها؛ و لكن لا يخفى ما فيه لانه لا انصراف في البين أولا و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا فلا عبرة به.

4- أنه لا فرق في حرمة القتل في المقام بين المباشرة و التسبيب لإطلاق النصوص الواردة في المقام بعد وضوح نسبة الفعل في كلتا الصورتين إلى القاتل المباشري و التسبيبى؛ أما القول باختصاص الحكم بصورة المباشرة بدعوى: انصرافه عن التسبيب مما لا وجه له؛ لأنه بدوي، فلا عبرة به في تقييد الإطلاق لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي هو الضابط في الانصراف الصالح للتقييد

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز نقل هوام الجسد من القمل و نحوه من مكان إلى مكان آخر من جسده مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و يدل على ذلك- مضافا إلى الأصل- صحيح معاوية ابن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة، فإنها من جسده. فإذا أراد أن يحوله من مكان إلى مكان آخر فلا يضره «1». بل مقتضى إطلاقه كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- عدم اشتراط كون المنقول اليه كالمنقول عنه أو أحرز، كما صرح به بعض الأصحاب، و أما ما قيده بعض المتأخرين على ما في المدارك بالمساوي أو الأحرز، و هو تقييد لإطلاق النص من غير دليل. نعم. يمكن القول بالمنع من تحويله إلى مكان كان معرضا للسقوط لأنه يئول إلى الإلقاء المحرم فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 78 من

أبواب تروك الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 195

..........

« (حرمة إلقاء هوام الجسد)» و من المحرمات على المحرم إلقاء هوام الجسد عن بدنه و ثوبه و هو المشهور بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم، و يدل عليه ما رواه الحسين بن أبى العلاء قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا يرمى المحرم القملة عن ثوبه و لا من جسده متعمدا فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما. إلخ «1». و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده. إلخ «2». و يستفاد من هذا الصحيح عدم اختصاص الحكم بالقملة بل يشمل جميع ما يتكون من البدن و هو كاف في إثبات حرمة إلقاء جميع ما يتكون من البدن على المحرم، و صحيح حماد بن عيسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها؟ قال يطعم مكانها طعاما «3» و صحيح محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام. قال: سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها؟ قال:

يطعم مكانها طعاما «4».

و لكن الاستدلال بهما منوط على تسليم الملازمة بين الحكم الوضعي و التكليفي، و كيف كان ففي إثبات حرمة الإلقاء يكفينا النصوص المتقدمة.

و لا يعارض هذه النصوص الظاهرة في الحرمة خبر على بن حمزة مولى خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلقى القملة؟ فقال: ألقوها أبعدها اللّه غير

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3 و في باب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3.

(2) الوسائل ج 2 الباب 78

من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 196

و يجوز إلقاء القراد و الحلم (1)

محمودة و لا مفقودة «1» بناء على كون كلمة: (ألقوها) بالقاف دون الفاء، كما قيل وجه عدم المعارضة (أولا) ضعف سنده و عدم جابر و كونه مهجورا و (ثانيا):

على فرض تسليم اعتباره يقيد إطلاقه بما دل على الجواز مع الإيذاء.

و كيف كان فقد ظهر من جميع ما ذكرناه: أن القول بحرمة إلقاء القملة و نحوها من هوام الجسد في غاية المتانة؛ فلاحظ و اللّه هو الهادي إلى الصواب.

« (تذييل)» يمكن ان يقال بحرمة إلقاء الصاب (الذي هو بيض القمل) عن البدن باعتبار انه ليس دابة، لاحتمال تبعيته للقملة في الحكم كتبعيته لها في الوجود.

و لكن مقتضى الأصل البراءة، لعدم ورود دليل تعبدي على حرمة إلقائه و لعدم الملازمة بين التبعية في الوجود و بين التبعية في الحكم فتدبر.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز إلقاء ما لا يتكون في البدن كالقراد و الحلم [1] الذي هو نوع من القراد على ما قيل عن نفسه مما لا ينبغي الخلاف و الاشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و يدل عليه- مضافا إلى الأصل بعد أن لم يكونا من هوام الجسد- ما رواه محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبى نجران عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي

______________________________

[1] و الحلم «بفتح الحاء و اللام» جمع حله كذلك و هو القراد العظيم كما

عن الجوهري و في كشف اللثام عن الأصمعي: «أول ما يكون القراد يكون قمقاما ثم حميا ثم قرادا ثم حلما و لكن ينافي ذلك قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار ان القراد ليس من البعير و الحلمة من البعير.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 197

..........

عبد اللّه عليه السّلام: أ رأيت ان وجدت على قراد أو حلمة أطرحهما؟. قال: «نعم و صغار لهما أنهما رقيا في غير مرقاهما «1». و رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن عبد اللّه بن سنان إلا أنه قال: [أطرحهما عنى و أنا محرم؟.] و كيف كان فيمكن الاستدلال بقوله عليه السّلام (أنهما رقيا في غير مرقاهما) على جواز إلقاء كل دابة لا تتكون في البدن و وجدها المحرم على بدنه.

مضافا إلى صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده. إلخ «2» فإن المستفاد منه- كما ترى- هو جواز إلقاء كلما على بدن الإنسان من الدواب من القراد و الحلمة و غيرهما إلا ما يتكون من جسده كما هو ظاهر « (فرع)» يجوز إلقاء القراد عن بعيره كما صرح به غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر: (لا أجد فيه خلافا. إلخ) و يدل عليه- مضافا إلى الأصل- الأخبار الكثيرة الواردة عنهم- عليهم السّلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: ان القى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس و لا يلقى الحلمة «3» 2- حسنة حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: ان

القراد ليس من البعير و الحلمة من البعير و رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 79 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 80 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 198

..........

مثله و زاد: (بمنزلة القملة من جسدك فلا تلقها و ألق القراد «1».

3- خبر عمر بن يزيد قال: لا بأس ان تنزع القراد عن بعيرك و لا ترم الحلمة «2» إلى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام مقتضى النصوص عدم جواز إلقاء الحلمة عن البعير و قد افتى به الشيخ قدس سره- و جماعة، و لكن المحكي عن الأكثر الجواز، و يمكن الاستدلال له بوجوه:

(الأول)- الإجماع و (فيه): على فرض ثبوته انه قد مر مرارا ان الإجماع المعتبر هو التعبدي منه الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام لا المدركى و يحتمل ان يكون مدركه في ما نحن فيه بعض الوجوه الآتية فلا عبرة به.

(الثاني)- الأصل و (فيه): ان مقطوع بما عرفت من النصوص الدالة على الحرمة.

(الثالث)- صحيح معاوية بن عمار المتقدم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال عليه السّلام (المحرم يلقى عنه الدواب كلها. إلخ). (و فيه): انه كما ترى- ظاهر في الإلقاء عن بدن المحرم بقرينة ما في ذيله: (إلا القملة فإنها من جسده) ثم ربما يتوهم التنافي بين الروايات الدالة على عدم جواز إلقاء الحلمة و غيرها مما يتكون في البعير على ما هو ظاهر تعليل الفرق بين القراد و الحلمة و بين خبر عبد اللّه ابن سعيد

قال: سأل أبو عبد الرحمن أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يعالج دبر الجمل؟ قال فقال: يلقى عنه الدواب و لا يدميه «3» و لكن (و فيه) أولا: أنه ضعيف سندا و (ثانيا): على فرض تسليم سنده يختص بمورد المعالجة و ترتب الضرر على إبقاءها أو يقيد بما يتكون في بدنه بقرينة الروايات الدالة على كون الحلمة من البعير و عدم كون القراد منه كما في صحيح معاوية بن عمار على ما رواه الصدوق في العلل حيث أنه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 80 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 80 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 80 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 199

..........

زاد فيه: (ان القراد ليس من البعير و الحلمة من البعير «1» فيختص الجواز بغير المتكون في البعير، كما انه يمكن دفع التنافي بين كلام الشيخ- قدس سره- و تابعيه و بين كلام الأكثر من جواز إلقاء الحلمة من البعير بان يقال أن مراد الأكثر الحلم الذي هو من القراد الذي يجوز إلقائه عن البعير بلا خلاف كما عرفت لا الحلم المتكون منه.

و المتحصل من جميع ما ذكرنا هو عدم جواز إلقاء كل ما يتكون في البدن؛ لانه رقى مرقاة؛ لان البدن مرتعه، و جواز إلقاء كلما لا يتكون فيه كالبرغوث و الزنبور و غيرها لأنها سكنت في غير وطنها الذي تكونت فيه، و كذا يجوز إلقاء ما على الحيوانات من الغنم و الجاموس و الفرس و غيرها من الدواب، و ذلك للأصل أما قتل ما يتكون في البدن و ما لا يتكون فيه فلا يجوز لما

دل على عدم جواز قتل كل دابة لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (اتق قتل الدواب كلها) نعم يجوز في صورة الإيذاء و لكن قد استثنى الأفعى و العقرب و الفأرة، فإنه يجوز قتلها و لو بدون الإيذاء، لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم في حديث.

ثم اتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى و العقرب و الفأرة، فأما الفأرة فإنها توهي السقاء و تضرم على أهل البيت، و أما العقرب فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مد يده إلى الحجر فلسعه فقال: لعنك اللّه لا برا تدعينه و لا فاجرا و الحية إن أرادتك فاقتلها «2». فعليه نقيد إطلاق قوله عليه السّلام: (اتق قتل الدواب كلها) بالإيذاء، فالنتيجة انه لا يجوز قتل شي ء من الدواب إلا أنه إذا آذته.

هذا كله بالنسبة إلى المحرم و أما غير المحرم فيجوز له قتل الدواب من الهوام و السباع مطلقا في صورة الإيذاء و غيرها و قد تحصل ان كل ما يتكون في البدن لا يجوز إلقائه و لا قتله

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 80 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 200

[و يحرم لبس الخاتم للزينة]

و يحرم لبس الخاتم للزينة (1)

و كل ما لا يتكون فيه يجوز إلقائه و لا يجوز قتله إلا في صورة الإيذاء.

(1) حرمة لبس الخاتم على المحرم للزينة مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و في كشف اللثام: (كما قطع به الأكثر) بل في الذخيرة في شرح قوله في القواعد [و لبس الخاتم للزينة لا للسنة]

قال:

(لا أعرف خلافا بين الأصحاب في الحكمين المذكورين) و يدل عليه ما رواه ابن محبوب عن على (يعنى ابن رئاب) عن مسمع عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: و سألته أ يلبس المحرم الخاتم؟. قال: «لا يلبسه للزينة» «1» و قال الكليني في رواية أخرى: «و لا يلبسه للزينة «2».

ان قلت: أنه ضعيف سندا. قلت على فرض تسليم ذلك- كما قال به صاحب المدارك و غيره- ان ضعفه منجبر بعمل الأصحاب بمضمونه؛ فلا يصغى إلى المناقشة فيه بضعف السند بعد الانجبار الموجب للاطمئنان بصدوره عن المعصوم عليه السّلام الذي هو مناط الحجية و الاعتبار.

مضافا إلى تعليل المذكور في صحيح حريز و هو ما عنه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

(لا تنظر في المرآت و أنت محرم لانه من الزينة) «3». و صحيح حماد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يكتحل المرأة المحرمة بالسواد ان السواد زينة «4» و مقتضاهما- كما ترى- هو عدم جواز كلما يتحقق به الزينة للمحرم، و قال في الجواهر بعد ذكره خبر مسمع و اعضاده بالتعليل المذكور في صحيحي حماد و حريز قال: (و بالمرسل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 201

و يجوز للسنة (1)

في الكافي: «لا يلبسه للزينة، و بما ورد: «من كون الحاج أشعث أغبر» و غير ذلك مما يدل على عدم الترفه للحاج المنافي للزينة) و من هنا

ظهر ضعف ما هو المحكي عن ابى سعيد في النافع و الجامع من القول بكراهة لبس الخاتم للمحرم.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز لبس الخاتم له للسنة مما لا ينبغي الارتياب فيه و قد نفي عنه الخلاف في الجواهر، و ادعى عليه الإجماع و يمكن الاستدلال لذلك بوجوه:

(الأول)- الأصل.

(الثاني)- مفهوم ما دل على حرمة لبسه للزينة.

(الثالث)- إطلاق ما رواه نجيع عن ابى الحسن عليه السّلام قال: لا بأس بلبس الخاتم للمحرم «1» و ما رواه الحسين بن سعيد عن محمد بن إسماعيل قال: رأيت العبد الصالح عليه السّلام و هو محرم و عليه خاتم و هو يطوف طواف الفريضة «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار المأثورة عنهم- عليهم السّلام.

و لا يخفى: انه لا تقع المعارضة بين هذه الاخبار و بين ما دل على حرمة لبس الخاتم على المحرم للزينة، و ذلك لان مقتضى التوفيق و الجمع بينها هو حملها على ما إذا قصد به السنة و لا مجال للجمع بينها بحمل ما دل على الجواز على الكراهة لأنه جمع حكمي و قد ذكرنا غير مرة انه لا تصل النوبة إليه ما دام كان الجمع الموضوعي ممكنا لتقدمه رتبة على الجمع الحكمي و من هنا ظهر ضعف ما هو خيرة المصنف- قدس سره- في النافع و المحكي عن الجامع من الجمع بين النصوص بالكراهة.

ثم انه ينبغي هنا التنبيه على أمرين:

1- قال في الجواهر: (و في الذخيرة: «الظاهر ان المرجع في التفرقة بين

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 202

..........

ما كان للسنة أو

الزينة إلى القصد، كما قاله جماعة من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- إذ ليس ههنا هيئة تختص بإحداهما دون الأخرى» و نحوه في المسالك و حاشية الكركي، و لا بأس به، و لا ينافي ذلك تعليل الكحل المقتضى حرمة كل زينة و ان لم تكن مقصودة لقوله عليه السّلام في صحيح حريز المتقدم: (لا تكتحل المرأة بالسواد ان السواد زينة) و تعليل النظر في المرآت المقتضي أيضا حرمة كل زينة مطلقا لقوله عليه السّلام في صحيحة الآخر: (لا تنظر في المرآت و أنت محرم لانه من الزينة)، و ذلك لتخصيصه بما ورد في ما نحن فيه.

ثم انه قال: (نعم يمكن دعوى الحرمة في المشترك مع قصد الزينة، و ان قصد معها غيرها على وجه الضم، بل و على وجه الاستقلالية أيضا). و الحق في الفرض هو الحكم بالحرمة، لأن قصده السنة لا اقتضاء له بعد قصده الزينة به لاقتضائه الحرمة سواء كان معه عنوان آخر أو لا. و هذا نظير ما إذا قصد المسافر في سفره الطاعة و المعصية فكما يحكم عليه بوجوب التمام عليه لان قصد الطاعة لا اقتضاء له و قصد المعصية يقتضي التمام فكذلك في مفروض المقام فتأمل. ثم انه قال:- قدس سره- «اما إذا كان معا العلة فقد يقال بالجواز للأصل بعد عدم صدق اللبس للزينة».

2- أنه هل يختص حرمة لبس الخاتم بالرجل أم لا؟. الظاهر شمولها للمرأة لتصريح خبر مسمع و غيره بكون الحكم المزبور للمحرم لما فيه: (أ يلبس المحرم الخاتم؟. قال عليه السّلام: لا يلبسه للزينة) و لا ينبغي الارتياب في شمول إطلاق المحرم لها، فعليه يحكم بحرمه لبس الخاتم للمرأة المحرمة إذا كان من قصدها الزينة به،

فيقيد بذلك إطلاق ما دل على جواز لبسها الخاتم مطلقا؛ و هو ما رواه مصدق بن صدقة عن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (تلبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب) «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 203

[و لبس المرأة الحلي للزينة]

و لبس المرأة الحلي للزينة (1)

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من حرمة لبس الحلي على المرأة للزينة مما لا إشكال فيه، و قد صرح به غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل لعله المشهور بل في المدارك نفي الاشكال فيه؛ و استدل لذلك بصحيح محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا مشهورا للزينة «1»). و حسن الكاهلي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: (تلبس المرأة الحلي كله إلا القرط المشهور و القلادة المشهورة «2») هذا بناء على عدم تحقق الزينة إلا بالمشهور و إلا فلا يمكن الاستدلال بهما على الحكم بحرمة لبس الحلي للمرأة للزينة مطلقا خصوصا صحيح محمد بن مسلم الذي يقتضي تقييد الحكم بالمشهور منه لا غيره.

تحقيق الكلام هو أنه قد ورد في أخبار الباب ما يدل على جواز لبس الحلي المعتاد لها، كصحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم تنزع حليها) «3» و هذا الحديث كما ترى يدل على جواز لبس الحلي المعتاد لها سواء كان مشهورا للزينة أو لا، فعليه يقع التعارض بينه و بين الاخبار المتقدمة بالعموم من وجه، و لكن قد ورد أيضا في أخبار الباب ما هو نص في جواز لبس القرطان من الذهب

لها في صورة الاعتياد مع أنه زينة مشهورة؛ و هو صحيح ابن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها انتزعه [انتزعه ظ] إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟. قال: تحرم فيه و تلبسه من غير ان تظهره للرجال في مركبها و مسيرها «4» و بمقتضى ذلك يجمع بينها، و يقال باختصاص حرمة لبس الحلي المشهور للزينة بصورة عدم اعتيادها بلبسها دون المعتاد.

و لا يعارضها خبر نضر بن سويد عن أبى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن المرأة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

(4) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 204

و ما لم يعتد لبسه منه على الاولى (1) و لا بأس بما كان معتادا لها (2) و لكن يحرم عليها إظهارها لزوجها (3)

المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب؟. قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس، و لا تلبس القفازين و لا حليا تتزين به لزوجها و لا تكتحل إلا من علة، و لا تمس طيبا، و لا تلبس حليا و لا فرندا و لا بأس بالعلم بالثوب «1» لأن إطلاق ما دل على جواز لبس الحلي المعتاد لها يقيد بما إذا لم تتزين به لزوجها، و إلا فلا يجوز لبسه لها.

(1) اختلفت آراء الأصحاب- رضوان اللّه تعالى

عليهم- في لبس الحلي الغير المعتاد لبسه لها، فذهب بعض منهم إلى الكراهة مع عدم قصده الزينة، كصاحب النافع و محكي الاقتصاد و الاستبصار و التهذيب و الجمل و العقود و الجامع، و لعله يرجع اليه ما أفاده المصنف- قدس سره بقوله: (على الاولى). و ذهب بعض آخر منهم إلى الحرمة و هو المحكي عن القواعد و النهاية و المبسوط و السرائر بل في المسالك:

«هو المشهور» و لكن قد عرفت آنفا ان مقتضى الجمع بين الاخبار هو حرمة لبس الحلي المشهور للزينة الذي تعتد لبسه إذا لم تتزين به لزوجها؛ فالقول بالكراهة لا وجه له.

(2) جواز لبس الحلي الذي كان معتادا لها إذا لم يكن بقصد الزينة مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في الجواهر نفي الخلاف عنه و في كشف اللثام: «ادعى الاتفاق عليه» و استدل لذلك بصحيح ابن الحجاج المتقدم في صدر هذا المبحث.

(3) ما أفاده المصنف- قدس سره من اختصاص حرمة إظهارها الحلي لخصوص زوجها

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 205

[و استعمال دهن فيه طيب]

و استعمال دهن فيه طيب، فحرم بعد الإحرام، و قبله إذا كان ريحه يبقى إلى بعد الإحرام (1)

مما لا يمكن المساعدة عليه و ذلك لان مقتضى صحيح ابن الحجاج المتقدم هو تحريم إظهاره للرجال في مركبها و مسيرها، و ليس فيه ما يدل على الاختصاص بالزوج لقوله عليه السّلام فيه: (تحرم فيه و تلبسه من غير ان تظهره للرجال في مركبها و مسيرها).

و يندرج فيه الزوج و الخادم و المحارم و غيرها؛ فلا وجه لتخصيص الحكم بالزوج، و لعل المصنف-

قدس سره- انما خص الزوج لقوله عليه السّلام في خبر نضر بن سويد المتقدم: (و لا حليا تتزين به لزوجها) فإنه- كما ترى- يقتضي عدم تحريم ظهوره لغير زوجها؛ و لكن لا يصلح جعل هذا دليلا على اختصاص الحكم بالزوج لاحتمال ان يكون ذلك لأجل العادة، و إلا فغيره اولى ان لا تتزين به و لا تظهر له الحلي كما هو واضح.

(1) ما أفاده- قدس سره- هو الصواب؛ و هو المعروف بين الأصحاب بل الظاهر أنه المتسالم عليه بينهم، و قال في الجواهر: (بلا خلاف و لا إشكال، بل في المنتهى: «أجمع علمائنا على أنه يحرم الادهان في حال الإحرام بالأدهان الطيبة؛ كدهن الورد و البان و الزيبق، و هو قول عامة أهل العلم و تجب له الفدية إجماعا» إلى أن قال: و على كل حال فلا إشكال كما لا خلاف في حرمة الادهان به بعده، بل و قبله إذ كان ريحه يبقى إلى الإحرام، كما في القواعد و محكي النهاية و السرائر بل في المدارك نسبته إلى الأكثر، لحرمة الطيب للمحرم ابتداء و استدامة. إلخ و استدل لذلك مضافا الى الاتفاق المزبور بصحيح ابن ابى عمير عن حماد عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم و ادهن بما شئت من الدهن حين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 206

و كذا ما ليس بطيب اختيارا بعد الإحرام (1)

تريد ان تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل «1»، و به يظهر ضعف ما حكى عن الجمل و العقود و الوسيلة

و المهذب من الكراهة لجوازه ما دام محلا غايته وجوب الإزالة فورا بعد الإحرام، لأنه كالاجتهاد في مقابلة النص، و كيف كان فلا يخفى ان فيه احتمالين.

(أحدهما): هو انه قبل ان يحرم يحرم عليه الدهن الذي فيه طيب و يبقى رائحته بعد الإحرام لأجل شم الطيب في الإحرام، و أما بعد الإحرام فيحرم عليه مطلق الادهان سواء كان فيه طيب أو لا.

(ثانيهما): هو انه قبل الإحرام يحرم عليه الادهان بما فيه الطيب و يبقى رائحته بعد الإحرام من أجل شم الطيب في حال الإحرام، و أما بعد الإحرام فيحرم عليه مطلق الدهن الذي فيه طيب سواء كان مما يبقى رائحته بعد الإحرام أو لا لكفاية ثبوته آنا ما في الحكم بالحرمة؛ و لكن مقتضى إطلاق الحديث هو الأول ثم أنه رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- في العلل عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن على بن أبي حمزة قال: (سألته) و ذكر مثله الا انه قال: (و لا عنبر تبقى رائحته في رأسك. الى أن قال حين تريد ان تحرم قبل الغسل و بعده و ذكر الباقي مثله.

(1) وفاقا للمشهور، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه، لما عرفته آنفا و لجملة من النصوص الكثيرة الدالة عليه- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك «2».

2- صحيحة الآخر عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال لا تمس شيئا من الطيب و أنت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب

تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 207

و يجوز اضطرارا (1)

محرم و لا من الدهن «1» و نحوهما من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- و لا ينافيها صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: الرجل يدهن بأي دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك و لا عنبر و لا زعفران و لا ورس قبل أن يغتسل للإحرام قال: و لا تجمر ثوبا لإحرامك «2» و صحيح حماد عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام انه كان لا يرى بأسا بأن تكتحل المرأة و تدهن و تغتسل بعد هذا كله للإحرام «3» و خبر على بن الحكم عن الحسين بن أبى العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل المحرم يدهن بعد الغسل؟. قال: نعم فادهنا عنده بسليخة بان و ذكر ان أباه كان يدهن بعد ما يغتسل للإحرام و انه يدهن بالدهن ما لم يكن [فيه خ] غالية أو دهنا فيه مسك أو عنبر «4» و صحيح هشام بن سالم قال: قال له ابن أبى يعفور: ما تقول في دهنة بعد الغسل للإحرام؟.

فقال: قبل و بعد و مع، ليس به بأس؛ قال: ثم دعا بقارورة بان سليخة ليس فيه شي ء فأمرنا فادهنا منها «5». لعدم دلالتها على جواز الادهان بعد الإحرام كما لا يخفى.

فتحصل: أنه يحرم عليه الادهان بعد الإحرام اختيارا، وفاقا للمشهور، و خلافا لصريح المفيد و ظاهر المحكي عن الجمل و العقود و الكافي و المراسم، للأصل المقطوع بما سمعت.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز التدهين بعد الإحرام إذا اضطر إلى ذلك هو الصواب، قال في الجواهر: (بل لا أجد فيه خلافا

بل الإجماع بقسميه عليه) و للضرورة المبيحة للمخطورات، لكن الضرورات كما ذكرنا غير مرة تتقدر بقدرها؛ فإذا توقف ذلك على استعمال الدهن الذي ليس فيه طيب تعين ذلك عليه، فلا يجوز له حينئذ أن يتعدى إلى الدهن الذي فيه طيب، إلا إذا توقف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(5) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 208

[و إزالة الشعر]

و إزالة الشعر قليله و كثيره و مع الضرورة لا اثم (1)

اندفاع الضرورة عليه و لذا تضمنت النصوص الاضطرار إلى استعمال الدهن الزيت و السمن و الإهالة في صحيح هشام بن سالم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمل فليبط و ليداوه بسمن أو زيت «1». و في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السّلام قال: سألته عن محرم تشققت يداه؟. قال: فقال:

يدهنهما بزيت أو سمن أو إهالة «2» و عن ابن الحسن الأحمسي قال: سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام سعيد بن يسار عن المحرم تكون به القرحة أو البثرة أو الدمل؟. فقال: اجعل عليه بنفسج و أشباهه مما ليس فيه الريح الطيبة «3» و عن أحمد بن على بن أبى طالب الطبرسي (في الاحتجاج) عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السّلام أنه كتب إليه يسأله عن المحرم هل يجوز له أن يصير على إبطيه المرتك

أو التوتياء لريح العرق أم لا يجوز؟ فأجاب عليه السّلام يجوز ذلك و باللّه التوفيق «4».

(1) من المحرمات على المحرم إزالة الشعر، هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و قال في الجواهر عند شرح قول الماتن: (حتى الشعرة و نصفها عن الرأس أو اللحية أو الإبط أو غيرها بالحلق أو القص أو النتف أو النورة أو غيرها بلا خلاف أجده فيه؛ بل الإجماع بقسميه عليه؛ بل في التذكرة و هي إجماع العلماء، مضافا إلى كون بعض أفراده ترفها و إلى قوله تعالى وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «5» و إلى مفهوم قوله تعالى أيضا (فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ «6». إلخ). و استدل لذلك صاحب الجواهر- قدس سره- كما عرفت بوجوه:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(5) سورة البقرة في الآية 192

(6) سورة البقرة في الآية 192

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 209

..........

(الأول)- الإجماع. و (فيه): ان المعتبر منه هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام لا المدركى، و من المحتمل أن يكون استناد المجمعين في هذا المقام إلى الوجوه الآتية؛ فلا عبرة به.

(الثاني)- كون بعض أفراده ترفها و منافاة ذلك كون الحاج أشعث و أغبر. و (فيه): ان كون الحاج كذلك و ان كان أمرا مرغوبا فيه، و لكنه ليس واجبا فلا يدل على المطلوب.

(الثالث)- الآيتان

المتقدمتان و (فيه): أنه لا يمكن الاستدلال بهما على المدعى مطلقا، لاختصاصهما بحلق شعر الرأس كما لا يخفى.

(الرابع)- الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- و هي على طائفتين:

(الأولى)- ما دلت على ثبوت الكفارة إذا أزال شعره منها: صحيح زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو جاهلا فلا شي ء عليه، و من فعله متعمدا فعليه دم «1». و منها: صحيح حماد عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: ان نتف المحرم من شعر لحيته و غيرها شيئا فعليه أن يطعم مسكينا في يده «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- و لكن لا يتم الاستدلال بهذه الطائفة من الاخبار على المدعى إلا بناء على تسليم ثبوت الملازمة بين الكفارة و الحرمة.

(الثانية)- ما دلت على الحرمة فمنها: صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبى عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم كيف يحك رأسه؟. قال: بأظافيره ما لم يدم أو يقطع

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 9.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 210

..........

الشعر «1». و منها خبر عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و يحك الجسد ما لم يدمه «2». و منها: صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يحتجم؟ قال: لا إلا أن لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم «3» و منها صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا بأس ان

يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر) «4» إلى غير ذلك من النصوص المروية عنهم- عليهم السّلام- الدالة على المدعى.

و قد تحصل: ان المدرك في الحكم بحرمة إزالة الشعر هو الطائفة الثانية من الاخبار الدالة على الحرمة. و لكن لا يتم الاستدلال بها على الحرمة مطلقا سواء كان من شعر الرأس أو غيره. لاختصاصها- كما ترى- بشعر خاص.

ثم أن تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على بيان أمور.

1- ان مقتضى بعض الطائفة الأولى من الاخبار كصحيح الحلبي- كما ترى- هو حرمة إزالة الشعر على المحرم مطلقا بناء على ثبوت الملازمة بين الكفارة و الحرمة من دون اختصاصه بشعر دون شعر. و أما القول بانصرافه إلى شعر الرأس، مما لا وجه له، لعدم الانصراف في البين أولا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، فلا عبرة به في تقييد ما دل على حرمة إزالة الشعر مطلقا لعدم كون كالقرنية الحافة بالكلام الذي هو الضابط في الانصراف الصالح لتقييد الإطلاق على ما عرفته غير مرة، و الاخبار الواردة في خصوص شعر الرأس و الآية الشريفة المتقدمة و هي (وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) لا تصلح لتقييد الإطلاق، لأنه لا يتم في ما نحن فيه ضابط باب الإطلاق و التقييد، و هو التنافي الموجب للحمل، لأنهما مثبتان.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 211

..........

هذا كله بناء على تسليم الملازمة و أما بناء

على عدم تسليم ذلك فيحكم ثبوت الكفارة في إزالة كل شعر سواء كان من شعر الرأس أو غيره، لإطلاق قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم: (ان نتف المحرم من شعر لحيته و غيرها شيئا فعليه أن يطعم مسكينا في يده) و لكن لا يمكن الحكم بحرمة ازالة كل شعر. لاختصها بما دل عليه النص و المفروض أنه لم يرد دليل مطلق يشمل كل شعر، و أما ما في نسخ الرضوي على ما نقل عنه: (و لا يأخذ المحرم شيئا من شعره) و ان دل على حرمة إزالة الشعر مطلقا و لكنه- كما ترى- لا يتم الاستدلال به من وجوه:

و الحاصل: أنه لا يمكن الحكم بحرمة إزالة كل شعر، لعدم قيام دليل معتبر عليه، و إذا شك فالمرجع في الفرد المشكوك هو البراءة من الحرمة و الكراهة. نعم الاحتياط من جهة وجود القول بالحرمة في المسألة مطلب آخر.

2- أنه قد عرفت ان الدليل للحكم بالحرمة مطلقا في مفروض المقام منحصر بما مر من صحيح الحلبي، و لكنه- كما ترى- مختص بالنتف فعليه لا يمكن الحكم بحرمة إزالة الشعر إذا كان بغيره. نعم، ما مر عن بعض نسخ الرضوي و ان كان مطلقا و لكن قد عرفت انه لا عبرة به اللهم إلا أن يقال ان الظاهر من النتف و غيره المذكور في الاخبار هو مطلق الإزالة فاختصاصه بالذكر انما يكون من باب المثال لكنه مشكل، و ذلك لان حمله على المثال خلاف الظاهر و لا يصار اليه إلا بالدليل.

ان قلت: يمكن التعدي عن المورد و هو نتف الشعر إلى غيره و هو إزالته بأي نحو كان بوحدة المناط. قلت: قد ذكرنا غير مرة ان المعتبر

منه هو القطعي الذي لا يمكن تحصيله في الشرعيات و غاية ما يحصل هو الظن و لا دليل على اعتباره و نفس الشك في الحجية كاف في الحكم بعدم حجيته. نعم؛ إذا حصل العلم بالمناط

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 212

..........

و ان ذكره فيه كان من باب المثال فلا محيص حينئذ عن التعدي.

ثم أنه قد يستدل لذلك بالإجماع؛ و لكنه أيضا مشكل، لاحتمال كونه مدركيا بل يمكن القطع بذلك و لكنه مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط فتأمل 3- أنه بناء على حرمة إزالة الشعر مطلقا انما يكون ذلك مختصا بحال الاختيار؛ و أما في حال الاضطرار فلا بأس به؛ كما قد صرح به غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و في المدارك: (و أما جواز إزالته مع الضرورة فموضع وفاق بين العلماء) و في الجواهر أيضا بعد ما حكم بحرمة ازالة الشعر مطلقا قال: (نعم مع الضرورة من أذية قمل أو قروح أو صداع أو حر أو غير ذلك لا أثم، بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه. إلخ) و يدل عليه- مضافا إلى الأصل، و نفي الحرج- الآية الشريفة و هي:

(فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) و ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن (يعنى ابن أبى نجران) عن حماد عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: مر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على كعب بن عجرة الأنصاري و القمل يتناثر من رأسه «و هو محرم» فقال صلّى اللّه عليه و آله:

«أ تؤذيك هوامك؟.» فقال: نعم قال: فأنزلت هذه

الآية [فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ] فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بحلق رأسه و جعل الصيام ثلاثة أيام و الصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدان و النسك شاة قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و كل شي ء في القرآن: أو فصاحبه بالخيار يختار ما شاء و كل شي ء في القرآن: فمن لم يجد، فعليه كذا، فالأول بالخيار «1» و رواه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 213

..........

الكليني رحمه اللّه تعالى عن على عن أبيه عن حريز عمن أخبره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام مثله إلا أنه قال: (فالأول الخيار) و خبر عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال اللّه تعالى في كتابه «فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ.» إلى أن قال فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى مما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فصيام ثلاثة أيام و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام و النسك شاة يذبحها فيأكل و يطعم و انما عليه واحد من ذلك «1» و ما رواه محمد بن على بن الحسين قال مر النبي صلّى اللّه عليه و آله على كعب بن عجرة الأنصاري و هو محرم و قد أكل القمل رأسه و حاجبيه و عينيه؟.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما كنت أرى ان الأمر يبلغ ما أرى، فأمره فنسك نسكا لحلق رأسه، لقول عز و جل [فَمَنْ كٰانَ.] إلى أن قال: فالصيام ثلاثة أيام و الصدقة على ستة مساكين لكل مسكين صاع من تمر

«2» إلى غير ذلك من النصوص المروية عنهم- عليهم السّلام- الدالة على المدعى.

4- انه هل يختص الكفارة في صورة ما إذا اضطر إلى حلق الشعر و إزالته بما إذا كان رفع الشعر لأجل أذيته بشي ء آخر أوجبه الشعر كالقملة و الحرارة أو يعم حتى ما إذا كان نفس الشعر مضرا كما إذا كان نابتا في العين أو طال شعر الحاجبين بحيث غطى العين أو طال شعر الشارب بحيث غطى الفم به، ذهب جماعة من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- إلى الأول، فمنهم صاحب المنتهى حيث قال: على ما حكى عنه صاحب المدارك- قدس سره- (لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمل أو غير ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق إجماعا للآية و الأحاديث السابقة ثم ينظر فان كان الضرر اللاحق به من نفس الشعر؛ فلا فدية عليه، كما لو نبت في عينه أو نزل شعر حاجبيه بحيث يمنعه الإبصار؛ لأن الشعر أضر به فكان له إزالة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 214

..........

ضرره، كالصيد إذا صال عليه و ان كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكن من إزالة الأذى إلا بحلق الشعر كالقمل و القروح برأسه و الصداع من الحر بكثرة وجبت الفدية، لأنه قطع الشعر لازالة ضرر عينه، فصار كما لو أكل الصيد للخمصة لا يقال: القمل من ضرر الشعر و الحر سببه كثرة الشعر فكأن الضرر منه أيضا، لأنا نقول: ليس القمل من الشعر و انما لا يمكنه المقام إلا بالرأس ذي الشعر،

فهو محل لا سبب، و كذلك الحر من الزمان؛ لان الشعر يوجد في البرد و لا يتأذى به فقد ظهر ان الأذى في هذين النوعين ليسا من الشعر).

و منهم صاحب الدروس- قدس سره- حيث قال على ما حكاه صاحب الجواهر:

(لو نبت في عينيه شعر أو طال حاجبه فغطى عينيه فإزالة فلا فدية و لو تأذى بكثرة الشعر في الحر فإزالة فدى، و الفرق لحوق الضرر من الشعر في الأول و من الزمان في الثاني؛ و في إزالته لدفع القمل الفدية؛ لأنه محل المؤذي؟.

و في كشف اللثام أبعد ما ذكر جواز الإزالة للضرورة و قال على ما في الجواهر:

(لكن لا يسقط لشي ء من ذلك الفدية للنصوص إلا في الشعر النابت في العين و الحاجب الذي طال فغطى العين) ففي المنتهى و التحرير و التذكرة و الدروس:

(ان لا فدية لازالتهما لان الضرر بنفس الشعر فهو كالصيد الصائل).

هذا و لكن في المدارك بعد ان حكى ما سمعته من المنتهى قال: (و هو غير واضح و المتجه: لزوم الفدية إذا كانت الإزالة بسبب المرض أو الأذى الحاصل في الرأس مطلقا، لإطلاق الآية الشريفة دون ما عدا ذلك، لان الضرورة مسوغة لإزالته و الفدية منتفية بالأصل.

و الأقوى في النظر هو الحكم بلزوم الفدية مطلقا سواء كان الضرر الحاصل له من نفس الشعر أو من غيره من القمل و الصداع الناشي من كثرة الشعر، بل لا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 215

..........

فرق بين الرأس و غيره من الأعضاء، لما سمعته في خبر عمر بن يزيد الشامل له و لغيره، ضرورة: صدق الأذى على الجميع الموجب لجواز إزالة الشعر الموجب للكفارة، و أما أخصية المورد في بعض الاخبار الدالة على جواز

الحلق مع الضرورة للاختصاص فيه بما إذا كان التضرر بالقمل أو الصداع، فلا يوجب تقييد المطلق، لعدم التعارض بينهما على ما حقق في محله.

5- انه لو قطع يده و عليها شعر فهل يصح أن يقال انه قطع الشعر كي يحكم بثبوت الكفارة فيه كما يقال في مسألة الدية ان قاطع الكف قاطع للأصابع أو لا؟

قال في المدارك: (فقد قطع العلامة و غيره بأنه لا يضمن الشعر، لانه تابع لليد فلا ينفرد بالضمان و اليد لا يضمن فديتها فكذلك التابع و لا بأس به) و في الجواهر:

(و لو قطع عضوا مثلا كان عليه شعر أو ظفر لم يتعلق بزوالهما شي ء كما في التذكرة و المنتهى لخروجه عن مفهوم إزالتهما عرفا فضلا عن القص و القلم و الحلق و النتف و ما ثبت في القصاص من صدق قطع الإصبع بقطع الكف أو بعضه فلدليله؛ فما في الدروس من التردد فيه لقوله: «لو قلع جلدة عليها شعر قليل لا يضمن، في غير محله).

6- انه لا ينبغي الإشكال في انه كما يحرم على المحرم أخذ شعر نفسه كذلك يحرم عليه أخذ شعر محل كما أفاده صاحب المدارك و الجواهر و غيرهما من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- لصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يأخذ المحرم من شعر الحلال «1». و ظاهر النهى هو الحرمة، كما هو واضح، و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في الخلاف من القول بجوازه للأصل لأنه لا مجال له لكونه مقطوعا بالدليل، فتدبر. هذا بالنسبة إلى الحكم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 63 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص:

216

..........

بالحرمة و أما الكفارة فيمكن ان يقال بعدم ثبوتها عليه، لان مقتضى الأصل عدمها بعد ظهور الأدلة المتقدمة في غير ذلك فلاحظ و تأمل و اللّه الهادي إلى الصواب.

7- انه هل يجوز للمحرم ان يزيل شعر محرم آخر أو لا؟. المعروف بين الأصحاب هو الثاني بل قال في الجواهر: (ان الظاهر عدم الخلاف، بل و لا إشكال في عدم جواز ازالة المحرم شعر محرم غيره، بل في المدارك الإجماع. إلخ).

و الأقوى في النظر هو الحرمة وفاقا للمشهور و يقتضيه- مضافا الاتفاق المزبور- إطلاق الأدلة، لأنه حسب المستفاد من إطلاقها هو عدم وقوع ذلك في الخارج من أى شخص كان فتدبر. و أما الانصراف إلى شعر نفسه فلا عبرة به لأنه بدوي فتدبر 8- ان الظاهر: كون المحرم هو ازالة الشعر الحاصلة من الحلق و النتف و نحوهما، فلا بأس بالحكم الذي لم يعلم بترتبها عليه و لم يكن قاصدا منه ذلك، و لعل قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار في جواب السؤال عن كيفية حك الرأس: (بأظافيره): ظاهر فيما ذكرنا و أما وجوب الفداء على الشعر الساقط.

بمس اللحية على القول به فإنما يكون من قبيل وجوبه على الناسي و الغافل عند القائل به، و كيف كان فيدل على ثبوت الفداء ما رواه صفوان عن أبى سعيد عن منصور عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في المحرم إذا مس لحيته فوقع منها شعرة؟. قال: «يطعم كفا من من طعام أو كفين، «1» و صحيح معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة و الثنتان؟ قال: يطعم شيئا «2» و صحيح هشام بن سالم قال: قال أبو

عبد اللّه عليه السّلام إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 217

[و تغطية الرأس]

و تغطية الرأس (1)

و هو محرم فسقط شي ء من الشعر فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق «1» و رواه الصدوق بإسناده عن هشام مثله إلا أنه قال: (بكف من كعك أو سويق) و نحوها غيرها من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- الدالة على المدعى. و أما ما رواه أبو جعفر عن الحسن بن على بن فضال عن المفضل بن صالح عن ليث المرادي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يتناول لحيته و هو محرم يعبث بها فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطأ أو عمدا؟ فقال: لا يضره «2» فقد حمله الشيخ- قدس سره- على نفي العقاب و قال (لان من تصدق بكف من طعام لم يستضر بذلك) و يمكن الحمل على الإنكار و على تعمد العبث دون النتف مضافا إلى أنه كما ترى غير صريح في عدم وجوب الكفارة فترتفع اليد عنه لأجل الأخبار المتقدمة.

«إيقاظ» و هو انه إذا مس لحيته فسقط شعر و لم يدر أنه كان مقطوعا فسقط بالمس أو انقطع به فمقتضى البراءة انه لا شي ء عليه و كيف كان فيأتي ان شاء اللّه تعالى تمام البحث في أطراف هذه المسألة في مبحث الكفارات.

(1) و من المحرمات على المحرم تغطية الرجل رأسه و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه. إلخ).

بل قال في التذكرة: (يحرم على الرجل حالة الإحرام تغطية رأسه اختيارا بإجماع العلماء). و يدل عليه مضافا إلى الاتفاق المزبور جملة من النصوص الكثيرة المروية عنهم- عليهم السّلام- منها: ما رواه صفوان عن عبد الرحمن قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المحرم يجد البرد في أذنيه يغطيهما؟. قال: لا «3». و منها: حسنة عبد اللّه بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 8

(3) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 218

..........

السّلام قال: (المحرمة لا تتنقب، لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه «1». و منها صحيح حماد بن عيسى عن حريز قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم غطى رأسه ناسيا؟. قال: (يلقى القناع عن رأسه و يلبى و لا شي ء عليه) «2» و منها: ما رواه الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: عن الرجل المحرم يريد أن ينام يغطى وجهه من الذباب؟ قال: نعم و لا يخمر رأسه، و المرأة لا بأس ان تغطى وجهها كله «3» و منها صحيح عبد اللّه بن سنان قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي و شكى اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى به و قال: أ ترى أن استتر بطرف ثوبي؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك «4» إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المدعى.

ثم ان تنقيح المسألة يتم ببيان جهات:

(الاولى)-

انه ليس المراد من الرأس ما يقابل البدن كما في الغسل بل المراد منه هو ما يقابل الوجه كما في الوضوء بدليل جعله في الحديث في قبال الوجه كما في قوله عليه السّلام في ما رواه جعفر عن أبيه عليه السّلام (إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه) «5» ثم أنه قد ذكر جمع من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- أيضا ان المراد بالرأس هنا منابت الشعر خاصة حقيقة أو حكما و ظاهرهم خروج الأذنين منه و به صرح في المسالك على ما حكاه صاحب المدارك، و لكن على كل حال سواء قلنا بذلك أو لا لا بد من الحكم بحرمة تغطيتهما؛ و ذلك لصحيح الحجاج قال: سألت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(4) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(5) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و في باب 48 الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 219

..........

أبا الحسن عليه السّلام عن المحرم يجد البرد في أذنيه يغطيهما؟ قال لا «1» فعليه لا يقدح حينئذ شهادة قوله عليه السّلام في الصحيح (إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه) أو العرف أو غير ذلك، لعدم معارضتهم مع النص الصريح. نعم، يجدى البحث عن ذلك بالنسبة إلى غير الأذنين مما هو خارج عن منبت الشعر و لم يرد دليل تعبدي على جواز تغطيته.

(الثانية)- ان مقتضى إطلاق الأخبار الواردة في المقام هو عدم الفرق في حرمة

التغطية بين جميع أفرادها من المعتاد منها، كالعمامة و القلنسوة، أو غيره كالثوب و الطين و الدواء و الحناء و حمل متاع يستره و طبق و نحوه، و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و في الجواهر: (كما قد صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا؛ بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا. إلخ) و لكن في المدارك بعد ما نقل عن العلامة ما يدل على الفرق في التحريم بين أن يغطى رأسه بالمعتاد أو بغيره قال: (و هو غير واضح؛ لان المنتهى في الروايات المعتبرة تخمير الرأس و وضع القناع عليه و الستر بالثوب لا مطلق الستر، مع ان النهى لو تعلق به لوجب حمله على ما هو المتعارف فيه و هو الستر بالمعتاد. إلخ) و تبعه على ذلك في الذخيرة على ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره- و (فيه): مضافا إلى قوله عليه السّلام في حسنة عبد اللّه بن ميمون المتقدمة: (إحرام الرجل في رأسه) و غيره من الإطلاقات و استثناء عصابة القربة من حرمة ستر الرأس الذي سيتضح لك مدركه في الجهة السادسة: ان النهى- عن ارتماس المحرم في الماء و إدخال الرأس فيه في الاخبار الكثيرة التي سنذكرها عند تعرض المصنف لحكم ما في معنى التغطية بناء على أنه من التغطية أو بمعناها و لذا لا يختص ذلك بالماء- ظاهر في عدم اعتبار

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 220

..........

المتعارف من الساتر و كذا ما سيجي ء- ان شاء اللّه تعالى- من الأخبار الدالة على منع المحرمة من تغطية وجهها بالمروحة بناء على انها من غير المتعارف، إذ

من المعلوم تساويهما في ذلك غاية الأمر يكون الاختلاف بينهما في محل إحرامهما بالوجه و الرأس. و كيف كان فلذلك كله كان الحكم مطلقا في مفروض المقام مفروغا عنه عند الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و قد نفي الخلاف في كلام بعضهم، و ظاهر بعضهم: الإجماع عليه و الحاصل: ان الحكم في ما نحن فيه يدور مدار تحقق التغطية و لو حصلت بما ليس معتادا له.

هذا و لكن في التحرير و المنتهى جواز التلبيد له بأن يطلى رأسه بعسل أو صمغ ليجتمع الشعر و يتلبد فلا يتخلله الغبار و لا يصيبه الشعث و لا يقع فيه الدبيب و قال روى ابن عمر قال: (رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يهل ملبدا) و حكاه في التذكرة عن الحنابلة، و قد يشعر صحيح زرارة بمعروفية ذلك سابقا سأل الصادق عليه السّلام عن المحرم يحك رأسه أو يغتسل بالماء؟ قال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة، و لا بأس أن يغتسل بالماء و يصب على رأسه ما لم يكن ملبدا فان كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء إلا من احتلام «1». بل عن المقنع و الدروس الفتوى بمضمونه، و لكن قال في الجواهر (و ان كان هو غير صريح في جوازه مطلقا فضلا عنه اختيارا، و لعل منع الملبد عن الصب احترازا عن سقوط الشعر، و على كل حال فلا ريب في ان الأحوط ان لم يكن أقوى اجتنابه إذا كان بحيث يستر بعض الرأس. نعم، لا بأس بالتوسد بالوسادة أو العمامة المكورة كما صرح به في التذكرة حيث قال على ما حكاه صاحب المدارك: (و لو توسد بوسادة فلا بأس، و كذا لو

توسد بعمامة مكورة، لأن المتوسد يطلق عليه عرفا أنه مكشوف الرأس و أستحسنه صاحب المدارك- قدس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 أورد صدره في الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4 و ذيله في الباب 75 منها الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 221

..........

سره- و اختاره صاحب الجواهر أيضا.

ثم أنه إذا شك مورد في صدق في هذا العنوان، كما إذا وضع مقدار قليل من الحناء على رأسه أو طرح ثوب رقيق عليه بحيث يرى الرأس أو وضع طبق خبز عليه مثلا فحينئذ فالمرجع هو البراءة في.

(الثالثة)- لو ستر رأسه بيده أو ببعض أعضائه فالأقوى جوازه- كما اختاره العلامة في المنتهى و التذكرة و الشيخ في المبسوط على ما هو المحكي عنهما- و يدل على ذلك- مضافا إلى الأصل و عدم صدق الستر عرفا به و ان الستر بما هو متصل به لا يثبت له حكم ذلك، و لذا لو وضع يديه على فرجه لم يجزه في الصلاة و وجوب مسح الرأس في الوضوء المقتضى لستره باليد في الجملة- خبر عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر. إلخ «1» و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس و لا يستر بعض جسده ببعض «2» و ما رواه المعلى بن الخنيس عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يستتر المحرم من حر الشمس بثوب و لا بأس ان يستر بعضه ببعض «3» و لكن في الدروس: (و ليس صريحا في الدلالة فالأولى المنع) و استشكله في التحرير

و لكن و فيه ان الظهور في ذلك كاف في الحكم بالجواز كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره.

(الرابعة)- أنه لو وضع على رأسه شيئا و لكن لا ملاصقا به بل رفعه عنه بآلة و لم يصبه فهل يجوز ذلك أو لا؟ قال في المسالك: (و المفهوم من الغطاء ما كان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 222

..........

ملاصقا؛ فلو رفعه عن الرأس بآلة بحيث يستر عنه الشمس و لم يصبه فالظاهر جوازه و لكن ما أفاده- قدس سره- إنما يتم ان أريد من الجواز من حيث التغطية، لأن مفروض المقام لا يصدق عليه عنوان أنه (غطى رأسه) و لم يتحقق ايضا بهذا العمل عنوان آخر محرم عليه، و إلا فلا يجوز ففي المفروض المقام و ان لم يصدق عليه عنوان التغطية و لذا لا يمكن الحكم من هذه الجهة. و لكن يحكم بها من جهة أخرى و هو تحقق عنوان التظليل الذي ستعرف الكلام فيه مفصلا عند تعرض المصنف- قدس سره- له.

(الخامسة) أنه هل يحرم ستر بعض الرأس أيضا أو لا؟. قال في المنتهى:

(يحرم تغطية بعض الرأس كما يحرم تغطيته لأن النهي عن إدخال الشي ء في الوجود يستلزم النهى عن إدخال أبعاضه) و قال في المدارك بعد نقل كلام المنتهى: (و هو جيد لو ثبت ما ذكره، لكنه غير ثابت و الأجود الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي

و شكى اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى به و قال: أ ترى أن استتر بطرف ثوبي؟. قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك «1» فإن إطلاق النهي عن إصابة الثوب الرأس يقتضي ذلك كما هو واضح فتأمل.

(السادسة)- أنه قد استثنى من حرمة تغطية الرأس شيئان:

(الأول)- عصامة القربة على رأسه فإنه جائز و ان تحقق بها ستر بعض الرأس اختيارا و اضطرارا، و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم-، بل الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل الخلاف من أحد منهم، و قد نفي الخلاف عنه في الجواهر؛ و يدل عليه مضافا إلى الاتفاق المزبور صحيح محمد بن مسلم أنه سأل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 223

..........

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يضع عصامة القربة على رأسه إذا استسقى؟ قال:

نعم. «1» و هو كما ترى مطلق لا يمكن تقييده بالضرورة.

(الثاني)- عصامة الصداع و هو أيضا مما لا ينبغي الكلام و الخلاف فيه و أنه هو المتسالم عليه بينهم، و يدل عليه صحيح معاوية بن وهب عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

لا بأس أن يعصب المحرم رأسه من الصداع «2» و في كشف اللثام بعد ما ذكر صحيح معاوية بن عمار و محمد بن مسلم قال: (و عمل بهما الأصحاب ففي المقنع تجويز عصابة القربة و في التهذيب و النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و التحرير و التذكرة و المنتهى تجويز التعصب لحاجة و أطلق ابن حمزة التعصب.) و لا يخفى: أنه ليس في البين دليل على التعميم كي يحكم بجواز ذلك لمطلق

الحاجة، بل ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح ابن سنان المتقدم: (لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك) خلافه. اللهم إلا أن يدعى ذلك في خصوص التعصب و لكن إذا لم يصل فيه إلى حد الضرورة لا يمكننا المساعدة عليه أيضا فتدبر و اللّه الهادي إلى الصواب.

(إيقاظ)- أنه استدل العلامة- رحمه اللّه تعالى- في المنتهى على ما في المدارك على جواز العصابة الرأس من الصداع (بأنه غير ساتر لجميع العضو فكان سائغا كستر النعل) و هذا كلامه منه مناف لما ذكره ما تقدم هنا في الجهة الخامسة عند البحث عن حرمة تغطية بعض الرأس: (من أن ستر البعض كستر الكل كما هو واضح فتدبر.

(السابعة)- أن مقتضى ظاهر بعض النصوص السابقة هو حرمة تغطية الرجل المحرم رأسه حتى في حال النوم، و هو الحق. و أما خبر زرارة عن أحدهما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 57 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 56 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 224

و في معناه الارتماس (1)

عليهما السّلام في المحرم؟ قال: له أن يغطى رأسه و وجهه إذا أراد أن ينام «1» فلا يصلح لمعارضته مع ما دل على الحرمة و ذلك أما (أولا): فلضعف سنده. و أما (ثانيا):

على فرض تسليم تماميته من حيث السند إعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عنه الموجب لخروجه عن حيز دليل الحجية و الاعتبار، فلا عبرة به، و يمكن أن يحمل على صورة الضرورة. و يمكن ان يشهد لذلك بما دل على جواز ذلك عند الضرورة كصحيح معاوية بن وهب و محمد بن مسلم المتقدمين فتأمل.

(الثامنة)- ان ما ذكرنا من حرمة التغطية انما يختص

بحال الاختيار و أما في حال الاضطرار فلا إشكال و لا خلاف في تغطية رأسه، لعموم ما دل على كون الضرورة مبيحة للمحظورات، و قد ورد في ما نحن ما يدل على الجواز في خصوص بعض أفراد الضرورة، كما في صحيح معاوية بن وهب المتقدم ذكره في الجهة السادسة قال عليه السّلام: (لا بأس أن يعصب المحرم رأسه من الصداع) و في صحيح محمد بن مسلم المتقدم ذكره أيضا هناك: (المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى؟ قال: نعم)

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- ان في معنى التغطية الارتماس في الماء هو الصواب، و لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع عليه بقسميه. إلخ) و يدل عليه مضافا إلى الاتفاق المزبور صحيح عبد الرحمن (يعنى ابن أبى نجران) عن عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: لا تمس الريحان و أنت محرم. إلى أن قال: و لا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 56 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 225

..........

و صحيح حماد عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (و لا يرتمس المحرم في الماء «1» و صحيح يعقوب بن شعيب عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم «2» و ما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري في (قرب الاسناد) عن محمد بن خالد عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت

أبا عبد اللّه عليه السّلام هل يدخل (الرجل) الصائم رأسه في الماء؟ قال: لا و لا المحرم، و قال: و مررت ببركة بنى فلان و فيها قوم محرمون يترامسون وقفت عليهم فقلت لهم: انكم تصنعون ما لا يحل لكم «3» و نحوها غيرها من الاخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- الدالة على المدعى.

ثم ان تنقيح المسألة يتوقف على بيان أمور:

(الأول)- انه حسب المستفاد من صحيح عبد اللّه بن سنان ان المراد من الارتماس هنا هو إدخال الرأس في الماء.

(الثاني) أنه لا فرق في الحكم بالحرمة بين إدخال الرأس في الماء و بين إدخاله في غيره من المائعات بعد ان كان الموضوع للحرمة هو التغطية.

(الثالث)- ان مقتضى اخبار الباب هو عدم جواز رمس بعض رأسه أيضا في الماء كما لا يجوز له رمس كله فيه.

(الرابع)- أنه هل يجوز غسل الرأس بإضافة الماء عليه أو لا؟. و الظاهر انه لا خلاف و لا إشكال في جواز ذلك عليه، بل قال في التذكرة: (و يجوز للمحرم أن يغسل رأسه و يفيض عليه الماء إجماعا؛ لأنه لا يطلق عليه اسم التغطية، و ليس هو في معناها كالارتماس) على ما هو المحكي عنه و يدل عليه- مضافا إلى ما ذكر- جملة من الروايات الواردة عنهم- عليهم السّلام- منها:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 226

..........

1- صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا اغتسل المحرم من الجنابة صب على رأسه الماء و يميز الشعر بأنامله بعضه من

بعض «1».

2- صحيح يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يغتسل؟. فقال: نعم يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه «2».

3- صحيح زرارة قال: سألته عن المحرم هل يحك رأسه أو يغتسل بالماء فقال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة و لا بأس بأن يغتسل بالماء و يصب على رأسه ما لم يكن ملبدا فلا تفيض على رأسه الماء إلا من احتلام «3».

(الخامس)- ان مقتضى إطلاق الاخبار المتقدمة هو عدم الفرق بين الغسل الواجب و المندوب بل يجوز له الغسل «بفتح الغين» أيضا كذلك، لما عرفت في الأمر الأول من ان المراد من الارتماس هنا هو إدخال الرأس في الماء فتأمل.

« (جواز تغطية الوجه للرجل)» المحرم و عدمه اختلف الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في جواز تغطية الوجه للرجل المحرم و عدمه على قولين:

(الأول)- الجواز و هو منسوب إلى الأكثر بل قال في الجواهر: (و أما الوجه فالمشهور جوازه بل في الخلاف و التذكرة و المنتهى الإجماع عليه للأصل و النصوص السابقة و تخمير وجه المحرم إذا مات دون رأسه و لقطع التفصيل الشركة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 75 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 75 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 75 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 227

..........

في قوله عليه السّلام (إحرام الرجل في رأسه و إحرام المرأة في وجهها. إلخ) (الثاني)- عدم الجواز و هو خيرة ابن أبى العقيل. و استدل للقول الأول- مضافا إلى ما عرفته في كلام صاحب الجواهر- بجملة من النصوص الكثيرة الواردة عنهم- عليهم السّلام- منها ما رواه

محمد بن سنان عن عبد الملك القمي قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يتوضأ ثم يخلل وجهه بالمنديل يخمره كله؟ قال:

لا بأس «1» و منها: صحيح منصور بن حازم قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و قد توضأ و هو محرم ثم أخذ منديلا فمسح به وجهه. «2»: و منها صحيح حفص البختري عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام قال: المحرم يغطى وجهه عند النوم و الغبار إلى طرار شعره [1] «3» و منها ما رواه على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن المحرم هل يصلح له أن يطرح الثوب على وجهه من الذئاب و ينام؟ قال: لا بأس «4» و نحوها غيرها من الاخبار.

نعم في صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: يكره للمحرم أن يجوز بثوبه فوق أنفه و لا بأس ان يمد المحرم ثوبه حتى يبلغ انفه «5» و في صحيح حفص البختري و هشام بن الحكم جميعا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: انما يكره للمحرم ان يجوز ثوبه انفه من أسفل و قال عليه السّلام (أضح لمن أحرمت له) «6» و مما ذكرنا ظهر لك ضعف ما ذهب اليه ابن أبى العقيل من القول بالحرمة.

______________________________

[1] قال في الحدائق: «طرارة شعره اى منتهى شعره و هو القصاص الذي هو منتهى حد الوجه من الأعلى و في اللغة: «ان طرة الوادي و النهر شفيره و طرة كل شي ء طرفه»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 59 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 61 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى،

كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 3، ص: 227

(3) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

(4) الوسائل ج 2 الباب 59 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(5) الوسائل ج 2 الباب 61 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(6) الوسائل ج 2 الباب 61 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 228

و لو غطى رأسه ناسيا القى الغطاء واجبا (1) و جدد التلبية استحبابا (2)

ان قلت: أنه يدل على الحرمة صحيح الحلبي الآتي بناء على تسليم ثبوت الملازمة بين الكفارة و الحرمة قلت: أو لا لا ملازمة بين ثبوت الحكم الوضعي و الحكم التكليفي. و ثانيا: أنه لا عبرة به، لانه غير ناهض لمعارضة ما عرفته من الأخبار المعتضدة بالشهرة.

ثم إنه ينبغي هنا التنبيه على فرع: و هو أنه هل يترتب على تغطية الوجه كفارة أو لا؟. ذهب إلى ترتبها على ذلك ابن أبى العقيل و الشيخ- قدس سره- في التهذيب حيث قال: على ما حكى عنه ما لفظه: (فأما تغطية الوجه فيجوز مع الاختيار غير انه يلزمه الكفارة و متى لم ينو الكفارة لم يجز له ذلك). و يمكن ان يستدل لذلك بصحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا في يده «1». و لكن لا يخفى: ان ظاهره و ان كان الوجوب؛ إلا أن تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن ظهوره في الوجوب فيتعين حمله على الاستحباب، قال في الجواهر بعد ما ذكره:

(حمله غير واحد على الندب و لا بأس به

بعد خلو تلك النصوص الواردة في مقام البيان عنه و بعد الأصل و ظاهر الفتاوى).

(1) الظاهر أنه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل الخلاف من أحد منهم فلا ينبغي الارتياب فيه؛ و يدل عليه صحيح حريز قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن محرم غطى رأسه ناسيا؟ قال: يلقى القناع عن رأسه و يلبى و لا شي ء عليه «2» و غيره من الروايات المتقدمة في صدر المبحث، و ظاهرها كما ترى هو الوجوب؛ و مقتضى إطلاقها ان تغطية رأسه محرمة عليه ابتداء و استدامة.

(2) ما أفاده المصنف- قدس سره- من أنه يجدد تلبيته بعد ان غطى رأسه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 229

و يجوز ذلك للمرأة (1) لكن عليها ان تسفر عن وجهها (2)

ناسيا مما لا ينبغي الإشكال فيه، و استدل له بصحيح حريز المتقدم و بصحيح الحلبي انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن المحرم يغطى رأسه ناسيا أو نائما؟ فقال: يلبي إذا ذكر «1» مقتضى الحديثين هو وجوب التلبية إلا أن تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قرينة على رفع اليد عن ظهوره في الوجوب، و أما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه، فلا محيص عن الالتزام به فتدبر.

(تذييل): أنه يجوز ان يضع المحرم وجهه على راحلته، و يدل عليه صحيح ابن عمير عن حماد عن الحلبي «في حديث» قال: لا بأس أن ينام المحرم على وجهه على راحلته «2» و ما رواه محمد بن الحسين بإسناده عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سالته عن

المحرم ينام على وجهه و هو على راحلته زاملته «زاملة خ ل» قال: لا بأس «3».

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز تغطية الرأس للمرأة مما لا اشكال و لا خلاف فيه، بل في الجواهر (الإجماع بقسميه عليه) و يدل عليه مضافا- إلى الأصل- قوله عليه السّلام في حسنة عبد اللّه بن ميمون المحرمة لا تنقب لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في وجهه «4»

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و في المدارك (أجمع الأصحاب على ان إحرام المرأة في وجهها فلا يجوز له تغطيته. إلخ) و قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل في المنتهى: انه قوله علماء الأمصار، و هو الحجة بعد ما سمعت: (من أن إحرامها في وجهها. إلخ) و يدل عليه صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال مر أبو جعفر عليه السّلام بامرأة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(2) الوسائل ج 3 الباب 60 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 3 الباب 60 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 230

..........

متنقبة و هي محرمة؟ فقال: أحرمي و أسفري؛ و ارخى ثوبك من فوق رأسك فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك فقال: له رجل: إلى أين ترخيه؟ فقال يغطى عينها، قال قلت:

يبلغ فمها؟. قال: نعم «1» و خبر أحمد بن محمد (ابن أبى نصر خ) عن ابى الحسن عليه السّلام قال:

مر أبو جعفر بامرأة استترت بمروحة؛ فأماط المروحة بنفسه عن وجهها «2».

و رواه الصدوق-

رحمه اللّه تعالى- مرسلا إلا أنه قال «فأماط المروحة بقضيبه» و رواه الحميري في «قرب الاسناد» عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبى نصر مثله و خبر ابن عيينة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام ما يحل للمرأة أن تلبس من الثياب و هي محرمة؟ قال الثياب كلها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير. إلخ «3» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام.

ثم ان تنقيح هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى أمور:

1- انه ذكر جمع من الأصحاب أنه لا فرق في تحريم تغطية وجهها بين ان تغطية بثوب أو غيره نحو ما سمعته في رأس الرجل المحرم، ضرورة: اتحاد الوجه معه بالنسبة إلى ذلك، كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره. و لكن في المدارك بعد ما نقل عن الأصحاب ذلك قال: «و هو مشكل» نحو ما سمعته هناك و لكن قد عرفت ما فيه من الاشكال و قد ذكرنا كلامه بطوله في الجهة الاولى في صدر هذا المبحث و من أراد الوقوف عليه فليراجعها.

2- انه لا بأس ان تضع يديها على وجهها بعين ما سمعته في الرجل بالنسبة إلى رأسه و يدل عليه قوله «عليه السّلام» في صحيح معاوية بن عمار المتقدم هناك: «لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس، و قال لا بأس ان يستر بعض

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 231

..........

جسده ببعض» و أما خبر سماعة عن

أبى عبد اللّه عليه السّلام انه سأل عن المحرمة؟ فقال ان مر بها رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر بيدها من الشمس «1» فهو كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- محمول على ضرب من الكراهة و أما نومها عليه، فلا ينبغي الإشكال فيه، و يدل عليه ما في ذيل صحيح زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: قلت: المحرم تؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطى وجهه؟ قال: نعم و لا يخمر رأسه و المرأة المحرمة لا بأس بأن يغطى وجهها كله عند النوم «2» و مما ذكرنا ظهر ضعف ما في كلام بعض الأصحاب و هو: (و في جواز نومها على ظاهر وجهها نظر من عدم تسميته سترا عرفا كالرأس، و من استثناء الرأس لضرورة النوم الطبيعي بخلاف الرأس).

3- أجمع الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على انه لا فرق في حرمة تغطية وجهها عليها بين الكل و البعض لما سمعته في الرجل بالنسبة إلى رأسه، و لما رواه جعفر عن أبيه عليه السّلام قال: المحرمة لا تتنقب، لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه «3» بل لا بد ان يحكم بوجوب كشف بعض رأسها عليها مقدمة لكشف تمام الوجه كما يجب على الرجل المحرم كشف بعض الوجه مقدمة لكشف تمام الرأس نعم، قد اجتمع في المرأة عند الصلاة فعلان واجبان متنافيان في الحدود، و هما الوجه؛ فإنه يجب عليها كشفه، كما يجب ستره، فمقدمة الواجب متعارضة فيهما فحينئذ هل يتعين تقديم جانب الرأس أو جانب الوجه؟؟. ففي المدارك. ما لفظه:

«و يستثني من الوجه ما يتوقف عليه ستر الرأس، فيجب في الصلاة تمسكا بمقتضى العمومات المتضمنة لوجوب ستره السالمة عما يصلح للتخصيص.

إلخ» قال في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 10 و أورده بتمامه في الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 59 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 232

..........

الجواهر: «و في المنتهى و التذكرة و الدروس «قدمت ستر الرأس، و لكن لا لما في المدارك من التمسك بالعمومات المتضمنة لوجوب ستره السالمة عما يصلح للتخصيص ضرورة إمكان معارضته بمثله، بل لترجيحه بما قيل من ان الستر أحوط من الكشف لكونها عورة، و لان المقصود إظهار شعار الإحرام بكشف الوجه بما تسمى به مكشوفة الوجه و هو حاصل مع ستر جزء يسير منه؛ و ان أمكن المناقشة فيه أيضا بتعارض الاحتياط بالنسبة إلى الصلاة و الإحرام، و كونها عورة في النظر لا مدخلية له في ذلك، و كما يصدق أنها مكشوفة الوجه مع ستر الجزء اليسير منه يصدق أنها مستورة الرأس مع كشف الجزء اليسير منه فالمتجه حينئذ: التخيير ان لم ترجح الصلاة بكونها اهما و أسبق حقا و نحو ذلك. نعم؛ قد يقال: إذا جاز السدل و خصوصا إلى الفم أو الذقن أو النحر فلا تعارض إلا مع وجوب المجافاة فإنه يتعسر الجمع حينئذ في السجود، لكن يمكن فرض المسألة في حال تعذر السدل فالإشكال حينئذ بحاله، و الأقوى في مفروض المقام صرف النظر عما دل على الإسدال كما أفاده صاحب الجواهر، و لا يمكن ترجيح جانب الصلاة بكونها أسبق لأنه قد تحرم قبل دخول وقت الصلاة.

ان قلت: ان المراد منه اسبقيتها من حيث الجعل، قلت: أنه لا أسبقية في

البين من ناحية الجعل، لعدم تعدد زمان الجعل فيها، بل جعلت جميعها في زمان واحد غاية الأمر: إنما الاختلاف بينها من حيث زمان الإظهار، و بالجملة:

لا يصح الترجيح بهذه الأمور لان المرجح لا بد أن يكون حجة. فعليه يتحقق التزاحم، فان ثبت أهمية أحد الطرفين فهو، و إلا فالمرجع التخيير؛ و لكن سيتضح لك انه لا تزاحم في البين لجواز تغطية بعض وجهها عند الصلاة مقدمة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 233

و لو أسدلت قناعها على رأسها إلى طرف أنفها جاز (1)

و ذلك بناء على القول بعدم لزوم تسفير تمام وجهها و يأتي ذلك في الفرع الآتي- ان شاء اللّه تعالى.

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده كما عن المنتهى الاعتراف به بل في المدارك نسبته إلى إجماع الأصحاب و غيرهم نحو ما عن التذكرة من أنه جائز عند علمائنا اجمع و هو قول عامة أهل العلم، بل قد يجب بناء على وجوب ستر الوجه عليها من الأجانب و انحصر فيه، بل في كشف اللثام بعد أن أوجبه للستر قال: (أما جواز الإسدال، بل وجوبه بين فمع الإجماع، لأنها عورة يلزمها التستر من الرجال الأجانب. إلخ).

و يدل عليه مضافا إلى الاتفاق المزبور جملة- من النصوص الواردة عنهم عليهم السّلام- منها:

1- ما رواه محمد بن عبد الجبار «عن صفوان» عن الحلبي عن عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام «في حديث»: كره [1] النقاب يعني للمرأة المحرمة و قال: تسدل الثوب على وجهها قلت: حد ذلك إلى أين؟. قال: إلى طرف الأنف قدر ما تبصر «1».

2- صحيح معاوية بن عمار عن أبى

عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة «2».

3- صحيح حريز قال قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام المحرم تسدل الثوب على وجهها

______________________________

[1] لا يخفى ان المراد من الكراهة في هذا الحديث هو الحرمة بقرينة ما دل من الروايات على حرمة النقاب على المرأة و لو لا هذه القرنية كانت ظاهر في مجرد الحزازة فلا دلالة لها على خصوص الكراهة المصطلحة حتى ينافيها ما دل على حرمة النقاب على المحرمة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 234

..........

إلى الذقن «1» 4- صحيح زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام ان المحرمة تسدل ثوبها إلى نحرها «2» إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على ذلك.

ثم ان تنقيح البحث يتوقف على الإشارة إلى أمر:

قال في الجواهر: «ان المستفاد من بعضها «أى النصوص» جوازه إلى النحر هو الموافق للستر بل مقتضى إطلاقها كالمتن و غيره جوازه اختيارا بدون غرض الستر و نحوه، بل مقتضاهما جوازه مماسا للوجه خصوصا مع ملاحظة غلبة ذلك مع عدم إشارة في شي ء منها إلى التحرز منه، مع انها في مقام البيان، و لعله لذا كان خيرة الفاضل في المنتهى ذلك، و تبعه غير واحد ممن تأخر عنه، خلافا للمحكي عن المبسوط و الجامع من عدم الجواز؛ فلا بد ان تمنعه بيدها أو بخشبة من أن يباشر وجهها، و اختاره في القواعد، بل في الدروس: انه المشهور، بل عن الشيخ وجوب الدم مع تعمد المباشرة، و ظاهره ذلك حتى إذا زال أو إزالته

بسرعة خلافا لبعض العامة فلا شي ء، بل في الدروس و عن غيرها حكايته عن الشيخ أيضا، و ان كنا لم نتحققه كما أنا [أنه خ ل] لم نتحقق الشهرة المزبورة، و على كل حال فلم نجد له دليلا على شي ء من ذلك سوى دعوى الجمع بين صحاح السدال و النصوص المانعة من التغطية بحمل الاولى على غير المصيبة للبشرة بخلاف الثانية، بل لعل المرتفعة ليست من التغطية. و (فيه): مع ان الدليل خال عن ذكر التغطية و انما فيه الإحرام بالوجه و الأمر بالإسفار عن الوجه: ان السدل بمعنييه تغطية عرفا و انها غير سافرة الوجه معه إلا ما خرج عنها إلى حد حد التظليل و نحوه، على ان الجمع بإخراج السدل بقسميه عن ذلك كما كاد يكون صريح النصوص المزبورة و الفتوى أولى من وجوه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 235

..........

و لا يقتضي اختصاص الحرمة حينئذ بالنقاب، كما في المدارك و الذخيرة و غيرهما، بل في الأول لا يستفاد من الاخبار أزيد من ذلك ضرورة: تعدد أفراد التغطية بغير السدل، كالشد و نحوه خصوصا مع ملاحظة اللطوح و نحوه، و من هنا تردد المصنف فيما يأتي في كراهة النقاب، بل افتى به الفاضل في القواعد مع الجزم بحرمة التغطية بل في الدروس عدا النقاب محرما مستقلا عن حرمة التغطية و ان كان قد علله بها فالتحقيق: استثناء السدل من ذلك بقسميه و ان كان الاحتياط لا ينبغي تركه. نعم قد سمعت ما في صحيح زرارة من جواز تغطية المحرمة وجهها كله

في النوم، بخلاف الرجل؛ فإنه يغطى وجهه و لا يخمر رأسه، و لم أقف على راد له كما لم أقف على من استثناه من حكم التغطية، و يمكن إرادة التغطية بما يرجع إلى السدل و ما يقرب منه فتدبر).

ثم انه يمكن الجمع بين ما دل على حرمة تغطية الوجه للمرأة و ما دل على جواز الإسدال لها. بحمل الأول على صورة عدم وجود الناظر الأجنبي و بحمل الثاني على وجوده، و يشهد له حديث عائشة و هو كان الركبان يمرون بنا و نحن محرمات مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإذا جاؤنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزنا كشفنا و (فيه): انه ضعيف سندا فلا عبرة، فلا يمكن ان يصار إلى هذا الجمع، لانه بلا شاهد.

و يمكن الجمع بينهما بوجه آخر و هو تخصيص ما دل على جواز الإسدال لها بما دل على حرمة تغطية وجهها عليها، فيقال: إن الإسدال يجوز لها إلا إذا استلزم التغطية أو يقال ان للتغطية مراتب و تكون المحرم منها ما إذا كان الثوب متصلا بوجهها فيكون المراد منه جواز الإسدال لها بنحو لا يوجب التغطية بان يبعد الثوب عن وجهها بيدها أو بشي ء آخر بمقدار خرج عن حد التغطية و يدخل في التظليل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 236

..........

و (فيه):- مضافا إلى أنه لا ضابط للخروج عن حد التغطية و الدخول في التظليل و على فرض ثبوته أنه ليس في الاخبار المنع عن عنوان تغطية الوجه كما أفاده صاحب الجواهر لأنه ورد فيها الأمر بالتفسير و السدل و ان كان على نحو التظليل مناف له- انه لا شاهد عليه فلا يصار اليه.

و لكن

يمكن ان يقال: انه لا معارضة بين الأخبار حتى تحتاج إلى الجمع بتقريب: ان قوله عليه السّلام في الصحيح: (إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه) انما يدل على محل الإحرام، كما هو واضح و لا يبين كيفية الإحرام من أنها إحرام الرجل بكشف تمام رأسه و إحرام المرأة بكشف تمام وجهها؛ فلا بد من استفادة ذلك من الرجوع إلى دليل آخر، فنقول: انه يمكن أن يقال: ان المستفاد مما ورد في صحيح حفص البختري من قوله عليه السّلام: (المحرم يغطى وجهه عند النوم و الغبار إلى طرار شعره) «1»: ان كيفية إحرامه كشف تمام رأسه، و أما كيفية إحرام المرأة فنقول: ان المستفاد من صحيح حماد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: مر أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال: أحرمي و أسفري و أرخى ثوبك من فوق رأسك؛ فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك، فقال له رجل: إلى أين ترخيه؟؟

قال: تغطى عينها، قال: قلت: تبلغ فمها؟ قال: نعم «2» هو حرمة تغطية تمام وجهها، و أما بعضه فلا؛ و ذلك حيث أنه عليه السّلام- كما ترى- جمع في هذا الحديث بين التسفير و إرخاء الثوب الذي لا يمكن الجمع بينهما ظاهرا؛ و لذلك يمكن أن يقال في وجه الجمع بينهما في كلام واحد هو أن مراده عليه السّلام من قوله (و أسفري) هو لزوم تسفير بعض وجهها لإتمامه و مراده من قوله: (و ارخى ثوبك) هو جواز السدل بحيث يستر بعض وجهها لإتمامه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 3، ص: 237

..........

و الحاصل: ان المستفاد منه ان كيفية إحرام المرأة الذي في وجهها عبارة عن كشف بعض الوجه لإتمامه ثم لا يخفى: ان ظاهر قوله عليه السّلام (و ارخى ثوبك) هو الوجوب كما يكون كذلك جملة: (أحرمي و أسفري).

و أما ما دل على جواز الإسدال إلى الذقن، كقوله عليه السّلام في صحيح حريز المتقدم:

(المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن). و ما دل على جواز الإسدال إلى النحر كقوله عليه السّلام في صحيح زرارة: (ان المحرمة تسدل ثوبها إلى نحرها) فيمكن أن يقال: أن المراد منه انها تجعل الثوب الذي وضعت على رأسها بحيثية يستر جانبا وجهها أو أحد جانبيه به مع بقاء مقدار من وسط الوجه مكشوفا أو مع الجانب الآخر كذلك، و لكن يمكن أن يقال: ان الإسدال جائز مطلقا بجميع أنحائه و أما وجه الجمع بين الاسفار و الإرخاء في خبر المتقدم فيمكن أن يقال: ان المراد من قوله (و أسفري) هو إسفارها عما كانت لابسة من النقاب أو ان المراد منه هو اسفار بعض وجهها و لكن الأمر بإسفار بعض الوجه بناء عليه ليس على وجه الوجوب بقرينة ما دل على جواز الإسدال إلى الذقن و إلى النحر.

و كيف كان فالمتجه أن يقال: في مقام التفصيل ان ما تغطى به المرأة وجهها على نحوين: لأنه (تارة): يمنع عن تغير وجهها، و لا ينبغي الإشكال في حرمته، للتعليل الموجود في ذيل صحيح حماد المتقدم، و هو: (فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك) و (اخرى) لا يمنع عن ذلك لرقة الثوب أو لا يحصل به إلا ستر بعض وجهها، و هذا أيضا على نحوين: فإنه (تارة): عبارة عن الإسدال و (اخرى):

لا فان كان عبارة عنه فلا ينبغي الإشكال في جوازه، للأدلة المتقدمة و لكن إذا لم يتجاوز النحر مطلقا، أو مع التفصيل بين صورة الركوب و غيرها فحده على الأول إلى النحر، و على الثاني إلى الذقن، و الا أى و ان لم يكن عبارة عن السدل فهو أيضا على

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 238

..........

نحوين فإنه (تارة): يحصل به تغطية تمام الوجه و (اخرى): لا فعلى الأول: يجوز لها في حال النوم لما تقدم مما دل على جواز تغطية الوجه للمرأة المحرمة في حال النوم و هو قوله عليه السّلام في ذيل صحيح زرارة: (و المرأة المحرمة لا بأس بأن يغطى وجهها كله عند النوم) و أما في غير حال النوم فمقتضى مفهوم هذا الحديث عدم جوازه و على الثاني: فلا بأس به لعدم الدليل على حرمته فلاحظ و تأمل و اللّه العالم و هو الهادي إلى الصواب.

(فائدة) بناء على تمامية ما عرفت من عدم لزوم تسفير تمام الوجه على المرأة إنها إذا أرادت الصلاة لا ينبغي الإشكال في لزوم تغطية رأسها مع مقدار من وجهها مقدمة كي حصل لها العلم بتحقق ستر تمام رأسها و لا يلزم منه محذور و لكنه بعد لا يخلو من تأمل.

« (تذييل)» قال في الدروس: (و الخنثى تغطى ما شائت من الرأس أو الوجه و لا كفارة و لو جمعت بينهما كفرت) و تبعه في المسالك، و ناقش فيه صاحب الجواهر- قدس سره- حيث قال بعد نقله كلام الدروس: (و فيه: ان المتجه وجوب كشفهما مقدمة لحصول اليقين بالامتثال و ان كان لا كفارة إلا مع الجمع).

لكن يمكن أن يقال بثبوت الكفارة حتى لو لم يجمع بينهما،

لتنجز العلم الإجمالي في كل من الطرفين.

و لكن التحقيق: عدم ثبوتها إلا في صورة الجمع- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- و غيره، و ذلك لأن تنجز العلم الإجمالي في كل من الطرفين إنما يكون فيما لو كان الحكم فيه منجزا، و كون المقام كذلك غير معلوم، و لذلك يجرى البراءة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 239

[و تظليل المحرم سائرا]

و تظليل المحرم سائرا (1)

في حقه إذا لم يجمع بينهما.

(1) من المحرمات على المحرم كما أفاده المصنف- قدس سره- هو تظليل الرجل المحرم عليه سائرا، فلا يجوز له أن يجلس فيما يوجب ذلك- كالمحمل و الهودج و الكنيسة و العمارية و المظلة و أشباه ذلك على المشهور نقلا في الدروس و غيرها، بل عن الانتصار و الخلاف و المنتهى و التذكرة: الإجماع عليه. قال في الجواهر: (بل لعله كذلك، إذ لم يحك الخلاف إلا عن الإسكافي، مع ان عبارته ليست بتلك الصراحة قال: (يستحب للمحرم أن لا يظلل على نفسه، لأن السنة بذلك جرت، فان لحقه عنت أو خاف من ذلك، فقد روى عن أهل البيت- عليهم السّلام- جوازه و روى أيضا: أنه يفدي عن كل يوم بمد، و روى في ذلك: أجمع دم، و روى: لإحرام المتعة دم و لإحرام الحج دم آخر، و يمكن أن يريد بالمستحب ما لا ينافي الواجب. إلخ).

فاعلم أن ذكر جميع الأخبار الواردة في هذه المسألة و ان كان موجبا للإطالة إلا أن تحقيق الكلام فيها يتوقف على ذكر جميعها، لاختلافها منطوقا و مفهوما و هي على طوائف:

(الأولى): ما دلت على جواز التظليل عليه- منها:

1- ما رواه ابن سنان عن ابن مسكان عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

عن المحرم يركب في القبة؟ قال: ما يعجبني إلا أن يكون مريضا، قلت: فالنساء؟ قال: نعم «1» 2- ما رواه محمد بن أبى عمير عن جميل بن دراج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس بالظلال للنساء و قد رخص فيه للرجال «2».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و نقل عين صحيح الحلبي في هذا الباب بدون الذيل الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 240

..........

3- صحيح على بن جعفر عليه السّلام قال: سألت أخي عليه السّلام أظلل و أنا محرم؟

فقال: نعم و عليك الكفارة، قال: فرأيت عليا عليه السّلام إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل «1».

(الطائفة الثانية) ما دلت على حرمة التظليل عليه- منها:

1- ما رواه عبد اللّه بن المغيرة، قال قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام: أظلل و أنا محرم؟

قال: لا قلت: فأظلل و أكفر قال: لا قلت فان مرضت، قال ظلل و كفر ثم قال: أما علمت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها «2» و بإسناده عن سعد بن عبد اللّه عن العباس مثله إلى قوله: (ظلل و كفر) 2- موثوق إسحاق بن عمار عن أبى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يظلل عليه و هو محرم؟. قال: لا، الا مريض، أو من به علة، و الذي لا يطيق حر الشمس «3».

3- ما رواه على بن أحمد عن موسى بن عمر عن محمد بن منصور عنه عليه السّلام قال: سألته عن الظلال للمحرم؟ فقال: لا يظلل

الا من علة أو مرض «4».

4- ما رواه عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه قال قال أبو يوسف للمهدي و عنده موسى بن جعفر عليه السّلام أ تأذن لي أن أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شي ء؟

فقال له: نعم، فقال لموسى بن جعفر عليه السّلام أسألك؟ قال نعم، قال ما تقول في التظليل للمحرم قال: لا يصلح، قال: فيضرب الخباء في الأرض و يدخل البيت؟

قال: نعم قال: فما الفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن عليه السّلام ما تقول في الطامث؟

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

(4) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 241

..........

أ تقضى الصلاة؟. قال: لا؛ قال: فتقضي الصوم؟ قال: نعم، قال: و لم؟ قال: هكذا جاء، فقال أبو الحسن عليه السّلام: و هكذا جاء هذا فقال المهدي لأبي يوسف:

ما أراك صنعت شيئا؟ قال رماني بحجر دامغ «1». و رواه الطبرسي في (الاحتجاج) مرسلا نحوه.

5- ما رواه سهل بن زياد عن ابن أبى نجران عن محمد بن الفضيل قال: كنا في دهليز يحيى بن خالد بمكة، و كان هناك و أبو الحسن موسى عليه السّلام و أبو يوسف؛ فقام إليه أبو يوسف و تربع بين يديه، فقال يا أبا الحسن: جعلت فداك المحرم يظلل؟.

قال: لا قال: فيستظل بالجدار و المحمل و يدخل البيت و الخباء؟.؟ قال: نعم، قال: فضحك أبو يوسف شبه المستهزئ، فقال له أبو الحسن عليه السّلام: يا أبا يوسف ان الدين ليس بقياس

كقياسك و قياس أصحابك ان اللّه عز و جل أمر في كتابه بالطلاق و أكد فيه شاهدين و لم يرضى بهما الاعدلين، و أمر في كتابه بالتزويج و أهمله بلا شهود فأتيتم بشاهدين فيما أبطل اللّه و أبطلتم شاهدين فيما أكد اللّه عز و جل، و أجزتم طلاق المجنون و السكران حج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأحرم و لم يظلل، و دخل البيت و الخباء و استظل بالمحمل و الجدار فقلنا (فعلنا خ ل) كما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسكت «2». 6- ما رواه الحسين بن سعيد عن بكر بن صالح قال: كتبت إلى أبى جعفر الثاني عليه السّلام: ان عمتي معي و هي زميلتي و يشتد عليها الحر إذا أحرمت أ فترى أن أظلل على و عليها؟ فكتب: «ظلل عليها وحدها» «3».

(فائدة)- قد يقال: ان عنوان التظليل أعم من عنوان القبة و نحوها، لشموله مثل حمل الشمسية و نحوها. و لكن قد يقال بكونه أخص منه بتقريب:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 68 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 242

..........

ان احداث القبة للركوب تظليل، و أما إذا كانت مهيأة سابقا فركب فيها فليس بتظليل لأنه عبارة عن أحداث الظل فتأمل.

(الطائفة الثالثة)- ما دلت على حرمة التظليل و لكن لا مطلقا بل بعنوان النهى عن الركوب في القبة و نحوها- منها:

1- صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن المحرم يركب القبة فقال: لا قلت: فالمرأة المحرمة؟ قال نعم

«1».

2- صحيح صفوان عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يركب في الكنيسة؟ قال: لا، و هو في النساء جائزة «2».

3- ما رواه على بن ريان عن قاسم (ابن خ) الصيقل قال: ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظل عن أبى جعفر عليه السّلام كان يأمر بقلع القبة و الحاجبين إذا أحرم «3». دلالته على الحرمة لا يخلو من تأمل.

4- صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بالقبة على النساء و الصبيان و هم محرمون «4».

5- ما عن الطبرسي في الاحتجاج قال: سأل محمد بن الحسن أبا الحسن موسى ابن جعفر عليه السّلام بمحضر من الرشيد و هم بمكة، فقال له: أ يجوز للمحرم أن يظل عليه محمله؟. فقال له موسى عليه السّلام: لا يجوز له ذلك مع الاختيار، فقال له محمد بن الحسن: أ فيجوز أن يمشى تحت الظلال مختارا؟ فقال له: نعم، فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك فقال له أبو الحسن عليه السّلام أ تعجب من سنة النبي صلّى اللّه عليه و آله و تستهزئ بها

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 12

(4) الوسائل ج 3 الباب 65 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 243

..........

أن رسول صلّى اللّه عليه و آله كشف ظلاله في إحرامه و يمشى تحت الظلال و هو محرم؛ ان أحكام اللّه يا محمد لا يقاس، فمن قاس بعضها على بعض فقد ضل سواء السبيل فسكت

محمد بن الحسن لا يرجع جوابا «1» و نحوها غيرها من الاخبار المروية عنهم عليهم السّلام.

(الطائفة الرابعة)- ما دلت على حرمة الاستظلال على المحرم و هو كما ترى أعم من التظليل- منها: 1- ما رواه جعفر بن محمد المثنى الخطيب عن محمد بن الفضيل و بشير (بشر خ ل) بن إسماعيل قال: قال لي محمد إلا أسرك (أبشرك خ) يا بن مثنى؟ فقلت:

بلى، فقمت اليه فقال: دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن عليه السّلام ثم أقبل عليه فقال: يا أبا الحسن ما تقول: في المحرم يستظل على المحمل؟ فقال له: لا، قال: فليستظل في الخباء؟ فقال له: نعم، فأعاد عليه القول شبه المستهزء يضحك يا أبا الحسن فما فرق بين هذا؟ فقال: يا أبا يوسف ان الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون انما صنعنا كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قلنا كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يركب راحلته فلا يستظل عليها و تؤذيه الشمس، فيستر بعض جسده ببعض، و ربما يستر وجهه بيده و إذا نزل استظل بالخباء و في البيت و الجدار «2».

2- ما رواه الحسين بن مسلم عن أبا جعفر الثاني عليه السّلام أنه سئل ما فرق بين الفسطاط و بين ظل المحمل؟ فقال: لا ينبغي أن يستظل في المحمل، و الفرق بينهما ان المرأة تطمث في شهر رمضان فتقضي الصيام و لا تقضى الصلاة قال: صدقت جعلت فداك قال الصدوق: يعنى ان السنة لا يقاس. و رواه في المقنع مرسلا «3».

3- ما رواه عبد اللّه بن المغيرة عن أبى الحسن عليه السّلام لقوله عليه

السّلام في ذيله:

(ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها) و قد تقدم ذكره

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 244

..........

في الطائفة الثانية من الأخبار.

4- ما رواه الطبرسي في «الاحتجاج» عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه السّلام، و سأله عن المحرم: يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله أن يبتل فهل يجوز ذلك؟ الجواب إذا فعل ذلك في المحمل في طريقة فعليه دم «1» بناء على ثبوت الملازمة بين الكفارة و الحرمة.

5- ما رواه العباس بن معروف عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (الرضا عليه السّلام خ) قال: سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلل على رأسه، إله أن يستظل؟

فقال: نعم «2» بناء على رجوع الضمير في قول السائل: «إله أن يستظل» الى الزميل و استفادة مسلمية الحرمة لغير الزميل منه، فيكون المراد بناء على ذلك ان هذا الزميل الذي ظلل عليه فصار تحت الظل هل يجوز ذلك أو لا و سيجي ء تحقيق الكلام فيه- ان شاء اللّه تعالى- في آخر البحث.

(الطائفة الخامسة)- ما دلت على حرمة التظليل عليه و لكن لا مطلقا بل بعنوان النهى عن الاستتار عن الشمس- منها:

1- ما رواه على بن الحكم عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال: لا؛ إلا أن يكون شيخا كبيرا أو

قال: ذا علة «3» و رواه الحميري في قرب الاسناد عن محمد بن الخالد الطيالسي عن إسماعيل بن عبد الخالق مثله إلا أنه قال (شيخا فانيا).

2- ما رواه سعيد الأعرج أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يستتر من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 68 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 245

..........

من الشمس بعود و بيده؟ قال: لا إلا من علة «1» قال في الوسائل بعد ما ذكره (أقول:

هذا محمول على الكراهة في اليد) و لا بأس به لاشتماله على النهى عن التستر باليد الذي فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يدل عليه ما في رواية محمد بن فضيل المتقدم في الطائفة الرابعة من اخبار الباب.

3- ما رواه المعلى بن خنيس عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يستتر المحرم من الشمس بثوب، و لا بأس أن يستتر بعضه ببعض «2» 4- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس، و لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض «3» حيث أنه كما ترى دل بالمفهوم على المدعى.

(فائدة): لا يخفى ان النهى عن الاستتار عن الشمس مساوق لظاهر النهى عن الاستظلال كما لا يخفى:

(الطائفة السادسة)- ما دلت على الحرمة بعنوان الأمر بالضحى- منها:

1- ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المحرم كان إذا أصابته الشمس شق عليه و صدع فيستتر منها؟ فقال:

هو أعلم بنفسه إذا علم أنه لا يستطيع ان تصيبه الشمس فليستظل منها «4».

2- ما رواه عثمان بن عيسى الكلابي قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: ان على بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد أن يحرم؟ فقال: ان كان كما زعم فليظلل و أما أنت فاضح لمن أحرمت له «5».

3- صحيح حفص البختري و هشام بن الحكم جميعا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(5) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 246

..........

انه يكره للمحرم ان يجوز ثوبه أنفه من أسفل و قال: اضح لمن أحرمت له «1».

4- ما في آخر خبر عبد اللّه بن المغيرة قال: أما علمت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذبوبه معها «2».

5- ما في خبره الآخر قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الظلال للمحرم؟.

فقال: أضح لمن أحرمت له قلت: انى محرور و ان الحر يشتد على؟ فقال أما علمت:

أن الشمس تغرب بذنوب المحرمين «3».

(فائدة): ان أريد من الاخبار الآمرة بالإضحاء البروز للشمس فهي مساوقة للاخبار الناهية عن التستر عن الشمس؛ و ظاهر النهى عن الاستظلال المتقدمة ذكرها، و ان أريد منها البروز المطلق فهي مساوقة لبعض الأخبار المتقدم في الطائفة الثانية. و كيف كان فالظاهر من الأمر بالإضحاء في

خبر عبد اللّه بن المغيرة هو المعنى الأول كما أن الظاهر ان المراد من الأمر بالإضحاء في خبر عثمان الكلابي هو المعنى الثاني كما يكون كذلك ما في حديث حفص البختري فتأمل.

بعد ما عرفت الأخبار فنقول: إنه اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في هذه المسألة على أقوال:

(الأول)- جواز التظليل و هو المحكي عن الإسكافي و قد حكاه عنه صاحب الجواهر- قدس سره- في كلامه المتقدم في صدر المبحث.

(الثاني)- حرمته و هو المنسوب إلى المشهور.

(الثالث)- استحباب ترك التظليل و قد نسبه العلامة- رحمه اللّه تعالى- إلى ابن الجنيد، و يمكن الاستدلال للقول الأول- و هو جواز التظليل- بوجهين:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 61 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 247

..........

(الأول)- الأصل «و فيه»: أنه مقطوع بالنصوص المتقدمة الدالة على الحرمة.

(الثاني)- الأخبار الدالة على جواز التظليل و قد تقدم ذكرها في الطائفة الأولى من الروايات في صحيح الحلبي منها: «عن المحرم يركب في القبة؟ قال: ما يعجبني. إلخ» و في صحيح على بن جعفر: «أظلل و أنا محرم؟ فقال: نعم». و في صحيح جميل: «لا بأس بالظلال للنساء و قد رخص فيه للرجال» و «فيه». أنه لا يخلو جميعها من حيث الدلالة عن المناقشة و الاشكال:

أما [في الأول] فلعدم صراحة قوله عليه السّلام فيه «ما يعجبني» في الجواز فيمكن حمله على الحرمة؛ بقرينة الأخبار الناهية عن التظليل الظاهرة فيها و قد تقدم ذكرها في الطائفة الثانية و غيرها من باقي الطوائف، مضافا إلى أنه يمكن أن يقال بدلالته

على الحرمة؛ لإمكان استفادة ذلك من الاستثناء الموجود فيه و هو قوله عليه السّلام: [إلا أن يكون مريضا] لانه بالمفهوم يدل على حرمة التظليل عليه أن لم يكن مريضا فتأمل و أما [في الثاني] فلأنه (أولا) قضية في واقعة، فلا يمكن القول بالتعميم إلا مع القرينة و (ثانيا): أنه لا تقاوم الأخبار الناهية عنه المؤيدة بعمل المشهور، فيتعين حملها على صورة الضرورة.

و أما [في الثالث] فلاحتمال كون الترخيص فيه لأجل الضرورة- كما أفاده بعض- بل قيل: انه المنساق منه لأن الرخصة انما يطلق غالبا على ما منع منه أولا ثم أذن فيه لضرورة- كأكل الميتة و على- فرض تماميته لا يقاوم الأخبار المتقدمة الناهية الظاهرة في الحرمة، بل صراحة بعضها في ذلك مضافا الى أنه قيل يمكن حمله على التقية، لموافقته لمذهب الشافعي، و لكن الظاهر: أن الشافعي لم يكن في زمان الصادق عليه السّلام فعلى فرض ثبوت موافقته لمذهب أبي حنيفة يمكن حمله على التقية فتدبر.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 248

..........

ثم أنه بناء على عدم تمامية ما ذكرنا فلا محالة تقع المعارضة بينهما، فلا بد من الجمع، و يمكن الجمع بينهما بحمل أخبار المنع على الأفضلية، و نتيجة ذلك هو كراهة التظليل و استحباب تركه، و هذا هو القول الثالث من الأقوال في هذه المسألة الذي تقدم نسبته في صدر المبحث إلى ابن الجنيد. و (فيه): انه لا تصل النوبة إليه، لأنه جمع حكمي، و قد ذكرنا غير مرة: أنه لا تصل النوبة إليه ما دام كان الجمع الموضوعي ممكنا، لتقدمه رتبة على الجمع الحكمي، ففي مفروض المقام يمكن الجمع بينهما بالجمع الموضوعي، و ذلك بما تقدم في الطائفة الثانية من النصوص و

غيرها من باقي الطوائف ما يدل على التفصيل بين صورة الضرورة و عدمها في الحكم بالجواز على الأول، و بعدمه على الثاني كما في موثق إسحاق بن عمار المتقدم في الطائفة الثانية من الأخبار ذكره: (عن المحرم يظلل عليه و هو محرم؟ قال: لا، إلا مريض أو من به علة و الذي لا يطيق حر الشمس) و نحوه غيره، فبشهادة هذه الأخبار تجمع بينهما: فعليه يحمل ما دل على جواز التظليل على صورة الضرورة؛ و ما دل على عدم جوازه على غيرها.

« (إيقاظ)» هو ان صاحب الجواهر- قدس سره- و ان ادعى الإجماع على الحرمة ما عدا الإسكافي، لكنه لا مجال له في هذه المسألة بعد وضوح المدرك في نظرهم و استنادهم ظاهرا إلى ظهور الأخبار، و قد ذكرنا غير مرة: ان مجرد الإطباق و الاتفاق ليس من الإجماع الكاشف عن رأى المعصوم عليه السّلام أو عن رضاه مضافا إلى أن أصل ادعاءه الإجماع لا يخلو من الاشكال، لعدم اطلاعه على جميع الفتاوى الصادرة من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 249

..........

العلماء السابقين و اللاحقين خصوصا الذين ليس لديهم من الكتب، و هم في غاية الكثرة فمع الالتفات إلى ذلك لا يمكن تحصيل الإجماع و الشهرة في مسألة ما أصلا فتأمل.

ثم ان تنقيح هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الأولى)- أنه لا إشكال في حرمة التظليل عليه بالقبة و الكنيسة و المحمل و نحوها مما يكون على رأسه إنما الإشكال في الاستتار بالثوب و نحوه سائرا عن الشمس على وجه لا يكون على رأسه، فوقع الكلام في جواز ذلك و عدمه، فعن الخلاف و المنتهى جوازه بلا خلاف، بل في الأخير نسبته الى جميع أهل

العلم قال على ما حكاه صاحب الحدائق- قدس سره- (لانه يجوز للمحرم أن يمشى تحت الظلال و أن يستظل بثوب ينصبه إذا كان سائرا أو نازلا لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصة لضرورة و غير ضرورة عند جميع أهل العلم) و ظاهر هذا الكلام- كما ترى- هو حرمه الاستظلال في حال المشي بجعل الثوب على رأسه سائرا و عن ابن حمزة:

(يحرم عليه أن يستظل و هو سائر بحيث يكون الظلال فوق رأسه) و تبعهم على ذلك غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- ممن تأخر عنهم، و يمكن الاستدلال لذلك بوجوه:

(الأول)- الإجماع و «فيه» أنه محتمل المدركية فلا عبرة به.

(الثاني)- الأصل و «فيه»: أنه لا مجال له لانقطاعه بما دل على الحرمة.

(الثالث)- صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السّلام» قال: سمعته يقول لأبي و شكى اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى و قال: أ ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك «1». و «فيه» ما لا يخفى، لكونه في صورة الضرورة، فلا يعارض خبر إسماعيل بن عبد الخالق و خبر المعلى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 250

..........

ابن خنيس الدال على عدم جواز التستر عن الشمس بالثوب و نحوه، و قد تقدم ذكرهما في الطائفة الخامسة من الأخبار فعليه تبقى الأخبار الناهية عن التستر على حالها، بل مقتضى إطلاقها هو عدم جواز التستر عن الشمس و ان كانت على جانب يمينه أو يساره و بالجملة لا يجوز له الاستتار عن الشمس بثوب و نحوه إلا في صورة الضرورة فيما

ذكرنا يظهر لك ما في كلام صاحب الجواهر- قدس سره-، حيث أنه بعد ما ذكر صحيح عبد اللّه بن سنان قال: (لكن و فيه أنه يعارضه عموم قول الصادق في خبر المعلى لا يستتر المحرم من الشمس بثوب. إلخ و خبر إسماعيل بن عبد الخالق. إلى أن قال: ضرورة أنه لو كان الاستتار بما لا يكون فوق الرأس جائزا لبينه له و خلو أخبار التكفير مع التظليل للضرورة عما لا يكون فوق الرأس، إذ لو كان جائزا اختيارا وجب الاقتصار عليه إذا اندفعت الضرورة، و لعل المتجه حمل ذلك على الكراهة، كما يومي اليه خبر قاسم الصيقل قال: ما رأيت أحداً كان أشد تشديدا في الظل من أبى جعفر عليه السّلام كان يأمر بقلع القبة و الحاجبين إذا أحرم، فإن التشديد ظاهر في الزيادة على الواجب، و هذا و إن كان من الراوي إلا أنه ظاهر في معلومية الحكم عندهم سابقا، و هو شاهد على صحة الإجماع المزبور الذي يقيد به المطلقات المزبورة، و أخبار التكفير إنما جائت لبيان ثبوت الكفارة في المحرم من التظليل للمختار إذا اقتضته الضرورة و هو ما فوق الرأس، بل يشهد لما ذكرناه ما في خبر سعيد الأعرج: (يسئل الصادق عليه السّلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود و بيده؟ قال: لا إلا من علة) «1» لما عرفت من جواز الاستتار باليد الذي فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على وجه يقصر عن معارضته، فلا بد من حمله على ضرب من الكراهة. إلخ).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 251

..........

(الثانية)- قال في كشف اللثام: (و في الدروس هل

التحريم في الظل لفوات الضحى أو لمكان الستر فيه، نظر لقول عليه السّلام: (أضح لمن أحرمت له) و الفائدة في من جلس في المحمل بارزا للشمس، و في من تظلل به و ليس فيه يعنى يجوز الأول على الثاني دون الأول و الثاني بالعكس و في الخلاف لا خلاف ان للمحرم الاستظلال بثوب ينصبه ما لم يمسه فوق رأسه و قضيته اعتبار المعنى الثاني) و لكن الظاهر من الأخبار هو المعنى الأول، لما عرفت من تكرار الأمر بالإضحاء فيها على وجه يظهر منه كون العلة في حرمة التظليل فوات الاضحاء الذي يكون المراد به- كما في المنتهى- البروز للشمس و كذلك في اللغة [1] و ان ورد في بعض الروايات المتقدمة في الطائفة السادسة: قوله عليه السّلام (أضح لمن أحرمت له) لكن الأضحاء فيه للّه تعالى ليس بمعنى عدم التستر منه لانه غير معقول لبروزه للّه تعالى دائما، و إنما يكون معنى (لمن أحرمت له) هو كون ضحاك لأجله، فعليه أن يبرز و يظهر نفسه للشمس لأجل من أحرم له و يمكن تأييد ما ذكرنا بما علل في بعض الأخبار المتقدمة: (من أن الشمس تغرب بذنوب المجرمين) يعنى بسبب بروزهم لها و صبرهم على حرارتها، فلو جاز أن يستتر المحرم أو يستظل بالثوب على رأسه ما لم يمسه- كما نقله عن الخلاف- لم يكن

______________________________

[1] في نهاية ابن أثير: و ضحى ظله اي مات يقال ضحى الظل إذا صار شمسا فإذا صار شمسا فقد بطل صاحبه و منه حديث الاستسقاء: «اللهم ضاحت بلادنا و أغبرت أرضنا اي برزت للشمس و ظهرت لعدم النبات فيها و هي فاعلت من ضحى مثل رامت من رمى و أصلها

ضاحيت و منه حديث ابن عمر راى محرما قد استظل فقال: «اضح لمن أحرمت له» أي أظهر و اعتزل لكن يقال ضحيت للشمس و ضحيت اضحى فيها إذا برزت لها و ظهرت قال الجوهري:

(يرويه المحدثون «اضح» (بفتح الالف و كسر الحاء) و انما هو بالعكس انتهى) و نقل في الوافي عن الأصمعي انما هو بكسر الالف و فتح الحاء من ضحيت اضحى لأنه إذا أمره بالبروز للشمس و منه قوله تعالى أَنَّكَ لٰا تَظْمَؤُا فِيهٰا وَ لٰا تَضْحىٰ انتهى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 252

..........

لهذا التعليل وجه- كما أفاده صاحب الحدائق- قدس سره.

و أما الأخبار الناهية عن الركوب في القبة و نحوها المتقدمة ذكرها في الطائفة الثانية من الأخبار لا تقضى كون العلة في التحريم هو الاستتار، حتى أنه لو لم يستتر بها فلم يضره الاستظلال بغيرها مما لا يوجب الاستتار؛ و على فرض تسليم ذلك لا تقيد الأخبار الآمرة بالإضحاء و الأخبار الناهية عن التستر، و ذلك ضرورة:

أن القبة و الكنيسة و المحمل و نحوها و إن كانت مانعة عن الشمس من فوق لكنها فرد من أفراد الضحى كما لا يخفى.

(الثالثة)- ان ما ذكرنا من حرمة التظليل إنما يختص بحالة الركوب و أما المشي في ظل المحمل فلا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في المسالك: (يتحقق التظليل بكون ما يوجب الظل فوق رأسه كالمحمل فلا يقدح فيه المشي في ظل المحمل و نحوه عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه و ان كان قد يطلق عليه التظليل لغة و انما يحرم حالة الركوب فلو مشى تحت ظل المحمل كما لو مر تحت الحمل و المحمل جاز و

في الروضة في شرح قول الشهيد: [و التظليل للرجل الصحيح سائرا] قال: (فلا يحرم نازلا إجماعا و لا ماشيا إذا مر تحت المحمل و نحوه و المعتبر منه ما كان فوق رأسه فلا يحرم كون تحت ظل المحمل عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه) و أطلق في القواعد و ما سمعته من المنتهى جواز المشي تحت الظلال كمحكى النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و الجامع و يمكن الاستدلال على ذلك بخبر الاحتجاج المتقدم ذكره في الطائفة الثالثة من الأخبار لما فيه: (أ فيجوز أن يمشى تحت الظلال مختارا؟ فقال: نعم) و بصحيح إسماعيل بن بزيع قال: كتبت إلى الرضا عليه السّلام هل يجوز للمحرم أن يمشى تحت ظل المحمل: فكتب: نعم «1». فيقيد بهما إطلاق الأخبار الآمرة بالإضحاء و الأخبار

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 253

..........

الناهية عن التستر فتأمل.

(الرابعة)- أنه هل الواجب على المحرم هو ترك التستر عن الشمس أو الواجب عليه ترك ذلك مطلقا و لو لم تكن الشمس موجودة؟ قد يقال بالثاني و يمكن الاستدلال لذلك بوجوه:

(الأول)- إطلاق ما دل على النهى عن الركوب في القبة و نحوها لدلالته على وجوب ذلك مطلقا حتى في الليل و في النهار مع وجود غيم فيحكم بحرمة ذلك عليه و ان لم يحصل التستر عن الشمس له.

(الثاني)- إطلاق الأخبار الآمرة بالإضحاء بناء على تفسيرها بترك التستر بالبروز تحت السماء.

(الثالث)- ما ورد في صدر حديث عثمان الكلابي المتقدم ذكره في الطائفة السادسة من الأخبار قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام ان على بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد أن يحرم؟

فقال: ان كان كما زعم فليظلل. إلخ. لأن التظليل من البرد يصلح للقرينية على عدم كون المراد من التظليل ما لا يصدق في الليل، و به يعلم أن المراد من قوله عليه السّلام من الاضحاء في ذيله: (و أما أنت فأضح لمن أحرمت له) هو ترك التستر من السماء.

(الرابع)- انه يمكن استفادة ذلك أيضا مما دل على النهى عن التظليل عن المطر و قد تقدم ذكره في الطائفة الرابعة من الأخبار.

(الخامس)- ما دل على النهى عن ضرب الظلال له، بتقريب: انه لا يشترط في صدق المظلة حصول الظل الفعلي منها بل صرف وجود الشأنية لها كاف في صدق هذا العنوان عليه، نظير صدق المفتاحية على المفتاح و ان لم يتلبس بالفتح أبدا فعليه يحكم بالحرمة حتى في الليل. اللهم إلا أن يقال: ان ظاهر في حصول فعلية الظل، و ما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 254

..........

ورد أيضا في الاخبار من النهى عن التظليل و الاستظلال أيضا ظاهر فيه.

و كيف كان فيمكن ان يقال: ان الوجه في حرمتها هو لأجل منعها عن وقوع الشمس عليه، و يدل عليه ما في محاجة موسى بن جعفر عليه السّلام مع محمد بن الحسن من ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (كشف ظلاله و مشى تحت ظل المحمل).

مضافا إلى انه يمكن أن يقال: انه يستفاد من الاخبار الآمرة بالإضحاء ان تمام العلة هو وجوب الضحى و النهى عن الركوب في القبة و نحوها لأجل انه ترك للضحى الواجب، فعليه يحكم بعدم حرمة التستر في الليل و في النهار إذا كان في الهواء غيم.

(الخامسة)- أنه هل يختص الحكم في المقام بحال السير أو يعم حالة التوقف.

يمكن أن يقال

بالأول؛ و ذلك لإمكان القول بعدم شمول الأخبار الناهية عن الركوب في القبة و المحمل و الكنيسة و نحوها للثاني للانصراف. و كذا ما دل على حرمة التظليل، لإمكان القول بأنه عبارة عن احداث الظل حال السير و كذلك الأخبار الدالة على حرمة الاستظلال لإمكان منع استفادة الإطلاق منها بحيث تشمل حال الوقوف. مضافا إلى أنه يمكن الاستدلال على اختصاص الحكم بحال السير بما في حديث محمد بن فضيل المتقدم ذكره في الطائفة الرابعة من الاخبار من الفرق بين ظل المحمل و دخول الخباء قال فيه (يا أبا الحسن ما تقول في المحرم يستظل على المحمل؟ فقال له: لا، قال: فليستظل في الخباء؟ فقال له: نعم) و منه يعلم أن المحرم هو الاستظلال حال السير لا حال التوقف لكون الخباء واقفا، اللهم إلا أن يناقش فيه بأنه كما يحتمل أن يكون الوجه في ذلك هو وقفته، كذلك يحتمل أن يكون الوجه في ذلك كونه نازلا.

يمكن أن يقال بالثاني و هو شمول الحكم حال الوقوف للاخبار الآمرة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 255

..........

بالإضحاء لأن مقتضى إطلاقها- كما ترى- هو حرمة التستر عليه حتى في حالة الوقوف و بقصة محاجة أبى الحسن عليه السّلام مع أبى يوسف السائل عن الفرق بين ظل المحمل و ظل الخباء منه فنقضه عليه السّلام بقضاء الحائض الصيام دون الصلاة، حيث قال:

(ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح، قال: فيضرب الخباء في الأرض و يدخل البيت؟ قال: نعم، قال: فما الفرق بين هذين؟. قال: أبو الحسن عليه السّلام ما تقول: في الطامث أ تقضى الصلاة؟. قال: لا، قال: فتقضي الصوم؟. قال: نعم، قال: و لم؟. قال هكذا جاء، فقال أبو

الحسن عليه السّلام: و هكذا جاء هذا. إلخ).

و قد تقدم ذكره بتمامه في الطائفة الثانية من الأخبار، و كيف كان فلو كان فرق بين التظليل حال السير و حال الوقوف لم يحتج إلى الجواب نقضا بل أجابه حلا و هو جواز التظليل في الخباء و نحوه لأجل كونه واقفا، اللهم إلا أن يناقش فيه بأن أبا يوسف لم يكن يدرك الجواب الحلي، و لذا أجابه بالجواب النقضي، مضافا الى أن مقتضى إطلاقه هو التعميم فتدبر.

(السادسة)- أنه يجوز للمحرم أن يستتر بعود أو بيده أو غيرها من أعضاء بدنه، و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم-، و يدل على ذلك ما في حديث محمد بن فضيل المتقدم في الطائفة الرابعة، لما فيه: (كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يركب راحلته فلا يستظل عليها، و تؤذيه الشمس، فيستر بعض جسده ببعض، و ربما يستر وجهه بيده. إلخ) و صحيح معاوية بن عمار و خبر المعلى بن خنيس المتقدم ذكرهما في الطائفة الخامسة، و لا ينافيها صحيح سعد الأعرج الدال على النهي أن يستتر المحرم بيده أو بعود، لأنه محمول على الكراهة- كما أفاده صاحب الوسائل- قدس سره- و قد تقدم ذكره في الطائفة الخامسة من الأخبار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 256

..........

(السابعة)- أنه لا يضر الخشب الباقية في المحمل و العمارية و نحوهما بعد رفع الظلال، و يدل عليه- مضافا الى الأصل- التوقيع المروي عن الاحتجاج في جواب محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري كتب الى صاحب الزمان عليه السّلام يسأله عن المحرم يرفع الظلال؟ هل يرفع الخشب العمارية أو الكنيسة؟ و يرفع الجناحين أم لا؟.

فكتب عليه السّلام إليه في الجواب:

لا شي ء عليه في تركه رفع الخشب «1» و رواه الشيخ- قدس سره- في كتاب الغيبة مثله؛ و لا ينافيه ما تقدم في الطائفة الثالثة من الأخبار في خبر الصيقل من ان أبا جعفر عليه السّلام: كان يأمر بقلع القبة و الحاجبين، بعد حمله على الندب، و يعطيه هذا المعنى سياق الخبر (إيقاظ): و هو ان الظاهر إن الحاجبين في هذا الخبر وقع تصحيف الجناحين كما في الخبر الأول.

(الثامنة)- إن ما ذكرنا من حرمة التظليل انما يختص بالرجل، و أما المرأة فيجوز لها التظليل؛ و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم.

بل قال في الجواهر: (بلا خلاف محقق أجده فيه؛ بل الإجماع بقسميه عليه؛ مضافا الى ما سمعته من النصوص المصرحة بذلك، و إلى كونها عورة يناسبها الستر، و ضعيفة عن مقاومة الحر و البرد، و نحوهما. نعم عن نهاية الشيخ: «إن اجتنابه أفضل» و عن المبسوط «أنه يحتمله» قيل و كأنه لإطلاق أدلة المحرم و الحاج في كثير من الأخبار و بعض الفتاوى كفتوى المقنعة و جمل العلم و العمل، بل و الشيخ في جملة من كتبه و سلار و القاضي و الحلبيين و إن كان فيه: أن الظاهر إرادة الرجل المحرم منه فيهما).

و لكن التحقيق: هو اختصاص الحكم بالرجال، لما عرفت من الأخبار التي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 257

..........

تفصل بين الرجل و المحرم المقيدة لإطلاق المحرم. مضافا الى خصوص الاخبار الواردة في جواز التظليل لها قال عليه السّلام في صحيح حريز المتقدم في الطائفة الثالثة (لا بأس بالقبة على النساء و الصبيان و هم محرمون) و خبر على بن

أبي حمزة عن أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المرأة يضرب عليها الظلال و هي محرمة؟. قال: نعم «1».

(التاسعة) أنه لا ينبغي الارتياب في جواز التظليل للرجل حال النزول؛ و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل قد نفي عنه الخلاف؛ و ادعى عليه الإجماع بقسميه، و يدل عليه خبر محمد بن الفضيل المتقدم ذكره في الطائفة الرابعة من الروايات، لقوله عليه السّلام فيه: (كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يركب راحلته فلا يستظل. الى أن قال: و إذا نزل استظل بالخباء و في البيت و بالجدار) و نحوه غيره مما في الاخبار السابقة، و بهذه الاخبار يقيد إطلاق الاخبار السابقة الدالة على عدم جواز التظليل عليه مطلقا.

قال في الجواهر بعد حكمه بجواز التظليل حال النزول: (نعم قد يتوقف في تظليل يسير معه راكبا أو ماشيا للتردد في المنزل و نحوه، فالأحوط ان لم يكن أقوى اجتنابه و في كشف اللثام بعد الجزم بجواز التظليل جالسا في المنزل قال: «و هل الجلوس في الطريق لقضاء حاجة أو إصلاح شي ء أو انتظار رفيق أو نحوها كذلك احتمال» و مقتضاه احتمال عدم الجواز أيضا فيه، و ان كان التحقيق خلافه إلا أنه أحوط) ما أفاده صاحب الجواهر هو الصواب، لإطلاق الأخبار الدالة على جواز ذلك عند النزول فتدبر.

(العاشرة)- أنه لا ينبغي الارتياب في جواز التظليل للصبيان، لما سمعته في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 65 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 258

و لو زامل عليلا أو أمرية اختص العليل و المرأة بجواز التظليل (1)

صحيح حريز السابق الذي أفتى به غير واحد من الأصحاب-

رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر: «لا أجد فيه خلافا بينهم و لعله لضعفهم عن مقاومة الحر و البرد» فيه يقيد إطلاق ما دل على حرمة التظليل للمحرم.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر «بلا خلاف محقق أجده فيه». و يدل عليه- مضافا إلى إطلاق الأدلة- خبر بكر ابن صالح أو صحيحة قال: كتبت إلى ابن جعفر الثاني عليه السّلام ان عمتي معي و هي زميلتي و يشتد عليها الحر إذا أحرمت أ فترى أن أظلل على و عليها؟. فكتب عليه السّلام: ظلل عليها وحدها «1». و لا ينافيه خبر العباس بن معروف المتقدم ذكره في الطائفة الرابعة من الاخبار و هو قال: سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلل على رأسه إله أن يستظل؟ فقال: نعم «2» أما «أولا»: فلضعف سنده بالإرسال و «ثانيا»:

فيمكن منع دلالته على خلاف ما دل عليه الخبر الأول لاحتمال عود الضمير في قوله:

«آله ان يستظل» إلى المريض الذي قد ظلل- كما ذكره الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في التهذيب على ما حكاه صاحب المدارك- قدس سره- و لكن الظاهر رجوع الضمير فيه إلى المحرم لانه ورد في صدره: «عن المحرم له زميل» و لم يقل «سألته عن زميل مع المحرم» فظاهره- كما ترى- السؤال عن حكم المحرم دون الزميل فيدل على جواز الاستظلال للمحرم بنحو لا يقع تحت المظلة؛ قال في الوسائل: بعد ما ذكره «أقول المراد ان للعليل أن يستظل لا للصحيح، إذ ليس بصريح في غير ذلك قاله الشيخ و غيره و يحتمل التقية و الضرورة قال في الجواهر: «لقصوره عن ذلك من وجوه، بل عن الشيخ احتمال عود الضمير في

قوله: «إله» إلى المريض، و أولى من ذلك احتمال ارادة الاستظلال بما يحدث من ظل العليل الذي قد عرفت جوازه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 68 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 68 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 259

..........

باعتبار عدم كونه على الرأس».

« (ثم انه ينبغي هنا التنبيه على أمور)» 1- انه إذا أراد الإحرام و علم بأنه سيضطر إلى التظليل لم يضر ذلك بصحة إحرامه، لأنه لا يشترط في صحته ترك المحرمات؛ و لذا لا يخرج عن الإحرام بإتيان المحرمات، و انما يخرج منه بالمحلل الخاص، فلا يقاس المقام بباب الصوم، لانه يشترط في صحة الصوم ترك أمور معدودة إلى المغرب فلو لم ينو الإمساك إلى المغرب عن الأمور المعينة لم ينو الصوم.

2- انه إذا اضطر إلى التظليل من أول الإحرام، كما إذا فرض انحصار المركوب بالطائرة و لم يمكن رفع سقفها فحينئذ يشكل الأمر بناء على كون الإحرام عبارة عن توطين النفس على التروك و هذا بخلاف ما إذا قلنا بأنه عبارة عن نية الأعمال مع لبس الثوبين أو مع التلبية أيضا من دون دخل للتوطين فيه، و لكن يمكن أن يقال بأنه لا يضر ذلك بإحرامه، و يمكن تنظيره بباب النذر فيما إذا نذر شيئا مع علمه بمخالفته اختيارا و لكن لا مع عدم القدرة حتى يقال بعدم انعقاد نذره، و لكن في باب النذر أيضا لا يتم بناء على القول بان النذر عبارة عن البناء على الأمر الكذائي، لأنه على هذا ينافيه البناء على خلافه. نعم إذا قلنا انه معاهدة مع اللّه تبارك و تعالى فلا منافاة كما لا يخفى.

و يمكن

التفصي عن الاشكال- بناء على القول بأنه عبارة على توطين النفس على ترك المحرمات- بتقريب: انه انما يحب توطين النفس عليه بالمقدار الممكن فلا مانع من أن يوطن نفسه على ترك ما لم يضطر اليه من المحرمات، لان اللّه تبارك و تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها. هذا بناء على القول بأنه عبارة عن توطين النفس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 260

و لو اضطر لم يحرم (1)

أو الالتزام بالتروك، و إلا فلا إشكال على المباني الأخر.

قد عرفت تحقيق الكلام في هذا المقام مفصلا في الجزء الثاني عند البحث عن كيفية الإحرام و قد ذكرنا جميع الأخبار و اتضح بمقتضى الجمع بين الأخبار كون الإحرام عبارة عن إنشاء الالتزام بالتروك، و قلنا: ان التلبس بمحظورات الإحرام حين الإحرام لا يمنع عن انعقاده، لعدم كونه عبارة عن نية التروك حتى ينافي ذلك العلم بارتكابها، بل انما هو عبارة عن الإنشاء؛ و ذلك لا ينافي التلبس بها، نظير من ينشئ تمليك المال للغير و مع ذلك يتصرف فيه غصبا و حرمة تلك المحرمات انما هي حكم المحرم و لا يضر مخالفته بنفس الإحرام و لو حين الإحرام، فقد ظهر أنه مع اضطراره حين الإحرام يظلل؛ و لا يضر ذلك بإحرامه، كما ان الأمر كذلك إذا اضطر إلى محرم آخر.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من عدم حرمة التظليل على المحرم لو اضطر اليه مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه و هو الحجة. إلخ). و يدل عليه- مضافا إلى اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- الأخبار المتقدمة في الطائفة

الثانية و غيرها في رواية عبد اللّه بن المغيرة:

(قلت: أ فأظلل و أكفر؟ قال: لا قلت: فان مرضت؟ قال: ظلل و كفر) في موثق ابن عمار: (عن المحرم يظلل عليه و هو محرم؟ قال: لا إلا مريض أو من به علة و نحوهما غيرهما من الأخبار.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 261

..........

« (إيقاظ)» ان المستفاد من بعض أخبار المتقدم عدم الاكتفاء فيه بمطلق الأذية- من حر أو برد- ما لم تصل إلى حد لا يمكن تحملها عادة على وجه يسقط التكليف معها، كموثق عمار المتقدم ذكره في الطائفة الثانية من الروايات: لما فيه: (سألته عن المحرم يظلل عليه و هو محرم؟. قال: لا إلا مريض، أو من به علة، و الذي لا يطيق حر الشمس) و كصحيح ابن الحجاج المتقدم ذكره في الطائفة السادسة من الروايات، لما فيه: (هو أعلم بنفسه إذا علم أنه لا يستطيع أن تصيبه الشمس فليستظل منها)، و لعله لذا كان المحكي عن الشيخين و كذا ابن إدريس: اعتبار الضرر العظيم في جواز التظليل؛ بناء على إرادة ما يسقط معه التكليف من العظيم- كما في غير المقام- لعدم قيام دليل تعبدي على اعتبار أزيد منه.

كما أنه يمكن أن يقال بعدم الدليل على الاكتفاء بالأقل منه بعد ظهور النصوص المتقدمة فيما ذكرنا. فبها نقيد إطلاق بعض النصوص الدال على الاكتفاء بمطلق الأذية في جواز التظليل للمحرم؛ كصحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام قال: و سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس و أنا أسمع فأمر ان يفدى شاة و يذبحها بمنى «1» و رواه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن أحمد ابن محمد و رواه

الصدوق- قدس سره- عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبى الحسن مثله إلا أنه قال: (في أذى: من مطر أو شمس) أو قال: من علة، و زاد: و قال:

نحن إذا أردنا ذلك ظللنا و فدينا «2» و خبر إبراهيم بن أبى محمود قال: قلت للرضا عليه السّلام المحرم يظلل على محمله و يفدي إذا كانت الشمس و المطر يضران به؟ قال: نعم،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 262

..........

قلت كم الفداء؟. قال: شاة «1» و خبر محمد بن الحسن الصفار عن على بن محمد قال:

كتبت اليه المحرم هل يظلل على نفسه إذ آذته الشمس، أو المطر، أو كان مريضا أم لا؟ فان ظلل هل يجب عليه الفداء أم لا؟ فكتب: يظلل على نفسه و يهريق دما ان شاء اللّه «2». و ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن البرقي عن سعد بن سعد الأشعري عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يظلل على نفسه؟.

فقال: أمن علة؟. فقلت: يؤذيه حر الشمس و هو محرم فقال: هي علة يظلل و يفدى «3». و تنطبق على ما ذكرنا الأدلة العامة الرافعة للتكليف الحرجي و العسرى و بالجملة: أن الأذية لها مراتب، وحدها الموجبة لجواز التظليل هو ما إذا تأذى بمقدار لا يمكن تحمله عادة دون ما دونه.

و قال صاحب الجواهر- قدس سره- بعد ما ذهب إلى ما ذكرنا: (خصوصا بعد استصحاب عدم الجواز الذي لا يكفي في ارتفاعه التزام الكفارة مع عدم الضرورة، كما هو مقتضى إطلاق النص و الفتوى،

بل هو صريح صحيح ابن المغيرة السابق. إلخ).

و أشار- قدس سره- به إلى قوله عليه السّلام في صحيح ابن المغيرة المتقدم ذكره في الطائفة الثانية من الروايات قال السائل فيه: (أظلل و أنا محرم؟ قال: لا قلت:

فأظلل و أكفر؟ قال: لا. إلخ). فما في المقنع: [من انه لا بأس أن يضرب للمحرم الظلال و يتصدق بمد لكل يوم] بناء على ظهوره في المختار: واضح الضعف كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- فتدبر- ثم أنه قال في الجواهر: (و ان قال في الدروس: «روى على بن جعفر جوازه مطلقا و يكفر» لكن ان كان مراده ما سمعته من صحيحة السابق: [الذي تقدم

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 3 الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 3 الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 263

[و إخراج الدم]

و إخراج الدم الا عند الضرورة (1)

ذكره في الطائفة الأولى من الروايات] فقد عرفت احتماله الضرورة. نعم قد يلوح ذلك من صحيح ابن بزيع السابق و نحوه؛ لكن لا يجترئ بمثله على ذلك بعد ما عرفت.

(تذييل)- و هو أنه لا ينافي ما ذكرنا صحيح عبد اللّه بن المغيرة أو حسنه المتقدم ذكره في الطائفة السادسة من الروايات: (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الظلال للمحرم؟ فقال: أضح لمن أحرمت له، قلت: انى محرور و ان الحر يشتد على فقال أما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المجرمين) لكونه محمولا على ما لا يبلغ المشقة بحيث يمكنه التحمل عادة.

(1) من المحرمات على المحرم- كما أفاده المصنف- قدس سره- إخراج الدم في الجملة

إلا عند الضرورة و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و في الجواهر في شرح قول الماتن: (كما في المقنعة و جمل العلم و العمل و النهاية و المبسوط و الاستبصار و التهذيب و الاقتصاد و الكافي و الغنية و المراسم و السرائر و المهذب و الجامع على ما حكى عن بعضها. إلخ) و يدل عليه جملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- منها:

1- ما رواه على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن حماد عن الحلبي قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا، الا أن لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم «1».

2- ما رواه مثنى بن عبد السّلام عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام، قال:

لا يحتجم المحرم الا أن يخاف على نفسه ان لا يستطيع الصلاة «2».

3- ما رواه موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن المثنى عن الحسن الصيقل عن أبى عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا الا أن يخاف التلف و لا يستطيع

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 264

..........

الصلاة و قال: إذا أذاه الدم فلا بأس به و يحتجم و لا يحلق الشعر «1» 4- بإسناده عن ذريح أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ فقال:

نعم إذا خشي الدم) «2» إلى غير ذلك من الأخبار المأثورة عنهم- عليهم السّلام- الدالة منطوقا و مفهوما على المدعى؛ و هو حرمة إخراج الدم إلا عند الضرورة على المحرم، هذا مع الغض عن الأخبار المستفاد

منها كراهة ذلك و سيأتي ذكرها و وجه الجمع بينها و بين ما تقدم آنفا من الاخبار الظاهرة في الحرمة عند تعرض المصنف بعد قوله المتقدم لنقل القول بالكراهة، و كيف كان فلو كانت الأخبار الناهية عن إخراج الدم منحصرة في الأخبار المتقدمة لكان اللازم الالتزام بحرمة الحجامة فقط على المحرم و لم نتعدى الى غيرها، و ذلك لاحتمال خصوصية فيها و مع احتمال دخل خصوصية المورد في الحكم لا وجه للتعدي إلى غيره إذ لا قطع بالمناط حتى يمكن التعدي، و لكن نحكم بحرمة إخراج الدم مطلقا لأخبار أخر و المستفاد من مجموعها حرمة مطلق الإدماء و الأخبار الواردة في المقام مختلفة، فإن بعضها وارد في خصوص الحجاجة و قد تقدم ذكره.

و بعضها وارد في حك الرأس إلى أن يدمي و هو صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال: بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

(3) الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 و أورد أيضا في باب 73 من هذه الأبواب الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 265

..........

و لا ينافيه خبر على بن أبي حمزة عن ابى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا حككت رأسك فحكه حكا رقيقا. و لا تحكن بالأظفار و لكن بأطراف الأصابع «1» و ذلك ظاهر و كذلك لا ينافيه ما رواه عمار بن موسى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يكون به الجرب

فيؤذيه؟. قال يحكه فان سال الدم فلا بأس «2». و ذلك لظهوره في حصول الضرورة.

و بعضها وارد في حك البدن إلى أن يدمي، و هو ما رواه عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و يحك الجسد ما لم يدمه «3».

و بعضها وارد بعنوان النهى عن السواك مع حصول الإدماء، و هو صحيح ابن أبى عمير عن عماد عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يستاك؟.

قال: نعم و لا يدمي «4» و لا ينافي ذلك خبر معاوية عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت المحرم يستاك؟. قال: نعم قلت: فإن أدمى يستاك؟ قال: نعم هو من السنة «5» و ذلك لأنه لا يمكن الأخذ به لإعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عنه الموجب لخروجه عن حيز دليل الاعتبار، و هو مخالف للإجماع، فإن الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بين قائل بالحرمة و بين قائل بالكراهة إلا أن يوجه الحديث بان المفروض السواك مع عدم العلم بحصول الإدماء- كما أفاده صاحب الوسائل- قدس سره.

ثم أنه لا ينافيه أيضا ما رواه على بن جعفر في (كتابه) عن أخيه موسى عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(5) الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 266

و قيل يكره و كذا قيل في

حك الجسد المفضي إلى إدمائه و كذا في السواك و الكراهية أظهر (1)

قال: سألته عن المحرم هل يصلح له أن يستاك؟ قال: لا بأس و لا ينبغي أن يدمي فمه «1» لأن المراد من كلمة: (لا ينبغي) فيه هو الحرمة بقرينة صحيح الحلبي المتقدم الدال عليها، و لو لا هذه القرينة لم تكن ظاهرة في ذلك، بل كانت ظاهرة في مجرد الحزازة، كما ذكرناه غير مرة من دون دلالتها على الكراهة المصطلحة و الحرمة كذلك فلا دلالة فيها على الكراهة المصطلحة حتى ينافيها ما يدل على الحرمة

(1) و القائل الأول الشيخ- قدس سره- و في محكي الخلاف: (يكره الاحتجام) و تبعه المصنف- قدس سره- في النافع و عن المصباح و مختصره: كراهيته و الفصد و اقتصر على الثاني: في محكي الاقتصاد و الكافي و على الثالث و الحك: القاضي و يمكن ان يكون الوجه في القول بالكراهة هو الجمع بين الأخبار المتقدمة الدالة على حرمة الاحتجام و بين صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر «2» و ما رواه محسن بن أحمد بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا أحبه «3». و ما رواه محمد بن على بن الحسين قال: احتجم الحسن (الحسين خ ل) بن على عليهما السّلام و هو محرم «4» و ما رواه إسحاق بن إبراهيم عن مقاتل بن مقاتل قال: رأست أبا الحسن عليه السّلام في يوم الجمعة في وقت الزوال على ظهر الطريق يحتجم و هو محرم «5» و ما رواه الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضا عليه السّلام

يحدث عن أبيه عن آبائه عن على عليه السّلام ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله احتجم و هو صائم محرم «6» و ما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري في (قرب الاسناد) عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

(5) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

(6) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 267

..........

سألته عن المحرم هل يصلح له أن يحتجم؟ قال: نعم و لكن لا يحلق مكان المحاجم و لا يجزه «1».

و بهذه الأخبار أخذ صاحب المدارك و مثله صاحب الذخيرة على ما حكى عنه؛ و جمع بينها و بين النهي في الأخبار المتقدمة على الكراهة، و لكنه أنت خبير بما فيه- كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم- ضرورة: أن هذه الأخبار غير صالحة لإثبات جواز الإدماء في قبال الأخبار المتقدمة المثبتة للحرمة المعتضدة بعمل المشهور.

و أما ما استشهد به في المدارك من رواية يونس بن يعقوب المتقدم، لقوله عليه السّلام فيه: (لا أحبه) قال: (فان لفظ [لا أحبه] ظاهر في الكراهة) ففيه: إن كلمة: «لا أحبه» و إن لم تكن في نفسها صالحة للاستدلال بها على الحرمة، إلا أنها تكون نظير كلمة: [لا ينبغي] التي ليست ظاهرة في الكراهة المصطلحة و

لا الكراهة كذلك، بل تكون ظاهرة في مجرد الحزازة- كما بينا ذلك مرارا و كرارا في المباحث السابقة- فلا يجوز حملها على أحد المعنيين إلا بالقرينة، فبقرينة الأخبار الناهية تحمل عليها، مضافا الى أنه لا مجال لذلك في المقام، و سيتضح لك وجهه بعد أسطر إن شاء اللّه تعالى.

و أما قوله عليه السّلام في صحيح حريز المتقدم: (لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر) فهو- كما ترى- مطلق و الأخبار المتقدمة الناهية عنه الظاهرة في الحرمة لو لا الضرورة تقيده و تقدم عليه بالأخصية.

و أما باقي الأخبار فبعد الغض عن سندها فلعله كان احتجام الامام عليه السّلام و النبي صلّى اللّه عليه و آله لأجل الضرورة، مضافا إلى أنه على فرض تماميتها سندا و دلالة لا تقاوم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 268

..........

الأخبار المتقدمة المعتضدة بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فالقول بالكراهة ضعيف، فتدبر.

ثم أنه يمكن الجمع بين الاخبار المتقدمة بوجه آخر و هو أن يقال انه مع عدم الضرورة لا يمنع عن الاحتجام ما دام لم يكن مستلزما لإزالة شعره، لعدم كون الحجامة في نفسها محرمة دون ما إذا كان مستلزما لذلك؛ فتحمل الأخبار الناهية على صورة استلزام الاحتجام لإزالة الشعر و غيرها على صورة ما إذا لم يستلزم ذلك، و أما مع الضرورة فيحكم بجوازه و ان استلزم إزالة الشعر، و لكن ينافي هذا الجمع قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم: (لا الا أن لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المهاجم). و قوله عليه السّلام فيما رواه الحسن الصيقل المتقدم ذكره أيضا: (لا

الا أن يخاف التلف. إلخ).

و يمكن الجمع بينها أيضا بحمل الأخبار الناهية على الكراهة، كما أفاده صاحب المدارك- قدس سره-، و لكن فيه ما عرفته غير مرة من أنه مع وجود الجمع الموضوعي لا تصل النوبة إلى الجمع الحكمي، لتقدمه رتبة على الجمع الحكمي، فالمتعين ما ذكرنا: من أن مقتضى الجمع بينها إن الحجامة جائزة مع الضرورة و محرمة مع عدمها.

« (ثم ان تنقيح المسألة يتم بذكر أمور)» 1- إن مقتضى قوله عليه السّلام فيما رواه الصيقل: (لا إلا أن يخاف التلف) و نحوه في خبر أبى جعفر عليه السّلام: (لا يحتجم المحرم إلا أن يخاف على نفسه) هو عدم ارتفاع حرمة الحجامة بمجرد طرو الضرورة ما لم تصل إلى حد خوف التلف.

2- إن المراد من قوله عليه السّلام فيما رواه الصيقل: (و لا يستطيع الصلاة)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 269

..........

بقرينة قوله عليه السّلام فيه: (لا الا أن يخاف التلف): هو عدم استطاعته من الإتيان بطبيعة الصلاة حتى أدنى مرتبة منها لا عدم استطاعته من الإتيان بالصلاة التامة بطبيعتها الأولية 3- إن مقتضى قوله عليه السّلام في بعض الأخبار المتقدمة: (إذا أذاه الدم فلا بأس به و يحتجم و لا يحلق الشعر) هو الاكتفاء بمطلق الأذية الحاصلة منه و لو أدنى درجة فنقيده بصورة وصول الأذية إلى حد خوف التلف و كذا نقيد بذلك إطلاق ما في خبر عبد الرحمن عن جعفر (حفص خ ل) بن موسى (مثنى خ ل) عن مهران بن أبى نصر و على بن إسماعيل عمار جميعا عن أبى الحسن عليه السّلام، قال:

سألناه؟ فقال: في حلق القفاء للمحرم (و خ) إن كان أحدكم يحتاج (أحد منكم خ) يحتاج إلى الحجامة

فلا بأس، و إلا (فيلزم خ) فليزم ما جرى عليه الموسى إذا حلق «1» و ذلك حيث ان الاحتياج له مراتب فنقيده بتلك الصورة و كذلك الكلام في قوله عليه السّلام في رواية زريح المحاربي: (نعم إذا خشي الدم) فبناء على ما ذكرنا صار دليل نفي العسر و الحرج مقيدا فيما نحن فيه، فلاحظ و تأمل و اللّه هو الهادي إلى الصواب.

و كيف كان فقد تحصل: أن المذكور في الأخبار المروية عنهم عليهم السّلام في مقام تجويز الحجامة للمحرم أمور ثلاثة: 1- خوف التلف. 2- الأذية.

3- عدم الاستطاعة من الصلاة، اللهم الا أن يقال بملازمتها للأذية مطلقا و لخوف التلف ان فسرناها بعدم التمكن من الإتيان بطبيعة الصلاة فلا ينبغي عدها حينئذ أمرا على حدة، و الا لزم حد الخشية من الدم و الاحتياج إلى الحجامة أيضا، لكونهما مذكورين أيضا في أخبار الباب.

4- ان خوف التلف ليس أخص من الأذية حتى يقال بعدم إمكانه، إذ هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 270

..........

تحديد بالزائد و الناقص، فتكون الأذية محمولة على صورة خوف التلف، بل يكون بينهما عموم من وجه، تقريب ذلك: هو أنه (تارة): لم تحصل له أذية فعلية من الدم، لكنه يخاف التلف من كثرة الدم، و (أخرى): تحصل له أذية فعلية و لكنه لا يخاف التلف، و (ثالثة) تحصل له أذية فعلية و خوف التلف، و كيف كان فلا بد من الجمع بين هذه الأخبار و يمكن الجمع بينها بوجهين:

(الأول) تقييد إطلاق الشرط المقابل للعطف بالواو لتكون النتيجة هو القول بأنه يشترط في جواز الحجامة اجتماع أمور ثلاثة [- خوف التلف و

عدم استطاعته من الصلاة- و الأذية] فكل منها جزء للشرط.

(الثاني)- الجمع بينها بتقييد إطلاق الشرط المقابل للعطف بأو لتكون النتيجة هو القول بأنه يشترط في جوازها: [أن يخاف التلف- أو لا يستطيع الصلاة- أو يتأذى من الدم] لأنه بناء عليه تكون النتيجة إثبات العدل فيكون وجود أحدها كافيا في ترتب الحكم و العرف في المقام يساعد على الجمع بينها بالنحو الثاني و وجه ذلك واضح.

« (ينبغي هنا التنبيه على أمرين)» (الأول)- جواز إخراج الدم الدمل بعصره، و ذلك اما للقول بخروجه عن الإدماء موضوعا، فان عصر الدمل- كما قيل- إخراج للدم الحاصل لا أنه احداث للدم و إخراجه- كما في الحك الى أن يدمي، و في السواك الى أن يدمي- و اما لتقييد إطلاق ما دل على حرمة إخراج الدم بما دل على جواز إخراج الدم الدمل و هو ما رواه على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يعصر الدمل و يربط على القرحة؟.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 271

..........

قال: لا بأس «1».

(الثاني)- جواز قلع ضرسه و غيره مما لا يدخل في الأخبار المتقدمة و يكفينا في الحكم بالجواز الأصيل إلا إذا قام دليل تعبدي على حرمة مطلق الإدماء.

و أما الاستدلال لذلك بخبر الصيقل أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم تؤذيه ضرسه أ يقلعه؟. فقال: نعم لا بأس به «2» فمما لا يمكن المساعدة عليه، لإمكان حمله على صورة الضرورة- كما هو واضح- و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط.

(الثالث)- ان الخلاف في هذه المسألة بالتحريم و الكراهة انما هو عند عدم الضرورة و

أما معها فلا خلاف و لا إشكال في الجواز بل الإجماع بقسميه عليه، و به صرحت الأخبار المتقدمة و عليه تجمع الأخبار، كما عرفت.

(الرابع) أنه قد وقع الخلاف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بالنسبة إلى الكفارة، فعن الدروس (و فدية إخراج الدم شاة ذكره بعض أصحاب المناسك). و قال الحلبي: (في حك الجسد حتى يدمي مد طعام مسكين).

و لكن الظاهر عدم الفدية حتى مع اختيار ذلك فضلا عن صورة الاضطرار و ذلك للأصل بعد خلو النصوص المتقدمة التي وردت في مقام البيان عن ذلك. نعم، في حديث محمد بن عيسى عن عدة من أصحابنا عن رجل من أهل خراسان أن مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شي ء محرم قلع ضرسه؟. فكتب عليه السّلام: يهريق دما «3» و لكن فيه ما لا يخفى من وجوه، قال في الدروس: (الثالث و العشرون قلع الضرس و فيه دم و الرواية مقطوعة) و قال ابن الجنيد على ما حكاه صاحب الجواهر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 70 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 95 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 272

[و قص الأظفار]

و قص الأظفار (1)

- قدس سره-: (لا بأس مع الحاجة و لم يوجب شيئا). و ظاهره- كما ترى- التردد في الفدية. و كيف كان فالحكم بثبوت الفدية مشكل، فتأمل

(1) من المحرمات على المحرم كما أفاده المصنف- قدس سره- قص الأظفار و هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر:

(بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل في

المنتهى و التذكرة: نسبته الى علماء الأمصار و هو الحجة. إلخ) و يدل عليه- مضافا الى الاتفاق المزبور- ما رواه الحسين بن سعيد عن فضالة و صفوان عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره؟. قال: لا يقص شيئا منها إن استطاع فان كان تؤذيه فليقصها (فليقلمها خ) و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام «1». و رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- في المقنع مرسلا. و ما رواه موسى ابن القاسم عن عبد اللّه الكناني عن إسحاق بن عمار عن أبى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل أحرم فنسي أن يقلم أظفاره؟ قال: فقال: يدعها قال: قلت انها طوال؟

قال: و ان كانت؛ قلت: فان رجلا أفتاه أن يقلمها و يغتسل و يعيد إحرامه ففعل؟.

قال: عليه دم «2». الى غير ذلك من الاخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- الدالة على المدعى.

ثم أن تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على ذكر أمور:

1- ان مقتضى قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (لا يقص شيئا منها إن استطاع فان كان تؤذيه فليقصها) جواز القص مع الأذية و لكن المستفاد منه عدم الاكتفاء بمطلق الأذية في جواز ذلك له بل الأذية البالغة إلى حد العسر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 77 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 77 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 273

..........

و الحرج و عدم الاستطاعة العرفية، و ذلك بقرينة قوله عليه السّلام فيه: (ان استطاع) اللهم إلا أن يقال ان المراد من الاستطاعة فيه هو مطلق الأذية بقرينة قوله عليه السّلام بعده (فان كان.

إلخ) فتأمل قال في الجواهر: (نعم قد يقال: ان المنساق من الأذية فيه و في معقد نفي الخلاف الوصول إلى حد الضرورة التي يسقط معها التكليف خصوصا بعد عدم معروفية غيرها في سائر المقامات و موافقيته للاحتياط) 2- ان المستفاد من بعض الأخبار ترتب الحكم على القلم الذي هو عبارة عن مطلق الإزالة و هو أعم من القص المعبر به في كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بناء على ارادة خصوص القطع بالمقص (أى المقراض) فعليه يكون المدار في ترتب الحكم على مطلق الإزالة.

3- ان مقتضى صحيحة زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (من قلم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه، و من فعليه متعمدا فعليه دم «1» هو عدم ترتب الكفارة إذا قلم أظافيره جاهلا أو ناسيا أو ساهيا، و في صحيح حماد عن أبي حمزة قال: سألته عن رجل قص أظافيره إلا إصبعا واحدا، قال: نسي؟ قلت: نعم، قال: لا بأس «2». و في صحيح زرارة بن أعين قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة) «3».

و أما صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في المحرم ينسى فيقلم ظفرا من أظافيره؟ قال: يتصدق بكف من الطعام، قلت فاثنتين؟ قال كفين، قلت:

فثلاثة؟ قال: ثلاث أكف. إلخ «4» فهو لأجل تسالم الأصحاب- رضوان اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب بقية كفارات الإحرام

الحديث 6

(4) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 274

[و قطع الشجر و الحشيش]

و قطع الشجر و الحشيش (1)

تعالى عليهم- على خلافه محمول على الاستحباب. كما أفاده الشيخ- قدس سره- فتدبر.

3- ان المستفاد منها عدم الفرق في ترتب الحكم على القلم بين الكل و البعض كما صرح به غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم.

(1) الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في أنه يحرم على المحرم قطع الشجر و الحشيش من الحرم الذي هو بريد في بريد كما ستسمعه في الصحيح، عدا ما يأتي استثنائه في المقام- ان شاء اللّه تعالى- قال في الجواهر (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه؛ بل في المنتهى و عن التذكرة نسبته إلى علماء الأمصار، و هو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة. إلخ).

و يدل عليه ما رواه موسى بن سعدان عن عبد اللّه بن القاسم عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته؟ قال: نعم، قلت: له أن يحتش لدابته و بعيره؟ قال: نعم، و يقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فإذا دخل الحرم فلا «1». و ما رواه محمد بن على بن الحسين بإسناده عن محمد ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: قلت: المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم قال: نعم قلت: فمن الحرم؟ قال: لا «2». و ما رواه على بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين «3». و ما رواه جميل بن دراج

عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: رآني على بن الحسين عليه السّلام و أنا أقلع الحشيش من حول الفساطيط بمنى فقال: يا بنى أن هذا لا يقلع «4». و ما رواه هارون ابن حمزة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام فقال إن على بن الحسين عليهما السّلام كان يتقى الطاقة من العشب ينتفها من الحرم، قال: و رأيته و قد نتف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 85 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 85 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 86 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 86 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 275

..........

طاقة و هو يطلب أن يعيد مكانها «1». و ما رواه حماد بن عيسى عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين (الا خ) ما أنبته أنت و غرسته «2» و نحوها غيرها من الاخبار الدالة مفهوما و منطوقا على المدعى.

« (ينبغي هنا التنبيه على أمور)» (الأول)- ان مقتضى إطلاق بعض النصوص عدم الفرق في ترتب الحكم بين المحرم و المحل بل و عدم الفرق في ذلك بين القطع و القلع و النزع و غير ذلك مما اشتملت عليه الروايات التي لا تعارض فيها بالنسبة إلى ذلك، بل و عدم الفرق بين الورق و الأغصان و الثمر و غير ذلك بل و عدم الفرق أيضا بين الرطب و اليابس.

و أما ما رواه زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: حرم اللّه حرمه بريدا في بريد ان يختلى خلاه [1] أو يعضده

شجره إلا الإذخر أو يصاد طيره و حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة ما بين لابتيها صيدها و حرم ما حولها بريدا في بريد ان يختلى خلاها و يعضد شجرها إلا عودي الناضح «3» بناء على كون الخلاء فيه الرطب فهو على تقديره غير معارض لغيره من النصوص الدالة على حرمة جميع التصرفات فيما ينبت في الحرم إلا ما خرج بالنص و ذلك واضح.

______________________________

[1] قال الجوهري: (الخلاء «مقصورا»: الحشيش اليابس، تقول: خليت الخلاء و أخليته أي جززته و قطعته). و لكن في القاموس: (الخلا «مقصورا»: الرطب من النبات أو كل بقلة قلعتها) و عن النهاية: (الخلاء: «مقصورا»: النبات الرقيق ما دام رطبا و اختلاؤه قطعه) و عن مجمع البحرين (اى لا يجتز نبتها الرقيق ما دام رطبا و إذا يبس سمى حشيشا)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 86 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 86 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 276

..........

(الثاني)- الإشكال فيما رواه جميع بن دراج المتقدم ذكره من أنه كيف كان عليه السّلام يقلع حشيش الحرم مع أنه حرام و الجواب عن ذلك بأنه عليه السّلام كان طفلا فيحمل على كون القلع كان قبل التكليف؛ كما أفاده صاحب الوسائل- قدس سره- ان قلت: أنه إذا كان كذلك لم نهاه الامام عليه السّلام بقوله: (ان هذا لا يقلع) قلت: يمكن أن يوجه بان المقصود منه هو بيان حكم قلع هذا الحشيش في نفسه لا نهيه عليه السّلام. و على فرض تسليمه نقول: انه نهى للتنزيه بالنسبة إليه.

ثم أنه في البين احتمال

آخر و هو كون المراد من أبى عبد اللّه شخصا آخر غير الامام الصادق عليه السّلام لان دركه لعلى بن الحسين عليهما السّلام غير معلوم، مضافا إلى أنه ضعيف سندا على ما قيل فتدبر.

(الثالث) ان مقتضى قوله عليه السّلام في صحيح حريز المتقدم: (كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين) هو حرمة جميع التصرفات فيه لا خصوص القلع و القطع مع عدم التزام الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- به و لكن يمكن التفصي عن ذلك بوجوه:

1- أن يقال أنه ليس له إطلاق، لوروده في مقام التشريع.

2- ان يقال: ان حرمة القطع و القلع بواسطة الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- كانت مغروسة في ذهن الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- لكثرة سماعهم لذلك عنهم التي أوجبت انصراف قوله عليه السّلام: (كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام) إلى حرمة القلع و القطع و هذا الاحتمال يكفي في عدم ثبوت حرمة مطلق التصرف فيه.

3- أن يقال ان ما ورد في الأخبار الأخر من حرمة القطع و القلع مقيد لإطلاقه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 277

..........

4- أن يقال إن النبات بعد القطع أو القلع أو غيرهما لا يصدق عليه النبات حتى يحكم بحرمة مطلق التصرف فيه لهذا الحديث، فقد تحصل: ان النابت في الحرم و ان كان يحرم قلعه و قطعه لكن يجوز التصرف فيه بعد قطعه أو قلعه، و لا يقاس بمسألة الصيد.

و لكن هذه الوجوه كلها لا تخلو من المناقشة و الاشكال:

أما (الأول): فلان الظاهر منه كونه في مقام البيان لا في خصوص أصل تشريع الحكم، كما هو واضح.

و أما (الثاني): فلأنه احتمال بعيد، لا عبرة به.

و أما (الثالث): فلان إثبات الشي ء لا ينفي

ما عداه، و ما دل على حرمة القلع أو القطع انما هو بيان لأحد أفراد التصرفات المحرمة.

و أما (الرابع): فلان الموجود في صحيح حريز ليس عنوان النبات. بل عنوان (كل شي ء ينبت في الحرم) مضافا إلى أنه و ان لم يصدق عليه النبات، لكنه يصدق عليه الحشيش؛ فيشمله ما دل على حرمة احتشاش الحشيش، و لكنه انما يتم بناء على كون معنى ذلك مطلق جمعه لا خصوص قلعه و قطعه كما لا يخفى.

(الرابع)- ان الحكم في المقام- حسب ما يستفاد من النصوص- انما يترتب على ما يصدق عليه النبات فلا يشمل غيره مما لا يصدق عليه هذا العنوان.

(الخامس)- انه إذا ارتكب الحرام و قطع الشجرة فهل يجب عليه إعادتها أولا؟؟

يمكن الاستدلال على وجوبها بصحيح حريز المتقدم لما فيه (قال: و رأيته و قد نتف طاقة و هو يطلب ان يعيد إلى مكانها). و قال: صاحب الوسائل- قدس سره- في عنوان الباب: (باب تحريم قطع الحشيش و الشجر من الحرم للمحل و المحرم و قلعه فان فعل وجب إعادتها. إلخ) و ظاهر كلامه- قدس سره- كما ترى-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 278

إلا أن ينبت في ملكه، و يجوز قطع شجر الفواكه و الإذخر، و النخل، و عودي المحالة على رواية (1)

هو وجوب الإعادة، كما ان ظاهر الحديث ذلك فهو ينافي ما نسب إلى الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- من أنه إذا انقطعت الأوراق أو الأغصان أو قطعها الشخص عصيانا جاز له التصرف فيها؛ و أن مقتضى الجمع بينهما. أن يقال: ان المراد من وجوب الإعادة هو وجوبها في خصوص صورة القلع من الأصل لتكون نافعة، و المراد من عدم وجوب الإعادة هو ما لم يكن

كذلك، فلا تنافي بين الفتويين ثم أن قوله: (و قد نتف طاقة) لا بد من حمله على صورة المستثنيات بان يقال أنه عليه السّلام انما نتفها لكونها من المستثنيات التي سيجي ء ذكرها- ان شاء اللّه تعالى- فلم يحرم عليه نتفها هذا إذا قرئ [نتف] مبنيا للفاعل؛ و أما إذا قرء مبنيا للمفعول فلا يلزم ذلك- كما لا يخفى- و لكنه لا يخلو من الاشكال

(1) قد استثنى من حرمة قطع ما ينبت في الحرم أشياء:

(الأول)- ما نبت في منزله أو مضربه و قد صرح به غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و يدل عليه الأخبار منها:

1- خبر حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم؟. فقال: ان كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبنى الدار أو يتخذ المضرب فليس له أن يقلعها و إن كانت طرية عليه فله قلعها) «1».

2- خبره الآخر عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم؟ فقال: «ان بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له أن يقلعها، و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها» «2». إلى غير ذلك من الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام-

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 279

..........

ثم ان تحقيق الكلام في هذه المسألة يتم في ضمن أمور:

1- أنه هل يعتبر في المنزل أو المضرب أو يكون ملكا أو لا؟.؟.

الظاهر: عدم دليل على اعتبار ذلك. و أما قوله عليه السّلام في خبر عثمان المتقدم

(. و هو له) ففيه: (أولا)- عدم ظهور اللام في الملكية. و (ثانيا):

اختلاف النسخ فيه، إذ في نسخة: (و هي له) فبناء عليها كما يحتمل- بعيدا- رجوع ضمير: (و هي له) إلى المنزل بعد التأويل و جعله بمعنى الدار كذلك يحتمل- قريبا- رجوعه إلى الشجرة، و مع هذا الاحتمال القريب لا يدل على اعتبار ملكية محل الشجرة، فإن ثبت اعتبار إحدى النسختين بالخصوص فلا كلام، و إلا فلا عبرة بشي ء منهما، و حينئذ فيعلم إجمالا باعتبار ملكية نفس الشجرة أو مكانها في جواز القطع، و المتيقن هو اعتبار الملكية في كل منهما، فلا يجوز القطع مع مملوكية أحدهما له؛ لعمومات حرمة القطع، الا أن يدعى سقوطها عن الاعتبار بعد العلم الإجمالي بتخصيصها بناء على ما هو الحق من سقوط العام عن الحجية في المخصص المنفصل المردد بين شيئين، فحينئذ يرجع الى الأصل العملي- و هو جواز القطع- فتدبر.

ثم لا يخفى أنه لا يمكن إثبات عدم ظهور قوله عليه السّلام (له) في الملكية ب (دعوى): عدم صيرورة الحرم ملكا، و ذلك لعدم دليل تعبدي على أن الحرم على الإطلاق لا يملك نعم، المشاعر فقط لا تملك؛ و من المعلوم عدم كونها تمام الحرم، و المكة بما أنها مفتوحة عنوة لا يملك عمرانها دون غيره، فيمكن أن يقال بان المراد من جواز قلعه إذا نبت في منزله إذا كان ملكا له، بان لا يكون مبنيا في المشاعر و لا في عمران مكة.

هذا مضافا إلى أنه يكفي في صدق هذا العنوان عرفا- و هو كونه ملكا-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 280

..........

صرف كونه بنائه المذكور ملكا و ان لم تكن أرضه مملوكة له فتأمل.

ثم أنه لا يمكن التعدي

من مورد الروايات- و هو المنزل و المضرب- الى غيره- من مطلق الملكية- لاحتمال دخل خصوصيتهما في الحكم نعم، إذا حصل القطع بالمناط و عدم مانع من الجعل فلا محيص حينئذ عن التعدي و لكنه مجرد فرض لعدم الإحاطة بملاكات الأحكام و موانعها. و من هنا ظهر أن كلام المصنف- قدس سره- و هو: (الا أن ينبت في ملكه) على إطلاقه لا يستقيم.

2- أنه لا بد في مفروض المقام من الاقتصار على الشجرة، إذ من المعلوم عدم صدق هذا العنوان على كل نبات، فلا يمكن التعدي إلى غيرها، لاحتمال خصوصية فيها. نعم، إذا حصل لنا القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل أيضا فحينئذ لا محيص عن التعدي و لكنه قد عرفت آنفا و في غير واحد من المقامات أنه مجرد فرض لعدم السبيل اليه لقصور عقولنا عن درك ملاكات الأحكام و موانعها فتدبر.

3- أنه لا يشترط في جواز القطع كون الشجرة ملكا له، لعدم ثبوت اعتبار النسخة المشتملة على قوله عليه السّلام: (و هي له) حتى يقال برجوعها إلى الشجرة، و ظهوره في كونها ملكا له. نعم بناء على عدم ثبوت صحة النسخة الأخرى ينتهي الأمر إلى العلم الإجمالي بتقيد الشجرة بملكية نفسها أم محلها و قد عرفت ما يقتضيه العلم الإجمالي فلاحظ و تأمل.

4- انه هل يختص الحكم في مفروض المقام بالمنزل و الدار الذي كان معمولا في الزمن السابق- من كونه مبنيا على الطين- أو يعم غيره يمكن أن يقال بالأول، للانصراف لكن (فيه): أولا منع الانصراف، و ثانيا: بدويته بعد تسليم ثبوته فلا عبرة به في تقييد الإطلاق، لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي هو الضابط

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص:

281

..........

في الانصراف الصالح للتقييد، فتدبر. و عليه فبمقتضى قوله عليه السّلام: (ان بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له ان يقلعها، و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها) يحكم إطلاق الحكم لكل ما صدق عليه عنوان المنزل.

5- أنه لا فرق في جواز القلع في مفروض المقام بين المباشرة و التسبيب نعم، إذا كان ملكا لشخص و أراد غيره ان يقلعه فعليه إرضاء مالكه في ذلك لكونه تصرفا في مال الغير، فلا يجوز بغير اذنه.

(الثاني)- شجر الفواكه من الحرم، هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه غير واحد إلى قطع الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- كما عن ظاهر المنتهى: الاتفاق عليه بل عن ظاهر الخلاف: الإجماع على نفي الضمان عما جرت العادة بغرس الآدمي له نبت بغرسه أولا.) و يدل عليه- مضافا إلى الاتفاق المزبور ما رواه منصور ابن حازم عن سليمان بن خالد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: لا ينزع من شجر مكة شي ء إلا النخل و شجر الفواكه «1». و ما رواه عبد الكريم عمن ذكره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا ينزع من شجر مكة إلا النخل و شجر الفواكه «2» و لا يخفى ان إطلاق الاذن في النزع يشمل القلع و القطع فتدبر.

ان قلت: ان في الخبرين قصورا من حيث السند. قلت نعم: لكنه منجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- بمضمونها الموجب للاطمئنان بالصدور الذي هو مناط الحجية.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 3، ص: 282

..........

(الثالث)- الإذخر [1] و في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه- كما اعترف به غير واحد، بل عن المنتهى و التذكرة: الإجماع عليه؛ و هو الحجة.

و يدل عليه قوله عليه السّلام في موثقة زرارة المتقدمة في صدر المبحث (إلا الإذخر) و قوله عليه السّلام في حديث زرارة الآتي: (و الإذخر).

(الرابع)- النخل و الظاهر تسالم الأصحاب عليه، و يدل عليه قوله عليه السّلام في خبر منصور بن حازم و مرسل عبد الكريم المتقدمين: (إلا النخل).

(الخامس)- عودي المحالة [2] و يدل عليه ما رواه محمد بن الحسين عن أيوب بن نوح عن العباس بن عامر عن الربيع بن محمد المسلمي عمن حدثه عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قطع عودي المحالة و هي البكرة العظيمة يستقى بها من شجر الحرم و الإذخر «1» و اليه أشار المصنف- قدس سره- بقوله: (على رواية) و لكنه ضعيف سندا، لإرساله، و لا جابر له على وجه يعتد به، فتدبر.

(السادس)- ما كان داخلا عليك من الأوراق و الأغصان، و يدل عليه ما رواه على بن الحسين بإسناده عن إسحاق بن يزيد، أنه سأل أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها؟. قال: اقطع ما كان داخلا عليك، و لا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك «2» و لا يمكن التعدي إلى غير المنزل أى لا يجوز قطع ما كان داخلا في غير المنزل، لاحتمال خصوصية فيه.

______________________________

[1] و الإذخر (بكسر الهمزة و الخاء المعجمة) قيل نبت معروف؛ و في محكي مجمع البحرين قال في وصفه: (يحرقه الحداد بدل الحطب و الفحم).

[2] المحالة (بفتح الميم) البكرة العظيمة

التي يستقى بها، قاله الجوهري و المراد:

العودان اللذان تجعل عليهما المحالة تستقي بها.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 283

..........

(السابع)- عودي الناضح، و قد دلت عليه موثقة زرارة لقوله عليه السّلام فيها:

(. و حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة ما بين لابتيها صيدها و حرم ما حولها بريدا في بريد ان يختلى خلاها و يعضد شجرها إلا عودي الناضح «1» و هذا كما ترى ورد في حرم الرسول صلّى اللّه عليه و آله لا في حرم مكة، فلا يمكن الاستدلال به على استثناء عودي المحالة، ان قلنا بأن عودي المحالة غير عودي الناضح. هذا و التعدي تمسكا بالقول بعدم الفصل غير صحيح، و أما عودي المحالة فقد ورد حديث في استثنائه، لكنه يشكل الأمر بإرساله و قد عرفته في الأمر الخامس فراجعه.

(الثامن)- عصى الراعي و يمكن أن يستدل لذلك بما عن دعائم الإسلام عن على عليه السّلام ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رخص في الإذخر و عصى الراعي «2» و لكنه لا عبرة به، لإرساله و بما عن الجعفريات عن على عليه السّلام قال رخص رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن يعضد من شجر الحرام الإذخر و عصى الراعي ليسوق بها بعيره و ما يصلح بها من دلو «3» و فيه أيضا ما لا يخفى، لكونه مجهولا.

(التاسع)- النزع و الجمع لتأكله الإبل؛ و يدل عليه ما رواه محمد بن أبى عمير و صفوان بن يحيى عن جميل و عبد الرحمن بن أبى نجران قال: سألت أبا

عبد اللّه عليه السّلام عن النبت الذي في أرض الحرم أ ينزع؟. فقال: أما شي ء تأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه «4» و لكنه يعارضه ما رواه عبد اللّه بن القاسم عن عبد اللّه ابن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته؟ قال: نعم، قلت: له أن يحتش لدابته و بعيره؟ قال: نعم، و يقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) المستدرك ج 2 الباب 69 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) المستدرك ج 2 الباب 69 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 89 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 284

..........

الحرم فإذا دخل الحرم فلا «1» فعليه فالمرجع بعد التعارض العمومات و الإطلاقات الدالة على الحرمة، لخروجها عن حريم التعارض.

ضرورة أن التعارض يختص بالمقيدين كما إذا أورد: «أعتق رقبة» و «أعتق رقبة كافرة» و «لا تعتق رقبة كافرة» فلو كان التعارض بين المقيدين و المطلق معا فاللازم سد باب التقييد، إذ ملاك هذا التعارض موجود فيما إذا اتحد المقيد أيضا و قد قرر في محله فساده؛ لكون المقيد قرينة على المطلق لا معارضا له.

و من هنا يظهر ضعف القول بالجواز استنادا الى ما قيل من ان دليل التخصيص إذا صار معارضا لم تكن المعارضة مختصة به و بمقابله حتى يكون المرجع بعد تعارضهما و تساقطهما عموم العام، بل العام أيضا داخل في حريم المعارضة، فعليه يكون المرجع بعد التعارض جواز النزع و الجمع لأكل البعير.

نعم يتجه المعارضة بين الخاصين و بين العام فيما إذا استوعبا العام-

كما إذا قال: [أكرم العلماء] و «يستحب إكرام عدولهم» و يحرم إكرام فساقهم]- فان التعارض يقع بين العام و بين الخاصين اللذين هما بمنزلة دليل واحد مبائن للعام لكن المقام أجنبي عنه- كما هو واضح بأدنى تأمل فالحق مرجعية العام في الخاصين المتعارضين اللذين تكون النسبة بينهما التباين- كمفروض المقام- و كيف كان فلا بأس أن يترك المحرم فضلا عن غيره أبله في الحرم ترعى في الحشيش مثلا و ان فرض حرمة قطعه عليه، و يدل عليه- مضافا إلى الأصل بعد عدم تناول النصوص المتقدمة له و السيرة القطعية التي هي فوق الإجماع- ما رواه حماد بن عيسى عن حريز بن عبد اللّه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «تخلى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 85 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 285

..........

البعير في الحرم يأكل ما شاء «1».

(العاشر)- ما أنبته أنت و يدل عليه ما رواه عبد الرحمن عن حماد بن عيسى عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت و غرسته» «2». و قال: في الجواهر ما هذا لفظه:

(و في التهذيب بعد أن روى صحيح حريز الذي ذكرناه في أول المسألة قال: متصلا بقوله: [إلا ما أنبته أو غرسته]: (و كل ما دخل على الإنسان فلا بأس بقلعه فان بنى هو في موضع يكون فيه نبت لا يجوز له قلعه)، فيحتمل أن يكون ذلك من تتمة الصحيح، و الا كانت فتوى منه مستظهرا لها من الخبرين الأولين اللذين و ان كانا مشتملين على خصوص الشجرة إلا أنه لا قائل بالفرق بينه و

بين غيره. إلخ.

و كيف كان فالحديث المتقدم و ان كان يدل على استثناء ما أنبته أنت من الحكم المزبور، الا أنه قد ورد أيضا عين هذا الحديث غير مذيل بهذا الذيل و هو الحديث الأول من الباب- 86- من أبواب تروك الإحرام عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين) فعليه يشكل الأمر في ذلك، فإنه و ان كان هذا الحديث مغايرا للحديث الأول من حيث بعض رجال السند لكن لا يضر ذلك بالمدعى، لأن الذي سمع عن الامام عليه السّلام فيهما واحد- و هو حريز- فكما يحتمل سماعه عن الامام عليه السّلام مرتين (أحدهما) مع الذيل و (ثانيهما): بدونه، كذلك يحتمل أنه سمع مرة واحدة و أن يكونا حديثا واحدا لا ندري أنه زيد في أحد النقلين أو حصل النقص في الآخر و تقديم احتمال النقيصة على احتمال الزيادة كما هو المتداول بين علماء الدراية بعد تسليم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 88 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 86 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 286

..........

صحته يختص مورده بحديث واحد نقل تارة مع الزيادة و اخرى بدونها و أما مع احتمال التعدد فلا مجال للتقديم المزبور، كما لا مجال للاستناد إليه في الحكم المزبور إلا بالاطمينان بالتعدد و كونهما حديثين و عدم كفاية احتمال التعدد، فاستثناء قطع ما أنبته المحرم عن حرمة قطع ما نبت في الحرم مشكل و تقتضي العمومات الحرمة فتدبر.

هذا و يمكن أن يقال: ان قوله عليه السّلام في صحيح حريز: (كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس

أجمعين) ليس مطلقا حتى نحتاج إلى الاستثناء بقوله:

(إلا ما أنبته و غرسته)، بل هو منصرف إلى ما نبت بنفسه و لا يشمل ما أنبته الآدمي هذا و لكن التحقيق خلافه لانه خلاف الظاهر إذا يلزم بناء على هذا الانصراف كون الاستثناء منقطعا، لعدم شمول المستثنى منه حينئذ لما أنبته الآدمي حتى يخرج بالاستثناء و مع إمكان الاتصال و ظهور الكلام فيه لا وجه لجعل الاستثناء منقطعا كما لا يخفى.

ثم لو ثبت استثناء هذا العنوان- اعنى قوله عليه السّلام: (إلا ما أنبته أنت)- لم يكن الجواز مختصا بما إذا أنبته هو بنفسه، بل نقول بجواز القطع و القلع حتى ما إذا كان أنبته غيره على وجه يسند الإنبات إليه دون ما إذا لم يكن مستندا إليه إذ ظاهر قوله عليه السّلام (ما أنبته أنت) هو كون الإنبات فعله المباشري أو التسبيبى بل دعوى: ظهوره في خصوص المباشري قريبة جدا، كما لا فرق أيضا بين ما إذا أنبته في مكان حلال، أو في مكان غصبي، و ما إذا كان البذر ملكا لك أو كان غصبا، لصدق ما أنبته على الجميع، نعم عدم جواز التصرف فيه لكونه تصرفا في ملك الغير جهة أخرى لا ترتبط بالجهة المبحوث عنها في المقام.

هذا كله بناء على ثبوت الاستثناء، و لكنه لم يثبت فعليه يكون المرجع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 287

..........

عموم العام الدال على حرمة التصرف في نبات الحرم لا البراءة لوجود الدليل الاجتهادي- و هو العموم المزبور- و معه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي- كما لا يخفى.

ثم أن مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام في صحيح حريز: (حرام) هو حرمة جميع التصرفات فيه، لدلالة حذف المتعلق على العموم أن

لم يكن هناك قرينة- من انصراف أو غيره- على ارادة بعض التصرفات. و (دعوى) انصرافه الى خصوص القطع و القلع ممنوعة. لعدم الانصراف أولا، و بدويته على فرض ثبوته ثانيا فلا عبرة به في تقييد الإطلاق، لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي هو الضابط للانصراف الصالح للتقييد على ما ثبت في محله و لا فرق بين كونه قائما على ساقه و بين كونه ساقطا و يابسا و الخلاء في قوله عليه السّلام في صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ألا ان اللّه عز و جل قد حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض، هي حرام بحرام اللّه الى يوم القيامة، لا ينفر صيدها، و لا يعضد شجرها، و لا يختلا خلاها و لا تحل لقطتها الا لمنشد، فقال العباس: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلا الإذخر، فإنه للقبر و البيوت؟. فقال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلا الإذخر «1» فقد عرفت فيما تقدم في صدر المبحث أنه كما فسر بالرطب كذلك فسر بالمطلق، فالتفسير فيه مختلف.

مضافا الى أنه قلنا بأنه خصوص الرطب لم يكن منافاة بين دليل حرمة الرطب و بين دليل الحرمة على نحو الإطلاق فتدبر.

ثم أن دليل حرمة التصرف في نبات الحرم لا يشمل المس و نحوه مما لا يعد يعد تصرفا عرفا كما لا يخفى-

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 288

..........

« (ثم انه ينبغي هنا التنبيه على فرع)» و هو أنه إذا سقط نبات من نباتات الحرم أو قطعها عصيانا فهل يجوز له

أن يتملكه بالحيازة و بيعه أم لا؟؟ تنقيحه مبتن على أنه هل تكون الحرمة مختصة بما إذا كان النبات قائما بساقه أم لا؟؟. فان قلنا بالأول فلا مانع منه و الا- كما هو الأقوى في النظر- فلا يجوز ذلك.

و يمكن ابتناء المسألة على كون المنهي عنه كل تصرف سواء كان خارجيا كقطعة، أو قلعه أو إحراقه أو نحوها أم اعتباريا كتملكه على حذو تملك سائر المباحات الأصلية بالحيازة- أو كون المنهي عنه خصوص التصرفات الخارجية؟؟.

الأظهر هو الثاني، لأنها صريح بعض النصوص، و انصراف الآخر فلا حظ و عليه بعد سقوط النبات أو إسقاطه عصيانا لا مانع من تملكه بالحيازة لعموم أدلة حيازة المباحات للمقام. و (دعوى): عدم كون نبات الحرم من المباحات الأصلية كما ترى.

نعم يمتاز نبات الحرم عن غيره من النباتات المباحة بعدم جواز التصرف فيه ما دام نباتا و أما بعد قطعه أو قلعه فحكمه حكم سائر المباحات الأصلية المملوكة بالحيازة لأن موضوع النهى هو القطع و نحوه من التصرفات الخارجية و المفروض عدم خروجه بهذا النهى عن المباح الأصلي، فعموم دليل حيازة المباحات باق على حاله.

نعم بناء على كون النهي إرشادا إلى عدم قابلية نبات الحرم للملكية نظير عدم قابلية الأوقاف العامة للملكية فلعدم تملكه بالحيازة وجه؛ لكنه خلاف ظاهر النهي في التكليف المولوي- كما لا يخفى.

[كتاب الحج: 36]

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 289

..........

« (تذييل)» الظاهر وقوع المعارضة بين أدلة المستثنيات؛ بتقريب: ان مقتضى ما دل على استثناء شجر الفواكه مثلا هو أن لا يكون له عدل آخر و بكون المستثنى منحصرا فيه، و كذا مقتضى ما دل على استثناء ما نبت في المنزل و المضرب و هكذا باقي المستثنيات، يمكن

الجمع بينها بوجهين:

(الأول)- ان مقتضى إطلاق كل واحد منها كونه تمام الموضوع فنقيده بنص الآخر؛ فيكون من قبيل إطلاق الشرط المقابل للعطف بالواو- المعبر عنه بالإطلاق الواوي- فتكون النتيجة في مفروض المقام: أنه يشترط في جواز القطع و القلع: (أن يكون شجر الفواكه- و قد نبت في المنزل- و قد غرسته أنت).

(الثاني)- الأخذ بظاهر كل منها في كونه تمام الموضوع للحكم بالجواز، فيكون كل من [شجر الفواكه- و النبت في المنزل- و غرس المحرم] عنوانا مستقلا محكوما بالجواز، فيتحصل من هذا الجمع: رفع اليد عن الإطلاق العدلى الرافع للعدل و الموجب لانحصار الموضوع بالجواز المستلزم لانتفاء الحكم بانتفاء الموضوع و عدم قيام غيره مقامه في بقاء الحكم و يسمى هذا الإطلاق بالإطلاق الأوى.

و هذا الوجه أظهر من سابقه، لأقوائية ظهور كل عنوان مأخوذ في حيز خطاب في الموضوعية التامة عرفا من ظهوره في الموضوعية الناقصة، و الأقوائية توجب تقدمه؛ و الحكم بان كل عنوان بنفسه موضوع مستقل لا أنه جزء الموضوع فرفع اليد عن الإطلاق العدلى النافي للعدل، و المثبت لانحصار الموضوع أهون من رفعها عن الإطلاق الواوي و مع الظهور في الاستقلالية لا يبقى مجال للمفهوم حتى يدعى تقييد إطلاقه بالمنطوق، و ذلك لترتب المفهوم على عدم جعل العدل و مع جعله لا مفهوم فيكون كل من العناوين المنطوقية المستثناة تمام الموضوع للحكم.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 290

[و تغسيل المحرم لو مات بالكافور]

و تغسيل المحرم لو مات بالكافور (1)

« (ثم انه ينبغي هنا التنبيه على فرع)» و هو أنه قد دل بعض الأخبار على تحريم قطع الشجر التي أصلها في الحرم و فرعها في الحل و كذلك العكس، و هو ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن

موسى ابن القاسم عن صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحل؟ فقال: حرم فرعها لمكان أصلها، قال:

قلت: فإن أصلها في الحل و فرعها في الحرم؟ فقال: حرم أصلها لمكان فرعها «1» و في بعض نسخ الرضوي: (و الشجرة متى كان أصلها في الحرم و فرعها في الحل فهي حرام لمكان أصلها و متى كان أصلها في الحل و فرعها في الحرم كان كذلك).

و نحوه غيره من الأخبار المروية عنهم عليهم السّلام.

و لا ينافيه ما دل على جواز قطع الأوراق و الأغصان الواردة عليك في منزلك و هو ما رواه إسحاق بن يزيد أنه سأل أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها؟ قال: اقطع ما كان داخلا عليك و لا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك «2» و ذلك لتخصيص ما دل على حرمة قطع الفرع مطلقا به، لدلالته على جواز القطع في خصوص ما إذا دخل الفرع في المنزل- كما لا يخفى- فتدبر.

(1) حرمة تغسيل المحرم لو مات و تحنيطه بالكافور مما لا ينبغي الكلام و الخلاف فيه و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر:

(بلا خلاف أجده فيه) و استدل لذلك بما رواه عبد اللّه بن المغيرة عن ابن سنان عن عبد الرحمن بن أبى عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يموت كيف يصنع به؟ قال: ان عبد الرحمن بن الحسن مات بالأبواء مع الحسين عليه السّلام و هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 90 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب

87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 291

..........

محرم و مع الحسين عليه السّلام عبد اللّه بن العباس و عبد اللّه بن الجعفر و صنع به كما يصنع بالميت و غطى وجهه و لم يمسه طيبا قال: و ذلك كان في كتاب على عليه السّلام «1» و ما رواه محمد بن الحسين عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال: سألته عن المحرم يموت؟

فقال: يغسل و يكفن بالثياب كلها و يغطى وجهه و يصنع به كما يصنع بالمحل غير أنه لا يمس الطيب «2». و رواه الكليني- رحمه اللّه تعالى- عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى مثله إلا أنه أسقط قوله: (و يغطى وجهه) و نحوهما غيرهما من الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام.

ثم أن تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الأولى)- ان حرمة تغسيل الميت بالكافور على الأحياء و ان كانت مما تسالم عليه الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- كما عرفت آنفا، إلا ان نصوص الباب خالية عن عنوان الكافور، إذ المذكور فيها عنوان الطيب- كما عرفته- لكن تسالمهم على حرمة تغسيل الميت بالكافور دليل على كونه طيبا، و من المعلوم انهم عارفون باللغة و المحاورات العرفية؛ فلا مجال للمناقشة فيه. هذا مضافا- إلى أنه على تقدير عدم تسليم كون الكافور طيبا- فيمكن أن يقال في إثبات الحرمة المذكورة التسالم المزبور، إذ يكون حينئذ إجماعا.

اللهم إلا أن يناقش فيه بما ذكرناه غير مرة بأن المعتبر منه هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام دون المدركى، و في المقام يحتمل أن يكون مدركه الأخبار المتقدمة لأجل تعميم مفهوم الطيب للكافور بنظرهم

فتدبر.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 3، ص: 291

(الثانية)- ان ما تقدم في مبحث حرمة الطيب من ورود الأخبار في حصر الطيب في أربعة كخبر عبد الغفار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (الطيب

______________________________

(1) الوسائل ج 1 الباب 13 من أبواب غسل الميت الحديث 1

(2) الوسائل ج 1 الباب 13 من أبواب غسل الميت الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 292

..........

المسك و العنبر و الزعفران و الورس) «1» و نحوه غيره من الأخبار فلا ينافي كون الكافور أيضا طيبا، و ذلك لأن المراد منها هو أن الطيب المحرم على المحرم أربعة لا حصر ذات الطيب، كيف و المحسوس في الخارج عدم انحصار الطيب في الأربعة المذكورة فما تقدم من الحصر هناك لا يوجب إشكال فيما نحن فيه حتى لا يكون الكافور داخلا في الطيب، و لو سلم إشكال اندراج الكافور في الطيب، فقد عرفت تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على كونه محكوما بحكم الطيب، و هذا كاف في الحكم بالحرمة، إلا أن يحتمل استناد حكمهم إلى تعميم مفهوم الطيب للكافور مع عدم مساعدة العرف العام عليه فلا يكون إجماعهم حينئذ حجة كما لا يخفى.

(الثالثة)- ان مقتضى إطلاق أخبار المقام هو حرمة غير الكافور من أقسام الطيب أيضا في الغسل و الحنوط و غيرهما- كما هو معقد إجماع التذكرة- بل الحكم في غير الكافور من أقسام الطيب ثابت بالأولوية، لدلالة النصوص عليها مطابقة.

(الرابعة)- أنه يغسل الميت المحرم بدل خليط الكافور بالماء القراح، و يكون غسله كذلك تاما فلا يجب بمسه بعده غسل على الماس، و

ان ذهب اليه الشهيد و المحقق- قدس سرهما- لانصراف الغسل إلى التام، و ذلك لكون الانصراف بدويا فلا عبرة به في تقييد الإطلاق.

و (دعوى): ظهور الغسل المانع عن وجوب غسل المس في مطلق الصحيح و ان لم يكن تاما قريبة جدا و التفصيل في محله.

(الخامسة)- أنه وقع في بعض الرسائل العلمية (في كتاب الطهارة) اشتباه و هو أن الميت المحرم لا يجعل الكافور في ماء غسله إلا أن يكون موته بعد طواف الحج أو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 16

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 293

[و لبس السلاح]

و لبس السلاح لغير ضرورة و قيل يكره و هو الأشبه (1)

العمرة- كما في العروة، و الوسيلة- و هذا الكلام في غاية الغموض، لكون التحلل في عمرة التمتع بالتقصير دون غيره هذا في العمرة.

و أما الحج فالتحلل فيه في مواطن ثلاثة- على ما سيجي ء تفصيله في محله، ان شاء اللّه تعالى- [أحدها). أعمال منى، فإذا أتى المتمتع بها حل له كل شي ء إلا الطيب و النساء (ثانيها): طواف الزيارة المحلل للطيب- (ثالثها): طواف النساء المحلل للنساء و الموجب لخروج المحرم عن الإحرام بكله] فالصواب أن يقال:

ان المحرم بإحرام العمرة المتمتع بها إذا مات قبل التقصير جنب من الكافور و المحرم بإحرام الحج إذا مات قبل طواف الزيارة المحلل للطيب جنب من الكافور.

فما ذكر من أنه إذا كان الميت محرما لا يجعل الكافور في ماء غسله في الغسل الثاني إلا أن يكون موته بعد طواف الحج أو العمرة على إطلاقه لا يستقيم، لعدم حصول التحلل في العمرة المتمتع بها إلا بالتقصير، فتأمل.

(السادسة)- أن ما دل على أنه يصنع بالميت المحرم ما يصنع بالحلال إلا

أنه لا يقربه طيبا يكون في مقام بيان كيفية غسله فيقيد به إطلاق ما دل على وجوب غسل الميت بالكافور، كما هو الشأن في كل مطلق و مقيد كانا واجدين لشرائط الحمل و من المعلوم عدم التعارض بينهما لكون حمل المطلق على المقيد من أوضح التوفيقات العرفية التي لا يتحير معها العرف، كما لا يخفى.

(1) القول بالتحريم مذهب الأكثر و يدل عليه ما رواه أبو جعفر (يعني أحمد بن محمد بن عيسى) عن محمد بن أبى عمير عن حماد عن عبيد اللّه بن على الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (ان خ) المحرم إذا خاف العدو (و خ) يلبس السلاح فلا كفارة عليه «1».

و ما رواه عبد اللّه بن المغيرة عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أ يحمل

______________________________

(1) الوسائل ج 1 الباب 54 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 294

..........

السلاح المحرم؟ فقال إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح «1». و ما رواه محمد بن على بن الحسين بإسناده عن عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

المحرم إذا خاف لبس السلاح «2» و ما رواه زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: لا بأس بأن يحرم الرجل و عليه سلاحه إذا خاف العدو «3».

ثم ان تنقيح هذا البحث يتوقف على الإشارة إلى أمرين:

1- أنه ليست الجملة الشرطية في ما نحن فيه مسوقة لبيان فرض وجود الموضوع حتى يقال بعدم المفهوم لها، و ذلك لعدم انطباق ضابطه عليه، توضيحه:

ان إناطة الجزاء بالشرط (تارة): تكون عقلية- كقوله تعالى وَ لٰا تُكْرِهُوا فَتَيٰاتِكُمْ عَلَى الْبِغٰاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً «4»

و قوله: (ان رزقت ولدا فاختنه) و نحوه و (اخرى) تكون شرعية أو عرفية- كقوله: (ان استطعت فحج) و: (ان جائك زيد فأكرمه) فإن كان التعليق و الإناطة على النحو الأول فليس للقضية مفهوم، و ان كان على النحو الثاني فلا ينبغي الإشكال في كون القضية ذات مفهوم، و من الواضح: ان المقام من هذا القبيل؛ لعدم كون توقف لبس السلاح عقليا بل شرعيا فيثبت الفرق حينئذ بين صورتي الخوف و عدمه في الحكم بجواز لبس السلاح للمحرم في الأول، و عدمه في الثاني، و إلا يلزم لغوية جعل التعليق الشرعي. هذا و احتمال وجود العدل له منفي بالإطلاق.

فقد ظهر بما ذكرنا حرمة لبس السلاح على المحرم مع عدم الضرورة.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه الفاضل و المصنف- قدس سره- بقوله:

(و الكراهة أشبه) و تبعهما غيرهما للأصل المقطوع بما عرفت. و بما ذكرنا

______________________________

(1) الوسائل ج 1 الباب 54 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 1 الباب 54 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 1 الباب 54 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(4) سورة النور في الآية 33

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 295

..........

يظهر ما في آخر كلام صاحب المدارك حيث أنه بعد ما ذكر صحيحي عبد اللّه بن سنان و عبد اللّه ابن على الحلبي قال: (و أجاب عنه في المنتهى: «بان هذا الاحتجاج مأخوذ من دليل الخطاب و هو ضعيف عندنا» و هو غير جيد، لان هذا المفهوم مفهوم شرط و هو حجة عنده و عند أكثر المحققين، لكن يتوجه عليه ان المفهوم إنما يعتبر إذا لم يظهر للتعليق وجه سوى نفي الحكم عما عدا محل الشرط،

و هنا ليس كذلك إذ لا يبعد أن يكون التعليق باعتبار عدم الاحتياج إلى لبس السلاح عند انتفاء الخوف؛ و أيضا فإن مقتضى الرواية الثانية لزوم الكفارة بلبس السلاح مع انتفاء الخوف، و لا نعلم به قائلا، و يمكن تأويلها بحمل السلاح على ما لا يجوز لبسه للمحرم- كالدرع، و البيضة- و معه يسقط الاحتجاج بها رأسا، و بالجملة: فالخروج عن مقتضى الأصل بمثل هاتين الروايتين مشكل، و القول بالكراهة متجه، إلا أن الاحتياط يقتضي اجتناب ذلك مع انتفاء الحاجة اليه، أما مع الحاجة فيجوز إجماعا) و وجه ضعف كلام صاحب المدارك هو وضوح عدم اندفاع الظهور بمثل هذا الاحتمال خصوصا بعد فهم المشهور منه ما ذكرنا فالأقوى هو الحرمة مع عدم الخوف؛ بل عن الحلبيين على ما في الجواهر حرمة اشتهاره أيضا و ان لم يكن معه لبس و لا حمل يصدق معه أنه متسلح بل كان معلقا على دابة و نحوها.

قال في الجواهر: (بل عن التقى منهما و حمله، لعله لأنه حينئذ كاللابس له، و لقول أمير المؤمنين عليه السّلام في خبر الأربعة مأة المروي عن الخصال: (لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم) كما أن الأول لقول الصادق عليه السّلام في حسن حريز و صحيحة: (لا ينبغي أن يدخل الحرم بسلاح إلا أن يدخله في جوالق أو يغيبه) و في خبر أبى بصير: (لا بأس أن يخرج بالسلاح من بلده و لكن إذا دخل مكة لم يظهره) و لا ريب في أنه أحوط و أن كان الأقوى عدم الحرمة، كما عساه يشعر به قول: (لا ينبغي) الذي يكون

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 296

..........

قرينة على المراد في الخبر الثاني خصوصا بعد ندرة القول

بذلك، كندرة القول بحرمة الحمل على وجه لا يعد به متسلحا، و الخبر المزبور مع ظهوره في الحرم دون المحرم؛ و لم نعرف قائلا به بل السيرة القطعية على خلافه محمول على ضرب من الكراهة) 2- ان ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم (المحرم إذا خاف العدو فلبس السلاح فلا كفارة فيه) هو ثبوت الكفارة عليه إذا لبسه مع عدم الخوف، إلا أنه كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- لم نجد قائلا به، كما اعترف به غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر: (اللهم إلا أن يحمل على ما يغطى الرأس، كالمغفر، أو يحيط بالبدن، كالدرع، و لكن حرمتهما حينئذ لذلك لا لكونهما من السلاح الذي قد يشك في شموله لهما، و ان كانت هي مع الترس من لامة الحرب نعم هو شامل لمثل الدبوس و نحوه. بل قد يقال بشموله لمثل بعض الآلات التي تتخذ للحرب و ان لم يكن فيه نصل و لا محددة- كالعصا ذات الرأس و غيرها- كما عساه يومي اليه ما ذكروه في المحارب الذي هو من شهر السلاح للاخافة. نعم، لا يعد مثله و مثل حمل الرمح و آلة البندق و نحوها لبسا عرفا و من ذلك يعلم كون المراد من اللبس هنا ما يشمل نحو ذلك مما هو داخل في الحكم قطعا. إلى أن قال و ربما يشير اليه الجواب عن الحمل في السؤال باللبس المشعر باتحادهما و ان المراد كون الرجل مسلحا.)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 297

بسم اللّه الرحمن الرحيم

[و المكروهات عشرة]

« (و المكروهات عشرة)» الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد (1)

« (في مكروهات الإحرام)»

(1) قال في المدارك: (أما كراهة

الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد فاستدل عليه في المنتهى: (بأنها لباس أهل النار فلا يقتدى بهم) و قال في الجواهر عند شرح قول المصنف: (لموثق الحسين بن مختار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يحرم الرجل بالثوب الأسود؟. قال: «لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفن به الميت» «1» الظاهر في إرادة الكراهة و لو بقرينة التكفين المجمع على جوازه به فهو في نفسه حينئذ غير صالح لإثبات الحرمة فضلا عن ان يخص به ما دل على جواز الإحرام في كل ثوب يصلى فيه، مع الإجماع بقسميه على جواز الصلاة في الثياب السود، المؤيد بتظافر النصوص بالنهي عن لبس السواد، كقول أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا تلبسوا

______________________________

(1) الوسائل ج 1 الباب 26 من أبواب الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 298

..........

السواد، فإنه لباس فرعون» «1». و قول الصادق عليه السّلام: «يكره السواد إلا في ثلاثة: الخف و العمامة و الكساء» «2» المحمول على الكراهة إجماعا، و ان كان لا دلالة في ذلك على كراهة الإحرام بخصوصه، فما عن المبسوط و النهاية و الخلاف و الوسيلة «لا يجوز الإحرام فيه»: واضح الضعف، أو محمول على الكراهة كما عن ابن إدريس حمله على ذلك و اللّه العالم).

لكن الإنصاف: أن موثق الحسين بن مختار المذكور دليل على حرمة الإحرام في الثوب الأسود. و أما ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- من قوله: (الظاهر في إرادة الكراهة و لو بقرينة التكفين.) ففيه: أن جعل الإجماع قرينة على إرادة الكراهة من النهى عن تكفين الميت في الثوب الأسود لا يوجب حمل الجملة الأخرى و هي «لا يحرم في الثوب الأسود» على الكراهة أيضا و أما

القول: بكون وحدة السياق قرينة على ذلك، ففيه: ما لا يخفى.

و أما الأخبار الواردة الدالة على النهى عن لبس الثوب الأسود على الإطلاق الممكن حملها على الكراهة بقرينة ما فيها من التعليلات من أنه «لباس فرعون» و «لباس أهل النار» تخصص بالنهي الوارد فيما نحن فيه، فنقول بكراهة لبس الثوب الأسود مطلقا و حرمته في الإحرام فيكون حراما للدليل المخصص فتدبر.

و أما ما دل على جواز الإحرام فيما يجوز فيه الصلاة- كرواية محمد بن على ابن الحسين بإسناده عن حماد عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: كل ثوب تصلى فيه فلا بأس ان تحرم فيه «3»- ليس قرينة على حمل النهى عن الإحرام في الثوب الأسود على الكراهة، لما قد ذكرناه غير مرة في مقامات عديدة: أنه لا تصل النوبة إلى الجمع

______________________________

(1) الوسائل ج 1 الباب 19 من أبواب لباس المصلى الحديث 5

(2) الوسائل ج 1 الباب 19 من أبواب لباس المصلى الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 299

و العصفر (1) و شبهه و يتأكد في السواد أو النوم عليها

الحكمي ما دام كان الجمع الموضوعي ممكنا؛ لتقدمه رتبة على الجمع الحكمي، فعليه نجمع بينها بالتخصيص فنلتزم بذلك إلا الإحرام في الثوب الأسود. فبما ذكرنا ظهر ضعف ما ذهب اليه المصنف و صاحب الجواهر و غيرهما من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و قوة ما ذهب اليه صاحب المبسوط و النهاية و الخلاف و الوسيلة بظاهر قولهم: «لا يجوز الإحرام فيه».

هذا كله بناء على تمامية سند الحديث المذكور فلاحظ و تأمل.

(1) قال في الجواهر: (و هو شي ء معروف و شبهه

مما يفيد الشهرة و لو زعفرانا أو ورسا بعد زوال ريحهما لخبر ابان بن تغلب قال: سأل (سألت خ ل) أبا عبد اللّه عليه السّلام أخي (أمي خ ل) و أنا حاضر عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ألبسه و أنا محرم (مة خ ل)؟ قال: نعم ليس العصفر من الطيب، و لكن أكره أن تلبس ما يشهرك بين الناس «1» و نحوه خبر عبيد اللّه بن هلال أو صحيحة عنه أيضا، و لكنهما لا يدلان على كراهة مطلق الصبغ به بناء على عدم الشهرة إلا بالمشبع منه، و لعله لذا خص الكراهة به في محكي المنتهى و التذكرة؛ بل في الأول «لا بأس بالمعصفر من الثياب، و يكره إذا كان مشبعا و عليه علمائنا» بل في التذكرة «و لا يكره إذا لم يكن مشبعا عند علمائنا.).

و لكن الأقوى في النظر عدم كراهة المعصفر مطلقا سواء كان مشهورا أو لا و ذلك للأصل و أما خبر أبان بن تغلب ففيه: (أولا) أنه ضعيف سندا فلا عبرة به و أما القول بأنه و ان كان ضعيف السند إلا أنه يتم الاستدلال للقول بالكراهة به لأجل أخبار من بلغ، ففيه: ما ذكرنا سابقا أنها بعد تسليم تماميتها دلالة أنها تختص بالمستحبات، و التعدي عن موردها إلى المكروهات بان الخبر الضعيف حجة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 300

..........

في المكروهات يحتاج إلى دليل و هو مفقود. و (ثانيا) بعد الغض عن سنده يناقش فيه من حيث الدلالة، لأنه لا يستفاد من قوله عليه السّلام: (و لكن أكره ما تلبس ما يشهرك بين الناس) كراهة لبس المعصفر

بما هو بل انما هو لأجل كونه مشهرا لصاحبه بين الناس بالتشيع، فيحرم في غيره لأجل التقية، لكون ذلك خلاف مذهب أبي حنيفة، فلبسه في نفسه ليس بمكروه، فكرهه عليه السّلام أن يلبسه في زمان رئاسة أبي حنيفة و رئاسة تابعيه الذي لم تجب التقية فيه، بل لا كراهة في حد نفسه في المشبع منه لما رواه محمد بن الحسين بإسناده عن موسى بن القاسم عن على بن جعفر قال: سألت أخي موسى بن جعفر عليه السّلام يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر؟.

فقال: إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به «1» فيما ذكرنا ظهر ضعف ما ذهب اليه المصنف و غيره من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- من القول بكراهة لبس المعصفر و شبهه فتدبر.

« (ينبغي هنا التنبيه على أمور)» (الأول)- ان الثوب المقدم: (و هو الثوب الشديد الحمرة بحيث لا يقبل ازدياد اللون) فقد ورد النهى عنه لمكان الشهرة أي لكونه ثوب شهرة لا لكونه يشهر صاحبه بالتشيع لأن مخالفة أبي حنيفة انما هي في المعصفر لا في المفدم) و كيف كان فيدل على ذلك ما رواه سعيد عن صفوان عن حريز عن عامر بن جذاعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام مصبغات الثياب يلبسها المحرم؟ فقال: لا بأس به إلا المفدم المشهور و القلادة المشهورة «2» و رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن عامر بن جذاعة مثله إلى قوله: (المفدم المشهور) إلا أنه قال (لا تلبسها المرأة المحرمة) و رواه الشيخ

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 301

..........

- قدس

سره- بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله، و كيف كان فمقتضى ظاهره- كما ترى- هو حرمة لبس الثوب المفدم و لا قرينة على الكراهة، إلا أنه ذهب الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- إلى الكراهة.

و يمكن الاستدلال على جواز لبس ثوب المفدم بإطلاق قوله عليه السّلام في خبر نضر بن سويد أن المرأة المحرمة تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس «1» و كا يمكن الجمع بينه و ما دل على حرمة لبسه بالتقييد كذلك يمكن الجمع بالحمل على الكراهة إلا أنه قد مر مرارا من أن الجمع الموضوعي مقدم على الجمع الحكمي، لتقدمه رتبة عليه كما لا يخفى فتدبر.

ثم أنه بناء على معنى المتقدم له أمكن أن يقال بأنه محمول على الكراهة بقرينة ما في أخبار المعصفر الغير المراد منه الحرمة قطعا من قوله عليه السّلام: (و لكن أكره أن تلبس ما يشهرك بين الناس) بناء على كون منه لباس الشهرة لا ما يعلم منه كون صاحبه شيعيا.

(الثاني)- أنه يجوز لبس الثوب المصبوغ بالطيب إذا ذهب ريحه، و يدل عليه ما رواه أبان عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب؟ قال: إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه «2». و ما رواه مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يلبس لحافا ظهارته حمراء و باطنته صفراء قد أتى له سنة أو سنتان؟. قال: ما لم يكن له ريح فلا بأس، و كل ثوب يصبغ و يغسل يجوز الإحرام فيه و ان لم يغسل فلا «3».

نعم في خصوص المصبوغ بالزعفران يشترط- مضافا إلى ذهاب ريحه- خفة لونه

بحيث يضرب إلى البياض و يدل عليه ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 302

..........

أصحابنا عن أحمد بن محمد عن على بن الحكم عن الحسين بن أبى العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب أ يحرم فيه؟ فقال:

لا بأس به إذا ذهب ريحه، و لو كان مصبوغا كله إذا ضرب إلى البياض و غسل فلا بأس به «1» و لكن في نسخة الجواهر ورد هذا الحديث إلا أنه جاء فيه:

(فلا يذهب الجرم منه) بدل: (فلا يذهب أ يحرم فيه).

و الظاهر انه المناسب، و ذلك لأن المراد من قوله (فلا يذهب) ليس عدم ذهاب الريح، فان المفروض في كلام الامام عليه السّلام ذهابه و لا يكون المراد منه أيضا عدم ذهاب اللون؛ فإنه على ما يستفاد من قوله عليه السّلام في ذيل هذا الحديث (و إذا ضرب إلى البياض و غسل فلا بأس به) هو عدم اشتراط ذهاب اللون فيه فلاحظ و تأمل.

(الثالث)- الظاهر أنه فرق بين ما أصاب الثوب الطيب و ما إذا صبغ كله بالطيب ففي الأول يكفي في الحكم بجواز لبسه ذهاب الريح و في الثاني لا يكفي ذلك بل لا بد من الغسل و يومي على الأول صدر صحيح الحسين بن أبى العلاء المتقدم و هو عن الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب أ يحرم فيه؟ قال: لا بأس إذا ذهب ريحه)

و يدل عليه ما رواه إسماعيل بن الفضل المتقدم ذكره أيضا لقوله عليه السّلام فيه: (إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه) و يدل على الثاني و هو عدم كفاية ذهاب الريح فيما إذا صبغ ثوبه كله بالطيب بل لا بد من الغسل ذيل ما مر من صحيح الحسين بن أبى العلاء، لقوله:

عليه السّلام فيه «و لو كان مصبوغا كله إذا ضرب إلى البياض و غسل فلا بأس به» و ما في ذيل حديث عمار بن موسى المتقدم لقوله عليه السّلام فيه: «و كل ثوب يصبغ و يغسل يجوز الإحرام فيه و ان لم يغسل فلا» و ما عن سعيد بن يسار قال: سألت أبا الحسن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 303

..........

عليه السّلام عن الثوب المصبوغ بالزعفران أغسله و أحرم فيه؟ قال: لا بأس به «1».

و أما ما رواه النضر بن سويد عن أبى الحسن عليه السّلام «في حديث» ان المرأة المحرمة تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس «2» الدال على عدم جواز لبس المرأة المحرمة من الثياب المصبوغة بالزعفران و الورس مطلقا فيقيد إطلاقه بما دل على جواز اللبس مع الغسل أو يحمل على الكراهة فتدبر.

(الرابع)- أنه يمكن ان يقال انه يشترط في الثوب المصبوغ بالطيب مضافا إلى ما عرفت من اشتراط غسله- ان لا يردع، و ذلك لما رواه على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن عمير عن حماد عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال: المحرمة لا تلبس الحلي و لا الثياب المصبغات إلا صبغا لا يرفع (لا يردع خ ل) «3» و لكن يمكن أن

يكون هذا الحديث ناظرا إلى غير جهة الطيب لأن ظاهره- كما ترى- هو جواز لبس الثوب المصبوغ حتى قبل الغسل إذا كان لا يرفع أو لا يردع فهو مختص بالمصبوغ بغير الطيب لما عرفت من اشتراط الغسل في المصبوغ بالطيب هذا مضافا إلى أنه بعد غسله يكون مما لا يردع فليس في البين شرطين (أحدهما): الغسل و (ثانيهما): ان لا يردع فتأمل.

(الخامس)- أنه يجوز الإحرام في الثوب المصبوغ بالمشق (أى الطين) و يدل عليه الأخبار الواردة في المقام- منها:

1- ما رواه ابن مسكان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس أن يحرم الرجل في ثوب مصبوغ بمشق «4».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 304

..........

2- ما رواه موسى بن القاسم عن صفوان عن عاصم بن حميد عن أبى بصير (يعني المرادي) عن أبى جعفر عليه السّلام قال: و سمعته و هو يقول: كان على عليه السّلام محرما و معه بعض صبيانه و عليه ثوبان مصبوغان فمر به عمر بن الخطاب فقال يا أبا الحسن ما هذان الثوبان المصبوغان فقال عليه السّلام ما نريد أحدا يعلمنا السنة انما هما ثوبان صبغا بالمشق يعنى الطين «1» 3- ما رواه العياشي «في تفسيره عن عبيد اللّه الحلبي عن أبى جعفر و أبى عبد اللّه عليهما السّلام قالا: حج عمر أول سنة حج و هو خليفة. فحج تلك السنة المهاجرون و الأنصار، و كان

على عليه السّلام قد حج تلك السنة بالحسن و الحسين و عبد اللّه بن جعفر قال: فلما أحرم عبد اللّه لبس إزارا و رداء ممشقين مصبوغين بطين المشق ثم أتى فنظر اليه عمر، و هو يلبى و عليه الإزار و الرداء؛ و هو يسير إلى جنب على عليه السّلام فقال عمر من خلفهم ما هذه البدعة التي في الحرم؟؟. فالتفت اليه على عليه السّلام فقال: يا عمر لا ينبغي لأحد أن يعلمنا السنة، فقال عمر: صدقت و اللّه يا أبا الحسن ما علمت انكم هم «2».

(السادس)- أنه يجوز الإحرام في الثوب الملحم [1] و يدل عليه ما رواه جعفر بن محمد بن يونس قال: كتب رجل إلى الرضا عليه السّلام يسأله عن مسائل و أراد أن يسأله عن الثوب الملحم يلبسه المحرم و نسي ذلك، فجاء جواب المسائل و فيه:

لا بأس بالإحرام في الثوب الملحم «3» و نحوه غير من الأخبار نعم يكره لبسه، و ذلك

______________________________

[1] الملحم (وزان اسم المفعول من الأفعال) جنس من الثياب و هو ما كان سداه إبريسم و لحمته من غير إبريسم

______________________________

(1) الوسائل ج 42 الباب 42 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 42 الباب 42 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 305

..........

لما تقدم قوله عليه السّلام في الأمر السادس في ذيل رواية ليث المرادي (انما يحرم الملحم) هذا بناء على حمله على الكراهة و أما بناء على حمله على كونه حريرا محضا- كما أفاده بعض- فلا كراهة في لبسه- كما لا يخفى- فتأمل.

(الثامن)- قد ذكر المصنف في كلامه المتقدم: (و يتأكد

[أي الكراهة] في السواد أو النوم عليها) فنقول أما تأكد الكراهة في السواد فلم نقف عليه دليل بالخصوص سوى ما نقدم في صدر المبحث و هو موثق الحسين بن المختار الذي قد عرفت الكلام فيه مفصلا. و أما تأكدها بالنسبة إلى النوم عليها أى الثياب المزبورة نحو ما عن ابن حمزة من كراهة النوم على ما يكره الإحرام فيه، و عن النهاية و المبسوط و التهذيب و الجامع و التذكرة و التحرير و المنتهى كراهة النوم على الفرش المصبوغة، و كيف كان فلم نقف على دليل له، إلا خبر أبى بصير عن أبى جعفر عليه السّلام قال: يكره (اكره خ ل) للمحرم أن ينام على الفراش الأصفر و المرفقة [1] الصفراء «1» و نحوه خبر المعلى بن خنيس عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: كره أن ينام المحرم على فراش أصفر أو على مرفقة صفراء «2» و عن المقنع الاقتصار عليه و في المدارك: (استفادة السواد بالأولوية). و (فيه): ما لا يخفى.

(تذييل) أنه بناء على حرمة لبس الثوب المصبوغ للمحرم، فيقع الكلام في أنه هل يضر لبسه بالإحرام أو لا؟؟. ان قلنا بعدم دخل لبس الثوبين في الإحرام لا جزء و لا شرطا- كما هو الحق- لما عرفت في مبحث الإحرام- فيتجه صحة إحرامه

______________________________

[1] المرفقة: اى المخدة على ما في الجواهر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 306

و في الثياب الوسخة و ان كانت طاهرة (1) و لبس الثياب المعلمة (2)

و لا يضر لبسه فيه، و أما إذا قلنا بدخله فيه جزءا

أو شرطا فحينئذ (تارة): يكون ثوب المصبوغ هو ثوب إحرامه و (أخرى): لا بل يلبسه زائدا على ثوب إحرامه فعلى الثاني لا إشكال في صحة إحرامه و على الأول فلا يصح إحرامه نعم بناء على القول بالكراهة فلا إشكال في البين كما لا يخفى هذا كله في لبس الثوب المصبوغ، و أما النوم عليه و لو قلنا بحرمة ذلك عليه فلا يضر بإحرامه، كما هو واضح.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من كراهة لبس الثياب الوسخة و ان كانت طاهرة للإحرام مما لا ينبغي الإشكال فيه، و يدل عليه ما رواه أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن الرجل يحرم في ثوب وسخ؟ قال: لا و لا أقول إنه حرام و لكن تطهيره أحب إلى و طهوره غسله، و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل و ان توسخ إلا أن تصيبه جنابة أو شي ء فيغسله «1».

(2) يدل عليه ما رواه ابن فضال عن المفضل بن صالح عن ليث المرادي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب المعلم هل يحرم فيه الرجل؟ قال: «نعم» انما يحرم الملحم «2» و ما رواه الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحرم في ثوب له علم؟ فقال: «لا بأس به» «3» و ما رواه معاوية قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلم و تركه أحب الى إذا قدر على غيره «4».

و أما بالنسبة إلى المرأة فلا كراهة إحرامها فيه عن النضر بن سويد عن أبى الحسن عليه السّلام «في

حديث» المرأة المحرمة؟ قال: و لا بأس بالعلم بالثوب «5».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 39 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

(3) الوسائل ج 2 الباب 39 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

(4) الوسائل ج 2 الباب 39 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.

(5) الوسائل ج 2 الباب 39 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 307

و استعمال الحناء للزينة (1)

و ما رواه سماعة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: «اما الخز و العلم [1] في الثوب فلا بأس أن تلبسه المرأة و هي محرمة» «1».

(1) اختلف الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في استعمال الحناء للزينة في حال الإحرام فذهب الأكثر إلى كراهة استعماله للرجل المحرم كما في كشف اللثام و المدارك و غيرهما و استدل عليه بصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الحناء؟ فقال: ان المحرم ليمسه و يداوي به بغيره «بعيره خ» و ما هو بطيب و ما به بأس «2» و لكن هذا الحديث- كما ترى- يدل على الجواز الذي هو مقتضى الأصل في مقابل القول بالحرمة المحكية عن المقنعة و الاقتصاد و المنتهى و خيرة الفاضل في المختلف. لمفهوم تعليل المنع عن الكحل بالسواد و النظر في المرآت بأنه زينة، بل مقتضاه الحرمة و ان لم تقصد الزينة، لما عرفته في مبحث الاكتحال و النظر في المرآت من دلالة بعض أخباره على حرمته مطلقا و عدم توقف صدق الزينة على القصد، و لعله لذا كان خيرته في المختلف ذلك.

و لكن فيه ما لا يخفى لتقييد مفهوم

التعليل المزبور بإطلاق ما دل على نفي البأس عنه- مضافا الى ما قال به في الجواهر: (بل و بإطلاق المس الذي هو أخص أو

______________________________

[1] (العلم) (بالتحريك) علم الثوب من طراز و غيره، و هو العلامة، و جمعه: اعلام- مثل سبب و أسباب- كذا في مجمع البحرين، و في مصباح المنير: «و أعلمت الثوب: جعلت له علما من طراز و غيره، و هو العلامة و في المدارك: هو الثوب المعلم المشتمل على علم، و هو لون يخالف لونه، ليعرف به و يقال: اعلم الثوب القصار فهو معلم بالبناء للفاعل و الثوب معلم «بسكون العين و فتح اللام».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 39 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 308

..........

أرجح بناء على العموم من وجه و لو بالشهرة المزبورة و أغلبية الزينة فيها و عدم العمل بعموم المفهوم في الخاتم و الحلي و غيرهما مما تحصل به الزينة و ان لم يقصدها.

و لكن يمكن الاستدلال على الكراهة بخبر الكناني عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن امرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك؟

قال: عليه السّلام «ما يعجبني ان تفعل «1» و دلالته عليها ظاهرة بعد حمل مورد الخبر على غير حال الضرورة بقرينة قوله عليه السّلام في مقام الجواب: «ما يعجبني أن تفعل» و الا فلا يتم ظهوره فيها.

قال في الجواهر: (لم يحضرني نص بالخصوص في الكراهة إلا خبر الكناني الى أن قال بناء على مساواة الرجل و المرأة و ما قبل الإحرام لما بعده و أولوية الزينة المقصودة من خوف الشقاق المنزل

على عدم وصوله الى حد الضرورة؛ و الألم يكن مكروها، و حينئذ يكون ظاهرا في كراهة ذلك باعتبار كونه زينة و ان لم تكن مقصودة؛ و هو خلاف ما صرح به غير واحد من كون المدار على القصد، بل هو ظاهر تقييد المتن و محكي الخلاف و التذكرة، بل لم أجد قائلا صريحا بالكراهة على الوجه المزبور نعم؛ ربما كان ظاهر إطلاق القواعد و محكي النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع كراهة استعمالها الحناء قبل الإحرام على وجه يبقى أثره بعده، الا أنه غير شامل لباقي الصور و لعل الاولى التعميم، لما عرفت مضافا الى جهة الحرمة التي يمكن إرادة الكراهة مما سمعت من دليلها بالنسبة الى ذلك بمعونة فتوى المشهور مع التسامح. إلخ).

و لكن لا يخفى أنه لا يمكن التعدي من مورد الخبر المتقدم (و هو المرأة) الى الرجل و ذلك لاحتمال خصوصية فيها و لا دليل على كراهة الحناء للرجل، و مع الشك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 309

و كذا للمرأة قبل الإحرام إذا قارنته (1)

فالأصل عدم الكراهة، فعليه لا يكره له الحناء لا قبل الإحرام و لا بعده. و أما القول بأن كراهة الحناء من أحكام المحرم لا خصوص المرأة؛ فهو في غاية البعد، لتوقفه على إلغاء خصوصية المرأة المذكورة في الخبر و حملها على المثال، و ذلك خلاف الظاهر جدا، و لا يمكن أن يصار اليه إلا بالدليل و مجرد قاعدة الاشتراك لا تصلح لذلك.

ان قلت: أنه يمكن التعدي من المورد بوحدة المناط، أو بغلبة اشتراك الرجل و المرأة في أحكام الإحرام، لندرة الأحكام المختصة بكل منهما، فإذا

شك في ان الحكم الكذائي مختص بالمرأة المحرمة أو مشترك بينها و بين الرجل المحرم، فيلحق المشكوك بالأعم الأغلب، قلت: في كليهما ما لا يخفى:

أما (في الأول): فلما تكرر منا مرارا و في مقامات عديدة من ان المعتبر منه هو القطعي، و هو غير حاصل في الشرعيات لعدم الإحاطة بملاكات الأحكام و موانعها فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا عندنا.

و أما (في الثاني): فلعدم الدليل أيضا على اعتبار الظن الحاصل من الغلبة في الشرعيات و لكن يمكن أن يقال بحرمته، عليه لأجل الأخبار الواردة في الاكتحال و النظر في المرآت المستفاد منها الكبرى الكلية و هي حرمة مطلق الزينة.

ثم أنه على فرض تماميته لا بد من الاقتصار على مورده- و هو كراهة الحناء قبل الإحرام إذا خافت الشقاق- لا مطلقا، فما أفاده المصنف و غيره من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- من القول بالكراهة مطلقا مما لا يمكننا المساعدة عليه فتدبر.

(1) يدل عليه الخبر الكناني المتقدم قال: سألته عن أمرية خافت الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك.؟؟. قال عليه السّلام: ما يعجبني ان تفعل.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 310

و النقاب للمرأة على تردد (1)

لكن في المدارك بعد ان حكى عن جده في المسالك: عدم الفرق بين الواقع بعد نية الإحرام و بين السابق عليه إذا كان يبقى أثره بعده، و أنه جزم في الروضة بتحريم الحناء قبل الإحرام إذا بقي أثره إليه قال: (و الرواية قاصرة عن إفادة ذلك، و يستفاد منها ان محل الكراهة استعماله عند إرادة الإحرام، و على هذا فلا يكون استعماله قبل ذلك محرما و لا مكروها) قال: في الجواهر بعد كلام صاحب المدارك

(و فيه: أن دليله على الحرمة ما سمعته من تعليل الزينة التي لا فرق فيها بين الإحرام معها أو فعل الحرام بعدها- كالطيب؛ و المخيط، و نحوهما- و ان كان فيه ما عرفت كما ان ما عن الشيخ و الحلي و يحيى بن سعيد و الفاضل في بعض كتبه من اختصاص الكراهة بالمرأة، لاختصاص النص بها، و غلبة استعمالها، و قوة تهيجه الشهوة فيها غير واضح، بعد قاعدة الاشتراك، فالأقوى عدم الفرق بينهما فيها، و عدم الفرق بين ما بعد الإحرام و ما قبله مع بقاء الأثر الذي يكون زينة بعده قصد أو لم يقصد، و اللّه العالم) و لكن بما ذكرنا آنفا ظهر لك قوة ما ذهب اليه الشيخ و الحلي و يحيى بن سعيد و و و. من القول باختصاص الكراهة بالمرأة، لاختصاص النص بها و ضعف ما ذهب اليه صاحب الجواهر- قدس سره- من القول بالتعميم لأجل قاعدة الاشتراك فتدبر.

(1) اختلف الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في لبس النقاب للمرأة المحرمة فقد نسب إلى الأكثر حرمته، و يدل عليه ما رواه الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: مر أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال: أحرمي و أسفري؛ و أرخى ثوبك من فوق رأسك، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك. إلخ «1». و ما رواه عبد اللّه بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام، قال: المحرمة لا تتنقب، لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه «2».

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 3 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 311

و دخول الحمام (1)

و يمكن أن يكون الوجه في تردد المصنف- قدس سره- في ذلك الالتفات إلى ظاهر النهى المستفاد من هاتين الروايتين، و إلى قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي عن عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام (في حديث): كره النقاب يعني للمرأة المحرمة. إلخ «1» و قوله عليه السّلام في خبر ابن أبى العلاء: (أنه كره للمحرمة البرقع و القفازين «2» بناء على إرادته من البرقع. و لكن التحقيق: أنه لا وجه لتردده- قدس سره- فيه، و ذلك لما عرفته مرارا أن كلمة (كره- أو يكره) لا تصلح للقرينية على حمل ما دل على الحرمة على الكراهة الاصطلاحية، بل المتعين هو العكس و ذلك بقرينة ما دل من الروايات على حرمة النقاب على المرأة، و لو لا هذه القرينة لم تكن ظاهرة لا في الحرمة المصطلحة و لا الكراهة كذلك بل كانت ظاهرة في مجرد الحزازة فلا دلالة لها على خصوص الكراهة المصطلحة حتى ينافيها ما دل على حرمة النقاب على المرأة المحرمة فتدبر فلا موجب لرفع اليد عن ظاهر النهى الدال على الحرمة الموجب لأن يكون المراد من الأخبار المشتملة: [على كره- أو يكره] الحرمة.

ثم أنه قد تقدم عند البحث عن كيفية إحرام المرأة في بعض المباحث المتقدمة ان مقتضى قوله عليه السّلام: (إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه) هو حرمة تغطية المرأة وجهها في حال الإحرام، و ان حكم وجهها حكم رأس الرجل و عدم اختصاص حرمة تغطية وجهها بغير النقاب.

و الحاصل: أنه قد تقدم هناك أن النقاب مع صيرورته ملصقا و لو ببعض الوجه تغطية محرمة نعم، ان لم يكن ملصقا به فليس

تغطية بل هو تظليل كما لا يخفى.

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و قد نفي عنه الخلاف في الجواهر و استدل لذلك بما رواه محمد بن عبد اللّه بن هلال عن عقبة بن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 312

و تدليك الجسد فيه (1) و تلبية من يناديه (2)

خالد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يدخل الحمام؟ قال لا يدخل «1» و ظاهره و ان كان الحرمة، إلا أنه يحمل على الكراهة لأجل تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم الحرمة و لصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا بأس ان يدخل المحرم الحمام و لكن لا يتدلك «2».

و لكن يمكن الجمع بينهما بوجه آخر و هو ان النهى عن دخول الحمام ليس لذاته بل لئلا يتدلك لكن و (فيه): أنه بعيد عن المتفاهم العرفي جدا.

(1) أما تدليك الجسد في الحمام فيدل على حرمته قوله عليه السّلام في ذيل صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (و لكن لا يتدلك) حيث أن ظاهر النهى هو الحرمة لا الكراهة، و لكن من جهة ذهاب الأصحاب إلى عدم الحرمة لا يمكن الإفتاء بها فلا بد من الاحتياط.

و أما تدليك الجسد في غير الحمام، فيدل على حرمته ما رواه صفوان عن يعقوب ابن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يغتسل؟ فقال: نعم يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه «3» و لكن من جهة تسالم الأصحاب: على خلاف مقتضاه فلا

بد من الاحتياط.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر: (و كذا يكره له تلبية من يناديه، لأنه في مقام التلبية للّه تعالى شأنه الذي لا ينبغي أن يشرك غيره معه. إلخ). و استدل له بما رواه محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن حماد بن عيسى عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 75 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 313

..........

أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس للمحرم أن يلبى من دعاه حتى يقضى إحرامه» قلت:

كيف يقول؟؟ قال: يقول: يا سعد «1». و المرسل: (إذا نودي المحرم فلا يقل:

لبيك، و لكن يقول: يا سعد «2» لا يخفى: أن ظاهرهما- كما ترى- هو حرمة تلبية من يناديه، للنهى عن ذلك فيهما و أما ما عن الصادق عليه السّلام: (يكره للرجل أن يجيب بالتلبية إذا نودي و هو محرم) «3» فليس بقرينة على الكراهة، لما عرفته غير مرة و في مقامات عديدة عدم ظهور لفظ: (يكره) في الكراهة المصطلحة، بل يكون ظاهراً في مجرد الحزازة فبقرينة ما دل على حرمة تلبية من يناديه يتعين حمله عليها.

نعم، قول أبى جعفر عليه السّلام: (لا بأس أن يلبى المحرم) «4» يمكن كونه قرينة على الكراهة؛ لكنه ضعيف سندا.

و أما من حيث الدلالة فأيضا قابل للمناقشة و الاشكال فيه، بتقريب: انه لم يعلم كون المراد من قوله عليه السّلام: (لا بأس أن يلبى المحرم) هو التلبية إذا دعاه داع، فتأمل.

و

الحاصل: أنه لا قرينة في البين على الكراهة فيتعين العمل بظاهر النصوص الدالة على الحرمة، فعليه يظهر ضعف ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- في ذيل هذا المبحث بقوله: (فما عن ظاهر التهذيب من التحريم واضح الضعف) و لكن لا يخفى أنه من جهة ذهاب المشهور إلى الكراهة بل كاد يكون إجماعا لا يمكننا الحكم بالحرمة، بل لا بد من الاحتياط، فلاحظ و تأمل و اللّه العالم و هو الهادي إلى الصواب.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 91 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 91 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 91 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(4) المروي في الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 314

و استعمال الرياحين (1)

(1) قد وقع الخلاف بين الأصحاب في هذه المسألة على قولين:

(الأول) الكراهة قال في الجواهر: (كما في النافع و القواعد و عن الإسكافي و النهاية و الوسيلة، بل و الحلي و إن كنا لم نتحققه، لأنه ترفه و تلذذ لا يناسب المحرم الأشعث الأغبر. إلخ) (الثاني): الحرمة، كما في المنتهى و التذكرة و التحرير و المختلف و في الرياض نسبته إلى المفيد و لجماعة على ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره- و في كشف اللثام (تحتمله عبارة المقنعة و السرائر. إلخ) يمكن أن يستدل على الحرمة بجملة من النصوص المروية عنهم- عليهم السّلام- منها:

1- ما رواه موسى بن القاسم عن حماد عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان [1] و لا يتلذذ به الحديث «1» 2- ما رواه عبد الرحمن عن عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه

عليه السّلام، قال:

سمعته يقول: لا تمس ريحانا و أنت محرم الحديث «2»

______________________________

[1] و المراد من الريحان (على ما في الجواهر) ما هو المتعارف منها، و عن العين: (الريحان:

اسم جامع للرياحين الطيبة الريح، قال: «و الريحان أطراف كل بقلة طيبة الريح إذا خرج فيه أوائل النور»، و عن ابن الأثير: (هو كل نبت طيبة الريح من أنواع المشموم) و عن كتابي المرزى: (عند الفقهاء الريحان ما لساقه رائحة طيبة كما لو رده و الورد ما لورقه رائحة كالياسمين و في القاموس: (نبت طيب الرائحة أو كل نبت كذلك أو أطرافه أو ورقه و أصله ذو الرائحة و خص بذي الرائحة الطيبة ثم بالنبت الطيبة الرائحة ثم بما عدا الفواكه و الاباذير ثم بما عداها و نبات الصحراء و من الاباذير الزعفران و هو المراد هنا ثم بالمعروف باسبرم. إلخ)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 315

..........

3- ما رواه البرقي في (المحاسن) عن بعض أصحابنا عن حريز قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يشم الريحان؟. قال: لا «1» مضافا إلى الأخبار الآمرة بالإمساك عن الريح الطيبة كصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تمس شيئا من الطيب، و لا من الدهن في إحرامك، و اتق الطيب في طعامك و أمسك على أنفك، و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة، فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة «2» و نحوه غيره من الأخبار المروية عنهم عليهم السّلام.

اللهم إلا أن يقال بعدم وجوب الإمساك بقرينة قوله عليه السّلام: (فإنه

ينبغي للمحرم.) بناء على ظهور لفظ: (لا ينبغي) في الكراهة؛ فتأمل.

و كيف كان فلا يعارض الأخبار المتقدمة ما رواه الحسين بن سعيد عن فضالة عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (لا بأس أن تشم الإذخر و القيصوم و الخزامى و الشيح و أشباهه و أنت محرم) «3» و رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن معاوية بن عمار و رواه الكليني- قدس سره- عن على بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن معاوية بن عمار قال: [لا بأس] و ذكر مثله.

و ذلك- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- لعدم كون نفي البأس فيه عن مطلق الريحان حتى يتحقق التعارض بينه و بين ما دل على الحرمة تعارضا كليا ليكون صريحا في الجواز فيتقدم على النهى الظاهر في التحريم تقدم النص على الظاهر و إنما غايته نفي البأس عن أمور معدودة يمكن استثنائها عما دل على الحرمة؛ هذا بناء على تسليم صدق الريحان عليها حقيقة، فعليه لا تعارض بينهما حتى تصل النوبة بالجمع بينهما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 316

..........

بالكراهة. نعم، بقي شي ء و هو تضمنه لفظ: (أشباهه) و لكن و هو كما يحتمل المشابهة في إطلاق اسم الريحان عليه كذلك يحتمل ما هو أخص مما يشبهه من نبت البراري؛ بل في المدارك: «الظاهر: إن المراد به مطلق نبات الصحراء، فيكون المراد بالرياحين المحرمة ما يستنبته الآدميون» و من ذلك يحتمل أن يراد به ما

هو أخص من ذلك الى أن قال: و على كل حال يكون استثنائه، لكونه كما قال في المختلف:

«إن نبت الحرم يتعسر الاحتراز عنه» و معه لا يمكن صرف النهى عن ظاهره الى أن قال: مضافا الى عدم إمكانه من وجه آخر: و هو أن النهى عن مس الريحان في الصحيح الماضي انما هو بلفظ للنهى عن الطيب بعينه، و هو للتحريم قطعا، فلا يمكن حمله بالإضافة إلى الريحان على الكراهة للزوم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في الحقيقة و المجاز، و هو خلاف التحقيق، و صرفه الى المجاز الأعم- يعني مطلق المرجوحية- مجاز بعيد. الى أن قال: و لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرنا خصوصا دعوى: الالتزام باستثناء الأمور المخصوصة التي يمكن دعوى الإجماع المركب على خلافها، و ان اختاره في المسالك و تبعه بعض من تأخر عنها، و كذا ما سمعته من احتمال كون المراد بالمشابهة خصوص نبت البراري، بل و كذا دعوى: الاستبعاد في عموم المجاز الغالب الاستعمال في النصوص، خصوصا المقام المتكرر فيه لفظ (لا) بناء على انها غير عاطفة. و بالجملة: الأولى الكراهة شما بل و استعمالا).

و لكن التحقيق: أنه بناء على تسليم صدق الريحان على الأمور المستثناة في حديث معاوية بن عمار المتقدم أو شمول لفظ: (أشباهه)- الواقع فيه- له فلا بأس بحمل النواهي الدالة على الحرمة على الكراهة، و الا فلا، و إذا شك في ذلك يحكم بالحرمة، لأجل ظاهر الأخبار، فتدبر.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 317

..........

« (إيقاظ)» أنه قد عد في المكروهات أفراد أخر زائدة على ما ذكره جمهور الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- منها:

1- الاحتباء [1] للمحرم و استدل له

بخبر حماد بن عثمان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: (يكره الاحتباء للمحرم، و في المسجد الحرام) «1» 2- المصارعة خوفا من جراح أو سقوط شعر، و استدل لذلك بما رواه على بن جعفر في الصحيح عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يصارع هل يصلح له؟؟. قال: لا يصلح له مخافة أن يصيبه جراح أو يقع (يقطع خ) بعض شعره «2» و رواه على بن جعفر في كتابه نحوه.

3- رواية الشعر و استدل له بما رواه حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (يكره رواية الشعر للصائم، و المحرم، و في الحرم، و في يوم الجمعة، و أن يروى بالليل قال: قلت: و ان كان شعر حق؟. قال: و ان كان شعر حق «3»

______________________________

[1] الاحتباء: (على ما في نهاية ابن أثير) أن يضم الإنسان رجليه الى بطنه بثوب يجمعها مع ظهر، و يشده عليهما، و قد يكون الاحتباء باليدين.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 93 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 و في الباب 31 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 94 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 96 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 318

بسم اللّه الرحمن الرحيم

[خاتمة]

(خاتمة) كل من دخل مكة وجب أن يكون محرما (1)

« (خاتمة)»

(1) لا ينبغي الإشكال في ذلك و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه) بل قال في المدارك:

(أجمع الأصحاب على أنه لا يجوز لأحد دخول مكة بغير إحرام عدا ما استثنى. إلخ) و يدل عليه

الروايات الواردة في المقام- منها:

1- صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام هل يدخل الرجل مكة بلا إحرام قال عليه السّلام: لا إلا مريضا أو من به بطن «1» 2- صحيح البزنطي عن عاصم بن حميد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

يدخل الحرم أحد إلا محرما؟. قال عليه السّلام: لا إلا مريض أو مبطون «2» 3- صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟ قال: لا، الا أن يكون مريضا أو به بطن «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 319

..........

و ظاهر الخبرين- كما ترى- عدم جواز دخول الحرم إلا محرما فضلا عن دخول مكة- كما عن التذكرة، و الجامع، و في الوسائل التصريح به حيث قال في عنوان الباب: (أنه لا يجوز دخول مكة و لا الحرم بغير إحرام. إلخ)- و استدل لذلك أيضا بما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في (إعلام الورى) نقلا من كتاب أبان بن عثمان عن بشير النبال عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في حديث فتح مكة أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: ألا ان مكة محرمة بتحريم اللّه لم تحل لأحد كان قبلي و لم تحل لي إلا ساعة من نهار الى أن تقوم الساعة. إلخ «1» بناء على أن المراد من تحريمها عدم جواز الدخول إليها إلا بإحرام، و بما رواه (في العلل و عيون الأخبار) بأسانيد تأتي عن الفضل بن شاذان عن الرضا

عليه السّلام قال: و إنما يأمروا بالإحرام ليخشعوا قبل دخولهم حرم اللّه و أمنه، و لئلا يلهوا و يشتغلوا بشي ء من أمور الدنيا و زينتها و لذاتها؛ و يكونوا حادين فيما هم فيه قاصدين نحوه، مقبلين عليه بكليتهم مع ما فيه من التعظيم للّه عز و جل لبيته، و التذلل لأنفسهم عند قصدهم إلى اللّه عز و جل، و وفادتهم اليه، راجين ثوابه، راهبين من عقابه، ماضين نحوه، مقبلين اليه بالذل و الاستكانة و الخضوع «2» و بما في العلل عن أبيه عن سعد عن محمد بن عيسى بن عبيد عن العباس بن معروف عن أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: حرم المسجد لعلة الكعبة و حرم الحرم لعلة المسجد و وجب الإحرام لعلة الحرم «3» ثم أن تنقيح هذه المسألة يتوقف على ذكر جهات:

(الاولى)- إن مقتضى الأخبار المتقدمة هو جواز دخول المريض إلى مكة بلا إحرام، و لكن ينافيها ما رواه سهل بن زياد عن أحمد بن محمد عن رفاعة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 12

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 320

..........

ابن موسى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يعرض له المرض الشديد قبل أن يدخل مكة؟ قال لا يدخلها الا محرما «1» و ما عنه أيضا قال سألت: أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل به بطن و وجع شديد يدخل مكة حلالا؟ قال: لا يدخلها الا محرما «2» لظهورهما في وجوب الإحرام على المريض لدخول مكة الا أن تسالم الأصحاب- رضوان

اللّه تعالى عليهم- على عدم وجوب الإحرام عليه قرينة على رفع اليد عن الظاهر و يتعين حمله على الاستحباب- كما أفاده الشيخ و صاحب الوسائل قدس سرهما- هذا و لكن الحق عدم المجال للحمل على الندب لعدم وصول النوبة الى هذا الحمل الا بعد الاعتبار و شمول أدلة الحجية لهما و لكن الظاهر أن سندهما ضعيف فيسقطان عن الاعتبار فالمدار على النصوص الصحيحة المتقدمة.

نعم بناء على تماميتها من حيث السند فكان لما ذكر- و هو حملها على الندب- لما تقدم مجال فتأمل.

(الثانية)- قال في المدارك: و الظاهر أنه انما يجب الإحرام لدخول مكة إذا كان الدخول إليها من خارج الحرم، فلو خرج أحد من مكة و لم يصل الى خارج الحرم ثم عاد إليها دخل بغير إحرام. إلخ) و ظاهر عبارته- كما ترى- هو المفروغية من ذلك، و لكنه مناف لمقتضى إطلاق صحيح محمد بن مسلم المتقدم في صدر المبحث، فحينئذ ان كان في البين إجماع أو سيرة قطعية على التقييد المزبور الذي ذكره- قدس سره- فهو، و الا فلا يمكننا المساعدة عليه، لمرجعية الإطلاق في عدم هذا التقييد.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 321

..........

و لا يخفى: أنه لا ينافي ذلك كون الميقات أدنى الحل، ضرورة: أنه بناء على وجوب الإحرام عليه يحكم بوجوب الخروج إلى أدنى الحل مع التمكن و مع عدم التمكن يحرم من مكانه، كغيره ممن يجب عليه الإحرام- كما أفاده صاحب الجواهر و غيره من الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم- و لكن يمكن الاستدلال على عدم وجوب الإحرام لدخول مكة لمن

خرج من مكة و لم يصل إلى خارج الحرم ثم عاد إليها بما دل على حرمة مكة بناء على شموله لحرمها بقرينة ما ذكر فيه من عدم تنفير الصيد و غيره مما هو من أحكام الحرم، لقوله صلّى اللّه عليه و آله في ذيل حديث فتح مكة المتقدم: (لا يختلى خلاها و لا يقطع شجرها و لا ينفر صيدها و لا تحل لقطتها إلا لمنشد. إلخ) فعليه فمع فرض عدم الخروج عنه لا يجب عليه الإحرام لدخول مكة بخلاف ما لو خرج عنه، ثم أراد الدخول بقصد الدخول إلى مكة، فإنه حينئذ يحكم بوجوب الإحرام عليه مع فرض مضى الشهر- الذي ستعرف الكلام فيه- (الثالثة)- أنه هل يجب على الداخل فيها أن ينوي بإحرامه الحج أو العمرة أو لا؟.؟. ذهب صاحب المدارك- قدس سره- إلى الأول حيث قال:

(و يجب على الداخل فيها أن ينوي بإحرامه الحج أو العمرة لأن الإحرام عبادة و لا يستقل بنفسه، بل إما يكون بحج أو عمرة، و يجب إكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من الإحرام. إلخ) و يمكن المناقشة فيه بكفاية إطلاق النصوص الواردة في المقام و غيره في إثبات مشروعيته في حد نفسه، و منه يظهر ضعف القول بأن الإحرام جزء من الحج أو العمرة، و ليس بمشروع مستقلا، إذ لا تنافي بين تشريعه (تارة): جزء.

(و أخرى): استقلالا كتشريع شرطية الوضوء- مثلا- للصلاة (تارة):

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 322

..........

و الاستحباب النفسي (أخرى)- كما لا يخفى- لكن قال في الجواهر: (قد يقال: إن ما دل على عدم حصول الإحلال إلا بإتمام النسك كاف في عدم ثبوت استقلاله، إذ (دعوى): أنه يحل بالوصول إلى مكة أو بالتقصير أو بغير

ذلك لا دليل عليها بل ظاهر الأدلة خلافها بل يمكن بعد التأمل في النصوص استفادة القطع بتوقف الإحلال من الإحرام في غير المصدود و نحوه مما دل عليه الدليل على إتمام النسك و ليس هو إلا أفعال عمرة أو حجة. إلخ) و لكن يمكن أن يقال بعدم توقف إحلاله عنه على الأعمال و حصوله بالدخول في مكة لانصراف ما دل على عدم حصول الإحلال الا بإتمام النسك عنه، فلا يشمله أدلة التروك حتى يحتاج الى الخروج. و (فيه): أنه ليس في البين انصراف أولا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، فلا عبرة به في تقييد الإطلاق، لعدم كونه بمنزلة القرينة الحافة بالكلام الذي هو الضابط للانصراف الصالح للتقييد، فتدبر.

فبمقتضى الإطلاقات و العمومات يحكم بعدم حصول التحلل له الا بعد أن أتى بالأعمال، لأنه لم يفرق فيها. بين من أحرم لأجل دخول مكة أو غيرها.

مضافا الى أنه يستفاد من الاخبار: ان الموضوع للاحكام هو الإحرام، و ترتب محظورات الإحرام على نفس الإحرام، و المفروض أنه تحقق جامعا للشرائط، فيترتب عليه أحكامه، فلا تصل النوبة الى الأصل العملي- و هو البراءة- بان يقال، ان وجوب الإحرام في المقام لم يكن مطلقا، بل لأجل دخول مكة، و بعد الورود فيها نشك في وجوب الأعمال، فندفعه بالأصل فيحصل التحلل منه بصرف دخول مكة، لحصول الغاية، فلاحظ و تأمل.

ثم أنه بعد الغض عن الإطلاقات و العمومات أيضا لا مجال لهذا الأصل،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 323

..........

للاستصحاب الموضوعي في المقام، لأنه على الفرض صدر منه الإحرام جامعا للشرائط، و إذا شك في حصول التحلل بمجرد دخول مكة، فنستصحب الإحرام إلى أن أتى بالأعمال، لرجوع الشك حينئذ إلى الشك في رافعية

دخول مكة للإحرام [كرافعية التقصير في عمرة التمتع- و طواف النساء في العمرة المفردة] فيكون المقام من صغريات الشك في رافعية الموجود الذي لا إشكال في جريان الاستصحاب فيه.

(الرابعة)- أنه لا يخفى: ان الإحرام لدخول مكة إنما يوصف بالوجوب إذا وجب الدخول، و إلا كان شرطا غير واجب- كوضوء النافلة- و متى أخل الداخل بالإحرام أثم، و لم يجب عليه قضائه- كما أفاده صاحب الجواهر و المدارك و غيرهما، من الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم- و أما وجوب القضاء- كما قيل- فما لا وجه له، لعدم دليل تعبدي عليه، بل الأصل ينفيه بعد كونه بفرض جديد. اللهم الا أن يدعى الإجماع على وجوب القضاء- كما ادعاه في محكي التذكرة- فتدبر.

(الخامسة)- ان المحكي عن الشيخ و جماعة من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- استثناء العبيد فجوزوا لهم دخولها من غير إحرام، و لكن ينافي ذلك مقتضى إطلاق الأدلة المتقدمة.

لكن استدل له في المنتهى على ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره-:

(بأن السيد لم يأذن لهم بالتشاغل في النسك عن خدمته، فإذا لم يجب عليهم حجة الإسلام لهذا المعنى فعدم وجوب الإحرام لذلك أولى) و نفي البأس عنه في المدارك.

و لكن لا يخفى ما فيه؛ لعدم صلاحية ما ذكر لتخصيص ما دل على وجوب الإحرام لمن أراد دخول مكة مطلقا؛ فمقتضى الإطلاقات و العمومات هو كون

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 324

..........

الإحرام لدخول مكة- كالصلاة و نحوها من الواجبات الشرعية في عدم توقفها على اذن المولى- فمع الشك في اعتبار اذنه في وجوب الإحرام عليه لدخول مكة يرجع الى العمومات لرجوع الشك في ذلك الى الشك في التخصيص.

ثم ان ما ذكره في محكي هي من عدم وجوب

حجة الإسلام على العبد، لعدم اذن المولى له في النسك في غاية الغموض ضرورة: ان عدم حجة الإسلام عليه ليس لعدم الاذن له و لذا لو أذن له في الحج أيضا لا يكون ما أتى به من المناسك حجة الإسلام إجماعا و نصا إلا إذا أدرك المشعر أو عرفة على الخلاف معتقا. بل عدم وجوب حجة الإسلام عليه انما هو لأجل الرقية. و هذا بخلاف وجوب الإحرام لدخول مكة فإنه لم ينهض دليل على اعتبار الحرية و لا على اذن السيد في ذلك، فالقول بعدم استثناء العبيد من العمومات هو الأقوى، و قد ظهر مما ذكرنا ما في الأولوية التي ادعاها في محكي هي فلاحظ و تدبر.

و أما كونه عبدا مملوكا لا يقدر على شي ء من دون اذن مولاه انما هو في غير الواجبات الشرعية و اما فيها فلا و على ذلك يصح إحرامه لدخول مكة المكرمة و ان لم يأذن له مولاه.

و لا ينافي ذلك ما تقدم سابقا من توقف صحة إحرامه على اذن مولاه بعد تنزيله على غير مفروض المقام- كما لا يخفى- فتدبر.

(السادسة)- أنه يقيد إطلاق ما دل على وجوب الإحرام لمن أراد دخول مكة أو الحرم بما إذا خرج من الحرم، لحاجة ثم رجع اليه و أراد دخول مكة لما رواه محمد بن إدريس في (آخر السرائر) نقلا من كتاب جميل بن دراج عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السّلام في الرجل يخرج من الحرم الى بعض حاجته ثم يرجع من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 325

الا من يكون دخوله بعد إحرامه قبل مضى الشهر (1)

يومه؟. قال: لا بأس بأن يدخل مكة بغير إحرام «1» هذا مع الغض عما في

سنده و ما رواه أحمد بن محمد عن ابن أبى عمير عن جميل بن دراج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يخرج الى جدة في الحاجة؟؟. قال: يدخل مكة بلا إحرام «2» و ما رواه يعقوب بن يزيد عن الحسن عن ابن بكير عن غير واحد من أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنه خرج الى الربذة يشيع أبا جعفر عليه السّلام ثم دخل مكة حلالا «3» إلا إذا كان رجوعه بعد مضى شهر، لما رواه الحسين بن سعيد عن ابن أبى عمير عن حفص بن البختري و أبان بن عثمان عن رجل عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم؟.؟. قال: إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام. فإن دخل في غيره دخل بإحرام «4»

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من عدم وجوب الإحرام لمن أراد دخول مكة بعد إحرامه قبل مضى شهر مما هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا، و استدل له بصحيح حماد بن عيسى أو حسنه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضى الحج فان عرضت له حاجة الى عسفان أو الى الطائف أو الى ذات عرق خرج محرما، و دخل ملبيا بالحج، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع إلى مكة رجع محرما و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى؛ قلت: فان جهل فخرج الى المدينة أو الى نحوها بغير إحرام ثم رجع في أبان الشهر في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير إحرام؟.؟ قال: ان

رجع في شهره دخل مكة بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرما. قلت: فأي الإحرامين و المتعتين متعة الأولى أو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 11

(2) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 5

(4) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 326

..........

الأخيرة؟؟. قال: الأخيرة عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته. إلخ «1» بناء على ارادة شهر العمرة من قوله (في شهره) و بموثق إسحاق بن عمار قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثم تبدو له حاجة فيخرج إلى المدينة أو الى ذات عرق أو الى بعض المنازل؟. قال عليه السّلام: يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأن لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحج، قال: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه. إلخ «2» « (ثم انه ينبغي التنبيه على أمرين)» (الأول)- أنه ذهب بعض إلى أن الظاهر إن الأمر بالإحرام إذا كان رجوعه بعد شهر إنما هو من جهة إن لكل شهرة، لا أن يكون ذلك تعبدا كما هو صريح موثق إسحاق بن عمار المتقدم- فعليه يقال أن الحكم بالإحرام إذا رجع بعد شهر إنما هو على وجه الاستحباب لا الوجوب، لأن العمرة التي هي وظيفة كل شهر ليست بواجبة.

و لكن لا يخفى ما فيه، لظهور الخبر في الوجوب كما هو واضح.

و أما التعليل الموجود فيه [لكل شهرة عمرة] فلا ينافي صيرورة هذه العمرة المستحبة واجبة بقصد دخول مكة، و انما يدل- كما

ذكرنا في بعض مباحث العمرة سابقا- على أنه رخص في عدم الاعتمار لدخول مكة ان دخل فيها في الشهر الأول و لم يرخص في ذلك له ان دخل في غيره، لأن لكل شهر عمرة فجعل الامام عليه السّلام استحقاق كل شهر للعمرة علة لعدم نفي العمرة الواجبة لدخول مكة،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب أقسام الحج الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب أقسام الحج الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 327

..........

و هذا لا يدل على عدم وجوبها إذا دخل فيها في غير الشهر الأول فتأمل (الثانية)- ان الظاهر من موثق إسحاق بن عمار المتقدم هو أن العبرة بكون شهر الدخول غير شهر التمتع لا كونه غير شهر الخروج و عليه يحمل ما تقدم من صحيح حماد، لأنه لم يصرح فيه بكون العبرة بشهر الخروج و انما جي ء فيه بالضمير لقوله عليه السّلام فيه: (ان رجع في شهره دخل مكة بغير إحرام و ان دخلها في غير الشهر دخل محرما. إلخ) فهو قابل لهذا الحمل في مقام الجمع.

نعم مرسلة الصدوق تدل على أن العبرة بشهر الخروج لا التمتع و هي: عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال إذا أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك، لأنه مرتبط بالحج حتى يقضيه الا أن يعلم أنه لا يفوته الحج و ان علم و خرج و عاد في الشهر الذي خرج دخل مكة محلا و ان دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما «1» و لكنه لا عبرة به لإرسالها، و في مرسلة حفص البختري و أبان أيضا ذلك و هي ما عنه عليه السّلام في الرجل يخرج في

الحاجة من الحرم؟. قال عليه السّلام: ان رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام و ان دخل في غيره دخل بإحرام «2» و فيه ما أورد في سابقه.

قال في المدارك في شرح قول المصنف- قدس سره-: (ان المراد بمضي الشهر مضيه من وقت إحلاله من الإحرام المتقدم- كما اختاره الشيخ و جماعة- و استشكل العلامة في القواعد احتساب الشهر من حين الإحرام أو الإحلال، و قال المصنف في النافع: «و لو خرج بعد إحرامه ثم عاد في شهر خروجه أجزأه؛ و ان عاد في غيره أحرم ثانيا». و مقتضى ذلك عدم اعتبار مضى الشهر من حين

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب أقسام الحج الحديث 10

(2) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 328

أو يتكرر كالحطاب و الحشاش (1)

الإحرام أو الإحلال، بل الاكتفاء في سقوط الإحرام بعوده في شهر خروجه إذا وقع بعد إحرام متقدم، و قريب. من ذلك عبارة الشيخ في النهاية، فإنه قال:

«في المتمتع: فان خرج من مكة بغير إحرام ثم عاد، فان كان عوده في الشهر الذي خرج فيه لم يضره ان يدخل مكة بغير إحرام، و ان دخل في غير الشهر الذي خرج فيه دخلها محرما بالعمرة إلى الحج و تكون عمرته الأخيرة و نحوه قال في المقنعة. إلخ) ثم لا يخفى: ان في المسألة فروعا كثيرة قد تقدم الكلام عنها مفصلا في مبحث العمرة (في الجزء الثاني) و من أراد الاطلاع عليها فليراجعها.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز دخول مكة بغير إحرام لمن يتكرر دخوله فيها في الجملة مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو

المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر المبسوط و السرائر: الاتفاق عليه. إلخ) و يدل عليه ما رواه موسى بن القاسم عن صفوان ابن يحيى و ابن أبى عمير عن رفاعة بن موسى (في حديث) قال: و قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام إن الحطابة و المجتلبة [و المختلبة خ ل] أتوا النبي صلّى اللّه عليه و آله فسألوه فأذن صلّى اللّه عليه و آله لهم أن يدخلوا حلالا «1» ثم أن تحقيق الكلام فيه يتوقف على الإشارة إلى أمر:

و هو أنه هل يمكن التعدي عن الحطابة و المجتلبة إلى غيرهما أو لا؟؟. مقتضى ظاهر عبارة المصنف- قدس سره- و غيره استثناء كل من يتكرر دخوله في مكة و ان لم يكن من الحطابة و المجتلبة كالحجارة و الجصاصة و الحشاش و الراعي و من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 329

و قيل من دخلها لقتال جاز أن يدخلها محلا كما دخل النبي صلّى اللّه عليه و آله عام الفتح و عليه المغفر (1)

كان له ضيعة يتكرر لها دخوله و خروجه، و لكن لا يجوز التعدي عن مورد الرواية- و هو الحطابة و المجتلبة- إلى غيره لاحتمال دخل خصوصية المورد في الحكم فلا وجه للتعدي إلى غيره، إذ لا قطع بالمناط حتى يمكن التعدي.

نعم إذا حصل لنا تنقيح المناط القطعي فلا محيص حينئذ عن التعدي، و لكنه لا سبيل لنا الى ذلك في الشرعيات، لقصور عقولنا عن ادراك الملاكات، فتسرية الحكم من المورد الى غيره قياس، فلا بد من الاقتصار على المورد، فتدبر.

(1) و القائل

هو الشيخ و ابن إدريس على ما حكى عنهما، بل في المدارك هو المشهور بين الأصحاب، و كيف كان ففي الجواهر: (من دخلها لقتال مباح جاز أن يدخلها محلا، بل عن المبسوط و السرائر. الى أن قال و في التذكرة:

«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله دخل و عليه المغفر، و كذا أصحابه- كما في بعض النصوص عن أمير المؤمنين عليه السّلام كذلك». و عن المنتهى: «أن النبي صلّى اللّه عليه و آله دخلها عام الفتح و عليه عمامة سوداء» و على كل حال فلا يخفى عليك ما فيه من المناقشة و الاشكال، و ذلك فإن المروي في صحيح معاوية بن عمار قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم فتح مكة: ان اللّه حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض؛ و هي حرام الى أن تقوم الساعة، لم تحل لأحد قبلي، و لا تحل لأحد بعدي، و لم تحل لي إلا ساعة من نهار «1» قال في الجواهر: و في ما عن المنتهى من احتمال كون المعنى: (حلت لي و لمن هو في مثل حالي)- بقرينة ما سمعته في التذكرة- بعيد، خصوصا بعد عدم إشارة في شي ء من النصوص المزبورة الى أن ذلك قد كان منه صلّى اللّه عليه و آله لمكان القتال

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 330

و إحرام المرأة كإحرام الرجل الا فيما استثنيناه (1).

و لو حضرت الميقات جاز لها أن تحرم و لو كانت حائضا لكن لا تصلى صلاة الإحرام (2)

الذي يمكن مجامعته للإحرام- كما عرفته في لبس المحرم السلاح للضرورة. على ان النبي صلّى اللّه عليه و

آله دخل مكة مصالحا لا للقتال، الا أنه لما كان الصلح مع أبى سفيان و لم يثق بهم و خاف غدرهم حل له ذلك. اللهم الا أن يقال: «أنه إذا جاز لخوف القتال فله أولى». و (فيه): أنه على كل حال لا يستفاد منه الجواز لمطلق القتال ضرورة: احتمال خصوصية فيما وقع من النبي صلّى اللّه عليه و آله باعتبار كونه منه و جهادا للمشركين و غير ذلك من الخصوصيات التي لا توجد في غيره. الى أن قال: و لعله لذلك كله و الاحتياط نسبه المصنف الى القيل مشعرا بضعفه، ضرورة: بقاء العموم حينئذ بلا معارض، بل عن الشيخ في غير المبسوط: انه لم يستثن إلا المرضى و الحطابة. نعم، قد يقال بالجواز إذا وصل الأمر إلى حد الضرورة، لعموم أدلتها، و فحوى نصوص المرض مع احتمال وجوب الإحرام حينئذ و ارتفاع بعض أحكامه لها لا أصل الإحرام، بل هو الوجه و اللّه العالم).

(1) من جواز لبس المخيط، و الحرير، و التظليل سائرا، و ستر الرأس و وجوب كشف الوجه بالمعنى المتقدم، و نحو ذلك مما تقدم.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و الظاهر أنه المتسالم عليه بينهم، و لم ينقل الخلاف من أحد منهم. قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك؛ بل و لا إشكال، ضرورة: اقتضاء عموم الأدلة عدم مانعيته عنه و خصوصها. إلخ) و استدل لذلك بجملة النصوص الواردة عنهم عليهم السّلام- منها:

1- ما رواه محمد بن إسماعيل (يعني ابن بزيع) عن صفوان بن يحيى عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 331

..........

منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المرأة الحائض تحرم

و هي لا تصلى؟.

قال: نعم إذا بلغت الوقت فلتحرم «1».

2- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تحرم و هي حائض؟ قال: نعم تغتسل و تحتشي و تصنع كما تصنع المحرمة و لا تصلى «2».

3- صحيح العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أ تحرم المرأة و هي طامث؟. قال نعم تغتسل و تلبي «3».

4- خبر يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تريد الإحرام؟. قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها. و تستقبل القبلة، و لا تدخل المسجد، و تهل بالحج بغير الصلاة «4» و نحوها غيرها من الروايات المأثورة عنهم عليهم السّلام.

ثم أن تنقيح هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى أمور:

(الأول)- انه قد تقدم (في مبحث المواقيت): أن الظاهر من قوله عليه السّلام في خبر يونس بن يعقوب المتقدم: (و تهل بالحج. إلخ) هو وروده في إحرام الحج فلا يتم الاستدلال به في المقام. اللهم الا أن يقال: ان العمرة جزء من الحج، فتصح أن يقال: (أنه تهل بالحج) إذا كان المراد منه الإهلال بالعمرة، فتأمل.

(الثاني)- أنه لو كانت الميقات مسجد الشجرة يجوز لها أن تحرم فيها في حال الاجتياز- كما عرفته سابقا- و أما قوله عليه السّلام في خبر يونس بن يعقوب (و لا تدخل المسجد) فلا بد من توجيهه، قال في الوسائل بعد ما ذكره: (أقول:

المراد: لا تدخل المسجد فتلبث فيه. أو تصلي فيه، بل تحرم مجتازة به أو من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 4

(3)

الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 5

(4) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 332

و لو تركت الإحرام ظنا أنه لا يجوز رجعت الى الميقات و أنشأت الإحرام منه و لو منعها مانع أحرمت موضعها (1)

خارجه أو يحمل النهى على الكراهة، أو خوف تعدى النجاسة. إلخ) هذا مع التمكن و أما مع عدم التمكن أحرمت من خارجه.

(الثالث)- إن مقتضى النصوص- كما ترى- عدم سقوط الغسل عنها فما حكاه صاحب المدارك- قدس سره- عن جده (في مناسك الحج): [أنها تترك الغسل أيضا] مما لا يمكننا المساعدة عليه، لما عرفت على أن هذا الغسل- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- ليس طهارة منافية لوجود الحيض بل هو مستحب تعبدا.

(1) أما وجوب الرجوع إلى الميقات و إنشاء الإحرام منه مع التمكن من ذلك فما لا ينبغي الإشكال فيه، لتوقف الواجب عليه، و أما خبر على بن جعفر عن أخيه عليهما السّلام قال: سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى إلى الحرم فأحرم قبل أن يدخله؟. قال عليه السّلام: إن كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضي، فإن ذلك يجزيه- ان شاء اللّه تعالى- و إن رجع إلى الميقات يحرم منه أهل بلده فهو أفضل «1» فهو و إن كان صريحا في عدم لزوم الرجوع الى ميقات أهل بلاده للإحرام و لو في صورة التمكن، لكنه لا يعارض ما دل على وجوب الرجوع الى الميقات عليها مع التمكن (أولا): فلضعف سنده على ما قيل به و (ثانيا): فلاعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عنه الموجب لخروجه عن حيز دليل الاعتبار، فتدبر.

و أما الاكتفاء بإحرامها من موضعها إذا تعذر

عليها العود إلى الميقات فهو المعروف بين الأصحاب، و قد نفي عنه الخلاف و الاشكال في الجواهر و يمكن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 333

..........

الاستدلال عليه بوجوه:

(الأول)- الإجماع. و (فيه): أنه لا عبرة لاحتمال كونه مدركيا.

(الثاني)- ما أفاده صاحب الجواهر من نفي الحرج.

(الثالث)- ما أفاده أيضا من فحوى ما ورد في الجاهل و الناسي الدال على جواز الإحرام له من مكانه في صورة التعذر كصحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم؟. قال: عليه السّلام قال أبى عليه السّلام يخرج الى ميقات أهل أرضه فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم «1». و نحوه غيره من الأخبار و لكنه لا يخلو من إشكال لما عرفته غيرة مرة و في مقامات عديدة فتدبر.

(الرابع)- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كانت مع قوم تطمث فأرسلت عليهم فسألتهم، فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا؟؟. و أنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم؟. فقال: إن كان عليها مهلة فلترجع الى الوقت فلتحرم منه، و إن يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا تفوتها العرفة «2» و لكن مقتضاه أنه مع تعذر الرجوع الى الميقات وجوب الرجوع عليها الى ما أمكن من الطريق- كما عن الشهيد- قدس سره- الفتوى بذلك- و ربما يؤيده، كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- عدم سقوط الميسور بالمعسور فتأمل.

و لكن في المدارك احتمال الحمل على الندب، لعدم وجوب

ذلك على الجاهل و الناسي مع الاشتراك في العذر، و لما رواه الكليني في الموثق عن زرارة عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا إلى الوقت و هي لا تصلى فجهلوا ان مثلها ينبغي أن يحرم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 334

و لو دخلت مكة خرمت إلى أدنى الحل و لو منعها مانع أحرمت من مكة (1)

فمضوا بها كما هي قدموا مكة و هي طامث حلال فسألوا الناس؟. فقالوا: تخرج الى بعض المواقيت فتحرم منه و كان إذا فعلت لم تدرك الحج، فسألوا أبا جعفر عليه السّلام؟

فقال: تحرم من مكانها، قد علم اللّه نيتها «1» و يمكن المناقشة فيه بتقريب: إن مقتضى إطلاقه و ان كان ذلك الا أنه يقيد بما تقدم مما دل على لزوم الخروج من الحرم مع الإمكان، و كيف كان فقد تقدم الكلام في هذه المسألة مفصلا (في مبحث أحكام المواقيت) و من أراد الوقوف عليها كاملا فليراجعها.

هذا كله إذا كان تركها الإحرام من الميقات بلا تقصير، و أما إذا كان بالتقصير فالظاهر كونها كتارك الإحرام عمدا- الذي قد تقدم الكلام فيه في مبحث أحكام المواقيت- كما أنه قد تقدم الكلام في الترك لعذر و الجاهل و الناسي و غير مريد النسك فراجعها.

(1) أما وجوب الرجوع عليها إلى أدنى الحل لو دخلت مكة فلكونه ميقاتا اختياريا- كما تقدم الكلام فيه في أحكام المواقيت- و أما الاكتفاء بإحرامها من مكة إذا تعذر عليها العود إلى أدنى الحل، لما عرفت من الأدلة فلا حظ و تأمل.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14

من أبواب المواقيت الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 335

بسم اللّه الرحمن الرحيم

[القول في الوقوف بعرفات]
اشارة

« (القول في الوقوف بعرفات)» و النظر في مقدمته و كيفيته و لواحقه (1)

« (ينبغي هنا التنبيه على أمر)»

(1) قبل الورود في هذا المبحث ينبغي التنبيه على أمر لم يتعرضه المصنف- قدس سره- و هو أنه لا شك في أن يوم الوقوف بعرفات هو يوم التاسع من شهر ذي الحجة، و لكن ينبغي هنا التكلم في أنه هل يجزى الوقوف في اليوم الثامن منه مع العامة بعنوان التقية أو لا.؟.؟ يمكن الاستدلال على الأجزاء بوجوه:

(الأول)- الإجماع. و (فيه): أولا- انه ليس في ما نحن فيه إجماع.

و ثانيا- انه على فرض ثبوته لا عبرة به، لما قد ذكرناه غير مرة من أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام أو الكاشف عن رضاه عليه السّلام لا المدركى، و في المقام يحتمل أن يكون المدرك بعض الوجوه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 336

..........

الآتية، فالعبرة بالمدرك إن تم.

(الثاني)- السيرة المتصلة بزمان أصحاب الأئمة عليهم السّلام، بتقريب:

انهم كانوا يحجون و لا يحتاطون بالوقوف مرتين أو اعادة الحج، لأنه لو كانوا يحتاطون اما بإعادة الوقوف أو بإعادة أصل الحج لكان ذلك يصل إلينا، و من عدم وصول ذلك إلينا عنهم يستكشف عدم عملهم بالاحتياط.

و (فيه): بعد تسليم ان الاحتياط في ذلك على فرض ثبوته يكون مما يصل إلينا قطعا أن احتياطهم فرع منع العامة لهم عن ترك الوقوف معهم في اليوم الذي يقفون بعرفات و لم يثبت منعهم عن ذلك، بل لعله لم يكن منع في البين، و كان كل يعمل على طبق عقيدته، لعدم كون هذا الاختلاف

اختلافا في المذهب، لاتفاق كلتا الطائفتين على أن الموقف هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة لا الثامن منه، فكل من كان يثبت عنده ان هذا اليوم هو التاسع كان يقف فيه، و كل من كان لا يثبت عنده ذلك كان يقف في اليوم الآتي سواء كان من العامة أو الخاصة.

(الثالث)- قاعدة الميسور و (فيه): ان القدر المتيقن من موارد جريانها هو الموارد التي عمل بها الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فيها دون الموارد التي لم يثبت عملهم بها فيها، و في ما نحن فيه لم يثبت عملهم بها.

مضافا الى أن صدق الميسور على الباقي فرع الاضطرار بترك الموقف الحقيقي و سيأتي في مقام الجواب عن الدليل الرابع بيان عدم تحقق الاضطرار في ما نحن فيه.

(الرابع)- دليل نفي العسر و الحرج و نفي الاضطرار بناء على القول بأنها تقيد الواقع و قد التزموا بذلك في نظائر المقام و هي:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 337

..........

1- من اضطر الى المسح على المرارة فإنهم- قدس اللّه تعالى أسرارهم- حكموا بأنه يمسح عليها و يجزى صلاته.

2- من اضطر الى الجلوس في الصلاة حيث انهم حكموا بصحة صلاته كذلك و نحوهما غيرهما. و ما نحن فيه أيضا كذلك، لعدم تمكنه من الوقوف بعرفة في اليوم التاسع تقية فيحكم بسقوط الوقوف عنه للتمسك بما دل على نفي العسر و الاضطرار.

و (فيه): أولا- إن مقتضى قاعدة انتفاء الكل بانتفاء جزئه و المقيد بانتفاء قيده عند حصول الاضطرار إلى ترك جزء أو قيد من واجب ارتباطي سقوط المركب رأسا لا سقوط ذلك الجزء أو القيد فقط.

نعم ثبت خلاف مقتضى هذه القاعدة في باب الصلاة بالنصوص الخاصة و لا يمكن التعدي عن موردها

إلى ما نحن فيه لعدم قطع بالمناط، و لا عموم لفظي يقتضي ذلك فلا بد من العمل بما يقتضيه القاعدة المزبورة و الالتزام بفوات الحج بترك الوقوف اضطرارا بل لا حاجة إلى إعمال هذه القاعدة في ما نحن فيه لدلالة نفس أخبار الباب على ركنية الوقوف المقتضية لبطلان الحج بفوات الوقوفين و لو اضطرارا كما سيأتي توضيحه إن شاء اللّه تعالى.

و ثانيا- إن في باب الصلاة إنما حصل الاضطرار لأجل أهمية الوقت و لو لا ذلك لم يكن في البين اضطرار لتمكنه من إتيان الصلاة تامة بعد الوقت- كما لا يخفى- و لذا نقول: ان من يحصل له البرء من المرض و يدرك الصلاة في آخر الوقت ليس له المسح على المرارة أو الصلاة جالسا، لما ذكرناه غير مرة من أن الواجب هو صرف الوجود من الصلاة و الموضوع هو صرف الوجود من الوقت، و المفروض أنه متمكن من الإتيان بصرف الوجود من الصلاة في صرف الوجود من الوقت قائما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 338

..........

أو بالمسح على البشرة، فليس مضطرا الى ترك ذلك.

هذا إذا لم يكن مرضه مستوعبا لتمام الوقت، و أما في صورة الاستيعاب ففي باب الصلاة قام دليل تعبدي على أهمية الوقت و أما في المقام فلم يقم دليل تعبدي على أهمية الفورية فتدبر.

فقد ظهر بما ذكرنا عدم ثبوت حصول الاضطرار الى ترك الوقوف، لعدم كون فورية الحج موجبة لتوقيته بحيث يكون الحج في العام القابل قضاء لما فات عنه في العام الماضي، حتى يقال بأهمية الوقت و وجوب الوقوف في غير يوم عرفة هذا مضافا الى أن اليوم الثامن: (من ذي الحجة) ليس وقتا لوقوف عرفة، فلا محيص عن القول

بالبطلان و فوات الحج.

ان قلت: كيف لا يتحقق الاضطرار في ما نحن فيه مع ان الأمر في جميع السنوات على نهج واحد، لعدم حصول التمكن من الوقوف فيها.

قلت (أولا): قد يتمكن الشخص من الاحتياط.

و (ثانيا): قد يتفق موافقة العامة مع الخاصة في بعض السنين فعليه الرواح الى الحج في كل عام ما لم يكن حرجيا عليه حتى يحصل التوافق لأن يأتي بالحج جامع للشرائط و إذا لم يحصل التوافق و لم يتمكن من الوقوف أصلا فيوصي بالحج.

هذا و إذا اتفق عدم التمكن من الوقوف في العام الأول من استطاعته لم يستقر عليه الحج و كشف عن عدم استطاعته في تلك السنة كما لا يخفى.

(الخامس)- حديث أبى الجارود قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام انا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى، فلما دخلت على أبى جعفر عليه السّلام و كان بعض أصحابنا يضحى؟؟. فقال: «الفطر يوم يفطر الناس- و الأضحى يوم يضحى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 339

..........

الناس- و الصوم يوم يصوم الناس» «1» تقريب دلالته على المدعى هو أنه حكم عليه السّلام فيه بأن الأضحى هو يوم يضحى الناس و معنى ذلك: إن اليوم الذي يضحى فيه الناس منزل منزلة يوم الأضحى الحقيقي و هذا التنزيل و إن لم يكن ملازما عقلا لتنزيل اليوم الثامن الذي يقف فيه الناس منزلة يوم عرفة الواقعي، لكنه ملازم له عرفا، فيفهم أحد التنزيلين بالمطابقة و الآخر بالملازمة العرفية و هذا التنزيل الثابت بالاستلزام العرفي يوسع وقت الوقوف و يجعل غير اليوم التاسع (من شهر ذي الحجة) وقتا أيضا للوقوف فيكون حاكما على ما دل على سببية فوت الموقف لفوت الحج لدلالة التنزيل المزبور على

عدم فوات الوقوف حينئذ و خروج المفروض عن موضوع من فاته الحج بفوات الوقوف.

هذا و كون مورد فرض الراوي هو صورة الشك لا يضر بإطلاق كلام الامام عليه السّلام الشامل للعلم بالخلاف أيضا.

إن قلت: ان ما ذكرته من التقريب يأتي بعينه في قوله عليه السّلام: (الفطر يوم يفطر الناس) مع أنه لا بد من القضاء في مسألة الصوم- كما ورد في بعض الروايات المروية في الوافي قوله عليه السّلام: (كان إفطاري يوما و قضائه أيسر على من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه) فلا يدل على التنزيل الموجب لترتب الآثار عليه، بل غايته وجوب إظهار الموافقة مع العامة لا ترتيب آثار الصحة على الأعمال التي يأتي بها على طبق مذهبه تقية، فالمستفاد حينئذ هو وجوب الاتقاء من شرهم بإظهار الموافقة معهم، و هذا غير صحة العمل و اجزائه عن الواقع.

قلت: ان ابتلاء احدى جمل الحديث و هي قوله عليه السّلام: (الفطر يوم يفطر الناس) بالمعارض لا يستلزم سقوط باقي الجمل عن الحجية- كما مر في غير واحد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 340

..........

من المقامات- فان السند ينحل بعدد الجمل.

هذا مضافا: الى أن التقية في ترك الواجب غير التقية في أدائه، و محل النزاع في دلالة أدلة التقية على الأجزاء و عدمه هو الثاني دون الأول، فالروايات الدالة على وجوب قضاء صوم الذي يكون من شهر رمضان و لكن حكم قاضى المخالفين بكونه يوم العيد و أفطر الإمام عليه السّلام تقية تكون على طبق القاعدة، فلا يقاس التقية في أداء الواجب كالمقام- بالتقية في تركه- كالصوم- هذا غاية

ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال به على المدعى و لكن يرد عليه (أولا): انه ضعيف سندا و (ثانيا): أنه من المحتمل أن يكون مقصوده عليه السّلام من هذا الكلام بيان وجوب التقية تكليفا و المماشاة مع المخالفين و إظهار الموافقة لهم لحفظ النفس و غيرها مما يجب حفظه عن شرهم، فالواجب علينا هو الاتقاء منهم- بان نفطر يوم يفطرون، و نضحي يوم يضحون- و نصوم يوم يصومون- و أما كون العمل الموافق لهم مجزيا فلا يدل عليه الخبر المزبور.

لكن الإنصاف: ان هذا الاحتمال بعيد جدا، إذ التقية حينئذ لا تشرع إلا إذا كان هناك خوف منهم يوجب حفظ النفس الذي هو أهم من فعل الواجب إذ الترخيص في ترك الواجب منوط بمزاحمته لما هو أهم منه- كوجوب حفظ النفس، أو العرض مثلا- و مقتضى إطلاق الأمر بالتضحية معهم هو جواز أو وجوب الموافقة معهم و إن لم يكن خوف منهم، كما يشعر به أو يدل عليه قول السائل (و كان بعض أصحابنا يضحى) فحينئذ يكون في نفس التقية و المداراة مع المخالفين مصلحة غير ملاك حفظ النفس و لازمه كون التقية عنوانا ثانويا مغيرا للحكم الأولى، و مقتضاه كون الأمر بالتقية بعثا حقيقيا لا إرشاديا، إذ لو كانت مشروعة لحفظ

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 341

..........

النفس فقط فتصير الأمر بها إرشاديا لكون التقية حينئذ مقدمة لحفظ النفس الواجب، و قد حقق في محله كون الأمر بالمقدمة إرشادا إلى حكم العقل بحسن الإطاعة و امتناع الأمر المولوي بها، و من المعلوم ظهور الأمر في المولوية لا الإرشادية، و مقتضى المولوية الاجزاء.

فالعمدة في الاشكال ضعف سند رواية أبي الجارود و عدم انجباره بالعمل، لاحتمال

استناد القائلين بالأجزاء إلى سائر الوجوه المذكورة، بل دلالة رواية أبي الجادر أيضا لا تخلو عن إشكال، لأن تنزيل التضحية الصادرة عن تقية منزلة التضحية الواقعية لا يلازم تنزيل الوقوف التقيي ء منزلة الوقوف الحقيقي الذي هو المدعى، فالعمدة منع هذه الملازمة العرفية، فلاحظ و تأمل و اللّه العالم و هو الهادي إلى الصواب.

ثم انه ورد نظير هذا الحديث حديث آخر عن أبى الجارود أيضا قال: سمعت أبا جعفر محمد بن على عليهما السّلام يقول: (صم حين يصوم الناس- و أفطر حين يفطر الناس- فان اللّه جعل الأهلة مواقيت) «1».

و يرد على الاستدلال به ما يرد على الحديث السابق من الوجهين المتقدمين، بل هذا أوهن منه لوجوه:

1- ان هذا الحديث انما هو بلسان الأمر بالصوم، و الإفطار حين يصوم الناس أو يفطرون و عدم دلالته على التنزيل أظهر، إذ لسان الحديث السابق أوفق بالتنزيل من هذا اللسان- كما لا يخفى.

لكن الحق عدم قصور في دلالته على التنزيل نعم، الحديث المتقدم أظهر منه في التنزيل فليس هذا موهنا له. نعم يوهنه ما تقدم في الاشكال على الاستدلال

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 342

..........

بالحديث المتقدم من عدم دلالته على المدعى، و هو تنزيل الوقوف الناشئ عن التقية منزلة الوقوف الحقيقي.

2- ان ذيل هذا الحديث شاهد على صدور صدره تقية و ذلك لأن التعليل بقوله عليه السّلام: (فان اللّه جعل الأهلة مواقيت) لا يناسب كون الصوم يوم يصوم الناس و الفطر يوم يفطر الناس، بل يناسب دورانهما مدار الواقع؛ فبين عليه السّلام كون هذا الكلام صادرا من باب التقية بوجه لا ينافي التقية.

الا أن يقال: ان

الغرض من التعليل بيان كون المدار على الأهلة مع الغض عن عنوان ثانوي يوجب العدول عنه و الاكتفاء بما نزل منزلة الأهلة الواقعية، فالمراد و اللّه العالم أن الأهلة جعلت مواقيت في غير حال الضرورة و مع الاضطرار يجعل غيرها بمنزلتها في الميقاتية و التنزيل هنا واقعي لا ظاهري حتى لا يقتضي الإجزاء، لعدم أخذ الشك في موضوعه كما لا يخفى.

3- ان هذا الحديث غير مشتمل على جملة: (الأضحى يوم يضحى الناس) فلو سلمنا دلالته على الاجزاء في باب الصوم فلا بد من الاقتصار على مورده؛ فلا يمكن التعدي عن مورده- و هو الصوم- الى غيره، لتوقفه على إلغاء خصوصية الصوم المذكور في الحديث و حمله على المثال، و ذلك خلاف الظاهر جدا. و لا يصار اليه الا بالدليل.

ان قلت: يمكن التعدي عن المورد أعنى الصوم الى غيره بوحدة المناط.

قلت: قد تكرر في غير واحد من المقامات من أن المعتبر منه هو القطعي منه، و هو غير حاصل في الشرعيات، و غاية ما يحصل هو الظن، و لا دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا عندنا، لاحتمال خصوصية في الصوم دون غيره، و لا دافع لهذا الاحتمال الا فهم المثالية من الصوم (بدعوى):

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 343

..........

ظهوره فيها، و لكنها غير مسموعة، لكون الظاهر على خلافها فتدبر.

هذا كله مضافا الى عدم كفاية الحديث المزبور لإثبات تنزيل غير يوم عرفة منزلة يوم عرفة و ان اشتمل على مثل قوله: (الأضحى يوم يضحى الناس) و ذلك لما عرفت من منع الملازمة العرفية بين تنزيل غير يوم الأضحى بمنزلة يوم الأضحى، و بين تنزيل غير يوم عرفة منزلة يومها.

ثم أنه يمكن أن

لا يكون هذا الحديث من أخبار حكم التقية لقوة احتمال كونه في مقام بيان حجية الشياع على ثبوت الهلال.

إلا أن يقال: ان هذا الاحتمال متجه فيما إذا كان صومهم و إفطارهم مستندين الى شيوع المدعين لرؤية الهلال لكنه ليس كذلك لاستنادهم في ذلك غالبا الى حكم القاضي و لا وجه لحمل الرواية على النادر و هو استنادهم الى دعوى المدعين للرؤية.

ثم ان أكثر الكلام في هذا الحديث يتأتى بالنسبة الى ما رواه محمد بن أحمد ابن داود عن محمد بن على بن الفضل و على بن محمد بن يعقوب عن على بن الحسن عن معمر بن خلاد عن معاوية بن وهب عن عبد الحميد الأزدي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أكون في الجبل في القرية فيها خمس مائة من الناس؟. فقال إذا كان كذلك فصم لصيامهم و أفطر لفطرهم «1» (السادس)- عمومات التقية. و (فيه): ان غاية دلالتها هو وجوب التقية تكليفا؛ و أما الاجزاء فلا يستفاد منها، و ذلك لأن أخبار التقية انما تدل على ارتفاع الحكم التكليفي لا ارتفاع الحكم الوضعي، فإنه لم تحصل الضرورة في الوضع مثلا إذا شرب الخمر تقية، فلا إشكال في سقوط حرمة شرب الخمر عنه، و لكن لا ينبغي الإشكال في أنه يتنجس فمه لعدم ارتفاع نجاسته بالتقية و كذلك من كان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 344

..........

الحج مستقرا عليه فذهب الى الحج و لم يتمكن من الوقوف الحقيقي للتقية فإنما يسقط عنه حرمة ترك الحج في هذه السنة لا انه يثبت له الاجزاء.

(السابع)- التعدي عن الأخبار الدالة على الاجزاء في موارد خاصة-

كالمسح على الخف تقية، و الصلاة معهم. و (فيه): انه بناء على تماميتها دلالة لا يمكن التعدي عن موردها الى ما نحن فيه، إذ لا قطع بالمناط. نعم، إذا حصل لنا القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل أيضا فلا محيص حينئذ عن التعدي، و لكنه مجرد فرض، لعدم الإحاطة بملاكات الأحكام و موانعها، لقصور عقولنا عن ذلك فتسرية الحكم من موردها الى ما نحن فيه قياس.

فتحصل من جميع ما ذكرنا: ان مجرد التقية لا توجب الاجزاء لعدم تمامية شي ء من أدلة الأجزاء التي قد تقدم ذكرها.

مضافا الى اقتضاء عدم انطباق المأمور به على المأتي به لعدم الاجزاء الا إذا ثبت بالدليل كونه مسقطا للمأمور به و المفروض انتفائه أيضا فلا وجه للاجزاء فتأمل جيدا.

« (حكم حاكم العامة)» و أما حكم حاكمهم فليس واجب الإتباع و ان قلنا بوجوب اتباع حكم حاكمنا في الموضوعات لعدم الدليل على اعتباره.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 345

..........

« (حكم حاكم الإمامية)» لا بأس بأن نتعرض هنا بالمناسبة لبيان أن حكم حاكم الإمامية هل يكون واجب الاتباع في الموضوعات أو لا؟؟ و انه هل يكون لهم الولاية العامة و سلطنة الدين و الدنيا و المناصب: [كمنصب أخذ الصدقات- و تولية الوقف الذي ليس له متول منصوص- و الطفل الذي ليس له الولي- و الصلاة على الميت الذي يكون بلا ولى- و منصب الفتوى- و القضاء في المرافعات- و مطلق الحكم و إن كان في غير المرافعات- و إجراء الحدود]- أم لا.؟؟.

و الحاصل: أنه هل يستفاد من الأدلة ولاية و منصب للفقيه أم لا؟؟ و على فرض استفادة ذلك فأي مقدار يستفاد منها.

فنقول: إن مقتضى الأصل عدم ولاية أحد على أحد،

و لكن يمكن أن يستدل على ذلك بعدة أخبار- منها:

1- ما رواه محمد بن خالد عن أبي البختري عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال عليه السّلام: إن العلماء ورثة الأنبياء، و ذاك إن الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا و إنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشي ء منها فقد أخذ حظا وافرا، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين، و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين «1» و نحوه في ذيل رواية على بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن القداح عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من سلك طريقا يطلب فيه علما، سلك اللّه به طريقا إلى الجنة و إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى به. إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله: و فضل

______________________________

(1) أصول الكافي: ج 2 الباب 3 الحديث 2 طبع النجف ص 22 الوسائل الباب 8 من أبواب صفات القاضي و ما يجوز ان يقضى به الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 346

..........

العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر. إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله:

و إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما لكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر «1» و الشاهد فيه قوله صلّى اللّه عليه و آله: (إن العلماء ورثة الأنبياء) يمكن المناقشة فيه باحتمال كون المراد من العلماء: الأئمة- عليهم السّلام-، و على فرض التسليم بأنه مجمل، لعدم العلم بمقدار وراثتهم، للقطع بعدم وراثة جميع مناصبهم لاختصاص ذلك بالإمام

عليه السّلام.

اللهم إلا أن يجاب عن الأول- و هو كون المراد من العلماء: الأئمة- عليهم السّلام- بأنه خلاف الظاهر. و عن الثاني- و هو أنه مجمل- بان كلما حصل القطع بخروجه عن تحت الإطلاق فهو، و أما كلما شك في خروجه عن حيز الإطلاق فاللازم الأخذ به.

و لكن الإنصاف أنه مع ذلك كله عدم تمامية دلالة الحديث على المدعى، لاحتمال وروده في مقام بيان فضيلة العالم، فلا إطلاق له.

هذا مضافا الى ان ذيل الحديث صريح في أن المراد منها هو إرث الأحاديث، حيث قال عليه السّلام: (و ذاك ان الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا و انما أورثوا أحاديث من أحاديثهم. إلخ).

2- ما في التوقيع: (و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّه. إلخ) «2» لا يخفى إن قوله عليه السّلام: (فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا.) يحتمل فيه

______________________________

(1) أصول الكافي: ج 2 الباب 5 الحديث 1 طبع النجف ص 31 و 32 (الكافي: ج 1 ص 34)

(2) الوسائل ج 3 الباب 11 من أبواب صفات القاضي و ما يجوز ان يقضى به الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 347

..........

أمران: (أحدهما): وجوب الرجوع إليهم لأخذ ما عندهم من الروايات.

و (ثانيهما): وجوب الرجوع إليهم لأخذ الأحكام التي يستنبطونها من تلك الروايات.

و على الثاني: لا يستفاد منه- كما ترى- إلا جواز التقليد- كما هو واضح- و على الأول: لا يستفاد منه شي ء أصلا، و مع الإجمال لا يمكن التمسك به حتى لإثبات التقليد.

و أما قوله عليه السّلام: (فإنهم حجتي عليكم.) فلا يدل على ثبوت مطلق الولايات للعالم، و غاية ما يمكن أن يدعى دلالته على التقليد.

إلا أن

يقال: ان قوله عليه السّلام: (فإنهم حجتي عليكم) يكون كالعلة المنصوصة لما قبله من الرجوع الى الرواة في الحوادث الواقعة، و من المعلوم ان حسن التعليل منوط بعموم العلة، و إلا يكون أشبه شي ء بالمصادرة- مثلا إذا قال: [لا تأكل الرمان، لانه حامض] فان لم تكن هذه العلة كبرى كلية، بل كان المراد بالحموضة خصوص حموضة الرمان لم يصح التعليل، لأنه حينئذ بمنزلة أن يقال: [لا تأكل الرمان لانه رمان] و استهجانه بديهي، ففي المقام إذا أريد بقوله عليه السّلام (حجتي) جواز الرجوع إليهم في الفتوى من ناحيته المقدسة فهو بمنزلة قوله: (يجوز الرجوع إليهم لجواز الرجوع إليهم من ناحيتي.

هذا مضافا الى أنه يلزم أخصية المحمول من الموضوع، لانه بمنزل أن يقال (الحوادث الواقعة يجوز الرجوع في أحكامها الكلية إلى الرواة) و هو غير صحيح ضرورة: إن المراد بالحوادث كل حادثة متعلقة بنظام المعاش و المعاد و يرجع فيها الى الامام عليه السّلام مع حضوره، فالرجوع قد يكون في الحكم الكلى و قد يكون في الحكم الجزئي- كما في الخصومات- و قد يكون في تنفيذ أمر- كباب الولايات- فبناء على اختصاص الرجوع الى الرواة بالأحكام الكلية يختص جواز الرجوع ببعض الحوادث

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 348

..........

لا جميعها فلا يكون الجواب مطابقا لعموم السؤال- و هو جميع الحوادث- و هو كما ترى مع ان لفظ: [الحجة] بنحو الإطلاق ظاهر في قيام الرواة مقامه عليه السّلام في جميع الشؤن الراجعة إلى منصب الإمامة فإن لفظ: [الحجة] غير الوكيل و النائب فكأنه قال (أنا أحتج عليكم في جميع الحوادث بالرواة فأتممت بهم الحجة عليكم) و هذا المعنى يناسب العموم و ليس في البين ما يصرف الحجة

عن إطلاقها إلى خصوص الإفتاء أو القضاء و بالجملة فمقتضى الظهور العرفي هو كون الرواة حجة من ناحيته في كل حادثة كما هو حجة اللّه على جميع الخلق في كل أمر و مقتضى ذلك ثبوت الولاية العامة للفقيه إلا فيما يختص بهم عليهم الصلاة و السّلام فتدبر.

هذا ما يرجع الى دلالته و أما سنده فقد رواه الكليني- قدس سره- عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان (العمري)- رحمه اللّه تعالى- أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت على فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السّلام الناقل لهذا عن كتاب الغيبة (للشيخ الطوسي) و كتاب الاحتجاج: (للطبرسي) و رجال المامقاني و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في اعتبار سنده لدلالة التوقيع على علو شأن إسحاق و سمو رتبته بعد ملاحظة ما في متن التوقيع الرفيع من شواهد الصدق و الصدور فلاحظ و تدبر.

3- ما رواه محمد بن على بن محبوب عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن أبى الجهم عن أبى خديجة قال: بعثني أبو عبد اللّه الى أصحابنا، فقال: قل لهم:

إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شي ء من الأخذ و العطاء أن تحاكموا الى أحد من هؤلاء الفساق، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا، فانى قد جعلته عليكم قاضيا و إياكم أن يخاصم بعضكم بعضا الى السلطان الجائر «1» لكن هذا الحديث- كما ترى- مختص بمورد الخصومة فلا يمكن إثبات الولاية المطلقة لهم به.

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 11 من أبواب صفات القاضي و ما يجوز أن يقضى به الحديث 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 349

..........

4- ما في ذيل رواية على بن

أبي حمزة: (الفقهاء حصون الإسلام؛ كحصن سور المدينة لها «1». و (فيه) ان كونهم حصنا للإسلام لا دلالة فيه على ثبوت الولاية لهم و غاية دلالتها هي أنهم يحفظون الإسلام، و هذا لا يدل على ان لهم الولاية المطلقة.

إلا أن يقال: ان مقتضى التشبيه بالحصن هو ولاية الفقيه في كل أمر يرجع الى حفظ الإسلام بجميع شؤنه و حدوده من الأحكام و السياسات، كما ان الحصن يحفظ جميع ما في المدينة، فلا تختص ولايتهم بالإفتاء و القضاء فتدبر.

5- ما في رواية أحمد بن على بن أبى طالب الطبرسي في الاحتجاج عن أبى محمد العسكري عليه السّلام فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه. إلخ) «2» و لا يبعد دعوى: ان متن الحديث شاهد على صدقه فلا حاجة الى تصحيح السند.

لكنك ترى أنه لا يدل إلا على التقليد دون غيره من المناصب.

6- ما رواه النوفلي عن السكوني عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل يا رسول اللّه و ما دخولهم في الدنيا؟؟

قال: اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم «3» و لكن ظاهره- كما ترى- بيان فضيلة العالم دون مناصبه.

الا أن يدعى: ان الأمانة تقتضي الولاية، إذ مفاده ان الفقهاء أمناء الرسل فيما كانوا أمناء عليه من جميع ما يتعلق بالدين و الدنيا بعد وضوح كون الرسل أمناء على كافة أمور الدين، الدنيا، فالعلماء أيضا أمناء على ذلك. و لا داعي إلى تقييد إطلاق ما ائتمنوه عليه بالإفتاء و القضاء، فتدبر.

7- في المرسل قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اللهم ارحم

______________________________

(1) أصول الكافي ج 2 الباب 15 الحديث 5 ص 78 طبع النجف (الكافي ج 1 ص 38).

(2) الوسائل ج 3 الباب 10 من أبواب صفات القاضي و ما يجوز ان يقضى به الحديث 20

(3) أصول الكافي ج 2 الباب 15 الحديث 5 ص 78 طبع النجف (الكافي ج 1 ص 46).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 350

..........

خلفائي ثلاثا قيل يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و من خلفائك؟. قال: الذين يأتون من بعدي يروون حديثي و سنتي «1» و رواه في المجالس عن الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه عن محمد بن أحمد عن محمد بن على عن عيسى بن عبد اللّه عن أبيه عن آبائه عن على عليه السّلام مثله و زاد (ثم يعلمونها) و الإنصاف عدم ظهوره في الإطلاق، و غاية ما يمكن دعوى: استفادته منها هو الرجوع إليهم في استفادة الأحكام، و أنهم هم الحافظون للدين- كما هو شأن النبي صلّى اللّه عليه و آله- من حيث أنه نبي، و أما سائر المناصب فلا يثبت لهم بذلك.

الا أن يدعى: ظهور الخلافة في قيام الفقيه مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله في كل ما كان له صلّى اللّه عليه و آله الا ما ثبت اختصاصه به؛ و إطلاق الخلافة كاف في استفادة الولايات منه- كما إذا قال مدير دائرة حين يريد المسافرة مثلا: (إن زيدا خليفتي و قائم مقامي ما دمت غائبا) فهل يستفاد منه شي ء خاص من شؤونه أو جميع شؤونه المتعلقة بتلك الدائرة بحيث لا يتعطل شي ء من أشغال الدائرة في زمان غيبته؟؟. لا ينبغي الارتياب

في ظهور الخلافة في جميع الأمور، فتدبر.

8- المروي في كنز الكراجكي عن مولانا الصادق عليه السّلام أنه قال: الملوك حكام على الناس و العلماء حكام على الملوك «2»، و هذا الحديث ليس ناظرا الى المدعى، بل هو ناظر الى ما كان مرسوما في كل زمان من تبعية السلطان لقول عالم الوقت في أي ملة كانوا و كائنا من كان ذلك العالم.

الا أن يقال: ان مجرد الأخبار غير لائق لمقام الإمام عليه السّلام المنصوب لبيان

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 8 من أبواب صفات القاضي و ما يجوز أن يقضى به الحديث 50 و في الباب 11 الحديث 7.

(2) على ما نقل في عوائد الأيام للنراقى قدس سره.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 351

..........

الأحكام، فالمناسب أن يكون ما ظاهره الأخبار إنشاء، فالمراد حينئذ: ان العلماء نصبوا شرعا حكاما على الملوك بحيث تنفذ أحكامهم على الملوك من حيث كونهم ملوكا، و الا فيلغو ذكر الملوك لتساويهم مع غيرهم من أصناف الناس، و من المعلوم ان شأن الملوك القيام بالمصالح النوعية. و اقامة الحدود و حفظ الثغور و تأمين البلاد لنظم معاش العباد و نفوذ حكم العالم على السلطان منوط بولايته في الأمور السياسية فيكون أمور الدين و الدنيا راجعة إلى الفقيه، فتأمل.

9- ما رواه محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن (الحصين) عن عمر بن حنظلة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الى السلطان أو الى القضاة أ يحل ذلك»؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، و ما يحكم له فإنما يأخذ سحتا، و إن كان

حقا ثابتا لأنه أخذه بحكم الطاغوت، و قد أمر اللّه أن يكفر به قال اللّه عز و جل يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ «1» فقلت:

«فكيف يصنعان»؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فانى قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه، فإنما استخف بحكم اللّه و علينا رد و الراد علينا (راد) على اللّه و هما على حد الشرك باللّه، قلت: «فان كان كل واحد إختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما و اختلفا فيما حكما فيه و كلاهما اختلفا في حديثكم؟؟. قال: الحكم ما حكم به أعدلهما و افقهما و أصدقهما في الحديث و أورعهما و لا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر، قال: «قلت: فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه الآخر؟» قال: فقال: ينظر إلى ما كان من

______________________________

(1) سورة 4 الآية 59

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 352

..........

روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا، و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإن المجمع عليه لا ريب فيه و انما الأمور ثلاثة: [أمر بين رشده فيتبع- و أمر بين غيه فيجتنب- و أمر مشكل يرد علمه إلى اللّه و إلى الرسول صلى اللّه عليه و آله] قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: [حلال بين، و حرام بين؛ و شبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات، و من أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات و هلك من حيث لا يعلم] قلت: فان

الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب و السنة و خالف العامة فيؤخذ به و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنة و وافق العامة، فقلت: جعلت فداك: أ رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنة و وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة و الآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد، فقلت: جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا؟ قال: ينظر الى ما هم إليه أميل- حكامهم و قضاتهم- فيترك و يؤخذ بالآخر، قلت: فان وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ قال: إذا كان كذلك فأرجه حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات «1» لكن هذا الحديث- كما ترى- مختص بباب المرافعة و لا إطلاق فيها لجميع المناصب.

10- ما رواه محمد بن سنان عن إسماعيل بن بزيع جابر عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: العلماء أمناء، و الأتقياء حصون، و الأوصياء سادة. و في رواية أخرى:

(العلماء منار، و الأتقياء حصون، و الأوصياء سادة) «2». و فيه ما لا يخفى.

______________________________

(1) أصول الكافي ج 2 ص 150 الباب 22 الحديث 10 طبع النجف (الكافي ج 1 ص 68).

(2) أصول الكافي باب صفة العلم و فضله و فضل العلماء الحديث 5 (الكافي ج 1 ص 33)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 353

..........

11- ما رواه في جامع الأخبار عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه صلّى اللّه عليه و آله قال: أفتخر يوم القيامة بعلماء أمتي؛ فالقول علماء أمتي كسائر أنبياء قبلي «1» و لكنك ترى إن هذه الكلمات تدل على فضيلة العالم فقط و لا دلالة فيه على إثبات

المدعى و كذلك الأخبار الآتية.

12- المروي في الفقه الرضوي أنه صلّى اللّه عليه و آله قال: منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل «2». و هذا أيضا كسابقه.

13- المروي في الاحتجاج في حديث طويل قيل لأمير المؤمنين: من خير خلق اللّه بعد أئمة الهدى و مصابيح الدجى؟؟، قال: العلماء إذا صلحوا «3» و هذا أيضا كسابقه.

14- المروي في المجمع عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: فضل العالم على الناس كفضلي على أدناهم «4». و (فيه): ما لا يخفى.

15- المروي في المنية أنه تعالى قال لعيسى: عظم العلماء و اعرف فضلهم، فانى فضلتهم على جميع خلقي إلا النبيين و المرسلين كفضل الشمس على الكواكب؛ و كفضل الآخرة على الدنيا و كفضلي على شي ء «5» و عدم دلالته على المدعى واضحة.

16- ما رواه الامام عليه السّلام في تفسيره عن آبائه عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:

أشد من يتم اليتيم يتيم انقطع عن أمامه لا يقدر على الوصول اليه، و لا يدرى كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه، فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا فهدي الجاهل بشريعتنا إذا انقطع عن مشاهدتنا كان معنا في الرفيق الأعلى؛ و قال على عليه السّلام: من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا فاخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم الى نور العلم الذي حبوناه به جاء يوم القيامة و على رأسه تاج من نور يضي ء لأهل تلك العرصات. «6»

______________________________

(1) نقلها النراقي قدس سره في عوائد الأيام عنها.

(2) نقلها النراقي قدس سره في عوائد الأيام عنها.

(3) نقلها النراقي قدس سره في عوائد الأيام عنها.

(4) نقلها النراقي قدس سره في عوائد الأيام عنها.

(5)

نقلها النراقي قدس سره في عوائد الأيام عنها.

(6) نقلها النراقي قدس سره في عوائد الأيام عنها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 354

..........

و (فيه): منع واضح.

17- ما رواه أبو محمد الحسن بن على شعبة (في كتابه المسمى بتحف العقول) عن سيد الشهداء الحسين بن على عليهما السّلام قال: و يروى عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه قال: اعتبروا أيها الناس بما وعظ اللّه به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار، إذ يقول [لَوْ لٰا يَنْهٰاهُمُ الرَّبّٰانِيُّونَ وَ الْأَحْبٰارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ] و قال [لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ إلى قوله لَبِئْسَ مٰا كٰانُوا يَفْعَلُونَ] و إنما عاب اللّه ذلك عليهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر و الفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم و رهبة مما يحذرون و اللّه يقول [فَلٰا تَخْشَوُا النّٰاسَ وَ اخْشَوْنِ] و قال [الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ] فبدأ اللّه تعالى بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أديت و أقيمت استقامت الفرائض كلها هينها و صعبها، و ذلك ان الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر دعاء إلى الإسلام، مع رد المظالم، و مخالفة الظالم، و قسمة الفي ء و الغنائم، و أخذ الصدقات من مواضعها و وضعها في حقها، ثم أنتم أيها العصابة: عصابة بالعلم مشهورة، و بالخير مذكورة؛ و بالنصيحة معروفة، و باللّه في أنفس الناس مهابة، يهابكم الشريف و يكركم الضعيف، و يؤثركم من لا فضل لكم عليه. و لا بذلكم عنده تشفعون في الحوائج، إذا امتنعت من طلابها، و تمشون في الطريق بهيبة الملوك، و كرامة الأكابر، أ ليس كل ذلك

انما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق اللّه؟!. و إن كنتم عن أكثر حقه تقصرون فاستخففتم بحق الأئمة عليهم السّلام فاما حق الضعفاء فضيعتم، فاما حقكم بزعمكم فطلبتم، فلا مالا بذلتموه، و لا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها، و لا عشيرة عاديتموها في ذات اللّه، أنتم تتمنون على اللّه جنته، و مجاورة رسله؛ و أمانه من عذابه، لقد خشيت عليكم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 355

..........

أيها المتمنون على اللّه أن تحل بكم نقمة من نقماته، لأنكم بلغتم من كرامة اللّه منزلة فضلتم بها، و من يعرف باللّه لا تكرمون و أنتم باللّه في عباده تكرمون، و قد ترون عهود اللّه منقوضة، فلا تفزعون و أنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون، و ذمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مخفورة و العمى و البكم و الزمن في المدائن مهملة، لا ترحمون و لا في منزلتكم تعملون، و لا من عمل فيها تعينون، و بالأدهان و المصانعة عند الظلمة تأمنون كل ذلك مما أمركم اللّه به من النهى و التناهي و أنتم عنه غافلون و أنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو يسعون ذلك بان مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه، الأمناء على حلاله و حرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، و ما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق و اختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة، و لو صبرتم على الأذى و تحملتم المؤنة في ذات اللّه كانت أمور اللّه عليكم ترد، و عنكم تصدر، و إليكم ترجع، و لكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم، و استسلمتم أمور اللّه في أيديهم يعملون بالشبهات، و يسيرون في الشهوات، سلطهم على ذلك فراركم

من الموت، و إعجابكم بالحيوة التي هي مفارقتكم؛ فأسلمتم الضعفاء في أيديهم فمن بين مستعبد مقهور، و بين مستضعف على معيشته مغلوب، يتقلبون في الملك بآرائكم؛ و يستشعرون الجري بأهوائهم اقتداء بالأشرار، و جرأة على الجبار، في كل بلد منهم على منبره خطيب مسقع، فالأرض لهم شاغرة، و أيديهم فيها مبسوطة، و الناس لهم خول لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبار عنيد، و ذي سطوة على الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدء المعيد، فيا عجبا و ما لا أعجب من غاش مغشوم؛ و متصدق ظلوم، و عامل على المؤمنين بهم غير رحيم، فاللّه الحاكم فيما فيه تنازعنا؛ و القاضي بحكمه فيما شجر بيننا، اللهم انك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان، و لا التماسا في فصول الخصام، و لكن لترى المعالم من دينك و يظهر الإصلاح

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 356

..........

في بلادك و يأمن المظلومون من عبادك، و يعمل بفرائضك و سننك و أحكامك، فإنكم ان لا تنصرونا و تنصفونا قوي الظلمة عليكم، و عملوا في إطفاء نور نبيكم، و حسبنا اللّه، و عليه توكلنا، و اليه أنبنا و اليه المصير «1».

و هذا الحديث و إن لم يكن له سند لكن في متنه آثار الصدوق و الصدور من الامام عليه السّلام هذا و محل الاستدلال منه قوله عليه السّلام: (مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه، الأمناء على حلاله و حرامه. إلخ) و احتمل فيه كون المراد من العلماء: الأئمة- عليهم السّلام- لكن مع قطع النظر عن إطلاق نفس هذه الفقرة يستفاد من ملاحظة تمام الحديث صدرا و ذيلا ضعف هذا الاحتمال بل القطع بعدمه فلاحظ.

و أما

احتمال أن يكون المراد منها خصوص علماء عصر الظهور و يكون المعنى أنه لو لم تفعلوا كذا و كذا و لم يكن غيرنا و غصب الولايات لكنا نحن نعطيكم الولايات بان يكون ذلك على نحو النيابة فخلاف الظاهر بل يكون كسائر القضايا الشرعية التي هي من القضايا الحقيقية- على ما حقق في محله- و عليه فلا وجه لاحتمال اختصاص العلماء بعلماء عصر الظهور.

و الإنصاف: أنه يدل على ان كل ما للإمام يكون ثابتا للفقيه لكن لا يدل ذلك على ولايته على الحكم في الموضوعات، فان ذلك لم يكن للإمام حتى يحكم بثبوته للفقيه، لأن وظيفة الإمام عليه السّلام هي بيان الأحكام كحرمة شرب الخمر؛ و وجوب الصلاة، و نحوهما- لا بيان الموضوعات؛ فتشخيصها بيد المكلف، فإذا علم المكلف مثلا بخمرية مائع تنجز عليه الحرمة؛ و ربما يكون ثبوت خمريته له ناشيا من اخبار الإمام عليه السّلام و أما حكمه عليه السّلام بكونه خمرا فلا.

______________________________

(1) الوافي ج 9 باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 357

..........

و بالجملة: أنه بعد تسليم ان كل ما للإمام فهو للفقيه عدا ما ثبت كونه من خصائصهم- عليهم السّلام- لكن لم يكن للإمام الحكم في الموضوعات حتى يحكم بثبوته للفقيه فليس للفقيه أن يحكم على الناس بان هذا خمر أو ماء و ان هذه الآنية ذهب أو لا و نحو ذلك.

نعم إذا رأى المجتهد مصلحة عامة في تحريم مباح أصلي كالتتن مثلا فهو مطلب آخر، و ليس ذلك داخلا تحت الموضوعات كما لا يخفى.

ثم: انه قد ظهر مما ذكرنا إن جميع الأمور التي نعلم بكون وجودها مطلوبا للشارع و عدم رضاه بتعطيلها كحفظ بيضة الإسلام و

حفظ أموال القصر من الأيتام و غيرهم و جباية الصدقات و تولية الوقف الذي ليس له متولي و الطفل الذي ليس له ولى و غير ذلك، فان هذه الأمور و إن كانت واجبات كفائية و تكون نسبتها الى جميع المكلفين على حد سواء، للعلم بأن أصل وقوعها في الخارج مطلوب للشارع، لكن لما ثبت ان كل ما للإمام عليه السّلام فهو للفقيه فيجب الاستيذان من الفقيه على من يريد التصدي لإحدى الأمور المذكورة إن لم يكن فقيها.

هذا مضافا الى أنه مهما دار الأمر بين التعيين و التخيير فالأصل هو التعيين، للعلم بنفوذ التصدي للأمور المذكورة إن كان باذن الفقيه سواء شك في اعتبار اذنه في جواز التصدي و نفوذه أم لا، بخلاف ما إذا كان التصدي بغير اذنه؛ فان نفوذه بحيث يترتب عليه الآثار الشرعية مشكوك فيه، و الأصل عدمه كما لا يخفى.

هذا و أما منصب الإفتاء فلا إشكال في كونه للفقيه، فإنه مضافا الى النص يكون العقل أيضا حاكما بذلك. لأنه مما لا يرضى الشارع المقدس بتركه و إلا لتعطلت الأحكام، و العامي لا يقدر على الإفتاء، فينحصر في المجتهد الفقيه و عليه إما قراءة الأحاديث للعامي، و بيان معارضاته، و كيفية الجمع و الترجيح، و العمل بالأخبار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 358

..........

العلاجية و إما الإفتاء و (الأول) باطل، فان معناه ان يجعل الفقيه العامي مجتهدا، فانحصر الأمر في الإفتاء هذا بالنسبة إلى الفقيه و اما العامي فيجب عليه التقليد ما دام عاميا و لم يصل الى درجة يتمكن معها من الاحتياط، و إلا جاز له ذلك إلا في مسألة واحدة، و هي أصل جواز الاحتياط و عدم لزوم قصد الوجه و

نحوه؛ فهذه المسألة يجب العمل فيها بالتقليد أو الاجتهاد، و بعد ان ثبت له بالتقليد أو الاجتهاد جواز الاحتياط و عدم لزوم قصد الوجه و نحوه تخير في بقية المسائل بين التقليد و الاحتياط ما دام عاميا فيها.

ثم اعلم: انا و ان قلنا بعدم نفوذ حكم الحاكم في الموضوعات لكن يستثني من ذلك حكمه بثبوت الهلال، و ذلك لأن الحكم بثبوته ثابت للإمام و قد تقدم إن ما للإمام فهو للفقيه، فيثبت المطلوب، و يدل على ما ذكرنا من كون أمر الهلال بيد الامام عليه السّلام صحيح محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه السّلام قال: إذا شهد عند الامام عليه السّلام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، و إن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخر الصلاة الى الغد فصلّى بهم «1».

و احتمال كون المراد من الإمام فيه هو غير الإمام الحقيقي خلاف الظاهر و يمكن الاستدلال لذلك أيضا بمرسلة رفاعة عن رجل عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

دخلت على أبى العباس بالحيرة، فقال يا أبا عبد اللّه ما تقول: في الصيام اليوم؟؟

فقال: ذاك الى الإمام إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا، فقال يا غلام: على بالمائدة، فأكلت معه و أنا أعلم و اللّه انه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 359

..........

و قضائه أيسر على من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه «1» و أما الإيراد عليه بان هذه القصة تكون في مورد التقية فقيد أجيب

عنه في الأصول، بأن التقية تكون في التطبيق لا في الكبرى- أعنى كون أمر الهلال الى الامام.

نعم لو كانت العبارة هكذا (ذاك إليك إن صمت. إلخ) لم تكن دليلا على ثبوت ولاية حكم الهلال للإمام عليه السّلام، بل كان حكما شخصيا بعنوان التقية و أما قوله عليه السّلام: (ذاك إلى الامام) فظهوره في الحكم الواقعي الأولي مما لا ينكر، و احتمال التقية فيه مدفوع بالأصل العقلائي خصوصا بعد ملاحظة ان التقية تنادي بتطبيق الكبرى على المورد، إذ معه يكون حمل الكبرى على التقية بلا وجه فان الضرورات تتقدر بقدرها فالمتعين كون التقية في التطبيق فقط.

هذا نعم ضعف سنده يمنع عن الاستدلال به، فالعمدة ما تقدم من صحيح محمد بن قيس فتدبر.

ثم ان حكم الحاكم بالهلال حكم ظاهري، فيختص نفوذه بحال الشك، لعدم كونه من العناوين الثانوية المغيرة للاحكام الثابتة للعناوين الأولية.

و عليه فإذا عمل المكلف على طبق حكم الحاكم بان هذا اليوم يوم عرفة ثم تبين خلافه و لم يدرك الموفقين بنحو يكون مجزيا و لو في حال الاضطرار فيندرج فيمن فاته الحج.

« (بقي هنا شي ء)» بقي هنا شي ء لا بأس بالإشارة اليه و هو ان صدق عنوان العالم على فقهائنا بناء على عدم إفادة الأمارات للعلم و كونها ظنية مشكل، لعدم كونهم بناء عليه عالمين

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 360

..........

بأحكام الأئمة- عليهم السّلام- ليشملهم حديث تحف العقول و شبهه مما ورد في حق العالم بأحكامهم.

إلا أن يلتزم بالحكم الظاهري لأنهم حينئذ عالمون بالأحكام الظاهرية فيرتفع الاشكال، لكن (فيه): إن الالتزام بالحكم الظاهري غير صحيح، لاستحالة الجمع

بين الحكم الظاهري و الواقعي كما حققناه في الأصول و أثبتنا هناك عدم تمامية شي ء من الوجوه التي ذكروها في الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري، و عليه فإشكال عدم صدق العالم بالأحكام على الفقهاء لا دافع له، و معه يشكل إثبات شي ء من الولايات التي منها ولاية الحكم بثبوت الهلال لهم.

هذا مضافا إلى أنه بناء على القول بالحكم الظاهري لا يقولون به في الأمارات لتسالمهم على حجيتها من باب الطريقية، بل يلتزمون بالحكم الظاهري في موارد الأصول العملية فقط.

و الحاصل: ان القضاء و الإفتاء و نحو ذلك من المناصب و إن كانت ثابتة للعلماء على ما نطقت به الاخبار لكن الكلام في الموضوع إذ مع عدم كونهم عالمين بأحكامهم- عليهم السّلام- لا تشملهم الروايات المثبتة بتلك المناصب للعلماء كما لا يخفى.

لكن الذي يسهل الخطب ان هذا الإشكال لا يرد على مختارنا في حجية الاخبار من كونها ببناء العقلاء الذين لا يعملون بالظن و الشك، بل بالعلم العادي و الاطمئنان العقلائي، فيكون مستنبط الحكم من الروايات عالما بالأحكام و مشمولا للروايات المثبتة للولايات و المناصب للفقيه.

نعم هذا الإشكال يرد على سائر المباني كمبنى الانسداد بناء على الكشف و مبنى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 361

..........

منجزية الاحتمال، بان يقال ان الشارع جعل الأمارة المصيبة حجة؛ و حيث انها غير معلومة تفصيلا فيجب الأخذ بجميع الإمارات احتياطا للعلم الإجمالي بمطابقة بعضها للواقع و مبنى تتميم الكشف و جعل الطريقية و الوسطية في الإثبات، فإن ظاهره و هو جعل غير الكاشف كاشفا و ان كان يدفع الإشكال المذكور، ضرورة:

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 3، ص: 361

كون الأمارة حينئذ موجبة للعلم بالواقع لكن الشأن في صحة هذا المبنى، لما قررناه في الأصول من أن جعل غير الكاشف كاشفا ان كان بالتكوين فلا بأس به، لكنه في المقام تشريعي، و مقتضاه حينئذ هو ترتيب آثار العلم على غير العلم- نظير تنزيل المشكوك في الاستصحاب منزلة المتيقن- و معه لا تكون الامارة موجبة للعلم بالواقع فلا يكون الفقيه فقيها و عالما بالأحكام و مبنى جعل وجوب العمل بالأمارة تكليفا، فان هذا الحكم و إن كان معلوما لكنه غير مؤدى الأمارة، فلا يحصل العلم بكون مؤداها هو الواقع حتى يكون مستنبط الحكم من الأمارات غير العلمية عالما بالأحكام و بالجملة: فإشكال عدم كون المجتهد عالما وارد على جميع ما عدا مختارنا في حجية الأمارات من المباني و لا دافع له.

و أما على المبنى الذي اخترناه و أشرنا إليه آنفا فلا يرد عليه الاشكال المتقدم أصلا، لأن الأخبار على هذا المبنى ليست طريقيتها مجعولة بل منجعلة، و لا غرو في هذه الدعوى بعد ملاحظة كيفية ضبط الروايات، و اهتمام المشايخ في ذلك و مراعاة الدقة و بذل الجهد و المشقة في تصحيح المتون و حفظها عن الزيادة و النقيصة، فان المراجعة إلى كيفية تحمل الحديث و آدابه تورث القطع بصدور جملة وافية بالأحكام من أحاديث الأئمة الأطهار عليهم السّلام فلاحظ و اللّه تعالى هو الهادي إلى الصواب.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 362

[أما المقدمة]

« (أما المقدمة)» فيستحب للمتمتع أن يخرج إلى عرفات يوم التروية [1] (1)

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر عند شرح قول الماتن (على معنى خروجه إلى منى، ثم إلى عرفات

يوم عرفة، بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام: «يستحب للحاج اتفاقا بعد الإحرام يوم التروية الخروج إلى منى من مكة»).

و يدل عليه- مضافا إلى الاتفاق المزبور- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان يوم التروية- إن شاء اللّه تعالى- فاغتسل، ثم البس ثوبك، و أدخل المسجد حافيا، و عليك السكينة و الوقار، ثم صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام أو في الحجر؛ ثم أقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، و أحرم بالحج، و عليك السكينة و الوقار فإذا انتهيت إلى الرفضاء (الرقطاء) دون الردم فلب فإذا انتهيت إلى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى «1».

و أما استحباب الإحرام فيه للمتمتع- على معنى مرجوحيته ما قبله بالنسبة

______________________________

[1] يوم التروية: هو يوم الثامن من ذي الحجة، و اما تسمية يوم التروية بذلك، فقد ذكروا لها وجوها:

1- ما هو المذكور فيما رواه ابن بابويه (في كتاب علل الشرائع و الأحكام) في الحسن عن عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبى عبد اللّه- عليه السّلام- قال: «سالته: لم سمى يوم التروية يوم التروية؟.؟.»، قال: (أنه لم يكن بعرفات ماء و كانوا يستقون من مكة من الماء ربهم و كان بعضهم لبعض يقول: [ترويتم؛ ترويتم] فسمي يوم التروية لذلك).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 363

..........

اليه، فقال في الجواهر: (ففي المبسوط و الاقتصاد و الجمل و العقود و الغنية و المهذب و الجامع و غيرها على ما حكى عن بعضها التصريح

به بل لا أجد فيه خلافا- كما عن المنتهى الاعتراف به- بل عن التذكرة: «الإجماع على استحباب كونه يوم التروية» بل في المسالك: «أنه موضع وفاق بين المسلمين». إلى أن قال: «نعم عن ابن حمزة وجوب كونه يوم التروية إذا أمكنه بمعنى عدم جواز تأخيره عنه اختيارا و لعله لظاهر الأمر في حسن معاوية إذا كان يوم التروية إن شاء اللّه فاغتسل. إلخ المحمول على الندب. إلخ) ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- من حمله على الندب هو الصواب، لأن تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن ظهوره في الوجوب، و أما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه، فلا محيص عن الالتزام به، فتدبر.

مضافا إلى ما ذكره صاحب الحدائق من الروايات الدالة على جواز وقوع الإحرام في غير التروية- و هي:

1- حديث أبى الحسن عليه السّلام من أنه دخل ليلة عرفة معتمرا فأتى بأفعال

______________________________

ما حكى العلامة- رحمه اللّه تعالى- (في المنتهى): «و هو ان إبراهيم- عليه السّلام- رأى في تلك الليلة التي رأى فيها ذبح الولد رؤياه فأصبح يروى في نفسه ا هو حلم أم من اللّه تعالى.؟؟!. فسمى يوم التروية لذلك، فلما كانت ليلة عرفة رأى ذلك فعرف أنه من اللّه تعالى فسمى يوم عرفة».

3- ما ذكر في خبر ابي بصير (المروي في الجزء الثاني من الوسائل- في الباب 2- من أقسام الحج الحديث 24) انه سمع أبا جعفر و أبا عبد اللّه- عليهما السّلام- يذكران انه لما كان يوم التروية قال جبرئيل- عليه السّلام: «ترو من الماء» فسميت يوم التروية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 364

..........

العمرة و أحل و جامع بعض جواريه ثم أهل بالحج

و خرج الى منى «1» 2- ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبى نصر عن بعض أصحابه عن أبى الحسن عليه السّلام (في حديث) قال فيه: «و موسع للرجل أن يخرج إلى منى من وقت الزوال من يوم التروية الى أن يصبح حيث يعلم أنه لا يفوته الموقف» «2» 3- ما عن على بن يقطين قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الذي يريد أن يتقدم فيه الذي ليس له وقت أقل منه؟. قال: إذا زالت الشمس، و عن الذي يريد أن يتخلف بمكة عشية التروية إلى أى ساعة يسعه أن يتخلف؟. فقال: «ذلك موسع له حتى يصبح بمنى» «3» و معناه ان أول وقت الخروج إلى منى زوال الشمس من يوم التروية و آخره ليلة عرفة بان يصبح في منى لا يتقدم عليه و لا يتأخر عنه قال صاحب الحدائق: (هذا هو الأصل في أفضلية الوقت و إن جاز التقديم و التأخير على خلاف الفضل و لذوي الأعذار كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى. إلخ) و كيف كان فهذه الاخبار- كما ترى- ظاهرة في خلاف ما ذهب اليه ابن حمزة من وجوب الإحرام يوم التروية و لكن قال في الجواهر: (و ان قد يناقش بظهور

______________________________

ثم أتى منى فأباته ثم غدا به إلى عرفات. إلى أن قال: [فهذه عرفات، فاعرف بها مناسكك، و اعترف بذنبك، فسمى عرفات، ثم أفاض إلى المزدلفة، فسميت المزدلفة، لأنه ازدلف إليها.] إلخ.

و في حسن معاوية بن عمار أو صحيحة عن ابى عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ان إبراهيم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 و لكن بتغيير

يسير.

(2) الوافي ص 507 ج 5.

(3) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 365

بعد أن يصلّى الظهرين (1)

أولها في الاضطرار و خلو الأخيرين عن ذكر الإحرام، إذ يمكن وقوع الإحرام فيه، ثم تأخير الخروج الى الليل و نحوه) فالعمدة في الرد على ابن حمزة هو ما عرفت، فتدبر.

(1) قال في المدارك: (ما اختاره المصنف من استحباب الخروج للمتمتع الى عرفات يوم التروية بعد أن يصلّى الظهرين أحد الأقوال في المسألة، و هو اختيار الشيخ في النهاية و المبسوط و جمع من الأصحاب، و ذهب المفيد و المرتضى الى استحباب الخروج قبل صلاة الفرضين و إيقاعهما بمنى، و قال الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في التهذيب: «إن الخروج بعد الصلاة مختص بمن عدا الامام من الناس، فاما الإمام نفسه فلا يجوز له أن يصلّى الظهر و العصر يوم التروية إلا بمنى» و ذكر العلامة- رحمه اللّه تعالى- (في المنتهى): «إن مراد الشيخ بعدم الجواز شدة الاستحباب» و الأصح التخيير لغير الامام بين الخروج قبل الصلاة و بعدها أما الامام فيستحب له التقدم و إيقاع الفرضين بمنى. إلخ).

و قد استدل صاحب المدارك- قدس سره- على مقالته و هو التخيير لغير الامام بقوله: (إن فيه جمعا بين ما تضمن الأمر بالخروج بعد الصلاة الواردة في كيفية إحرام الحج حيث قال فيها: (ثم أقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة و أحرم بالحج «1» و ما تضمن

______________________________

- عليه السّلام- أتاه جبرئيل عند زوال الشمس من يوم التروية، فقال يا إبراهيم (ارتو من الماء لك و لأهلك و

لم يكن بين مكة و عرفات يومئذ ماء، فسميت التروية لذلك، ثم ذهب به حتى اتى منى فصلّى بها الظهر و العصر و العشاءين و الفجر حتى إذا بزغت الشمس خرج إلى عرفات). إلى أن قال: ثم مضى به إلى الموقف، فقال: يا إبراهيم اعترف بذنبك و اعرف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 366

..........

الأمر بالخروج قبلها كصحيحة معاوية بن عمار أيضا قال قال: أبو عبد اللّه إذا انتهيت إلى منى فقل و ذكر الدعاء، ثم تصلّى بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخر و الفجر و الامام يصلّى بها الظهر لا يسعه إلا ذلك «1».

ثم أنه استدل على مقالته و هي أن على الامام يستحب له إيقاع الفرضين بمنى- مضافا الى هذه الرواية- بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا ينبغي للإمام أن يصلّى الظهر يوم التروية إلا بمنى و يبيت بها الى طلوع الشمس «2» و في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام؛ قال: ينبغي للإمام أن يصلّى الظهرين يوم التروية بمنى و يبيت بها و يصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج «3». إلخ) انتهى.

و التحقيق: إن الأفضل لغير الامام أن يصلّى الظهر بمنى و يدل عليه صحيح عمر ابن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ثم صل ركعتين خلف المقام، ثم أهل بالحج، فان كنت ماشيا فلب عند المقام و إن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك و صل الظهر إن قدرت بمنى «4»

و صحيح معاوية ابن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا انتهيت إلى منى فقل. إلى أن قال:

______________________________

مناسك، فلذلك سميت عرفه حتى غربت الشمس، ثم أفاض به إلى المشعر، فقال يا إبراهيم:

ازدلف إلى المشعر الحرام فسميت المزدلفة و اتى به المشعر الحرام فصلّى به المغرب و العشاء الآخرة بأذان واحد و إقامتين، ثم بات بها حتى إذا صلّى الصبح أراه الموقف. إلخ).

رواه في الوسائل (في الجزء الثاني) في الباب- 2- من أبواب أقسام الحج الحديث: (35).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 367

..........

ثم تصلّى بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر و الامام يصلّى بها الظهر لا يسعه إلا ذلك و موسع عليك أن تصلّى بغيرها إن لم تقدر ثم تدركهم بعرفات «1» و موثق أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: ثم تلبي من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت، و تقول: لبيك بحجة تمامها و بلاغها عليك و إن قدرت أن يكون رواحك إلى منى زوال الشمس و الا فمتى ما تيسر لك من يوم التروية «2».

و لا يعارضها صحيح معاوية بن عمار المتقدم قال عليه السّلام فيه إذا كان يوم التروية.

فاغتسل. إلى أن قال: ثم أقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة و

أحرم بالحج. إلخ «3» و ذلك لان مقتضى الصناعة تقييدها به، لتمامية قانون باب الإطلاق و التقييد في المقام- و هو التنافي الموجب للحمل.

و لكن التحقيق: أنه لما لا مجال لذلك في المستحبات- على ما قرر في محله- لكون القيد فيها مطلوب في مطلوب، و لذا تحمل الأخبار المتقدمة على الأفضلية؛ بمعنى ان الأفضل لغير الامام أن يصلّى صلاة الظهر بمنى فبما ذكرنا ظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب المدارك قدس سره من التخيير للجمع بين ما تضمن الأمر بالخروج بعد الصلاة و ما تضمن الأمر بالخروج قبلها لعدم وصول النوبة إليه بعد عدم التعارض و التكافؤ بينهما فلاحظ و تأمل.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 368

..........

و أما الامام [1] فقد عرفت من الشيخ و ظاهر النهاية على ما حكى عنه أنه لا يجوز له غير ذلك؛ يعنى لا بد له أن يأتي بالظهرين في منى، و مال اليه صاحب الحدائق قدس سره لظاهر النصوص المتقدمة، و لكن حمله في المنتهى على شدة الاستحباب و نفي عنه البأس في الجواهر حيث قال بعد حمل المنتهى و (لا بأس به خصوصا بعد اشعار لفظ لا ينبغي و نحوه به و بعد الإجماع على الظاهر ممن عداه على عدمه).

و لكن التحقيق: أن ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم:

(و الامام يصلّى بها الظهر لا يسعه إلا ذلك) هو عدم جواز صلاة الظهر

و العصر للإمام إلا بمنى و كذا ظاهر ما رواه جميل بن دراج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: على الامام أن يصلّى الظهر بمنى و يبيت فيها و يصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج الى عرفات «1» و أما لفظ (ينبغي- و لا ينبغي) في صحيحة جميل و صحيحة محمد بن مسلم المتقدمتين، فلا ينافي في ذلك؛ لما عرفته في غير واحد من المقامات عدم دلالته على الكراهية المصطلحة بل تكون ظاهرة في مجرد الحزازة فبقرينة ما دل على عدم الجواز يحمل عليه فالقول بالوجوب ليس بالبعيد عملا بظاهرها.

______________________________

[1] و المراد بالإمام أمير الحاج- كما صرح به غير واحد- لا الإمام حقيقية فإنه الذي ينبغي ان يتقدمهم الى النزول فيتبعوه و يجتمعوا اليه و يتأخر عنهم في الرحيل منه و يدل عليه ما رواه في الكافي عن حفص المؤذن: (قال حج إسماعيل بن علي بالناس سنة [أربعين، و مائة] فسقط أبو عبد اللّه عليه السّلام عن بغلته فوقف عليه إسماعيل فقال له أبو عبد اللّه سر فإن الإمام لا يقف «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 369

..........

نعم إذا ثبت تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم الوجوب فترفع اليد عن ظاهرها و تحمل على الاستحباب، لكونه قرينة على عدم الوجوب فتأمل.

« (ثم انه ينبغي لنا التنبيه على أمر)» و هو أن ظاهر اقتصار المصنف و غيره على المتمتع عدم استحباب ذلك في المفرد و المقارن للمكي و المجاور بها قال الشهيد الثاني في المسالك

بعد نقل قول المصنف ما هذا نصه: (خص المتمتع بالذكر لأن استحباب الإحرام يوم التروية موضع وفاق بين المسلمين و أما القارن و المفرد فليس فيه تصريح من الأكثر و قد ذكر بعض الأصحاب أنه كذلك و هو ظاهر إطلاق بعضهم).

و في التذكرة: (نقل الحكم في المتمتع عن الجميع ثم نقل خلاف العامة في وقت إحرام الباقي هل هو كذلك أم في أول ذي الحجة) و نحوه في المنتهى و قال بعد كلامه في المتمتع أما المكي فذهب مالك إلى أنه يستحب أن يهل بالحج من المسجد بهلال ذي الحجة و روى عن ابن عمرو ابن عباس و طاوس و سعيد بن جبير استحباب إحرامه يوم التروية أيضا و هو قول أحمد. إلى أن قال قدس سره و لا خلاف في أنه لو أحرم المتمتع أو المكي قبل ذلك في أيام الحج فإنه يجزيه).

و لكن مقتضى الأخبار أن المفرد متى كان من أهل الآفاق مقيما بمكة و انتقل حكمه إليهم أو أراد الحج مفردا استحبابا فإنه يحرم بالحج من أول شهر ذي الحجة أن كان صرورة و أن كان قد حج سابقا فمن اليوم الخامس من شهر ذي الحجة و بعضها مطلق في الإحرام من أول الشهر فإنه يخرج إلى التنعيم أو الجعرانة و يحرم منها لا من مكة منها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 370

..........

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

أنه أريد الجوار فكيف أصنع؟ فقال: إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة و أحرم منها بالحج. إلى أن قال: ثم قال إن سفيان فقيهكم أتاني، فقال: ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون

منها؟. فقلت له:

هو وقت من مواقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: و أى وقت من مواقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ فقلت: له أحرم منها حين قسم غنائم حنين عند مرجعه من الطائف. إلى أن قال فقال: أما علمت: إن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنما أحرموا من المسجد؟.

فقلت: إن أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدماء؛ و إن هؤلاء قطنوا بمكة فصاروا كأنهم من أهل مكة، و أهل مكة لا متعة لهم، فأحببت أن يخرجوا من مكة إلى بعض المواقيت، و أن يستغبوا به (فيشعثوا خ) أياما الحديث «1» 2- ما رواه صفوان عن أبى الفضل، قال: كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من أين أحرم؟. فقال: من حيث أحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الجعرانة أتاه في ذلك المكان فتوح فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح، فقلت: متى أخرج؟.

قال: أن كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم و أن كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس «2».

3- ما رواه الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا نحوه قال: قال عليه السّلام: ينبغي للمجاور بمكة إذا كان صرورة و أراد الحج أن يخرج إلى خارج الحرم فيحرم من أول يوم من العشر و إن كان مجاورا و ليس بصرورة فإنه يخرج أيضا من الحرم و يحرم في خمس تمضى من العشر «3».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب المواقيت الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص:

371

..........

4- ما رواه ابن أبى عمير عن عبد اللّه بن مسكان عن إبراهيم بن ميمون و قد كان إبراهيم بن ميمون تلك السنة معنا بالمدينة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أن أصحابنا مجاورون بمكة و هم يسئلونى لو قدمت عليهم كيف يصنعون؟ قال: قل لهم:

إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا إلى التنعيم فليحرموا و ليطوفوا بالبيت و بين الصفاء و المروة. إلخ «1».

5- موثق سماعه بن مهران عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: من حج معتمرا في شوال، من نيته أن يعتمر و يرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، و إن هو أقام إلى الحج فهو يتمتع؛ لأن أشهر الحج: [شوال- و ذو القعدة- و ذو الحجة] فمن أعتمر فيهن و أقام إلى الحج فهي متعة و من رجع إلى بلاده و لم يقم إلى الحج فهي عمرة، و إن أعتمر في شهر رمضان أو قبله و أقام إلى الحج فليس بمتمتع و إنما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة إلى الحج، فان هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها «2».

و هذه الاخبار- كما ترى- تدل بظاهرها على أن إحرام المجاور من هلال ذي الحجة إذا كان صرورة أو بعد مضى خمسة أيام أن لم يكن صرورة، بل ربما استفيد من الأول- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- ثبوت الحكم المزبور لأهل مكة أيضا.

و لكن يفهم من بعض الاخبار أنه يحرم من التروية، و هو ما رواه في الكافي عن سماعة في الموثق عن أبى عبد

اللّه عليه السّلام قال: المجاور بمكة إذا دخلها

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب أقسام الحج الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 372

الا المضطر: كالشيخ الهم- و المريض- و من يخشى الزحام (1)

بعمرة في غير أشهر الحج- في رجب، أو شعبان، أو شهر رمضان، أو غير ذلك من الشهور إلا أشهر الحج- فإن أشهر الحج: [شوال- و ذو القعدة و ذو الحجة] من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج ثم أراد أن يحرم فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها ثم يأتي مكة و لا يقطع التلبية حتى ينظر الى البيت؛ ثم يطوف بالبيت و يصلّى الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام، ثم يخرج إلى الصفاء و المروة فيطوف بينهما، ثم يقصر و يحل، ثم يعقد التلبية يوم التروية «1» بناء على ان هذه العمرة مفرد و التقريب فيها أن هذه العمرة الثانية المشار إليها بقوله: (ثم أراد أن يحرم) لا يجوز أن يكون غمرة التمتع لوجوب الإتيان بها من الميقات؛ كما أشار إليه موثق سماعة المتقدمة، و صرح به غيره من الأخبار، و عليه اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل هي عمرة مفردة فالحج المشار اليه بقوله عليه السّلام: (ثم يعقد التلبية يوم التروية) حج أفراد- كما لا يخفى-، و قد صرح بأنه يعقد إحرامه يوم التروية، و هو ظاهر في كونه من مكة قال في الجواهر بعد ما ذكر موثق سماعة: «و لعله لبيان الجواز في حقه و في الأول على جهة الندب) و لكن التحقيق: أنها تحمل على مراتب الفضل، و تظهر وجه ذلك من التأمل فيها، فنقول: ان

الأفضل أن يحرم الصرورة في أول شهر ذي الحجة و لغيرها أن يحرم بعد مضى خمسة أيام منها فتأمل.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و الظاهر أنه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل الخلاف من أحد منهم و يدل عليه- مضافا إلى ذلك- الرواية المروية عنهم عليهم السّلام- منها:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب أقسام الحج الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 373

..........

1- موثق إسحاق بن عمار عن أبى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط «ضغط خ» الناس و زحامهم يحرم بالحج و يخرج إلى منى قبل التروية؟ قال: نعم قال: فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا يتروح بذلك؟ قال: لا، قلت: يتعجل بيوم؟. قال: نعم، قلت: بيومين؟؟

قال: نعم، قلت: ثلاثة؟ قال: نعم؛ قلت أكثر من ذلك؟ قال: لا «1» 2- ما رواه أحمد بن أبى نصر عن بعض أصحابه أنه قال لأبي الحسن عليه السّلام يتعجل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين من أجل الزحام و ضغاط الناس؟ فقال:

لا بأس «2» الى غير ذلك من الأخبار المروية عنهم عليهم السّلام.

«إيقاظ» أن ما أفاده الشيخ في التهذيب بقوله: «لا بأس أن يتقدم ذو العذر ثلاثة أيام فأما ما زاد عليه فلا يجوز فيمكن ان يكون وجه ذلك موثق إسحاق بن عمار المتقدم و لكن في المنتهى حمله على شدة الاستحباب مشعرا بالمفروغية من ذلك ثم أنه لا يخفى أنه حمل على ما تقدم خبر رفاعة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته هل يخرج الناس الى منى غدوة قال: نعم الى غروب الشمس «3».

ثم أن صاحب الجواهر قدس سره بعد

ذكره ما تقدم قال: (و لعل إطلاق الموثق المزبور [و هو موثق إسحاق بن عمار المتقدم] بناء على رجوع ضمير يتعجل فيه الى الصحيح محمول على ما كان لأجل الزحام الى أن قال كما أن الظاهر منهما عدم تأكد الندب في الخروج يوم التروية لا أن الاستحباب مرفوع بالنسبة إليهم كما يقتضي به ظاهر العبارة و غيرها.)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3.

(3) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 374

و إن يمضي إلى منى و يبيت بها ليلته الى طلوع الفجر من يوم عرفة (1)

(1) مقتضى بعض الأخبار المتقدمة هو وجوب المبيت في المنى و مقتضى ذلك هو وجوب المبيت فيها تمام الليل إلا أنه يقيد بما دل على كفاية الإصباح فيها و هو ما رواه على بن يقطين الذي قد تقدم ذكره لما فيه: (عن الذي يريد أن يتخلف بمكة عشية التروية إلى أى ساعة يسعه أن يتخلف؟ قال: موسع له حتى يصبح بمنى) ثم أنه بناء على ما أفاده صاحب المستند قدس سره من عدم دلالة الجملة الخبرية على الوجوب، فيتم القول بعدم وجوب المبيت في منى، و أما بناء على القول بدلالتها عليه- كما هو الحق- فلا يتم القول بذلك إلا إذا قامت قرينة على الخلاف و ما يمكن أن تجعله قرينة على الخلاف أمور:

(الأول)- أنه ورد المبيت بمنى- كما ترى- في عداد المستحبات.

و (فيه): أنه لا يصلح للقرينية على رفع اليد عن ظاهره لأن ظاهر الجميع

هو الوجوب، لكون الأمر ظاهرا فيه غاية الأمر أنه إذا قام الدليل من الخارج على استحباب الجميع، فترفع اليد عنه- و هو كونه بداعي الجد- بالنسبة إلى الجميع و يحكم باستحبابها و إذا قام الدليل على استحباب بعض فيتعين رفع اليد عن الظاهر بالنسبة إليه بخصوصه و أما بالنسبة إلى الباقي فلا لعدم الموجب لذلك.

إلا أن يقال: أن نفس وحدة السياق مع فرض استحباب ما ذكر فيه توهن الظهور الإطلاقي في وجوب الباقي لانتفائه بأدنى شي ء، و لكنه لا يخلو من اشكال فتدبر.

(الثاني)- ورود كلمة: (لا ينبغي) في بعض الأخبار المتقدمة.

و (فيه): أنه لم ترد في حق مطلق الحاج بل وردت في خصوص الإمام الذي ينبغي له التقدم في الخروج إلى منى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 375

لكن لا يجوز وادي محسر الا بعد طلوع الشمس (1) و يكره الخروج قبل

مضافا الى ما ذكرناه مرارا و كرارا بأن كلمة: (لا ينبغي) ليست ظاهرا في الكراهة المصطلحة بل تكون ظاهرا في مجرد الحزازة فتأمل.

(الثالث)- ما رواه الحسين بن سعيد عن محمد بن أبى عمير عن هشام بن سالم و غيره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام من أنه قال: (في التقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به «1» و (فيه): أن المراد من الإصباح بمنى هو البقاء الى طلوع الفجر لا إلى طلوع الشمس.

(الرابع)- تسالم الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم على عدم الوجوب لكونه قرينة على رفع اليد عن الظاهر و أما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه فتدبر.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و يدل عليه صحيح هشام بن الحكم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال

لا يجوز: وادي محسر [1]) حتى تطلع الشمس «2» و نقل عن الشيخ و ابن البراج- قدس سرهما- القول بالتحريم أخذا بظاهر النهى، و لكن لا يخفى أن ظاهره و ان كان هو حرمة المرور على وادي محسر قبل طلوع الشمس، إلا أن تسالم الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم على الكراهة يوجب رفع اليد عن ظاهره، فيحمل على الكراهة.

______________________________

[1] وادي محسر (على صيغة اسم الفاعل) من التحسير اى الإيقاع في الحسرة أو الإعياء سمى به لأنه قيل: إبراهيم أوقع أصحابه في الحسرة أو الإعياء لما جهدوا أن يتوجه إلى الكعبة فلم يفعل و هو حد منى لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية و ابى بصير جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال حد منى من العقبة إلى وادي محسر «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 376

الفجر إلا للضرورة- كالمريض و الخائف (1)

مضافا الى أنه في الصحيح عن هشام بن سالم و غيره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: في التقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس.؟ قال: لا بأس به «1» هذا كله إذا كان طريق الخروج من منى الى عرفات منحصرا بوادي محسر و أما إذا لم يكن منحصرا فيه بل كان له طريق آخر فلا مانع من الخروج منه قبل طلوع الشمس كما لا يخفى لاختصاص النهى بالخروج عن وادي محسر و لا يشمل غيره فتدبر.

(1) كما

في القواعد و النافع و محكي السرائر بل نسبه غير واحد إلى الشهرة و استدل لذلك بحسن معاوية أو صحيحة: (إذا انتهيت إلى منى فقل اللهم هذه منى و هي مما مننت بها علينا من المناسك فأسألك. الى أن قال: و تصلّى بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخر و الفجر «2» و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله المحكي في صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام هل صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الظهر بمنى يوم التروية؟. فقال: نعم و الغداة بمنى يوم عرفه «3» و خبر عبد الحميد الطائي قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أنا مشاة فكيف نصنع؟ قال أما أصحاب الرجال فكانوا يصلون الغداة و أما أنتم فامضوا حيث تصلون في الطريق «4».

و لكن الجميع كما ترى لا دلالة فيها على الكراهة- كما أفاده صاحب الجواهر- و قال: و لذا ناقش فيها بعض الناس بعدم الظفر بنهي يحمل عليها لكن يمكن أن يكون إطلاق النهي عن جواز وادي محسر قبل طلوع الشمس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 5 بتغيير

(3) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 377

و الامام يستحب له الإقامة فيها الى طلوع الشمس (1) و يستحب الدعاء بالمرسوم عند الخروج (2)

بناء على إرادة الكراهة منه الى أن قال: (و على كل

حال فمن ذلك يعلم ضعف ما عن ظاهر النهاية و المبسوط و الاقتصار و أبى الصلاح و ابن البراج من عدم الجواز المنافي للأصل و استحباب المبيت بمنى)

(1) ما أفاده المصنف قدس سره من استحباب الإقامة للإمام في منى إلى طلوع الشمس فمما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و استدل لذلك بالروايات الواردة في المقام- منها:

1- صحيحة جميل بن دراج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: على الإمام أن يصلّى الظهر بمنى ثم يبيت بها و يصبح حتى يطلع الشمس ثم يخرج إلى عرفات «1» 2- موثق إسحاق بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال ان من السنة أن لا يخرج الإمام من منى الى عرفة حتى تطلع الشمس «2».

3- في الدعائم و عن على عليه السّلام ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غدا يوم عرفة من منى فصلّى الظهر بعرفة لم يخرج من منى حتى طلعت الشمس «3».

4- ما رواه صفوان بن يحيى و فضالة عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال لا ينبغي للإمام أن يصلّى الظهر يوم التروية إلا بمنى و يبيت بها إلى طلوع الشمس «4» و ظاهرها و إن كان الوجوب إلا أن تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على خلافه يوجب رفع اليد عنه فتدبر.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و يدل عليه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

(3) المسترك ج 10 الباب

7 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 378

و أن يغتسل للوقوف (1)

صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا غدوت الى عرفة فقل و أنت متوجه إليها: اللهم إليك صمدت، و إياك اعتمدت، و وجهك أردت، أسألك أن تبارك لي في رحلتي، و أن تقضى لي حاجتي، و أن تجعلني اليوم ممن تباهي به من هو أفضل مني، ثم تلبي و أنت عاد إلى عرفات «1» و يستحب له أيضا الدعاء بالمرسوم عند التوجه إلى منى لما في حسن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا توجهت إلى منى فقل: اللهم إياك أرجو و إياك أدعو فبلغني أملي و أصلح لي عملي «2».

و يستحب له أيضا الدعاء بالمرسوم عند النزول فيها، و يدل عليه ما رواه الفضل ابن شاذان عن صفوان بن يحيى و ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا انتهيت إلى منى فقل: اللهم هذه منى و هذه مما مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تمن على بما مننت به على أنبيائك فإنما أنا عبدك و في قبضتك.

الى أن قال: (و حد منى من العقبة إلى وادي محسر) «3»

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل في المدارك: «الإجماع عليه») و استدل لذلك بجملة من النصوص المروية عنهم عليهم السّلام- منها:

1- صحيح ابن أبى عمير و صفوان عن معاوية بن عمار عن أبى عبد

اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: فإذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباك بنمرة (و نمرة هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة) فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل و صل الظهر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 379

..........

و العصر بأذان واحد و إقامتين فإنما تعجل العصر و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنه يوم دعاء و مسألة «1».

2- صحيح حماد عن الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: الغسل يوم عرفة إذا زالت الشمس و تجمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين «2» 3- ما رواه موسى بن القاسم عن محمد بن عمر عن ابن عذافر عن ابن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية و اغتسل و عليك بالتكبير و التهليل و التحميد و التسبيح و الثناء على اللّه و صل الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين «3».

« (ثم انه ينبغي هنا التنبيه على أمرين)» (الأول)- إن مقتضى أخبار الباب هو وجوب الغسل عليه.

اللهم إلا أن يقال باستفادة الاستحباب منها، بقرينة ذكر الغسل في عداد المستحبات، لكن يمكن المناقشة فيه أنه إذا أمر بأشياء عديدة فظاهر الإطلاق كونه بداعي الجد في الجميع، غاية الأمر أنه إذا قامت قرينة على الاستحباب بالنسبة إلى الجميع فيتعين رفع اليد عن الظاهر و الحكم باستحبابها، و أما إذا قامت قرينة على استحباب بعض فترفع

اليد عن الإطلاق بالنسبة إليه دون غيره.

إلا أن يقال: ان نفس وحدة السياق مع فرض استحباب ما ذكر فيه توهن الظهور الإطلاقي في وجوب الباقي لانتفائه بأدنى شي ء، مضافا الى أن تسالم الأصحاب

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 380

[و أما الكيفية]

« (و أما الكيفية)» فيشتمل على واجب و ندب، فالواجب النية (1)

- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم وجوب الغسل عليه قرينة على رفع اليد عن الظاهر، و أما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه، فلاحظ و تأمل.

(الثاني)- ان ما يستفاد من أخبار المقام- الذي قد تقدم ذكرها آنفا- استحباب الغسل عند الزوال- كما هو واضح.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من وجوب النية في الوقوف بعرفات مما لا ينبغي الارتياب فيه، فلو وقف بها من دون نية أصلا بطل سواء كان عن عمد أو سهو؛ أو جهل، و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم-؛ و قد نفي عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع بقسميه، مضافا إلى عموم الأدلة و خصوصها التي ستمر عليك، هذا مما لا كلام لنا فيه، إنما الكلام في وقتها و اعتبر الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- وقوعها عند تحقق الزوال، لأنه أول وقت الوقوف الواجب بناء على انه ما بينه و بين الغروب فيجب مقارنتها له ليقع الوقوف الواجب- و هو ما بين الزوال و الغروب- بأسره عن نية، و الآفات جزء منه بدونها، و لكن

المستفاد من الأخبار الواردة في المقام خلاف ذلك- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار الوارد في كيفية حج النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه صلّى اللّه عليه و آله: انتهى إلى نمرة: (و هي بطن عرنة بحيال الأراك) فضرب قبته و ضرب الناس أخبيتهم عندها فلما زالت الشمس خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه قريش و قد أغتسل، و قطع التلبية حتى وقف بالمسجد؛ فوعظ الناس، و أمرهم و نهاهم، ثم صلّى الظهر و العصر بأذان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 381

..........

واحد و إقامتين، ثم مضى إلى الموقف فوقف به. إلخ «1».

2- ما رواه سماعة بن مهران عن أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال:

لا ينبغي الوقوف تحت الأراك، فأما النزول تحته حتى تزول الشمس و ينهض إلى الموقف فلا بأس «2».

3- صحيح ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام:

(في حديث) قال: فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة- و نمرة هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة- فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل، و صلّى الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، فإنما تعجل العصر، و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء؛ فإنه يوم دعاء و مسألة «3».

4- ما عنه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (انما تعجل الصلاة و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة، ثم تأتى الموقف. إلخ) «4».

4- في المجالس بالإسناد الآتي قال: جاء نفر من اليهود الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسأله أعلمهم عن مسائل، و كان فيما سأله أن قال: أخبرني لأي شي ء أمر اللّه بالوقوف بعرفات بعد

العصر؟؟ فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ان العصر هي الساعة التي عصى آدم فيها ربه، ففرض اللّه عز و جل على أمتي الوقوف و التضرع و الدعاء في أحب المواضع اليه، و تكفل لهم بالجنة، و الساعة التي ينصرف بها الناس هي الساعة التي تلقى فيها آدم ربه بكلمات؛ فتاب عليه أنه هو التواب الرحيم. ثم قال النبي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب الإحرام بالحج و الوقوف بعرفة الحديث 7

(3) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الإحرام بالحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الإحرام بالحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 382

..........

صلّى اللّه عليه و آله: و الذي بعثني بالحق بشيرا و نذيرا، ان للّه بابا في سماء الدنيا يقال له باب الرحمة و باب التوبة و باب الحاجات و باب التفضل و باب الإحسان و باب الجود و باب العفو و لا يجتمع بعرفات أحد إلا استأهل من اللّه ذلك الوقت هذه الخصال، و ان للّه مأة الف ملك مع كل ملك مأة و عشرون الف ملك، ينزلون من اللّه بالرحمة على أهل عرفات و للّه على أهل عرفات رحمة ينزلها على أهل عرفات؛ فإذا انصرفوا أشهد اللّه ملائكته بعتق أهل عرفات من النار و أوجب لهم الجنة، و نادى مناد انصرفوا مغفورين فقد أ رضيتموني و رضيت عليكم «1».

5- ما رواه فضالة بن أيوب عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إن إبراهيم عليه السّلام أتاه جبرئيل عند زوال الشمس من

يوم التروية فقال: يا إبراهيم ارتو من الماء لك و لأهلك. الى أن قال: ثم ذهب به حتى أتى منى فصلّى بها الظهر و العصر و العشاءين و الفجر حتى إذا بزغت الشمس خرج الى عرفات، فنزل بنمرة (و هي بطن عرنة) فلما زالت الشمس خرج، و قد أغتسل؛ فصلّى الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، و صلّى في موضع من المسجد الذي بعرفات الى أن قال: ثم مضى به الى الموقف. إلخ «2» و كيف كان فهذه الاخبار- كما ترى- لا تدل على المدعى- و هو وجوب الوقوف من أول الزوال- بل على خلافه أدل، و لذا قال في المدارك: (و المسألة محل إشكال و لا ريب في إن ما اعتبره الأصحاب أولى و أحوط).

قال في الجواهر: (و بنحو ذلك عبر في محكي المقنعة و النهاية و المبسوط و من لا يحضره الفقيه و السرائر من غير تعرض للنية، فضلا عن مقارنتها. إلى أن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الإحرام بالحج و الوقوف بعرفة الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 35

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 383

..........

قال: و فيه: ان الأخيرين لا صراحة فيهما؛ بل و لا ظهور في عدم النية عند الزوال خصوصا؛ بناء على انها الداعي المستمر خطوره مع التشاغل بهذه المقدمات. و أما الأول منها: فهو ظاهر في مضى زمان من الزوال في غير الموقف، و مرجعه عدم وجوب الكون فيه من الزوال الى الغروب و ستعرف الكلام فيه ان شاء اللّه تعالى- مع أنه يمكن كون نمرة موضع آخر في عرفة- فعن القاموس: «أنها موضع بعرفات، أو الميل الذي عليه

أقطاب الحرم و حينئذ يكون المراد بمضيه الرواح إلى الموقف ميسرة الجبل الذي يستحب الوقوف فيه». إلى أن قال:

- قدس سره- بعد حكمه بعدم اجزاء الوقوف إذا وقف بحدود عرفات-:

(إنما الكلام في وجوب استيعاب الزمان من زوال يوم عرفة إلى غروب الشمس بالكون فيها مع الاختيار أو يكفي مسماه؟؟ الظاهر: الأول كما صرح به الشهيدان في الدروس و اللمعة و المسالك و المقداد و الكركي و غيرهم من غير إشارة أحد منهم إلى خلاف في المسألة، بل ظاهر المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، بل لم أجد القول الثاني قولا محررا بين الأصحاب. نعم قد سمعت ما في المدارك من التوقف فيما حكاه عن الأصحاب من وجوب كون النية حين الزوال لتكون مقارنة لأول الواجب للروايات التي قدمناها، و تبعه في كشف اللثام و الذخيرة و الحدائق و الرياض و غيرها من كتب المعاصرين، بل ادعى في الأخير:

«أنه ظاهر الأكثر» اعتمادا على ما حكاه في الذخيرة و الحدائق من عبارات القدماء و في كشف اللثام: «و هل يجب الاستيعاب حتى إن أخل به في جزء منه أثم و إن تم حجه»؟. ظاهر الفخرية ذلك، و صرح الشهيد بوجوب مقارنة النية لما بعد الزوال و أنه يأثم بالتأخير، و لم أعرف له مستندا و في السرائر: «ان الواجب هو الوقوف بسفح الجبل و لو قليلا بعد الزوال». و في التذكرة:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 384

..........

«إنما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة، و لو مجتازا مع النية، و ظاهر الأكثر وفاقا للاخبار الوقوف بعد صلاة الظهرين» ثم قال: «لو تجدد الإغماء و النوم بعد الشروع فيه في وقته صح؛ لما عرفت أن الركن

بل الواجب هو المسمى.

إلى أن قال: «قال في الرياض: و هل يجب الاستيعاب حتى أن أخل به في جزء منه أثم و ان تم حجه- كما هو ظاهر الشهيدين في الدروس و اللمعة و شرحها، بل صريح ثانيهما- أم يكفي المسمى و لو قليلا كما عن السرائر.؟؟ و عن التذكرة أن الواجب اسم الحضور في جزء من اجزاء عرفة و لو مجتازا مع النية» و ربما يفهم هذا أيضا عن المنتهى إشكال و ينبغي القطع بفساد القول الأول لمخالفته لما يحكى عن ظاهر الأكثر و المعتبرة المستفيضة بأن الوقوف بعد الغسل و صلاة الظهرين، ففي الصحيح إلى آخر ما سمعته من النصوص السابقة ثم قال: و الأحوط العمل بمقتضاها و إن كان القول بكفاية مسمى الوقوف لا يخلو عن قرب، للأصل النافي للزائد بعد الاتفاق على كفاية المسمى في حصول الركن منه و عدم اشتراط شي ء زائد منه فيه، مع سلامته عن المعارض سوى الأخبار المزبورة، و دلالتها على الوجوب غير واضحة. و أما ما تضمن منها الأمر بإتيان الموقف بعد الصلاتين فلا تفيد الفورية؛ و مع ذلك منساق في سياق الأوامر المستحبة و أما ما تضمن منها فعله فكذلك، بناء على عدم وجوب التأسي، و على تقدير وجوبه في العبادة فإنما غايته الوجوب الشرطي لا الشرعي؛ و كلامنا فيه لا في سابقة للاتفاق كما عرفت على عدمه. قلت لعل الأظهر و الأحوط وجوب الاستيعاب و ان كان الركن المسمى منه، و النصوص المزبورة لا دلالة فيها على كفاية المسمى، و إنما أقصاها التشاغل عند زوال الشمس بمقدمات الوقوف من الغسل و الجمع بين الصلاتين و نحوهما، لا انه يجزى المسمى. و من هنا كان

ذلك خيرة الذخيرة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 385

..........

و الحدائق و بعض من تأخر عنهما، على أنه يمكن كون هذه المقدمات كلها بعرفة، فلا تنافي نية الوجوب كما عساه يشهد لذلك أن المستحب الجمع بعرفة. إلخ) و لكن يمكن ان يقال بمقالة صاحب المستند- قدس سره- و هو لزوم كون وقوفه من أول الزوال حتى يكون وقوفه من أول الزوال إلى الغروب إذا كان مختارا و لكن لا بمعنى وجوب استيعاب جميع الوقت في الموقف حقيقة حتى يحكم بعدم جواز الإخلال بجزء منه- كما عن الدروس و اللمعة و الروضة، و نقله في الذخيرة من غير واحد من عبارات المتأخرين، و يشعر كلام المدارك بنسبته إلى الأصحاب- لعدم دليل على ذلك أصلا، كما اعترف به في المدارك و الذخيرة و غيرهما بل، في الأخبار ما يعطى خلافه، بل بمعنى انه يجب استيعاب ذلك الوقت عرفا الحاصل بالاشتغال بمقدمات الوقوف المستحبة في حدود عرفة ثم الوقوف حتى يكون الوقت مستوعبا بهذه الأمور و إن كان قليل من أول الوقت مصروفا في الحدود بالمقدمات و الصلاة، و هذا المعنى هو الذي استقر به في الذخيرة بل هو الذي يعطيه كلام الصدوق في الفقيه و الشيخ في النهاية و المبسوط و الديلمي في رسالته و الحلي في سرائره و الفاضل في المنتهى. إلى أن قال: و هذا المعنى هو الذي يستفاد من الأخبار و عليه عمل الحجج الاطهار.

ثم انه بعد ما ذكر صحيح معاوية بن عمار المتقدم المتضمن لسنة حج النبي صلّى اللّه عليه و آله و غيره قال: (و هذه الاخبار و ان كانت قاصرة عن افادة وجوب الوقوف تمام ذلك الوقت إلا أنه يمكن إتمامها

بضميمة قوله صلّى اللّه عليه و آله: (خذوا عنى مناسككم) و يستفاد من التذكرة الاكتفاء بمسمى الوقوف، قال: إنما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة و لو مجتازا مع النية، و نسبه بعضهم إلى السرائر و هو ليس منه بظاهر، لانه قال أولا: فإذا زالت اغتسل و صلّى الظهر و العصر جميعا يجمع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 386

..........

بينهما بأذان واحد و إقامتين لأجل البقعة ثم يقف بالموقف. إلى أن قال: و الوقوف بميسرة الجبل أفضل من غيره و ليس ذلك بواجب، بل الواجب الوقوف بسفح الجبل و لو قليلا بعد الزوال، و أما الدعاء و الصلاة في ذلك الموضع فمندوب غير واجب، و إنما الواجب الوقوف و لو قليلا انتهى، و كأنه أخذ هذه النسبة من قوله (و لو قليلا) و هو ليس قيدا لمطلق الوقوف، بل للوقوف في سفح الجبل؛ و لذا نسب في الذخيرة إليه وجوب الوقوف بسفح الجبل خلافا للمشهور و قرب الاكتفاء بمسمى الوقوف بعض مشايخنا أيضا، للأصل النافي للزائد بعد الاتفاق على كفاية المسمى في حصول الركن منه، و عدم اشتراط شي ء زائد فيه مع سلامته عن المعارض و هو حسن لو لا ما مر بأخذ المناسك عنه و عدم اكتفائه بالمسمى أبدا؛ سيما في الجزء الأخير من اليوم اللازم كونه هو الواجب، لما مر من وجوب الانتهاء الى الغروب، و لكن مع ذلك فلا وجه للاكتفاء بالمسمى سيما مع ندرة القول به، بل لا بعد في جعل خلافه إجماعيا انتهى كلامه زيد في علو مقامه) تحقيق الكلام في هذا المبحث يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الأولى)- ان مسمى الوقوف بعرفات ركن- كما افاده صاحب الجواهر و

غيره من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و يمكن الاستدلال لذلك بوجهين:

(الأول)- ما دل على صحة الحج ان أدرك اضطراري الوقوف بعرفات و لو قليلا مع درك المشعر الا أن يقال بعدم شموله لمفروض المقام، لوروده في خصوص صورة الاضطرار فلا يشمل ما إذا ترك مقدارا من الوقوف عمدا فتدبر (الثاني)- ما دل على حرمة الإفاضة قبل الغروب من عرفات.

بتقريب: انه اقتصر الشارع فيه على بيان ثبوت الكفارة لمن أفاض منها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 387

..........

قبل الغروب دون بطلان الحج فتدبر.

(إيقاظ) و هو انه كما يكون المسمى من الوقوف الاختياري ركنا فكذلك المسمى الوقوف الاضطراري، لصحيح معاوية بن عمار المتقدم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، في رجل أدرك الامام و هو بجمع؟ فقال: ان ظن انه يأتي عرفات و يقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها.

(الثانية)- ان مقتضى ما روى في المجالس: (ان وقت الوقوف بعرفات هو العصر)، فعليه تقع المعارضة بينه و بين الاخبار الدالة على وجوبه من أول الزوال اللهم إلا أن يقال: ان التعرض لحكمة وجوب الوقوف في العصر ليطابق الجواب السؤال لا يدل على كون مبدء زمان الوقوف الواجب ما بعد العصر حتى يعارض النصوص المحددة لمبدء الوقوف بالزوال- كما لا يفهم من السؤال اعتقاد السائل بكون أول الوقوف ما بعد العصر حتى يكون سكوت النبي صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك تقريرا له و دليلا على تحديد مبدء الوقوف بما بعد العصر.

هذا كله مضافا إلى ضعف السند و عدم انجباره بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فلا يصلح للمعارضة مع ما تقدم من الأخبار الدالة على أن أول وقوف الواجب هو الزوال و

ان سلمنا دلالته، فتدبر.

(الثالثة)- انه يمكن أن يكون المراد من قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: «أن نمرة: دون الموقف» انه موقف الدعاء و كون الدعاء أفضل في الموقف لا ان عرفة هي تلك القطعة دون غيرها. مضافا الى أن عرفات أطلق في الأخبار على ما يشمل نمرة أيضا كما ورد في صحيح معاوية بن عمار و أبى بصير جميعا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال: «و حد عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف «1»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب الإحرام بالحج و الوقوف بعرفة الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 388

و الكون بها الى الغروب (1)

و هذا الحديث- كما ترى- صريح في ان بعد المأزمين إلى أقصى الموقف اسمه عرفات فنمرة داخلة في عرفات لوقوعها على يمين من خرج من المأزمين و أراد الموقف فعليه يتعين أن يقال ان إطلاق عرفات على ما بعد نمرة في بعض الأخبار يكون لأجل أفضلية هذه القطعة، أو لأجل كونه محلا لاعتراف الإنسان بالذنوب و ليس فيه ان الموقف هذه القطعة، فقط لا عرفات بمعناها الأعم مضافا الى انه قد ورد في بعض الأخبار: (إن عرفات كلها موقف) و لكن مع ذلك كله هذه المسألة من أولها إلى آخرها تحتاج إلى الملاحظة و التأمل لمنافات ما ذكر مع بعض الأخبار الآتي و عدم تمامية سند الرواية التي أشير إليها المتضمنة لجملة: (أن عرفات كلها موقف)

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من وجوب الكون بعرفات الى غروب الشمس مما لا ينبغي الإشكال فيه، و قد نفي عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه، و يدل عليه الاخبار المروية عنهم عليهم

السّلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام ان المشركين كانوا يفيضون قبل أن يغيب الشمس؛ فخالفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأفاض بعد غروب الشمس «1» 2- موثق يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام متى تفيض من عرفات؟؟ فقال إذا ذهبت الحمرة من ههنا و أشار بيده الى المشرق و إلى مطلع الشمس «2» 3- ما عنه قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: متى الإفاضة من عرفات؟؟ قال:

إذا ذهبت الحمرة يعنى من الجانب الشرقي «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 389

فلو وقف بنمرة؛ أو عرنة، أو ثوية، أو ذي المجازي، أو تحت الأراك لم يجزه (1)

(إيقاظ)- و هو ان المراد بالغروب هنا هو الذي قد بين في أوقات الصلاة- و هو ذهاب الحرمة المشرقية- لا غيرها.

(1) ما أفاده الماتن- قدس سره- بقوله: (فلو وقف بنمرة [1] أو عرنة [2] أو ثوية [3] أو ذي المجاز [4] أو تحت الأراك [5] لم يجزه) مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه بل في المنتهى: «نسبته إلى الجمهور أيضا إلا ما يحكى عن المالك: «من الاجتزاء ببطن عرنة و لزوم الدم» لكنه واضح الفساد بعد أن

______________________________

[1] نمرة: كفرحة (بفتح النون و كسر الميم- و يجوز إسكانه

و فتح الراء) و هي الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك، إذا خرجت من الملازمين تريد الموقف- كما عن تحرير النووي و القاموس و غيرهما- لكن قد تقدم في صحيح معاوية بن عمار: (من انها بطن عرنة) قيل قلعها تقال عليهما، و يقال على أحدهما للمجاورة.

[2] عرنة: كهمزة: (بضم العين و فتح الراء و النون- و في لغة بضمتين) و هي- كما عن المطرزي: (واد بحذاء عرفة).

و عن السمعاني: (ظني وادي بين عرفات و منى).

و عن القاسي: أنه موضع بين العلمين اللذين هما حد عرفة- و العلمين اللذين هما حد الحرم.

[3] ثوية: (بفتح الثاء- و كسر الواو- و تشديد الياء-) حد من حدود عرفة.

[4] ذو المجاز هو سوق كان على فرسخ من عرفة بناحية كبكب (على ما في الجواهر).

و في الوافي: (و في النهاية: ذو المجاز موضع عند عرفات كان يقام فيه سوق من أسواق العرب في الجاهلية و المجاز موضع الجواز و الميم زائدة سمى به لأن إجازة الحاج كان فيه

[5] الأراك: (كسحاب) و هو موضع بعرفة قرب نمرة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 390

..........

لم يكن هو من عرفة و إنما هي حد لها و الحد خارج عن المحدود. إلخ» و يدل عليه الاخبار الواردة في المقام- منها:

1- ما رواه محمد بن سماعة (الصيرفي) عن سماعة بن مهران عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال: و اتق الأراك و نمرة و هي: «بطن عرنة» و ثوية و ذي المجاز فإنه ليس من عرفة و لا تقف فيه «1» و رواه الصدوق رحمه اللّه تعالى مرسلا.

2- خبر أبى بصير قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام ان أصحاب الأراك الذين ينزلون تحت

الأراك لا حج لهم «2» و رواه الصدوق- قدس سره- مرسلا قال الشيخ: «يعنى من وقف تحته و أما إذا نزل تحته و وقف بالموقف فلا بأس به.

3- خبر إسحاق بن عمار عن أبى الحسن عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «ارتفعوا عن وادي عرنة بعرفات «3» 4- ما رواه ابن أبى عمير و صفوان عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «في حديث» قال: و حد عرفة من بطن عرنة و ثوية و نمرة إلى ذي المجاز و خلف الجبل موقف «4» 5- في المرسل قال عليه السّلام: «حد عرفة من بطن عرنة و ثوية و نمرة و ذو المجاز و خلف الجبل موقف إلى وراء الجبل و ليست عرفات من الحرم و الحرم أفضل منها «5» لا يخفى انه لا تنافي بين الجميع في كونها حدودا للعرفة باعتبار الجهات- كما أفاده صاحب الجواهر و غيره من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و في المسالك على ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره-: (و هذه الأماكن الخمسة حدود عرفة و هي راجعة إلى أربعة- كما هو المعروف من الحدود لأن نمرة بطن عرنة كما روى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 6.

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3.

(3) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 4.

(4) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1.

(5) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 9.

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 3، ص: 391

..........

في حديث معاوية بن عمار عن الصادق عليه السّلام و لا يقدح ذلك في كون كل واحد منهما حدا فإن أحدهما ألصق من الآخر و غيرهما و إن شاركهما باعتبار اتساعه في إمكان جعله كذلك لكن ليس لإجزائه أسماء خاصة بخلاف نمرة و عرنة و نحوه عن الكركي في حواشي القواعد و لكن و فيه انه مناف للمعروف من الحد الذي هو الملاصق للمحدود و يمكن كون ذلك على ضرب من المجاز أو ان نمرة طرف خارج عن عرنة يكون حدا.)

ثم انه لا يخفى ان تعيين تلك الأماكن لا يمكن إلا باخبار أهل الخبرة أو التواتر الموجب للقطع فتدبر.

ثم إن تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى أمور:

(الأول)- أن المراد بالوقوف انها الكون فيها، و لا يعتبر في الكون فيها وجه مخصوص، بل كيف ما حصل أجزأ سواء كان قاعدا أو قائما، جالسا أو راكبا نائما أو مستيقظا، للأصل، و صدق الوقوف بعرفات على جميع الحالات و ان كان بعض الحالات- كالقيام- أفضل بالنسبة إلى البعض على ما سيجي ء بيانه ان شاء اللّه تعالى.

نعم في كشف اللثام الإشكال في الركوب و نحوه، لخروجه عن معنى الوقوف لغة و عرفا و نصوص الكون و الإتيان لا تصلح لصرفه الى المجاز.

و لكن لا يخفى ما فيه لعدم الاحتياج إلى الصرف و إنما هو أحد الأفراد، لصدق الكون بها و لو راكبا- كما لا يخفى- مضافا الى ما في رواية حماد بن عيسى قال: رأيت أبا عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السّلام بالموقف على بغلة رافعا يده الى السماء عن يسار و إلى الموسم حتى انصرف و كان

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 3، ص: 392

و لو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا فلا شي ء عليه (1)

في موقف النبي صلّى اللّه عليه و آله و ظاهر كفيه إلى السماء و هو يلوذ ساعة بعد ساعة بسبابتيه «1» و نحوه غيره من الأخبار.

(الثاني)- ان المرجع في معرفة عرفات التي يكون الوقوف فيها واجبا و مجزيا أهل الخبرة القاطنون في تلك الحدود، و مع الشك يجب القصر على المتيقن لان اشتغال الذمة اليقيني تستدعي الفراغ اليقيني، و الوقوف في مشكوك الموقفية يوجب الشك في الامتثال و انطباق المأمور به، على المأتي به الذي لا شبهة في مرجعية قاعدة الاشتغال فيه.

(الثالث)- أن يكون الوقوف بعد زوال الشمس من يوم عرفة: (و هو يوم التاسع- من شهر ذي الحجة)، فلو وقف قبله لم يجز، لما عرفت (في الأخبار) من الأمر بدخول الموقف بعد الزوال.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم، بل في الجواهر (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن ظاهر المنتهى و التذكرة «أنه موضع وفاق بين العلماء» مضافا إلى الأصل، و إلى أولويته بعدم الفساد من حال العمد- الذي ستعرف النص و الفتوى على عدمه فيه- بل الإجماع بقسميه عليه، و إلى الأصل أيضا في عدم الكفارة التي تترتب غالبا على الذنب المفقود في الثاني، و في بعض أفراد الأول قطعا أن أريد به الأعم من القاصر. إلخ) و يدل عليه- مضافا إلى الاتفاق المزبور- ما رواه محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن مسمع بن عبد الملك عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس؟. قال: إن كان جاهلا فلا شي ء

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 393

و ان كان عامدا جبره ببدنة فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما (1)

عليه، و إن كان متعمدا فعليه بدنة «1» ثم إن تحقيق الكلام فيه يتم في ضمن أمرين.

(الأول)- انه لو أفاض قبل الغروب من عرفات جاهلا أو ناسيا فهل يجب عليه العود بعد التفاته أو لا؟؟ تحقيق الكلام فيه هو وجوب العود عليه بناء على القول بوجوب الاستيعاب، بل و على القول الآخر مقدمة لامتثال حرمة الإفاضة قبل الغروب بعبارة أخرى هو انه بناء على القول بوجوب الإفاضة بعد الغروب من عرفات إلى المشعر فاللازم هو الحكم بلزوم عوده إليها لتحصيل الواجب و هو الإفاضة بعد الغروب فبما ذكرنا ظهر لك ما في كلام صاحب كشف اللثام- قدس سره- قال: (و هل عليهما الرجوع إذا انتبها قبل الغروب؟ نعم، ان وجب استيعاب الوقوف، و إلا فوجهان) على ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره- (الثاني)- ان الظاهر ان الوقوف من أول الزوال الى الغروب ليس من قبيل الواجبات الارتباطية التي يبطل الواجب بالإخلال بترك بعضه عمدا بل يكون ما عدا الركن واجبا نفسيا استقلاليا: فلو تركه في جزء من الوقت لا يبطل الوقوف و لا الحج.

(1) قال في الجواهر عند شرح قول الماتن: (بلا خلاف أجده في أصل الجبر، بل في المنتهى: «أنه قول عامة أهل العلم الا من مالك، فقال لا حج له و لا نعرف أحدا من أهل الأمصار قال بقوله»: و أما كونه بدنة فهو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا. بل عن الغنية دعواه. إلخ» و يدل عليه قوله عليه

السّلام في ذيل صحيح مسمع المتقدم: (و إن كان متعمدا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الإحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 394

..........

فعليه بدنة) و مرسلة الحسن بن محبوب عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفاض من عرفات قبل أن تغرب الشمس؟ قال: عليه بدنة فان لم يقدر على بدنة فان لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوما «1» و ما رواه سهل بن زياد و أحمد بن محمد جميعا عن الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن ضريس الكناسي عن أبى جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله «2» و ما في الدعائم على ما نقل في الجواهر عنه أيضا انه سئل عن وقت الإفاضة من عرفات قال (إذا وجبت الشمس فمن أفاض قبل غروب الشمس فعليه بدنة ينحرها) ثم ان تنقيح هذا المبحث يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الأولى)- ان مقتضى إطلاق الأخبار الواردة في المقام عدم الفرق في ثبوت الكفارة عليه بين ما إذا كانت إفاضته قبل الغروب أو بعد الزوال بمقدار قليل أو كثير، لصدق عنوان (أنه أفاض من عرفات قبل الغروب) على الجميع.

و أما القول بانصراف الأخبار الى صورة ما إذا أفاض قبيل الغروب فإذا أفاض قبله فلا تثبت الكفارة فمما لا وجه له، لعدم ثبوته أولا؛ و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، فلا عبرة به في تقييد الإطلاقات و العمومات الدالة على ثبوت الكفارة مطلقا لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي

هو الضابط في الانصراف الصالح للتقييد.

(الثالثة)- ان مقتضى صريح الأخبار هو كون الكفارة في المقام بدنة، خلافا لما حكى عن الصدوقين من كونها شاة، و ذلك لعدم الدليل عليه، و ان نسبه في محكي الجامع إلى رواية، لعدم مقاومتها لما تقدم من الأخبار المعتضدة بالشهرة، و عن الخلاف: (ان عليه دما، للإجماع و الاحتياط، و قول

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 395

و لو عاد قبل الغروب لم يلزمه شي ء (1)

النبي صلّى اللّه عليه و آله في خبر ابن عباس: (من ترك نسكا فعليه دم) و لعل إطلاقه في مقابلة من لم يوجب عليه شيئا من العامة، مضافا إلى أن النبوي لا يصلح لمعارضته لما سمعت فتدبر.

(الرابعة)- انه هل يلحق الجاهل المقصر بالعامد أو لا؟. فيه وجهان أرجحهما الأول و وجهه واضح.

(الخامسة)- إن ظاهر الأخبار هو صحة هذا الصوم في السفر و ان كان واجبا

(1) قال في الجواهر: (كما عن الشيخ و ابني حمزة و إدريس للأصل و لانه لو لم يقف إلا هذا الزمان لم يكن عليه شي ء فهو حينئذ كمن تجاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه فأحرم لكن عن النزهة: «ان سقوط الكفارة بعد ثبوتها يفتقر إلى دليل و ليس». و في كشف اللثام: «و هو متجه» و «فيه»: منع الثبوت بعد ظهور الدليل في غير العائد نعم لا يجدى العود بعد الغروب عندنا خلافا للشافعي إذا عاد قبل خروج وقت الوقوف.) هذا بناء على ظهور الأخبار في غير العائد و إلا فلا،

لأن تخصيصها بصورة الرجوع لأوجه له فتأمل.

« (تذييل)» هو انه هل يجزى الوقوف في حال النوم أم لا؟؟

و الظاهر عدم المانع من كفاية وقوفه و أما النية و ان كانت معتبرة في الوقوف و لكن لا ينافيها النوم كما لا ينافيها الصوم فكما في الصوم إذا نام الصائم قبل طلوع الفجر ناويا له إلى الغروب يحكم بالصحة فكذلك في المقام لأنه كان من نيته الوقوف و لكن حين الوقوف حصل له ذلك و إذا شك فيه أى في صحته مقتضى الأصل البراءة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 396

[و اما أحكامه فمسائل]
اشارة

(و اما أحكامه فمسائل)

[الأولى]

«الأولى» الوقوف بعرفات ركن من تركه عامدا فلا حج له (1)

و أما الدعاء و ان كان يفوته به لكنه (أولا): ليس بواجب على ما سيظهر لك- إن شاء اللّه تعالى- و (ثانيا): انه واجب على حدة و هو من قبيل الواجب في واجب فعدم الدعاء لا يضر بالوقوف.

فما أفاده الشيخ- قدس سره- من كفاية وقوف النائم هو الصواب.

و من هنا ظهر ضعف مناقشة صاحب الجواهر على كلام الشيخ- قدس سره- حيث قال: (لا وجه لما حكاه عن الشيخ من الاجتزاء بوقوف النائم مع فقده النية التي قد عرفت اعتبارها إلخ).

(1) لا ينبغي الارتياب في ان مسمى الوقوف بعرفات من زوال يوم عرفة ركن في الحج على معنى ان من تركه عامدا فلا حج له- كما هو ضابط الركنية في الحج- و هذا هو المعروف بين الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم بل في الجواهر بلا خلاف أجده في ذلك بيننا بل الإجماع بقسميه عليه بل نسبه غير واحد إلى علماء الإسلام. إلخ ثم انه استدل لذلك بعدة أخبار- منها:

1- عن عوالي اللئالي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال: (الحج عرفة) «1» 2- صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الموقف ارتفعوا عن بطن عرنة، و قال صلّى اللّه عليه و آله (أصحاب الأراك لا حج لهم) يعنى الذين يقفون عند الأراك «2» و نحوهما غيرهما من الأخبار الدالة على عدم الحج بعدم الوقوف

______________________________

(1) المستدرك ج 2 الباب 18 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب إحرام الحج و الوقوف

بعرفة الحديث 10 و أورد ذيله في حديث 11 من هذا الباب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 397

و من تركه نسيانا تداركه ما دام وقته باقيا و لو فاته الوقوف بها اجتزء بالوقوف بالمشعر (1)

فيها و لو بالوقوف في حدودها كالأراك و نحوه فضلا عن غيرها.

و لا ينافي الأخبار المتقدمة مرسل ابن فضال عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: الوقوف بالمشعر فريضة و الوقوف بعرفة سنة «1» و ذلك أما (أولا): فلكونه ضعيفا سندا و أما (ثانيا): فلاحتمال ارادة معرفة وجوبه من السنة بخلاف الوقوف بالمشعر المستفاد وجوبه من قوله تعالى (فَإِذٰا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفٰاتٍ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ) «2» و قال الشيخ رحمه اللّه تعالى في الاستبصار على ما حكاه عنه صاحب المدارك ان المعنى في هذا الخبر ان فرضه عرف من السنة دون النص بظاهر القرآن و ما عرف فرضه من جهة السنة جاز أن يطلق عليه الاسم بأنه سنة، و قد بينا ذلك في غير موضع و ليس كذلك الوقوف بالمشعر، لان فرضه علم بظاهر القرآن قال اللّه تعالى (فَإِذٰا أَفَضْتُمْ. إلخ)

(1) لا إشكال في ان من ترك الوقوف بعرفة نسيانا تداركه ما دام وقته الاختياري و الاضطراري باقيا إن أمكن، و إلا اجتزء بالوقوف بالمشعر في الجملة هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل قد نفي عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه و استدل لذلك بجملة من النصوص المروية عنهم عليهم السّلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال في رجل أدرك الامام و هو بجمع؟. فقال ان ظن انه يأتي عرفات و يقف بها قليلا ثم يدرك جمعها

قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظن أنه لا يأتها حتى يفيضوا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 و قد أورد الحديث بتمامه في الباب 19 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 14

(2) سورة البقرة في الآية 194

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 398

..........

فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تم حجه «1» 2- ما رواه موسى بن القاسم عن ابن أبى عمير عن حماد عن الحلبي قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات؟. فقال:

إن كان في مهل حتى يأتي عرفات في ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات و ان قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فان اللّه تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل ان يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل «2» 3- ما رواه سهل عن أبيه عن إدريس بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أدرك الناس بجمع و خشي أن مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها؟. فقال: ان ظن أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس فقد تم حجه «3» 4- ما رواه صفوان بن يحيى عن معاوية عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سفر فإذا شيخ

كبير فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟. فقال: ان ظن انه يأتي عرفات فيقف قليلا بها ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها و ان ظن انه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها و قد تم حجه «4»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.

(4) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 399

..........

«ينبغي هنا التنبيه على أمور» (الأول)- ان مقتضى إطلاق النصوص المتقدمة هو لزوم التدارك على من ترك الوقوف إذا كان الوقت باقيا سواء تركه نسيانا أو غيره، و لا تصريح فيها بخصوص الناسي، و ان كان مندرجا في مفهوم التعليل المذكور في خبر الحلبي المتقدم (فان اللّه تعالى أعذر لعبده) و في قوله عليه السّلام «من أدرك و نحوه» بل في المدارك على ما نقل في الجواهر انه يمكن الاستدلال بذلك على عذر الجاهل أيضا كما هو ظاهر اختيار الشهيد في الدروس و يدل عليه عموم قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج) «1» و قول الصادق عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (من أدرك جمعا فقد أدرك الحج) «2» و لكن نوقش فيه في الجواهر بان ذلك يشمل العامد أيضا نحو قوله عليه السّلام من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله.

اللهم إلا أن يلتزم ذلك إن لم يكن إجماع عليه.

و التحقيق: هو اعتبار قيد

العذر الذي يراه العقلاء عذرا بنسيان أو غيره و لذا يشكل في شمول الأخبار للجاهل المقصر، فتدبر.

«الثاني»- ان إجزاء الوقوف بالمشعر مع تركه الوقوف بعرفات إنما يكون فيما إذا لم يترك الوقوف بعرفات عمدا، و إلا فيحكم ببطلان حجه.

و أما الأخبار المتقدمة فتختص بغير صورة العمد لأن القول بجواز ترك الوقوف بعرفة أو المشعر مناف لتشريع جزئيته؛ فترك أحدهما عمدا موجب لبطلان حجه، كما انه قد ورد النص على بطلان الحج بترك اضطراري عرفة عمدا

______________________________

(1) المذكور في الجواهر و غيرها.

(2) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 400

..........

و هو خبر الحلبي الآتي فإذا كان ترك اضطراري عرفة عمدا موجبا للبطلان فترك اختياري عرفة عمدا بطريق أولى يكون موجبا للبطلان، بل هذا الحكم مطرد في جميع الأجزاء و الشرائط لما تقتضيه الأصل و القاعدة لعدم إتيانه مع فرض ترك الجزء أو الشرط عمدا بالمأمور به على وجهه إلا إذا قام دليل خاص على صحة الحج معه فإنه يستكشف منه وجوب ذلك المتروك عمدا نفسيا لا قيديا.

و أما ما ورد من انه إذا أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج «1» فهو مقيد بما إذا لم يترك اختياري عرفة أو اضطراريها عمدا فتأمل.

(الثاني)- انه هل يكون وقت اضطراري عرفات من أول ليلة النحر إلى طلوع الفجر أو إلى ما قبل طلوع الشمس؟؟ يمكن أن يقال بالثاني؛ تمسكا بالأخبار المتقدمة، لاشتمالها على قوله (قبل طلوع الشمس) و لكن التحقيق هو الأول- و هو كون اضطراري عرفات إلى طلوع الفجر- لحسن العطار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر

فاقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام و يلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه «2» و ما عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات؟ فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس بالمشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات. إلخ «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 401

[الثانية]

«الثانية» وقت الاختيار لعرفة من زوال الشمس الى الغروب و من تركه عمدا فسد حجه (1) و وقت الاضطرار الى طلوع الفجر من يوم النحر (2)

تقريب دلالة هذا الحديث على المدعى هو أن الظاهر من قوله عليه السّلام (من ليلته) قبل طلوع الفجر- كما لا يخفى- فيكون اضطراري عرفة من أول الليل إلى طلوع الفجر فيقيد الأخبار المتقدمة بهما، فالمراد من الأخبار السابقة بناء عليه ليس الرواح إلى عرفات و لو بعد طلوع الفجر، فتدبر.

(1) أما كون وقت اختياري عرفة من زوال الشمس إلى الغروب فمما لا ينبغي الإشكال فيه، لما عرفته، و كذا لا ينبغي الإشكال في فساد حج من ترك مسماه عالما عامدا و إن جاء بالاضطرارى لما عرفته أيضا في المباحث السابقة.

(2) هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في المدارك و غيرها: الإجماع عليه، و يدل عليه خبر الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

عن رجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات؟؟ فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات في ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات. إلخ «1» و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في رجل أدرك الإمام هو بجمع؟ فقال: ان ظن انه يأتي عرفات و يقف بها قليلا، ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و ان ظن انه لا يأتها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تم حجه «2» و نحوهما غيرهما من الأخبار المروية عنهم عليهم السّلام.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 402

..........

«ينبغي هنا التنبيه على أمور» (الأول)- ان الواجب من الوقوف الاضطراري هو مسمى الكون بعرفات ليلا، كما عرفت و لا يجب الاستيعاب- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- و هو المعروف بين الأصحاب، بل في محكي التذكرة: الإجماع عليه، كما في محكي المنتهى: نفي الخلاف فيه، للأخبار المصرحة بالاجتزاء به و لو قليلا، فلا يتوهم كونه كوقت الاختياري في كون الركن مسماه، و الواجب: الزائد على ذلك الى مطلع الفجر.

(الثاني)- انه يمكن أن يقال: ان وقت الاضطراري من الوقوف بعرفات كوقت الاختياري منها في فوات الحج بفوات المسمى مع العلم و العمد، و لعله يومي اليه خبر الحلبي المتقدم. مضافا: الى قاعدة عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فتدبر قال في الجواهر: «بل لعله مقتضى إطلاقهم ان الركن مسماه الشامل للاختياري و الاضطراري كما صرح به غير واحد من متأخري

المتأخرين. الى أن قال نعم، في قواعد الفاضل ما عرفت من ان الوقوف الاختياري بعرفة ركن من تركه عامدا بطل حجه، و ربما استشعر منه عدم كون الاضطراري كذلك، فلو تركه عمدا حينئذ لم يبطل حجه و فيه منع واضح؛ و يمكن أن يكون الوجه في اقتصاره بيان انه لا يجزى الاقتصار على الاضطراري عمدا بل من ترك الاختياري عمدا بطل حجه و إن أتى بالاضطرارى كما سمعت الكلام فيه. إلخ» (الثالث)- ان ما عن الشيخ رحمه اللّه تعالى في الخلاف من إطلاق «إن وقت الوقوف بعرفة من زوال يوم عرفة الى طلوع الفجر من يوم العيد» منزل على ما عرفت من التفصيل، و مراده منه بيان مجموع الوقت الاختياري

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 403

[الثالثة]

الثالثة من نسي الوقوف بعرفة رجع فوقف بها و لو إلى طلوع الفجر من يوم النحر إذا عرف انه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس (1) فلو غلب على ظنه الفوات اقتصر

و الاضطراري، لا أن ذلك وقت اختياري، لتصريحه بهذا التفصيل في سائر كتبه و على هذا فلا يرد عليه ما أورده ابن إدريس- قدس سره-: «من ان هذا القول مخالف لأقوال علمائنا» و انما هو قول لبعض المخالفين» أورده الشيخ في كتابه إيرادا لا اعتقادا.

و من هنا قال في المختلف: (و التحقيق إن النزاع هنا لفظي، فإن الشيخ قصد الوقت الاختياري و هو من زوال الشمس إلى غروبها و الاضطراري و هو من الزوال إلى طلوع الفجر؛ فتوهم ابن إدريس: إن الشيخ قصد بذلك الوقت الاختياري فأخطأ في اعتقاده، و نسب الشيخ الى تقليد بعض المخالفين مع ان الشيخ أعظم المجتهدين و كبيرهم، و لا ريب في تحريم

التقليد للمحقق من المجتهدين فكيف بالمخالف الذي يعتقد المقلد أنه مخطئ، و هل هذا الا جهالة منه و اجتراء على الشيخ رحمه اللّه تعالى) فتدبر.

(1) لا ينبغي الإشكال فيه، لما عرفته سابقا من الأخبار الدالة على ان من فاته الوقوف الاختياري بعرفة ان كان ظانا بأنه إذا أتى إلى عرفات لدرك اضطرارية يدرك اختياري المشعر- و هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس- فاللازم عليه أن يأتي إلى عرفات، منها: صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، في رجل أدرك الامام و هو بجمع؟ فقال: أن ظن أنه يأتي عرفات و يقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قيل طلوع الشمس فليأتها. إلخ «1» و نحوه غيره من الأخبار.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 404

على إدراك المشعر قبل طلوع الشمس و قد تم حجه (1) و كذا لو نسي الوقوف بعرفات و لم يذكر إلا بعد الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس (2)

(1) هذا أيضا مما لا ينبغي الإشكال فيه، و يدل عليه- مضافا إلى اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قوله عليه السّلام في ذيل صحيح معاوية بن عمار المتقدم آنفا: (و ان ظن انه لا يأتها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تم حجه).

(2) بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص السابقة المصرحة باجزاء اختيار المشعر مع فوات وقوف عرفة بقسميه فلاحظ.

(تذييل) هو أنه إذا شك و تردد في إدراك المشعر إذا أتى الى عرفات فهل يكون حكمه أن لا يأتي عرفات كما يكون كذلك إذا كان ظانا بعدم إدراك المشعر أم لا؟

مقتضى قول

المصنف- قدس سره-: (إذا عرف انه يدرك المشعر. إلخ) عدم وجوب العود الى عرفات مع الشك و التردد في ذلك و في المدارك: (و هو كذلك، للأصل، و قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (ان ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا، ثم يدرك جمعا قبل طولع الشمس فليأتها) و احتمل الشارع وجوب العود مع التردد تقديما للوجوب الحاضر و هو ضعيف.

و ناقش فيه صاحب الجواهر- قدس سره- بقوله: (و فيه أن صحيح معاوية بن عمار السابق و ان كان قد علق إتيان عرفة فيه على الظن؛ لكن علق فيه عدم الإتيان على ظن ذلك أيضا. نعم، في خبر ابن إدريس تعليق ذلك على خشيان الفوات الذي لا ريب في تحققه مع التردد على انه بناء على توقف صحة الحج على إدراك أحد الاختياريين يكفي به عذرا في اقتصاره على المشعر، ضرورة: ان في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 405

[الرابعة]

(الرابعة) إذا وقف بعرفات قبل الغروب و لم يتفق له ادراك المشعر الى قبل الزوال صح حجه (1)

تركه تعريضا لفوات الاختياريين الموجب هنا لفوات الحج، و بذلك ترجح مراعاته على اضطراري عرفة كما هو واضح).

لكن مقتضى قوله عليه السّلام في ذيل بعض الأخبار المتقدمة، فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس فقد تم حجه «1» هو كون المدار على الخوف، لأن لمفهوم قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها) فردين: (أحدهما) ما صرح به في الصحيح المزبور بقوله عليه السّلام (و إن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس مع جمع

فلا يأتها) و (الآخر): الشك في إدراك المشعر إذا أتى عرفات؛ إذ مفهوم قوله عليه السّلام: (إن ظن أنه يأتي عرفات. إلخ) هو و ان لم يظن بإدراك المشعر إذا أتى عرفات سواء ظن بعدم الإدراك، كما صرح به الامام عليه السّلام، أم شك في الإدراك و من المعلوم تحقق الخوف مع كل واحد من الظن و الشك، فالتعبير بقوله عليه السّلام في بعض الاخبار المتقدمة: (فإن خشي أن لا يدرك جمعا) تعبير باللازم لترتب الخوف على الظن و الشك؛ فالجمع العرفي يقتضي كون المدار على الخوف، و انما ذكر الظن في قوله عليه السّلام: (و ان ظن أنه لا يأتها. إلخ) لكونه أجلى سببي الخوف فتأمل جيدا و اللّه العالم و هو الهادي إلى الصواب.

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه. إلخ). و في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 406

[الخامسة]

(الخامسة) إذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهاراً فوقف ليلا ثم لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس فقد فاته الحج (1)

المدارك: (هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب) و استدل لذلك بصحيح معاوية ابن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في رجل أفاض من عرفات فأتى منى قال: فليرجع فيأتي جمعا فيقف بها و إن كان الناس قد أفاضوا من جمع «1» و صحيحة الآخر عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها و ان كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع

«2» و بموثق يونس ابن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل أفاض من عرفات فمر المشعر فلم يقف حتى انتهى الى منى و رمى الجمرة و لم يعلم حتى ارتفع النهار؟ قال: يرجع الى المشعر فيقف به ثم يرجع فيرمي الجمرة «3» و لكن يمكن المناقشة في الحديثين الأولين و ذلك باحتمال كون المراد من قوله عليه السّلام (فليرجع) هو لزوم الرجوع اليه قبل طلوع الشمس لا بعدها بان يكون الناس قد أفاضوا قبل طلوع الشمس فوجدهم أنهم قد أفاضوا، فعليه لا يتم الاستدلال بهما على كفاية درك اختياري وقوف بعرفة و اضطراري المشعر، و كيف كان ففي المسالك هنا لو فرض عدم إدراك المشعر أصلا صح أيضا و سيتضح لك- تحقيق الكلام في ذلك- ان شاء اللّه تعالى- (في الجزء الرابع) في آخر مسائل مبحث الوقوف بالمشعر.

(1) مقتضى المحكي عن النهاية و المبسوط: انه قد فاته الحج، و اختاره في النافع قال في الجواهر: (للمعتبرة المستفيضة المتضمنة (من لم يدرك الناس بالمشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر فلا حج له)، لشموله بإطلاقه لمفروض المقام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.

(2) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.

(3) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 407

..........

بل و لمن أدرك اختياري عرفة أيضا و إن كان قد خرج درك اختياري عرفة عنه بما دل على الأجزاء فيه، و قد تقدم ما يدل على ذلك، و هذا بخلاف مفروض المقام و لكن يمكن (دعوى): ظهور هذه الاخبار- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- فيمن

لم يدرك إلا ذلك، و أما إذا أدرك معه غيره- كمفروض المقام الذي أدرك فيه اضطراري عرفة- فلا تشمله.

مضافا إلى معارضتها بما رواه جميل بن دراج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج «1» و تقييدها بمن أدرك مع ذلك اختياري عرفة ليس بأولى من تقييد الأولى بمن لم يدرك عرفة مطلقا حتى الاضطراري منها، بل هو أولى من وجوه، و في الجواهر: (منها الشهرة، و منها: ما قيل: من أن هذه معتبرة الأسانيد جملة عدا صحيح حريز قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مفرد للحج فاته الموقفان جميعا؟ فقال: له إلى طلوع الشمس يوم النحر فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج، و يجعلها عمرة و عليه الحج من قابل «2» و لكن يمكن دعوى ظهوره- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- في عدم إدراكه الوقوف بعرفات مطلقا. فتأمل مضافا إلى خصوص صحيح الحسن العطار عن عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فاقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه «3» و لكن مع ذلك كله و المسألة بعد تحتاج إلى التأمل.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 9

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 408

و قيل (1) يدركه و لو قبل الزوال و هو حسن (2)

(1) و القائل

هو الشيخ في التهذيب، و الصدوق و الإسكافي و السيد و ابن زهرة و الحلبيون و الفاضل و غيرهم من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم-

(2) بل هو الأقوى، لما تقدم، بل لا ينبغي الارتياب فيه بناء على القول بإدراك الحج بإدراك اضطراري المشعر النهارى خاصة، كما هو المحكي عن جماعة من الأصحاب- كابني الجنيد و بابويه في علل الشرائع، و السيد و الحلبيين، و جملة من المتأخرين كثاني الشهيدين و سبطه- و يدل عليه جملة من النصوص المروية عنهم عليهم السّلام في هذا المقام إلا انه يعارضها جملة أخرى من النصوص و سيأتي ذكرها، و بيان الجمع بينهما، و ما هو المختار (في الجزء الرابع) في آخر مسائل مبحث الوقوف بالمشعر- عند تعرض أقسام الوقوفين من الاختياري و الاضطراري و المركب منهما بالتفصيل- البالغ ثمانية أقسام إذا لم يجعل الوقوف الليلي بالمشعر قسما على حدة و الا تصير أحد عشر قسما خمسة مفردة و ستة مركبة.

أما الخمسة المفردة فهي:

(الأول): أن يدرك وقوف اختياري عرفة خاصة. (الثاني): أن يدرك اضطراري عرفة خاصة. (الثالث): أن يدرك اختياري المشعر خاصة (الرابع):

أن يدرك اضطراري ليلى المشعر خاصة (الخامس): أن يدرك اضطرارية النهارى خاصة و أما الستة المركبة فهي:

(الأولى): أن يدرك الاختياريين (الثاني): أن يدرك الاضطراريين (الثالث) أن يدرك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي. (الرابع): أن يدرك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر النهارى. (الخامس): أن يدرك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 409

[و المندوبات]

(و المندوبات) الوقوف في ميسرة الجبل [1] (1) في السفح (2)

اضطراري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي. (السادس): أن يدرك اضطراري عرفة مع اختياري المشعر و ستعرف الكلام عنها بالتفصيل في المحل المزبور ان شاء اللّه تعالى.

(1)

استحباب الوقوف في ميسرة الجبل مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام انه قال عليه السّلام: قف في ميسرة الجبل، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقف بعرفات في ميسرة الجبل، فلما وقف صلّى اللّه عليه و آله حتى جعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته فيقفون إلى جانبه، فنحاها، ففعلوا مثل ذلك فقال: صلّى اللّه عليه و آله ايها الناس: انه ليس موضع أخفاف ناقتي الموقف و لكن هذا كله موقف، و أشار بيده إلى الموقف، قال: هذا كله موقف و فعل مثل ذلك في المزدلفة الحديث «1»

(2) يدل على استحباب الوقوف في السفح موثق إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أم على الأرض؟.

فقال: على الأرض «2»

______________________________

[1] و المراد بميسرته بالإضافة إلى القادم اليه من مكة، لأن هذا الحكم متعلق بالمكلف في تلك الحالة و خلاف ذلك غير ظاهر، و سفح الجبل: (أسفله حيث ينفسح فيه الماء و هو مضجعه) قاله الجوهري. و في الجواهر: «و المراد بالسفح: الأسفل، حيث يسفح فيه الماء» و قال في القاموس: «السفح عرض الجبل المضطجع أو أصله أو أسفله».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 410

و الدعاء المتلقى عن أهل البيت عليهم السّلام أو غيره من الأدعية (1)

و خبر الحسن بن محبوب عن ابن رئاب عن مسمع عن أبى عبد اللّه

عليه السّلام قال:

عرفات كلها موقف و أفضل الموقف سفح الجبل. إلى أن قال: و انتقل من الهضبات و اتق الأراك «1»

(1) قال في المدارك (لا ريب في تأكد استحباب الدعاء في هذا اليوم، فإنه شريف كثير البركة بل ذهب بعض علمائنا إلى وجوب صرف زمان الوقوف كله في الذكر و الدعاء و الدعوات المأثورة فيه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله؛ و أهل البيت عليهم السّلام أكثر من أن تحصى و أحسنه الدعاء المنقول عن سيدنا و مولانا أبى عبد اللّه عليه السّلام و ولده زين العابدين عليه السّلام. إلخ) لا بأس بذكر بعض الأخبار الواردة في هذا المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: إنما تعجل الصلاة و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه، يوم دعاء و مسألة؛ ثم تأتى الموقف و عليك السكينة و الوقار، فاحمد اللّه تعالى، و هلله، و مجده، و أثن عليه، و كبره مأة تكبير. إلى أن قال: اقرء قل هو اللّه أحد مأة مرة، و تخير لنفسك من الدعاء ما أجبت، و اجتهد فإنه يوم دعاء و مسئلة، و تعوذ باللّه من الشيطان، فان الشيطان لن يذهلك في موطن قط أحب إليه من أن يذهلك في ذلك الموطن، و إياك أن تشتغل بالنظر إلى الناس، و أقبل نفسك. إلى أن قال: و ليكن فيما تقول: (له) [اللهم رب المشاعر كلها فك رقبتي من الناس، و أوسع على من رزق الحلال، و ادرء عنى شر فسقه الجن و الأنس اللهم لا تمكرنى، و لا تخدعني و لا تستدرجني]. إلى أن قال: و ليكن فيما تقول و أنت رافع رأسك إلى السماء:

اللهم حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني؛ و التي إن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك خلاص

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 411

..........

رقبتي من النار] و ليكن فيما تقول: [اللهم إني عبدك و ملك يدك، و ناصيتي بيدك؛ و أجلى بعلمك، أسألك أن توفقني لما يرضيك عنى، و ان تسلم مني مناسكي التي أريتها إبراهيم خليلك عليه السّلام، و دللت عليها حبيبك محمد صلّى اللّه عليه و آله إلى أن قال: فليكن فيما يقول: (اللهم اجعلني ممن رضيت عمله و أطلت عمره و أحييته بعد الممات حياة طيبة) «1» 2- رواية محمد بن على بن الحسين بإسناده عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلى عليه السّلام: (إلا أعلمك دعاء يوم عرفة و هو دعاء من كان قبلي من الأنبياء؟ فقال على عليه السّلام بل يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال فتقول: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك و له الحمد، يحيى و يميت، و يميت و يحيى و يموت بيده الخير و هو على كل شي ء قدير، اللهم لك الحمد؛ كما تقول، و خير ما يقول القائلون اللهم لك صلاتي، و ديني و محياي، و مماتي، و لك تراثي، و بك حولي، و منك قوتي، اللهم إني أعوذ بك من الفقر، و من وساوس الصدر؛ و من شتات الأمر و من عذاب القبر، اللهم إني أسألك من خير ما يأتي به الرياح، و أعوذ بك من شر ما

يأتي به الرياح؛ و أسألك خير الليل و النهار): و بإسناده عن عبد اللّه بن سنان أنه روى: (اللهم اجعل في قلبي نورا، و في سمعي و بصري نورا، و لحمي و دمي و عظامي و عروقي و مقعدي و مقامي و مدخلي و مخرجي نورا، و أعظم لي نورا يا رب يوم ألقاك، انك على كل شي ء قدير) «2» 3- خبر أبى الجارود عن أبى جعفر عليه السّلام قال: ليس في شي ء من الدعاء عشية عرفة شي ء موقت) «3» و نحوها غيرها من الأخبار.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب إحرام الحج الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 412

..........

« (تذييل)» و هو أنه قد ذهب بعض من الفقهاء إلى وجوب الدعاء عند وقوف بعرفات و يمكن الاستدلال على ذلك بعدة اخباء- منها:

1- ما رواه سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسى عن أخيه جعفر بن عيسى و يونس بن عبد الرحمن جميعا عن جعفر بن عامر عن عبد اللّه بن جذاعة الأزدي عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل وقف في الموقف فأصابته دهشته الناس فبقي ينظر إلى الناس و لا يدعو حتى أفاض الناس؟ قال: يجزيه وقوفه، ثم قال:

أ ليس قد صلّى بعرفات الظهر و العصر، و قنت و دعا؟ قال: بلى؛ قال: فعرفات كلها موقف، و ما قرب من الجبل فهو أفضل «1» 2- ما رواه محمد بن خالد الطيالسي عن أبي يحيى زكريا الموصلي قال:

سألت العبد الصالح عن رجل وقف بالموقف فأتاه نعي أبيه أو نعي بعض ولده قبل أن يذكر اللّه تعالى بشي ء، أو يدعو فاشتغل بالجزع و البكاء عن الدعاء، ثم أفاض الناس؟؟

فقال: لا أرى عليه شيئا، و قد أساء فليستغفر اللّه، أما لو صبر و احتسب لا فاض من الموقف. بحسنات أهل الموقف جميعا من غير أن ينقص من حسناتهم شيئا «2» 3- ما رواه في المجالس بالإسناد الآتي الوارد في اسئلة اليهودي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد ورد فيه قول النبي صلّى اللّه عليه و آله (ففرض اللّه عز و جل على أمتي الوقوف و التضرع و الدعاء في أحب المواضع اليه، و تكفل لهم بالجنة. إلخ) «3» 4- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: فإذا وقفت بعرفات فاحمد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 413

و إن يدعو لنفسه و لوالديه و للمؤمنين (1)

اللّه تعالى، و هلله، و مجده، و أثن عليه، و كبره مائة مرة. الى أن قال: و تخير لنفسك من الدعاء ما أحببت و اجتهد، فإنه يوم دعاء و مسئلة. «1»

5- خبره الآخر عنه عليه السّلام: (و إنما تعجل الصلاة و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء و مسئلة، ثم نأتي الموقف و عليك السكينة و الوقار، فاحمد اللّه و هلله و مجده و أثن عليه. إلخ «2» و

لكن كلها لا يخلو من المناقشة و الاشكال أما (الأول): فلعدم ظهور فيه في الوجوب، بل استدل به الفاضل على عدم الوجوب، و لعله لقوله: عليه السّلام فيه (يجزيه وقوفه) و ان كان فيه ان ذلك غير مناف لوجوب الدعاء- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- و أما (الثاني) فلاحتمال كون المراد من الاسائة فيه و الاستغفار من حيث الجزع و نحوه لا من جهة تركه الدعاء.

و أما باقي الأخبار فلان أوامر الدعاء في ذلك المكان محفوفة بالقرائن التي تدل على الاستحباب كقوله عليه السّلام (انه يوم دعاء)- فلسان الروايات الآمرة بالدعاء لسان الاستحباب لا الوجوب- كما لا يخفى- مضافا إلى أن تسالم جل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم الوجوب يوجب رفع اليد عن ظهورها في الوجوب، فتحمل الأوامر على الاستحباب فتدبر.

(1) قال في المدارك: (و يستحب أن يكثر الدعاء لإخوانه المؤمنين، و يؤثرهم على نفسه بذلك فقد روينا في الحسن عن إبراهيم بن هاشم، قال: رأيت عبد اللّه ابن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ما زال مادا يده إلى السماء و دموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الأرض، فلما أنصرف الناس قلت: يا أبا محمد

______________________________

(1) ذكره صاحب الجواهر قده.

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفات الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 414

و ان يضرب خباه بنمرة (1)

ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك!؟ قال: و اللّه ما دعوت إلا لإخواني و ذلك ان أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام: أخبرني انه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش، و لك مأة الف ضعف مثله؛ فكرهت ان ادع مأة

الف ضعف مضمونة بواحدة لا أدرى تستجاب أم لا «1» انتهى.

و يدل عليه أيضا ما عن إبراهيم بن أبى البلاد أو عبد اللّه بن جندب قال:

كنت في الموقف فلما أفضت لقيت إبراهيم بن شعيب، فسلمت عليه، و كان مصابا بإحدى عينيه، و إذا عينه الصحيحة حمراء كأنها علقة دم، فقلت له: قد أصبت بإحدى عينيك، و انا و اللّه مشفق على عينك الأخرى فلو قصرت من البكاء قليلا؟

فقال: لا و اللّه يا أبا محمد ما دعوت لنفسي اليوم بدعوة؟ فقلت: فلمن دعوت قال:

دعوت لإخواني فإني سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول من دعا لأخيه بظهر الغيب و كل اللّه به ملكا يقول: (و لك مثلاه) فأردت أن أكون أنا أدعو لإخواني و يكون الملك يدعو لي، لأني في شك من دعائي لنفسي و لست في شك من دعاء الملك لي «2» و ما رواه ابن أبى عمير قال: كان عيسى بن أعين إذا حج فصار الى الموقف أقبل على الدعاء لإخوانه حتى يفيض الناس قال: فقلت له: تنفق مالك و تتعب بدنك حتى إذا صرت إلى الموضع الذي تبث فيه الحوائج الى اللّه عز و جل أقبلت على الدعاء لإخوانك و تركت نفسك؟؟! فقال: (انى على ثقة من دعوة الملك لي و في شك من الدعاء لنفسي) «3»

(1) يدل على ذلك صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في (حديث) قال: (فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة (و هي بطن عرنة دون

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث

3.

(3) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 415

و إن يقف على السهل (1) و ان يجمع رحله (2) و يسد الخلل به و بنفسه (3)

الموقف و دون عرفة) فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل. الحديث «1» و صحيحة الأخر الوارد في صفة حج النبي صلّى اللّه عليه و آله انه صلّى اللّه عليه و آله انتهى إلى نمرة و هي بطن عرنة بحيال الأراك فضرب قبته و ضرب الناس أخبيتهم عندها. إلخ «2»

(1) قال في المدارك: (و انما استحب ذلك لاستحباب الاجتماع في الموقف و التضام كما سيأتي و غير السهل لا يتيسر فيه ذلك إلا بتكلف)

(2) قال في الجواهر: (أى يضم أمتعة بعضها إلى بعض ليأمن عليها من الذهاب ليتوجه قلبه الى الدعاء.

(3) المراد انه يسد الفرج الكائنة على الأرض برحله و بنفسه بان لا يدع بينه و بين أصحابه فرجة لتستر الأرض التي يقفون عليها لصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث الوقوف بعرفات) قال: إذا رأيت خللا فسده بنفسك و براحلتك فان اللّه عز و جل يحب أن تسد تلك الخلال و انتقل الى الهضبات و اتق الأراك. «3»

و ربما علل استحباب سد الفرج الكائنة على الأرض بأنها إذا بقيت فربما يطمع أجنبي في دخولها فيشتغلون بالتحفظ منه عن الدعاء و يؤذيهم في شي ء من أمورهم.

و احتمل بعض الأصحاب كون الجار في: (به- و بنفسه) متعلقا بمحذوف صفة للخلل، و المعنى انه يسد الخلل الكائن بنفسه و برحله، بأن يأكل إن كان جائعا و يشرب ان كان عطشانا و هكذا يصنع ببعيره، و يزيل

الشواغل المانعة عن الإقبال

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 416

و ان يدعو قائما (1) و يكره الوقوف في أعلى الجبل (2)

و التوجه إلى اللّه تعالى في الدعاء.

و لكن قال بعض من الفقهاء: انه لا ينطبق على ظاهر خبر سعيد بن يسار قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام عشية من العشايا «العشيات خ» و نحن بمنى و هو يحثني على الحج و يرغبني فيه يا سعيد: أيما عبد رزقه اللّه رزقا من رزقه فأخذ ذلك الرزق فأنفقه على نفسه و على عياله. ثم أخرجهم قد ضحاهم بالشمس حتى يقدم بهم عشية عرفة إلى الموقف فيقيل أ لم تر فرجا يكون هناك فيها خلل؛ فليس فيها أحد؟

فقلت: بلى جعلت فداك فقال: يجي ء بهم قد ضحاهم حتى يشعب بهم تلك الفرج فيقول اللّه تعالى تبارك و تعالى لا شريك له عبدي رزقته من رزقي فأخذ ذلك الرزق فأنفقه فضحى به نفسه و عياله، ثم جاء بهم حتى شعب بهم هذه الفرجة التماس مغفرتي فاغفر له ذنبه و أكفيه ما أهمه و ارزقه قال؟ سعيد: مع أشياء قالها نحوا من عشرة «1» و التحقيق: أنه لا منافاة بين ظاهره و بين ما أفاده بعض من الأصحاب من المعنى المتقدم و وجهه واضح.

(1) قال في الجواهر: (لأنه أفضل أفراد الكون؛ باعتبار كونه أحمز، و إلى الأدب أقرب، و لم أجد نصا فيه بالخصوص، لكن ينبغي أن يكون ذلك

حيث لا يورث التعب المنافي للخشوع و التوجه، و إلا كان الأفضل القعود على الأرض، أو الدابة، أو السجود، بل لعل الأخير أفضل مطلقا للأخيار و الاعتبار)

(2) لما رواه إسحاق بن عمار انه قال سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أم على الأرض؟ فقال. على الأرض «2» و نقل عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 417

و راكبا و قاعدا (1)

ابن براج و ابن إدريس أنهما حرما الوقوف على الجبل إلا لضرورة و مع الضرورة- كالزحام و شبهه- ينتفي الكراهة و التحريم إجماعا قاله في التذكرة و يمكن الاستدلال لذلك بما رواه سهل عن أحمد بن محمد عن سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (إذ ضاقت عرفة كيف يصنعون؟ قال يرتقون الى الجبل «1» و لكن على فرض تماميته دلالة فيمكن جعل رواية إسحاق قرينة على كون المراد منه الكراهة، مضافا إلى أن تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم الحرمة يوجب رفع اليد عن ظاهره، فيحمل على الكراهة فتأمل.

(1) الظاهر انه لم يرد رواية تتضمن النهى عن ذلك، بل في خبر محمد بن عيسى المروي (في قرب الاسناد) رأيت أبا عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السّلام بالموقف على بغلة، رافعا يده إلى السماء عن يسار و إلى الموسم حتى انصرف و كان في موقف النبي صلّى اللّه عليه و آله و ظاهر كفيه إلى السماء و هو يلوذ ساعة بعد ساعة بسبابته «2» و أما ما

قيل بان الركوب أفضل من القيام لما رووه: (من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله وقف راكبا) ففيه ما لا يخفى.

هذا و في محكي الخلاف: (يجوز الوقوف بعرفة راكبا و قائما سواء) و هو أحد قولي الشافعي ذكره في الإملاء، و قال في القديم (الركوب أفضل، و استدل بالإجماع و الاحتياط) و قال: «ان القيام أشق فينبغي أن يكون أفضل» و في محكي التذكرة: (عندنا الركوب و القعود مكروهان، بل يستحب قائما داعيا بالمأثور) و حكى عن الأحمد: (ان الركوب أفضل اقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليكون أقوى على الدعاء) و عن الشافعي قولين: (أحدهما): ذلك. (و الأخر): التساوي.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 418

..........

و عن المنتهى: (انه أجاب عن التأسي بأنه صلّى اللّه عليه و آله إنما فعل ذلك بيانا للجواز، و لذا طاف صلّى اللّه عليه و آله راكبا، مع أنه لا خلاف في أن المشي أفضل) و كيف كان فان الركوب قد يكون أرجح لبعض الوجوه و الاعتبارات لا انه أرجح من القيام و القعود في حد نفسه؛ و لكن مع ذلك الأولى: الوقوف قائما.

«ينبغي التنبيه على أمور» 1- أنه يستحب الوقوف بعرفات مع الوضوء لخبر على بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السّلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يقف بعرفات على غير وضوء؟ قال: لا يصلح له إلا و هو على وضوء «1» و ما رواه على بن جعفر في (كتابه) عن أخيه قال: سألته عن

الرجل يصلح أن يقضى شيئا من المناسك و هو على غير وضوء؟ قال: لا يصلح إلا على وضوء «2» و يدل على عدم الوجوب صحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (لا بأس أن يقضى المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف و الوضوء أفضل) «3» و ما رواه الحسن بن محبوب عن أبي حمزة عن أبى جعفر عليه السّلام أنه سئل أ ينسك المناسك و هو على غير وضوء فقال: نعم، إلا الطواف بالبيت فان فيه صلاة «4» 2- انه ينبغي له أن لا يرد سائلا للمرسل: (كان أبو جعفر عليه السّلام إذا كان يوم عرفة لم يرد سائلا) «5»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب السعي الحديث 8

(3) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 6

(5) ذكره صاحب الجواهر قده. الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 419

..........

3- انه ينبغي له أن لا يسأل فيه غير اللّه تعالى جل شأنه، ففي المرسل سمع على بن الحسين عليه السّلام يوم عرفة سائلا يسأل الناس فقال: ويحك أ غير اللّه تسأل.

إلخ (ذكره صاحب الجواهر قدس سره)

انتهى (و للّه الحمد و الشكر): الى هنا ما أردت إيراده في هذا الجزء من الكتاب و أسأله تعالى: التوفيق لإتمام باقي الأجزاء منه، كما اسأله تعالى جل شأنه:

[أن يرعاني بعين رعايته- و لا يحرمني فضله- و يقبل منى هذا النزر اليسير- و يعفو عن زللي الكثير-

أنه أكرم المسؤولين و أوسع المعطين-] قد وقع الفراغ منه على يد مؤلفه العبد الفاني الراجي رحمة ربه الغفور محمّد إبراهيم الجنّاتى [في 24- شهر محرم الحرام- من سنة 1384] و يتلوه الجزء الرابع من أول مبحث الوقوف بالمشعر إن شاء اللّه تعالى و الحمد للّه أولا و آخرا و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.